الدراما المغاربية في 2019.. محاولات لكسر هيمنة الدراما الأجنبية

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. وفي مقالنا الخامس من الملف نناقش حالة الدراما المغاربية في عام 2019، وأهم ما أنتجته دول المغرب العربي من مسلسلات.

 

عبد الكريم قادري

شهدت تلفزيونات البلدان المغاربية منذ تأسيسها إلى اليوم علاقة معقدة بينها وبين المشاهد المحلي الذي ضبط بوصلته في اتجاه صناعة درامية أجنبية غير التي تعكس ثقافته التي ينتمي لها، أو تلك التي تتبنى ما يمثله من عادات وتقاليد ولهجة وحيز جغرافي، وصولا إلى موروث عمراني وديني مختلف عن البلدان التي تُصدّر له إنتاجها الدرامي، حتى وإن كان بعضها يجسد اللغة التي يتحدث بها، أو تتشارك معه في الانتماء العرقي والمرجعية الدينية.

لكن هذا لا يكفي في ظل هذا التغريب وعدم استغلال التلفزيونات المغاربية الفن السمعي البصري -ممثلا في “الدراما”- في بث وزرع الأفكار المحلية في هذا المُشاهد، وضمه لها لضمان عدم انسلاخه عن ثقافته، وفي نفس الوقت كي لا يُترك وجبة سهلة للأعمال المصممة خصيصا لاحتوائه وتغريبه عن محيطه.

وقد نشر الكاتب المغربي عبد القادر أنويكة مقالا في موقع “لكم” يدعم هذا الاتجاه، إذ قال: ما أحوجنا إلى تحصين إرثنا من خلال ثقافة الصورة لمزيد من الهويةٍ والتماسك والتناغم المحلي والكوني، وعياً بما بات لتراث الشعوب من رمزية حضارية في زمن العولمة التقنية والفكرية، ويبدو أنه مقابل سعة مخزوننا التراثي هناك محدودية آلياتِ إبداع من شأنها جعل تراثنا وظيفياً بأدوار اجتماعية وإنمائية واقتصادية.. والدراما المغربية هي بموارد قادرة على إغناء حياة إنسان بتجارب إنسان وتجارب مجتمع بتجارب مجتمع، وعياً بما لها من تواصل وقيم وتفاعلات ومعاني وبما للصورة من حركية أكثر تأثيراً على الأفكار، وبما يحتويه تراثنا من ذخيرة خصبة للدراما من شأن رمزيته إغناء تمثّلات إخراج ومعالم أفلام بقيمة فكرية وفرجوية معاً.

 

المشاهد المغاربي.. التعطش إلى استهلاك ثقافات الآخر

ظل المشاهد المغاربي على مدار عقود من الزمن مستهلكا لثقافات الغير، بداية من الدراما المصرية التي كبر ونشأ عليها، مما جعله يتقن اللهجة ويفهمها بطريقة جيدة، وأكثر من هذا بات يعرف كل تفاصيل الحياة المصرية التي أرادت الدراما أن يفهمها بالشكل الذي تقدمه له.. مرورا بدراما أمريكا اللاتينية التي سيطرت على وجدانه وأعادت تفصيل عاطفته، ليعود إلى الدراما السورية التي كانت هي الأخرى محطة مهمة من محطات هذا المشاهد، وبدرجة أقل الدراما الخليجية.

ثم بعد كل ذلك أتت الدراما التركية واستحوذت عليه بشكل رهيب جدا لدرجة أنها استطاعت أن تُبعده عن معظم التجارب الدرامية الأخرى التي كبر على ثقافتها لأسباب عدة يصعب حصرها في هذا المقال بشكل دقيق، لكن هذا لا يمنع أن نذكر أهمها، وتتمثل في كون هذه الأعمال مؤسسة على عناصر علمية وفنية دقيقة، فهمت من خلاله تركيبة المشاهد العربي عموما والمغاربي خصوصا؛ الأشياء التي يود أن يراها ويشاهدها، والاهتمام بكل الفئات، والاعتماد على الطب النفسي كمرجعية أساسية، وعناصر الإثارة والبناء الدرامي الدقيق في كل حلقة، مما جعل المرأة والرجل والمراهق والشيخ والأعمار الأخرى يرون صورتهم منعكسة فيها وكأنهم وجدوا ما يبحثون عنه.

