الدراما العربية 2019.. سوريا تخطف عقل المُشاهد العربي

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. ويقرأ مقال أسماء الغول في وضعية الدراما العربية لعام 2019.

 

أسماء الغول

حدثان يعتبران الأهم على خارطة الدراما العربية خلال عام 2019؛ أولاً عودة الدراما السورية إلى ألقها خلال رمضان الماضي، ثم تركيز مجموعة قنوات تلفزيون الشرق الأوسط “أم بي سي” على الدراما العربية، وإنتاجها مجموعة مسلسلات أثارت ضجة كبيرة، إلى جانب اهتمامها بتنظيم دورات لكتابة السيناريو والحلقات التلفزيونية في مقرها بدبي، إضافة إلى إنتاج مسلسل “ديفا” كأول إنتاج أصلي لقناة “شاهد” التابعة للمجموعة.

والحدث الثاني يتعلق ببروز الدراما السورية خلال رمضان 2019، لتملأ فراغا سببه تراجع الدراما المصرية، بل أكثر من ذلك احتكرت المسلسلات السورية المشاهدين في المهجر والدول العربية، وأزاحتهم عن بقية المسلسلات حتى التركية منها. إلى هذه الدرجة سدّت الدراما السورية فجوة كبيرة في الدراما، بعد المستوى الضعيف والمكرر الذي ظهرت فيه المسلسلات المصرية واللبنانية والعربية المشتركة التي تعرض على مختلف القنوات والفضائيات.

وعلى الرغم من أن الإنتاج المالي للدراما السورية ليس كبيراً؛ فإنه لا يوجد اهتمام بالأزياء والديكورات كما تفعل بقية المسلسلات، لكنه اتضح أن هذا الإبهار البصري قد يضمن متابعة المشاهد العربي حلقة أو حلقتين أو أسبوعا وليس أكثر من ذلك، في حين أن الأولوية لديه للواقعية ونقاش مشاكل الشارع العربي، فهي العامل الأكثر جذباً للمُشاهد العربي وضمان لهفته وحماسته للمتابعة خاصة بعد أن تجرأت هذه المسلسلات وناقشت أزمات حديثة كالهجرة إلى أوروبا والإرهاب وتمزق العائلات العربية عقب الأزمات السياسية.

ومما يجدر بنا الإشارة إليه أنه مر خلال عام 2019 بعض المسلسلات الخليجية الناجحة التي كانت بمثابة طفرة بتميزها وسط أغلبية ضعيفة بل مثيرة للسخرية لحجم ابتكار أحداث غير متماشية مع المجتمعات الخليجية والمبالغات واجترار الماضي بسذاجة كمسلسلات “العذراء” ودفعة القاهرة” و”عشاق رغم الطلاق” و”موضي قطعة من دهب” و”وما أدراك ما أمي”.

في حين تصدر مسلسل “حدود الشر” ليكون أيقونة العام الماضي لبطلته حياة الفهد والممثلة العراقية ميس قمر، وكذلك مسلسل “غصون في الوحل” للممثلة هدى حسين التي تفوقت بأداء دور الشر والقبح والحقد بجدارة؛ تفوقت فيها على نفسها وعلى بنات جيلها، وهذا رغم الحلقة الأخيرة المحبطة.

وأخيرا جاء مسلسل “جمان” في نهاية العام لنور الغندور وحاز على جماهيرية كبيرة رغم أنه ليس الأفضل، لكن قصة الحب بين البطلين وتدهورها السريع جذبت آلاف التغريدات والمتابعات الإيجابية للعمل.

مشهد من مسلسل “ترجمان الأشواق”

 

الدراما السورية.. عن كل شيء إلا النظام

ناقشت أغلب المسلسلات السورية في عام 2019 المشاكل الثقافية والاجتماعية التي نتجت عقب الثورة من هجرة وتمزق العائلات والفقر، عدا مسلسل “دقيقة صمت” الذي أخذ طابعاً بوليسياً.

ومع ذلك فإن هذه الأعمال لم تتطرق لنقد النظام أو نقاش الثورة بعمق، لكن ذلك لم يمنع من أن بعض هذه المسلسلات كسرت قاعدة المحظورات كما فعل “ترجمان الأشواق” في قليلٍ من حواراته.

