“فرقة شيبيس”.. نغمات وردية برائحة الأمومة في الصومال

خلال عقود طويلة، عانى الصومال من حياة قاسية، وخاض عددا من الحروب والمعارك التي لا تنتهي. ووسط هذه المعاناة، قررت مجموعة من النساء أن يلجأن للفن ليطردن به مرارة الألم، فأسسن فرقة غنائية نسائية تقدم أعمالا فنية من نوع خاص.

“عوضا عن السلاح، استخدمنا الكلمات والموسيقى لشحن الهمم، وسعينا إلى علاج مشكلات لطالما عانى منها المجتمع الصومالي”. بهذه الكلمات افتتحت فيلم “فرقة شيبيس.. الصومال” الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية استهلالَها تقدمةً وتوطئة له.

“شيبيس مباركة”.. رقص وحماسة لأشهر أغاني الفرقة

يتعرض الفيلم لتفاصيل ونشأة الفرقة والظروف التي أحاطت بها، والحالة الاجتماعية العامة، وتسير الكاميرا في مقابلات مع عضوات الفرقة للحديث عن مشاعرهن بوصفهن مشاركات في الفرقة والصعوبات التي واجهنها، ويستعرض الأنشطة التي يقمن بها من خلال الفرقة أو من خلال التجمع الذي ينضوين تحته.

منطقة شيبيس بمقديشو حيث فرقة شيبيس النسائية

تقول كلمات أشهر أغاني الفرقة وأكثرها شعبية:

شيبيس مُباركة، شيبيس مباركة
شعبها يحب السلام، وتتسع للجميع..
تحظى بالتشجيع في الرقصات الشعبية
بالتعليم والرياضة زدنا شرفا..
إنها النمر الذي لا يهاب، شيبيس هي الأسد

تقول إحدى المشاركات في الفرقة إن هذه الأغنية حين يسمعها أهل مقاطعة شيبيس لا يستطيعون البقاء جالسين على المقاعد، بل يرقصون ويتمايلون مع ألحانها، وتنتابهم الحماسة والتشجيع للفرقة وللراقصات المشاركات فيها.

“فرقة شيبيس”.. حركة فنية تنعش الأنشطة الاجتماعية

تأسست “جمعية شيبيس” النسائية عام 1973، ومن أنشطتها التي تقوم بها جميع العضوات بما فيهن عضوات “فرقة شيبيس” الغنائية توعية السكان، والمشاركة في حملات النظافة العامة، وكنس مرافق الأحياء.

أما الفرقة، فقد تأسست في تسعينيات القرن الماضي، وكانت مؤسساتها من الفنانات والشاعرات والأديبات، وتضم عددا كبيرا من النساء والفتيات من جميع أنحاء مديرية شيبيس التي تمثلها، ولها 17 فرعا في المديرية.

فرقة شيبيس الصومالية تغني للأم وحب الوطن

ومن بين هذا الجمع الكبير عدد من الفنانات والمطربات والملحنات وافقن على تشكيل الفرقة، لتكون أحد أنشطة الجمعية، وهو ما ساعد في تأسيس الفرقة وتسهيل عملها، إذ تقوم شاعرات الفرقة في البداية بكتابة الكلمات، ثم يبحثن عن ملحن محلي أو خارجي لتلحينها، ثم تقوم مطربات الفرقة بأدائها.

تأسيس الفرقة.. عزائم صلبة تكسر كل العقبات

تتحدث صفية محمد علي رئيسة الفرقة عن سبب تأسيسها قائلا: تأسست الفرقة لحاجة المجتمع إلى الفن، وبما أن الصومال حديثة الولادة بعد استقلالها عن الاحتلال الإيطالي والإنجليزي، فإن تأسيس الجمعية واجه عقبة التمويل المالي وعقبة التثبيت والقبول، شأنه شأن كل شيء جديد يؤسس في البلاد.

وفي ظل ضعف الإمكانيات كانت العقبة الكبرى هي العجز عن الوصول إلى جميع الناس في المديرية. تقول رئيسة الفرقة: وبسبب هذه العقبات تكاتفنا سوية كمجتمع، وساعدنا بعضنا وأسسنا فرقتنا.

وتتكون الفرقة من حوالي 75 امرأة مقسمة إلى أربع فرق، كل فرقة مكونة من حوالي 15 عضوة وقائدة بحسب عدد أقسام الجمعية الأربعة، ولكل قسم من الجمعية فرقة خاصة به ولها قائدتها وفناناتها ومؤدياتها المنفصلات عن الفرق الثلاث الأخرى. وهناك عدد عضوات أخريات هن مسؤولات عن تنظيم الحفلات.