لهذا اقتحمت هذه الأعمال الدرامية كل البيوت عن طريق المئات من القنوات المغاربية العمومية والقنوات الفضائية الأخرى، حيث وجد المشاهد المغاربي بأنها تعكس ما يتمناه أو ما يحتاج له، سواء من الناحية العاطفية وهو الغالب، وبدرجة ثانية من الناحية التاريخية والدينية، إذ تقدَّم له هذه المنتجات الفنية بطريقة ذكية جدا، من ناحية تقديم القصة وبنائها، أو عن طريق أدوار الممثلين الذين يحسنون التمثيل وتقمص الشخصيات.

من هنا تم خلق رابط تواصل بين هذه المسلسلات والمُشاهد الذي لم يجد ما كان يبحث عنه في إنتاج بلده، وعليه هرب إليها لحاجته المُشاهداتية التي وجدها فيها نظرا لما تحتويه من عناصر فنية استحوذت على اهتمامه، ومن ناحية ثانية كنوع من الانتقام والقطيعة الفنية لما تقدمه له المنتجات الدرامية المحلية من ابتذال، وأهم شيء أنه وجد في هذه المواد الدرامية الأجنبية ما يسليه ويرفه عنه، ويساعده في تخطي واقع الحياة وضغطها، وكأنه يخصص وقت المُشاهدة للهروب من واقعه، في اتجاه عالم وردي رسمه الخيال الدرامي، وهذا ما لم يجده في القنوات المحلية التي باتت تقدم بعض المواد الدرامية بلا محمول فني، والنتيجة أن لا جمهور يحتضن تلك الأعمال ولا قيمة فنية تنتشر، ومن هنا كان المرجع المهم بالنسبة له هو “العشق الممنوع” أو “نور ومهند” و”وادي الذئاب” و”باب الحارة”، وبدرجة أقدم “ليالي الحلمية” و”حارة المحروسة” و”غوادالوبي” و”كاساندرا”.. إلخ.

 

الإنتاج المحلي.. شهرزاد التي ضيّعها شهريار

فهمت القنوات التلفزيونية الخاصة في بعض البلدان المغاربية -الجزائرية منها والتونسية، وبدرجة أقل المغربية- مبدأ وجوب المنافسة لاحتواء المشاهد المحلي الذي ضاع بين القنوات العربية والأجنبية، لهذا بدأت تبحث عن الآليات الضرورية لكسب هذا المشاهد لجعله يصطف خلف رواقها، وضرورة إيجاد شهرزاد التي ضيّعها شهريار، وشهرزاد هنا هي المعادل الموضوعي للدراما، لأنها تحكي القصة وتقدمها بطريقة مثالية مشبّعة بالإثارة والأحداث، وتلك العناصر هي ما يصنع المنتج الدرامي بشكل محترف.

أما شهريار فهي القنوات الفضائية العمومية والخاصة التي ضيّعت هذا المشاهد من خلال تقديمها مسلسلات مملة وغير فنية لا تؤسس إلا للرداءة الفنية فشتتت المُشاهد ووسعت الهوة بينه وبين المنتج المحلي، ويكفي أنه ضاع لمدة عقود بين إنتاجات درامية مختلفة، لم تكن الدراما المحلية واحدة منها.

تعتمد القنوات التلفزيونية العمومية في عملية إنتاجها على شبكة بيروقراطية معقدة بحكم تغييب مبدأ المنافسة، مما أثّر بشكل كبير في عملية اختيار السيناريوهات التي يتم اختيارها وفقا لمدى قرب صاحب المشروع من المسيّر أو الإطار العامل في التلفزيون والمشرف على هذه العملية، وهذا المبدأ نفسه يتم من خلاله اختيار المؤسسة المنفذة.

لهذا يأتي المنتَج الدرامي مستعجلا غير فني، لأن الاختيار جاء بطريقة خاطئة، وهذا على حساب العشرات من الأعمال الجيدة التي كانت ستشكل فارقا دراميا لو تم تنفيذها، بالإضافة إلى الغياب الكلي للمحاسبة والرقابة المالية والفنية.