ومن المواضيع التي تكرر التركيز عليه خلال أحداث هذه الأعمال؛ الجماعات الدينية، وتقديم الشخصيات الثلاثية اليساري والليبرالي والشيخ، وهو المسار الدرامي الذي أُشبع سرداً في الأدب والسينما والتلفزيون، ومع ذلك يبقى الأقوى والأكثر ترابطا والأقل جدلاً.

 

“دقيقة صمت”.. بطل شعبي ينجد الفقراء

بقدر ما حققه هذا المسلسل من نجاح في موسم رمضان 2019 -وقد كان بمثابة مفاجأة للجميع- بقدر ما كان خبر وفاة مخرجه شوقي الماجري نهاية عام 2019 مفاجأة حزينة وصادمة للجميع أيضاً. فلن نرى الممثل عابد فهد والكاتب سامر رضوان مع الماجري مرة أخرى ليحققوا معاً ما وعدوا به المشاهد العربي؛ مزيدا من الحِرفية والأوراق المكتوبة جيداً، والتمثيل المقنع في حارات وشوارع الشام. لقد أخذهم الماجري هناك في مغامرة، وعادوا منها جميعاً بنجاح كبير، لكن يبدو أن الماجري لم يعد أبدا، فقد كانت مغامرته الأخيرة.

وتدور قصة مسلسل “دقيقة صمت” حول “أمير ناصر” الذي أدى دوره عابد فهد و”أدهم منصور” الذي مثل دوره الممثل اللبناني فادي أبو سمرا، وقد حُكم عليهما بالإعدام، ولكن بالتواطؤ مع مديري الأمن يُهرَّب المحكومون، ويُعدم سجينان آخران عوضا عنهما، وهنا تبدأ رحلتهما في النجاة وابتزاز رجال الأمن وعلى رأسهم الممثل خالد القيش في دور العميد “عصام”.

بساطة المسلسل والتركيز على تماسك الحبكة الدرامية كانا سبب نجاحه، كما لا ننسى صورة البطل الشعبي الذي يهب لمساعدة الفقراء، وهي الشخصية الأثيرة لدى الجماهير.

 

“مسافة أمان”.. إتقان في خدمة النظام

يبدأ المسلسل بتفجير وصراخ واتهامات وإرهاب، مما يجعله ثقيلاً بأحداثه وحكايات أبطاله المتشابكة، وهو أكثر مما يحتمله موسم رمضان إذ عُرض وقتها، وسرعان ما تم نسيانه بقية العام، ولم يعش في الذاكرة كما حدث مع بقية المسلسلات التي ظلت حية على الشاشة يعاد عرضها هنا وهناك مرة أخرى. ومع ذلك فإن هذا المسلسل -الذي أخرجه الليث حجو- شديد الإتقان، فالصورة فيه قريبة إلى السينما؛ ربما لشغف المخرج بها، وهو شغف دائم الإعلان عنه في لقاءاته.

وجمع المسلسل بين ثلة من الممثلين السوريين المشهورين، ومنهم سلافة معمار وكاريس بشار وقيس الشيخ نجيب، متحدثاً عن تمزق العلاقات الاجتماعية بعد الصراع الأخير في سوريا، وحاجة كل شخص إلى مسافة أمان بينه وبين الآخرين، فالحرب حطمت الثقة بين أفراد المجتمع.

يبدأ المسلسل بقصة قتل جماعي وقعت داخل مستشفى بواسطة طبيبة تضع حقيبة هناك بعد أن يتم ابتزازها، مما يجعلك تشعر بعدم منطقية الأحداث، وكأنها دخيلة على المسلسل الذي كتبته إيمان سعيد ذاتها كاتبة مسلسل “خمسة ونص”.

ولا يمكن إنكار أنه تم استخدام أزمة سوريا في هذا الخط البوليسي بما يخدم النظام بشكل واضح، رغم أن المخرج حاول التخفيف من مباشرة ذلك بخلطة مبتكرة من الأحداث الاجتماعية والعاطفية التي لم تنقذه تماماً لأنها وقعت هي أيضاً بالمبالغات.

