تعاطف الفنانين مع غزة.. رسائل خجولة لكسر هيمنة معسكر الاحتلال

لم يلعب الفنان العربي الدور الذي كان يجب أن يتقلده بوصفه مؤثرا، منذ بداية العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، الذي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بل كان الفنان تابعا للسياسي بدلا من أن يكون مؤثرا وملهما له.

وقد بدأ التضامن بحالات فردية من الفنانين على وسائل التواصل الاجتماعي، كالممثلة السورية سوزان نجم الدين، ففي يوم انطلاق العدوان شاركت أغنية “سلام غزة الأبطال”، وهي أغنية قديمة أعادت نشرها، ثم نشرت بعدها مقطع فيديو خلال وجودها في مظاهرة أمام الكونغرس الأمريكي.

“وما زال في القصة بقية”.. نجوم مصر يكسرون الصمت

كان الفنان الكوميدي المصري محمد هنيدي من أوائل الفنانين نشرا عن القضية، حين كتب على صفحته في اليوم الأول عبارة “وما زال في القصة بقية.. فلسطين عربية”، ونشر معها صورة للقدس.

ولم تمر سوى بضعة أيام حتى طالب الفنان أحمد فهمي -الذي انتهى مسلسله مؤخرا من العرض “سفاح الجيزة”- بفتح الحدود، حتى لو اضطر أن يمشي إلى فلسطين، وذلك في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وتبعه بعد ذلك الفنان المصري كريم عبد العزيز بطل فيلم “بيت الروبي”، مطالبا المنظمات الدولية بالتدخل، لوقف إبادة أهالي فلسطين.

وكلاهما قد تجاوزا في مطالبهما ما أفصحت عنه الحكومة المصرية في موقفها من الحرب الدائرة في غزة، ولم يمثلا الموقف الرسمي المصري اتجاه ما يحدث في قطاع غزة، في حين أن كثيرا من الفنانين انتظروا موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحين سمح بعدد من المظاهرات الداعمة لفلسطين بدؤوا يشاركون بشكل علني، وهتفوا أمام الكاميرات وارتدوا الكوفية وحملوا العلم.

وكان على رأس هؤلاء الذين يعبرون عن الموقف السياسي الرسمي المصري نقيب الفنانين أشرف زكي، فقد نظم تجمعا داعما لفلسطين في القاهرة، ثم عند معبر رفح، شارك فيه كثير من نجوم الصف الثاني، وقد اتجهت التصريحات الإعلامية إلى الخطاب السياسي المصري ذاته الذي يرفض توطين الفلسطينيين في سيناء، ولم يتجاوز حدود ذلك، على عكس بعض الفنانين الذين نادوا بفتح المعبر، وآخرين ممن طالبوا بوقف الإبادة الجماعية لأهل غزة.

“أنا دمي فلسطيني”.. أغنية تجسد التضامن الشعبي

دعم قليل جدا من الفنانين الذين يقيمون بالإمارات فلسطين، وبادروا إلى مساندة أهل غزة، وعلى رأس هؤلاء النادرين محمد عساف، فهو من قطاع غزة، ولديه عائلة هناك، وقد شارك في أكثر من منشور على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي صورا لدمار غزة، وكانت أغنيته “أنا دمي فلسطيني” قد عادت وحققت انتشارا غير مسبوق عربيا، خاصة في بعض حفلات الزفاف المصرية خلال الأسبوع الأول للعدوان.

وكان إعلان التضامن الجماعي من قبل الفنانين في مصر قد تأخر، وبدأ بعد مرور حوالي عشرة أيام على العدوان الإسرائيلي الذي خلف حتى تاريخ كتابة هذه المادة أكثر من 7000 شهيد، منهم 2704 أطفال.