كلمات الأم.. وتر حساس يلامس جميع الطبقات

تتحدث إحدى العضوات عن كيفية إنتاج الأغاني وتلحينها للفرقة، فتقول إنهن يخترن أغاني تكون كلماتها صالحة لأفكار المجتمع، وهي عبارة عن بعض الجمل والكلمات الدارجة التي تقولها الأمهات لأبنائهن الصغار حين يبكون مثلا، وتُحوّر كي تناسب الحال والمقام الموسيقي، وبالتالي يكون لها التأثير الكبير على الصغير والكبير، ويكون تأثيرها أكبر بشكل خاص على الأمهات، وهن الجمهور المستهدف.

واحدة من مجموعات فرقة شيبيس الصومالية الأربع

ويظهر ذلك جليا عندما يقمن بتأدية الأغنية أمام الجمهور، إذ يزداد تأثر الناس بالأغاني ويظهر تأثر الأمهات بشكل أكثر، فيزداد الحماس ويرتفع الأداء بناء على ذلك.

وعن سبب اختيار الأمهات جمهورا مستهدفا، تقول إحدى العضوات إن طبيعة أغاني الفرقة محلية، وهي أغانٍ حماسية تدور حول حب الوطن والغيرة عليه، ولها تأثير نفسي كبير على الأمهات، لحثهن على تربية أبنائهن على التضحية من أجل الوطن، وحتى الموت في الدفاع عنه، وكذلك المحافظة على النظافة.

وتهدف الفرقة في النهاية إلى تعليم الجيل الجديد الآدابَ العامة وحب الوطن والمحافظة على المجتمع، لذلك فإن أغلب الأغاني موجهة للأم، فللأم أيضا مكانة خاصة في المجتمع، فإذا غنيت لها صار الجميع يغنون معك لها، وتنتشر بذلك الفرقة وأغانيها الهادفة، وبذلك تحصل على التأثير المفيد التوعوي.

وتؤلف بعض الأغاني كي تعرف المرأة الصومالية قيمة نفسها، وكيف تُخلص لبلدها وتدافع عنه وتربي أبناءها التربية الصالحة.

تضحية الأمهات.. تاريخ المرأة في المقاومة وبناء الوطن

قد كان للمرأة وللأم دور كبير في دحر الاحتلال وفي رحيله، وأشهر مثال على ذلك السيدة “حوى تقوى”. فقد كان للنساء الصوماليات تاريخيا دور مشهود في مقاومة المستعمر، فبعضهن حملن السلاح مع من حمله من الرجال، وبعضهن استشهدن، وبعضهن اعتقلن، وبعضهن أنجبن أطفالهن في المعتقل.

الأمهات أكثر من يتفاعل مع أغاني فرقة شيبيس الصومالية

وعندما حدث الدمار في هذا البلد رأينا الأم هي الوحيدة التي رعت الأطفال وحافظت عليهم، وهي التي كانت تطعمهم وتسقيهم، وتهرب بهم للنجاة بين الأحراش، وبعضهن اصطحبن أطفالهن وهاجرن وتغربن بهم لحمايتهم. فلا أحد يقدم التضحيات مثل الأم، لذلك جعلت الفرقة الأمهات جمهورهن الأول.

كما أن عضوات الفرقة أيضا هن من الأمهات، فهن يعتنين بالزوج وبالبيت وبالتربية، ويشاركن المجتمع أنشطته العامة بنشاط وبدون كلل.

“أماه أيتها المحبوبة”.. أنشطة خيرية لعون المجتمع الخفي

يتساءل كثير من الناس في المجتمع من غير المرتبطين بالجمعية عن الأعمال والأنشطة التي تقوم بها عضوات الفرقة، لماذا يكنسن الطرقات بالمجان؟ ولماذا يقمن بحملات التوعية والأنشطة المجتمعية بلا مقابل مادي وهن يرتدين أزياء موحدة مختلفة عن الجميع؟ لماذا يقفن في الشمس الحارقة في المسيرات؟ فالبعض يراهن مجنونات أو مسحورات، فما الذي سيجنين من خدمة الحي؟

في حين أنهن يرين أنفسهن يذهبن إلى الجمعية لخدمة أهلهن وحيّهن ووطنهن، ويُردن التأكيد على المعاني التي يغنينها باستمرار من حب الحي وحب الوطن وحب الشعب والناس، وهذا هو المحرك الرئيسي وراء كل هذا الجهد.

شباب صومالي يردد أغاني فرقية شيبيس النسائية الصومالية التي تغني للوطن

فهن يُغنين ذلك في أغانيهن فيقلن:

نساؤنا سند
هن عون خفي
يجهله الساذجون
أماه أيتها المحبوبة
البيت والحياة مكللان بالورود
فلتدومي موفقة إلى الأبد.

نرى في نهاية الفيلم موقفا يسجل لفرقة شيبيس، فتظهر عضوات الفرقة وهن يقمن بدعوة الجمعيات النسائية العربية الموجودة في الصومال إلى الوحدة معهن وتشكيل اتحاد جمعيات واحد، لأنهن يعتبرنهن أخوتهن في الإسلام، وأنهن متفقات معهن في الأهداف وفي الوطن وفي المعاناة. فهذه دعوة لهن للتواصل والتشاور لتشكيل اتحاد قوي واحد.