 

“عندما تشيخ الذئاب”.. عودة للحكايات الجميلة

من الممكن القول إن مسلسل “عندما تشيخ الذئاب” من أقوى السيناريوهات لمسلسلات رمضان 2019؛ فهو يتميز بالعمق والتطور وعدم التكرار والأصالة في الشخصيات ورسم أحداث العمل، ولكن هذا ليس معناه أنه المسلسل الأفضل، وذلك بسبب الأحداث البطيئة والهادئة نوعا ما، فلا يوجد به تشويق وتصاعد دراميتيكي كـ”دقيقة صمت” على سبيل المثال، لكن هذا بالتأكيد ليس مطلوبا في مسلسل اجتماعي يصور الصراعات المجتمعية في الشارع السوري، واستخدام الدين للسيطرة عليه.

والمسلسل مقتبس عن رواية الكاتب الأردني من أصل فلسطيني جمال ناجي التي تحمل العنوان ذاته، وأعده كحوار وسيناريو الكاتب حازم سليمان.

وبالتأكيد لا يوجد مسلسل يصوَّر في سوريا اليوم ينجو من رقابة النظام السوري، ولهذا فمن غير المتوقع لأي مسلسل تم تصويره هناك أن يثور ويقدم مصداقية كاملة. لذلك نجد رجال الأمن في هذا المسلسل يحتلون دورا كبيراً ومباشرا باعتبار أن الدولة وأمنها أوصياء على الناس، ونجد ذلك في حوارات متكررة بين الشيخ “عبد الجليل” الذي يؤدي دوره بإبداع سلوم حداد وبين ضباط الأمن، وهي رسالة ليست أكثر من “بروباغندا” حكومية أعادتنا بالذاكرة إلى الدراما السورية ما قبل الثورة.

ومن المهم الإشارة إلى أن دور سمر سامي “الجليلة” شقيقة “جبران” (عابد فهد) كان عبقرياً، وكذلك الممثل سلوم حداد والممثل علي كريم الذي يؤدي دور زوجها “أبو عزمي”، فقد تمتعا بمستوى عال من الأداء المبدع هما أيضاً، في حين يتقهقر عابد فهد خلفهم جميعا.

 

“ترجمان الأشواق”.. ها هي الشام بعد فرقة دهر

مسلسل “ترجمان الأشواق” هو مسلسل ذو قصة تقليدية نوعا ما، حيث يدور حول رجل يعود من الغربة (الممثل عباس النوري) ليلتقي بأصدقائه بعد 20 عاماً، ويراقب تبدل مصائر عائلته ومدينته دمشق، ولا يحرك الأحداث سوى اختطاف ابنته خلال تطوعها لتقديم مساعدات إنسانية في إحدى المدن السورية.

والمسلسل -الذي كان من المفترض عرضه خلال موسمي رمضان 2017 و2018 لكنه مُنع من الرقابة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري- يصور الحياة في دمشق بجرأة حتى داخل عوالم الليل و”الكباريهات”، فقد قدم قصة شديدة الواقعية بحوار عميق وإخراج جيد لكل من الكاتب بشار عباس والمخرج محمد عبد العزيز.

وأهم ما يميز المسلسل أنه لم يستهن بعقل المتلقي ويقدم مبالغات درامية، أو مبالغات إخراجية لا يمكن أن تقع، فقد كان الملجأ الدرامي المنطقي للمتلقي في مشاهد قوية لفريق تمثيل قوي أيضاً؛ عباس النوري وغسان مسعود وشكران مرتجى وسلمى المصري وثناء دبسي.

وتلعب ثناء دبسي دور أم غير تقليدية لرجل خمسيني مثقل بسنوات الاعتقال وذكريات طلاق صعبة وغربة مريرة، وكان مشهدها الأشهر حين قابلته بعد سنوات الغربة في ساحة المسجد الأموي بدمشق يرتدي معطفاً أوروبيا باللون البني الفاتح، جارّاً حقيبة سفره التي تُعكر صفو طائر الحمام خلال التقاطه رزقه من على بلاط الساحة، وذلك عندما صفعته أمه على وجهه قبل أن يحتضنها ويبكيا معاً.