ومن أشكال التضامن مع أحداث غزة التي أثارت جدلا كبيرا، مشاركة الفنان محمد رمضان مقطع فيديو قبل يومين ينتقد فيه الجيوش العربية التي لا تتحرك، وانتقدته الجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدته تمثيلا ومزايدة على بقية الفنانين لا أكثر، وأنه امتداد لشخصية العمدة و”البلطجة” التي يؤديها في أدواره، خاصة أنه كان يتكلم في المقطع بعصبية، كما نشره بعد مقطع لجلسة تدليك من قبل عاملات أفريقيات، مما أثار حفيظة الجمهور، فاضطر رمضان لحذف مقطع التدليك لاحقا.

“الحلم العربي”.. أغنية تعود إلى الواجهة بعد 20 عاما

كان غياب حالة الإبداع الفنية ينتج بعض الفراغ في مجال التعبير عن ما يحدث في غزة، مما جعل أغنية مثل “الحلم العربي” تعود للظهور مرة أخرى إلى الواجهة بعد مرور أكثر من 20 عاما على صدورها، إثر تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلّق أغلب الذين شاركوا الأغنية أنه آخر ما فعله العالم العربي من أجل فلسطين، وأن الاتحاد العربي لا يزال حلما، ولا تزال الأطماع الصهيونية تنهش الجسد العربي والفلسطيني.

وسرعان ما حاول الفنان أحمد سعد سد هذا الفراغ بإنتاج أغنية تضامن مع الأحداث التي تشهدها غزة، وطرح أغنية جديدة بعنوان “غصن الزيتون”، لوصف معاناة الفلسطينيين ونزوحهم لمخيمات اللاجئين. وقد كتبها حسام طنطاوي ولحنها محمدي، وأُطلقت عبر حساباته الرسمية في مواقع التواصل، لكن منصة يوتيوب حذفتها عند نشرها، بسبب المشاهد “القاسية” في كليب الأغنية.

يقول مطلعها

“غصن الزيتون بدل ما بيغطينا، ده متغطي دم

والطفل شايل لعبته وفي قلبه شايل ألف هم”.

أما المطرب عمرو دياب فقد أعلن إلغاء حفله بدبي الذي كان مقررا إقامته الجمعة، 20 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى أجل غير مسمى، وكتب عبر حسابه الرسمي على موقع فيسبوك “قلوبنا تنبض بالدعم والتضامن مع أهل فلسطين في هذه الأوقات الصعبة”.

كما وجهت جمعية الهلال الأحمر المصرية الشكر للمطرب عمرو دياب لتبرعه لصالح الشعب الفلسطيني، وكان دياب غيّر صورته الشخصية عبر حسابه على فيسبوك بصورة علم فلسطين، وفي بيان من مكتبه الإعلامي أكد تبرعه بمبلغ 5 ملايين جنيه مصري (162 ألف دولار).

وتبرع عدد من الفنانين بريع حفلاتهم إلى سكان قطاع غزة الذين يعانون من انقطاع التيار الكهربائي وشُحّ المياه بعد قطعها من قبل إسرائيل، وإدخال أقل القليل من المساعدات الغذائية والطبية، ومن هؤلاء الفنانين محمد ثروت ومحمد حماقي والمطرب السابق في فرقة “واما” أحمد فهمي، والفنانة أنغام وحمزة نمرة.

نجوم هوليود.. موقف رمادي يساوي بين الفريقين

ننتقل إلى نجوم هوليود، فقد عبّر عدد منهم عن تضامنه مع فلسطين، في حين بقي آخرون على تضامنهم مع إسرائيل مثل “غال غادوت” و”صوفيا ريتشي” و”مادونا” و”جيمي لي كورتيس” التي شاركت صورة لأطفال فلسطينيين ينظرون إلى السماء ونازحين في المدارس، وقالت إنهم إسرائيليون، لكن سرعان ما حذفتها بعدما واجهتها سخرية كبيرة منها.

أما النجوم الداعمون لفلسطين في العدوان على قطاع غزة، فمن أهمهم الإيرلندي “ليام كونينغهام” و”جون كوزاك” و”مارك روفالو” و”سوزان ساراندون” و”جينا أورتيغا”.

وعن ذلك يقول الروائي والناقد السينمائي سليم البيك: في حالة التجييش والماكارثية التي يعيشها الغرب، صار من الصعب التصريح بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، لأن ذلك يحيله الصهاينة وماكينة إعلامهم والمتعاطفون معهم إلى تعاطف مع تنظيم بعينه هو هنا “حماس”، لذا يخسر المشاهير من العالم صداقات وعقود عمل وغيرها، وهم بالنهاية يتحدون هذه الحالة بإعلان تضامنهم اليوم تحديدا، وهو ما لم يكن قبل 7 أكتوبر، حيث كان التضامن أسهل لطبيعته الإنسانية.

هذه الصعوبة في اتخاذ موقف حاسم جعلت نجوما من هوليود في البيان الذي نشروه في 20 أكتوبر الجاري، يساوون بين الضحيتين الإسرائيلية والفلسطينية، خلال رسالة إلى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يحثونه فيها على الضغط من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإسرائيل.

“نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا”

جاء في رسالة نجوم السينما التي نشرها موقع “أرتيستس فور سيزفاير دوت أورغ” (Artists4Ceasefire.org): نحث إدارتكم وجميع قادة العالم، على احترام جميع الأرواح في الأراضي المقدسة، والدعوة إلى وقف إطلاق النار وتسهيله دون تأخير، وإنهاء قصف غزة، والإفراج الآمن عن الرهائن.

 

كما ذكروا أنه يجب السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى سكان غزة، واختتموا رسالتهم بالقول: نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا، وأننا وقفنا مكتوفي الأيدي، ولم نفعل شيئا.

وكان من بين الموقعين على الرسالة البالغ عددهم 60 فنانا وفنانة الكوميدي “جون ستيوارت”، والممثل الحائز على جائزة الأوسكار “خواكين فينيكس”، والمخرج والممثل “مارك روفالو”، والكوميدي الأمريكي ذو الأصل المصري رامي يوسف، والممثل والمغني البريطاني ذو الأصول الباكستانية ريز أحمد، والمنتج والكوميدي المصري باسم يوسف، وآخرون.

وهنا يقول الناقد السينمائي سليم البيك: تلك البيانات والمواقف لا تأتي -مع الأسف- من دون إدانة للمقاومة الفلسطينية و”حماس” بالاسم، فأي تضامن مع الفلسطينيين في غزة اليوم لا يمكن أن يجد مساحة من دون إدانة لمقاومتهم، وأي إدانة لإسرائيل لا تجد مساحة من دون إدانة الفلسطينيين.

ويتابع البيك: هذه معادة غربية مجحفة تجاه الفلسطينيين، لكن الخوض بها -حتى في حدود دنيا- يجعل المشاهير في موقع حساس، ويجعلهم عرضة للهجوم والتضييق، وهذا ما يحصل. الحد الأدنى في شكل التضامن ومضمونه صار بحد ذاته فعلا شاقا، وتترتب عليه تبعات في الغرب، أما التضامن العربي من المشاهير فهو مقصر دائما، ومعيب في بعض الحالات.

“أيام قرطاج السينمائية”.. إلغاء مهرجان عريق بسبب الأحداث

أُلغيت عدة مهرجانات سينمائية هذا العام، منها مهرجان قرطاج السينمائي، ومهرجان أيام فلسطين السينمائية، ومهرجان الجونة في مصر، وكان مقررا أن تُقام جميعها خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وأعلنت وزارة الثقافة التونسية في وقت سابق خلال بيان مختصر، أنها قرّرت إلغاء تنظيم الدورة الـ34 من مهرجان “أيام قرطاج السينمائية”، بسبب الأوضاع الراهنة.

وكان مقررا تنظيم “أيام قرطاج السينمائية” بين 28 أكتوبر/ تشرين الأول و4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتمت كل الاستعدادات التي تسبق تنظيم الدورة، فاختير المخرج التشادي محمد صالح هارون رئيسا للجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، واختيرت المنتجة التونسية درة بوشوشة رئيسة للجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة، لكن كل الفعاليات ألغيت.