أبطال مسلسل “خمسة ونص” قصي خولي ونادين نجيم ومعتصم النهار

 

الإنتاج المشترك.. تقليد على حساب المنطق

لقد وصل السباق العام الماضي بين المسلسلات العربية ذات الإنتاج المشترك حداً فادحا من التنافس في الإنتاج المالي بين شركات إنتاج عربية متعددة، وتكلل هذا السباق بضعف عام في الكتابة والأفكار وعدم منطقية الأحداث أو واقعيتها، كما جاء بعضها تقليدا لمسلسلات أجنبية وتركية في كل شيء، بل استنساخا متكاملا، وليس فقط في مجرد اقتباس الفكرة.

وبدأ هذا الموسم بمسلسلي “خمسة ونص” و”الهيبة الحصاد 3″ خلال رمضان، وانتهى بمسلسلي “ممالك النار”، و”عروس بيروت”.

وليست المشكلة في جذب المشاهدين، فهذه المسلسلات مصنوعة لتكون جماهيرية، بل المشكلة أنها مسلسلات للاستهلاك اللحظي، أي أنها حكايات لا تعيش، وإخراج تجاري، وأفكار لا تترك بصمتها، ومنها ما هو ردة فعل ضمن معارك سياسية كـ”ممالك النار” الذي جاء للرد على المسلسلات التاريخية التركية.

 

“الهيبة”.. تكرار ومطّ يفسدان التمثيل الجيد

حصدت هذه الأعمال العربية المشتركة نسب مشاهدة كبيرة؛ كمسلسل “الهيبة الحصاد 3” للمخرج سامر البرقاوي، ومسلسل “خمسة ونص” للمخرج فيليب أسمر، وهذا الإقبال جعلهما يبدوان وكأنهما الأفضل، وهما ليسا كذلك.

ولا يمكن إنكار أن مسلسل “خمسة ونص” كان أعلى مستوى في الحبكة والإخراج رغم أن مستوى التمثيل في مسلسل “الهيبة الحصاد 3” أفضل منه بكثير؛ فأداء سيرين عبد النور وتيم حسن وعبدو شاهين في أدوارهم كان مقنعاً.

لكن ما جعل “الهيبة” يهتز خلال موسم رمضان هو المط وتكرار الأحداث، فلا تشعر بجديد، بل كل شيء تعرف مآله وكأنك شاهدته من قبل، حتى التمثيل الجيد والممثلين الكبار كمنى واصف؛ لا يضيفون شيئاً للأحداث.

كما أن أغلب المَشاهد دارت في الغرف المغلقة بالمستشفى أو المنزل أو أمام الدرج والمصعد، والصراع في المسلسل أغلبه واقع في الحوار والتهديد والوعيد، دون اشتباك حقيقي، كما أن نموذج البطل الذي ينقذ الناس وينشر الخير ويتخلص من المجرمين بمخالفة القوانين وتهريب السلاح (جبل شيخ الجبل)، استنفد نفسه كشخصية وممثل، ولم يعد له ذات جاذبية الأجزاء الأولى.

 

“خمسة ونص”.. دراما على مقاس البطلة الفاتنة

أما مسلسل “خمسة ونص” فيدل أن الممثلة نادين نجيم تعلمت الآن أن تراهن على المسلسلات التي تحقق نجاحاً جماهيرياً، ولكنها مع ذلك لم تطور أداءها الذي يشبه أداء دمية بلاستيكية، في تكرار لذات التعبيرات التمثيلية، وأحيانا ردود الفعل التي تقلد المسلسلات الأمريكية في بعض المشاهد خاصة في عملها كطبيبة في المستشفى، أو حين تكون بصحبة صديقاتها في الحلقات الأولى، دون أن تعطي هذه المَشاهد روحا حقيقية ومصداقية.

هذا المسلسل الذي عرض في رمضان ما هو إلا دراما تم تفصيلها على مقاس نادين نجيم، فكل شيء فيه من كتابة وتصوير وإخراج وأزياء وديكور تم تطويعه من أجل نجمة جميلة حتى لو كان يثير كثيرا من الأسئلة الأخلاقية؛ كتصويرها بعض المشاهد في مخيمات اللاجئين بين الأطفال.

وقد لعب قصي خولي أسوأ أداء تمثيلي له، أما الممثل اللبناني معتصم النهار فلم يتطلب دوره الكثير سوى النظر حوله لتأمين المنطقة باعتباره يلعب دور حارس شخصي، لذلك لا يمكن الحكم على موهبته بتمثيل هذا الدور غير الموجود تقريباً.

وبالتأكيد كان الإبهار البصري كبيراً في المنازل والأزياء والمكياج والصراع، وهي معادلة كافية لجذب المتلقي، إضافة إلى الحكاية الخيالية التي تسير فيها أحادية الشر في ناحية وأحادية الخير في ناحية أخرى، دون أن تنجح كاتبة العمل إيمان سعيد والمخرج في تقديم توليفة درامية تعيش مع الناس، بل فقط للاستهلاك الموسمي.

 

“ممالك النار”.. تاريخ بلا روح

أما مسلسل “ممالك النار” فقد كلّف ملايين الدولارات التي صرفتها شركات إنتاج إماراتية ومجموعة إم بي سي، وعُرض على قنواتها خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ورغم كل ذلك لم يكن نجاحه على مقدار حملة الإعلانات والدعاية التي سبقته ورافقته.

ومن الواضح أنه تم تأجير الممثلين لأداء أدوار بعينها لخدمة أهداف بعينها، مما جعل الافتعال في التمثيل سيد الموقف، إلى درجة لا يستطيع معها المتلقي الإحساس بأن هناك إبداعا في التمثيل والأدوار خلال أحداث المسلسل.

ويبدو أن كون المخرج بريطانياً (بيتر ويبر) لم يكن كافياً ليخرج المسلسل محترفاً، بل وكأن العمل جاء مرقّعاً. فممثلون كبار مثل خالد نبوي -في دور طومان باي- ومنى واصف ورشيد عساف؛ لم ينالوا مساحتهم مقابل أوقات طويلة للمعارك وقطع الرؤوس والشر، وهذا بالتأكيد سببه ضعف التواصل مع مخرج أجنبي غريب على الممثلين وقدراتهم.

ولا يكفي أن يكون طاقم العمل من مسؤولي المكياج والديكور والإخراج أجنبيا ليصل العمل إلى العالمية طالما أن التمثيل والحبكة خاليين من الروح تماماً، وهذا نلمسه في أداء الممثل السوري الشاب محمود نصر الذي لعب الدور الرئيسي؛ ألا وهو دور القائد سليم الأول، الذي أراده المسلسل أن يكون حاكما متوحشا يملؤه الشر وجشع السلطة، لكن محمود نصر لم يكن مناسباً للدور بتاتاً، بل من الواضح أنه بذل جهدا ليلعب دور الشرير ولم تساعده في ذلك ملامح وجهه وطبيعة شخصيته، وهو ما يشعرك بالافتعال والانفصال بين الممثل والدور.

ولم يكن في أحداث المسلسل أي تشويق، بل هو عبارة عن تكديس الممثلين والحكايات في لهجات مرتبكة على الرغم من محاولات إجادة الفصحى التي لم تكن بالمناسبة هي اللغة المحكية في ذاك الزمن سواء بمصر أو لدى الأتراك.

قصة “ممالك النار” تدور حول سقوط دولة المماليك في مصر على أيدي العثمانيين بدايات القرن الـ16 الميلادي (مواقع التواصل)

 

الرد على أرطغرل.. بيان رسمي

وتدور قصة مسلسل “ممالك النار” حول سقوط دولة المماليك في مصر في أيدي العثمانيين مع بدايات القرن الـ16 الميلادي، ويستعرض المسلسل فترة حكم السلطان العثماني سليم الأول والمعارك التي خاضها، كما يقدم التحولات الكبرى في تاريخ المنطقة بعد معركة غالديران بين العثمانيين والدولة الصفوية. وركز المسلسل على مشاهد بانورامية للحروب بآلاف من الممثلين “الكومبارس” والخيول، وكأن المطلوب من المسلسلات التاريخية ضبط مسارح المعارك الكبيرة فقط.