مهرجان أيام قرطاج السينمائية في تونس يُلغي دورته المقررة عقدها أكتوبر الجاري تضامنا مع غزة

يذكر أن “أيام قرطاج السينمائية” هو أقدم مهرجان سينمائي في أفريقيا والعالم العربي، وقد حمل على عاتقه منذ تأسيسه العام 1966 الدفاع عن “أفلام الرأي” الأفريقية والعربية، لكونها تعكس وجهة النظر الفنية للسينمائيين، بعيدا عن الأفلام التجارية السائدة.

ولاقى تأجيل المهرجان غضبا واستهجانا من قبل عدد كبير من المخرجين والممثلين والعاملين في السينما التونسية، فقد أصدرت جمعية المخرجين السينمائيين التونسيين بيانًا عبّرت فيه عن رفضها القاطع للقرار ووصفته بالمتسرع، داعيةً وزارة الشؤون الثقافية إلى إعادة النظر فيه، وموضحة أن السينما ليست فنا ترفيهيا فحسب، بل هي وسيلة مهمة للتعبير عن الثقافة والهوية والمقاومة، ولا سيما في هذا الوقت.

“سنحمل قصتنا وصوتنا إلى ما وراء الحدود”

قالت إدارة مهرجان أيام فلسطين السينمائية في كلمة لها نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي: بينما نتعرض للإبادة الجماعية في غزة، وتشوه وسائلُ إعلام عالمية الروايةَ الفلسطينية، وبمنهجية يحاول مسؤولون رسميون نزع سمات الإنسانية عن شعبنا، ومحو معاناته. وفي مهب ريح الغطرسة الاستعمارية، تُباح إبادة الشعب الفلسطيني، ويُختزل كل ما تطلعنا إليه منذ عام 1948. في ظل جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في حق شعبنا في غزة، لن تُعقد أيام فلسطين السينمائية في فلسطين هذا العام.

وأضافت الإدارة في كلمتها: بل سنحمل قصتنا وصوتنا إلى ما وراء الحدود. أصدقاؤنا وشركاؤنا حول العالم سينظمون عروضا لأفلام من فلسطين وعن فلسطين، يصنعون من خلالها مساحة لتمثيلنا وإيصال الروايات القادمة من الفلسطينيين.

“أوقفوا الإبادة الجماعية”.. رسالة موحدة من نجوم مصر

اعتاد المتضامنون مع القضايا الفلسطينية على أسلوب كلاسيكي في التعاطف، إذ يظهر الفنان العربي مرتديا الشال الفلسطيني، أو يهتف في الكاميرات أو في المظاهرات، لكن ذلك ليس له تأثيره إذا لم يكن ضمن وسائل إعلامية حديثة، يمكن ترويجها على وسائل التواصل وبرسالة قوية.

ومن الممكن رؤية ذلك التميز في مقطع فيديو مؤثر ظهر فيه أكثر من 40 نجما عربيا، أغلبهم من نجوم الصف الأول إلى جانب صحفيين وناشطين من قطاع غزة في عبارة واحدة بكل اللغات “أوقفوا الإبادة الجماعية”، ومنهم الفنان أكرم حسني والفنانة يسرا والفنانة درة وأمينة خليل وجومانة مراد وهشام ماجد، وقد شاهده مئات الآلاف حول العالم.

وبموازاة ذلك تنتشر صور ومقاطع فيديو شخصية للممثلين والفنانين والفنانات، كل على حدة، في مقر الهلال الأحمر المصري يرتدون معطف الهلال الأحمر، وهو ما يشبه دعاية شخصية أو “موضة جماعية للتضامن”، تارة يرتبون السلال الغذائية، وتارة يقفون أمامها، ومنهم ياسمين صبري وزينة وهنا الزاهد وأسماء منير شريف والمطرب تامر حسني.

وبالتأكيد هناك طرق عدة للتضامن، بعضها غير معلن وأكثر صدقا، وبعضها معلن وصادق دون التباهي به، وهناك من تحول تضامنه إلى ورطة سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي، كما حدث بين المطربة أنغام والمتحدث باسم جيش الاحتلال “آفخاي أدرعي”، حين أصبح عبارة عن تراشق كلامي، ربما لم يكن ينبغي أن يبدأ.