ووفقا لمؤلف المسلسل محمد سليمان عبد المالك في تصريحات لوسائل إعلامية، فقد قال إن المسلسل المكون من 14 حلقة، استمر في كتابته لنحو ستة أشهر بتكليف من الشركة المنتجة، مضيفاً أنه حاول تقديم عمل خالٍ من الأخطاء التاريخية، واصفاً فترة حكم العثمانيين بأنها “مليئة بالمجازر التاريخية”.

ولا يأتي المسلسل إلا كي يرد على مسلسلات تركية شهيرة مثل “الفاتح” و”قيامة أرطغرل”، وقد تميزا بإنتاج ضخم، ويتحدثان عن الإمبراطورية العثمانية في الماضي حين حكمت أجزاء واسعة من الشرق الأوسط وآسيا وشمال أفريقيا لمئات السنين.

والمثير للاهتمام أن مجموعة “أم بي سي” السعودية كانت قد بثت مسلسل “ممالك النار” على جميع محطاتها في وقت واحد كل يوم لمدة أسبوعين، وكأنه بيان رسمي من القناة.

 

“عروس بيروت”.. تركيا بلسان عربي

بعد حملة إعلانات كبيرة، بدأ مسلسل “عروس بيروت” في سبتمبر/أيلول 2019، وهو مسلسل منسوخ حرفيا عن مسلسل “عروس إسطنبول” إلى درجة أن من كان يرتدي نظارة في دوره هناك يرتديها في دوره هنا.

وقد صورت “أم بي سي” العمل في تركيا وبنفس الطاقم التركي من مخرجين ومصورين وكُتاب، وهو الأمر الغريب تماما، فمن شاهد مسلسل “عروس إسطنبول” لماذا عساه يشاهد نسخة مطابقة له عربية اسمها” عروس بيروت”؟!

ولكن المفاجأة أن هذا ما حدث، فقد كان للمسلسل المعرّب شعبية كبيرة، ونجح نجاحاً ساحقاً خاصة بين النساء، وفاقت حلقاته السبعين، كما بدأ الآن تصوير الجزء الثاني منه.

ويبدو أن مجموعة أم بي سي فضّلت أن تصنع مسلسلا تركيا بنفسها بعد أن أوقفت قبل نحو العامين عرض مسلسلات تركية على جميع قنواتها، واتجهت إلى الأعمال الإسبانية والبرازيلية عوضا عنها، وبالتأكيد تبرز “السياسة” هنا من جديد.

وهذا العمل الضخم الذي كلّف أيضا ملايين الدولارات يأتي محاكاة متطابقة تماما في الحوار والشخصيات والأزياء وحتى الطبيعة ومناظره مع “عروس إسطنبول”، لكن لا يمكن إنكار أن المسلسل التركي جاء ابن بيئته كعمل متأصل في حكايته، ولا تشعر به دخيلاً في أحداثه وشخصياته، بينما النسخة العربية مسطّحة، وكأنها نبتةٌ صُنعَت في بيت زجاجي بعيدا عن النباتات الطبيعية، مما يجعل المسلسل خاليا من واقعية المجتمع اللبناني، كصراع الطبقات الاقتصادية والعلاقات العاطفية هناك.

فقد ضحّى المسلسل بكل المنطق الدرامي استجابة لما يريده المشاهدون، كما ضحى تماما ظافر العابدين بلهجته التونسية ثم المصرية التي أتقنها ليتحدث اللبنانية الثقيلة التي أثارت السخرية منه على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن ليس هذا فقط ما ضحى به، فمن لعب أدواراً درامية إبداعية في “ليالي أوجيني” مع أمينة خليل ومسلسل “حلاوة الدنيا” مع هند صبري؛ يطل علينا في عمل ما هو إلا للتسلية، دون أن يترك أثرا حقيقيا.

ومن المهم الإشادة بدور كل من الممثلتين كارمن بصيص في دور “ثريا” وتقلا شمعون في دور حماتها “ليلى” اللتين أبدعتا في عمل غير أصيل ولا يستحق منهما ذلك.