وهذا الأمر فطنت له القنوات الخاصة، لهذا قررت الاستفادة من هذه المعطيات السلبية والحرص على عدم تكرارها في عمليات الإنتاج الخاص بها، وفي نفس الوقت عدّدت المعطيات الإيجابية في التجارب الدرامية المهمة التي انتشرت، وبالأخص التجربة التركية التي هيمنت تقريبا على معظم القنوات والمُشاهد العربي/المغاربي على السواء.

بوستر المسلسل الرمضاني “الخاوة” في موسمه الثاني، وهو من إنتاج تونسي جزائري مُشترك

 

البحث عن الكفاءات.. الوحدة المغاربية

من بين منطلقات النجاح التي اعتمدتها القنوات المغاربية؛ الاعتماد على الكفاءة في أي تخصص، بغض النظر عن جنسية أو موطن صاحب هذا الكفاءة، لهذا جاءت الإنتاجات الدرامية المغاربية التي هيمنت بشكل كبير على نسب المشاهدة العالية في الموسم الرمضاني الماضي، وهي من إنتاج مشترك بين الجزائر وتونس، ومن بين أهم التجارب التي شهدت نسبة مشاهدة عالية، وحققت نجاحات كبيرة لم يعرفها أي موسم رمضاني سابقا؛ مسلسل “أولاد الحلال” و”مشاعر” و”الخاوة 2″ و”الجريح”.. وكلها أعمال إنتاج مشترك بين الجزائر وتونس، بغض النظر عن أهمية ونسبة هذه الشراكة، وأهمية مساهمة كل طرف فيها.

وقد أثار هذا الموضوع العديد من النقاشات بين صنّاع الدراما في تلك الفترة، كما أسال الكثير من الحبر، حيث طُرحت العديد من الأسئلة عن هوية كل عمل وجنسيته التي وجب ذكرها، لكن هذا النقاش اعتبرته جهات أخرى هامشيا، بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة جدا لا تعترف بالحدود، فما بالك إن كان هذا العالم تعكسه بلدان مغاربية تشترك في نفس اللغة والدين والهوية والتاريخ.

كما أن الفن هو من أكثر الأشياء التي تجب الشراكة فيها لتقديم منتج محترم للمشاهد، كما تفعل الشركات العالمية الكبرى على غرار هوليود التي تجتمع تحت قبتها جنسيات العالم كلها لتقدم فيلما أو مسلسلا، وكل فرد يقدم الأفضل في تخصصه.

 

“أولاد الحلال”.. دراما مشوقة تتحدث بلسان وهراني

حقق مسلسل “أولاد الحلال” خلال عرضه في الموسم الرمضاني 2019 نسبة مشاهدة عالية جدا، تغلّب فيها على العديد من الأعمال والبرامج حسب إحصائيات المعهد المختص في نسب المشاهدة التلفزيونية “إيمار”، إذ احتل المرتبة الأولى كأكثر المسلسلات مشاهدة، وأكثر من هذا وصل جمهوره إلى بعض الدول الجارة كالمغرب وتونس.

وتدور أحداث هذا المسلسل بحي الدرب العتيق بمدينة وهران التي تقع في الغرب الجزائري، ويروي قصة شقيقين هما “مرزاق” و”زينو” اللذين كانا يعيشان في ملجأ للأيتام، وبعد أن كبرا قررا العودة إلى الحي الذي كانت تسكن فيه عائلتهما للبحث عن أمهما التي يحتفظان بصورة مشوشة عنها في ذهنهما.

هذه العودة للحي لم تعجب الكثير من السكان، خاصة أن بعض من يتاجرون بالمخدرات يعتقدون بأنهما من الشرطة أو منافسان لهم، في حين أن “مرزاق” و”زينو” يعملان في مجال النصب والاحتيال، وقد حققا أموالا كثيرة في هذا العمل غير المشروع، مما فتح فضول السكان، كما أن مرزاق أصبح يملك شعبية كبيرة بينهم، لأنه يعطف على الفقراء وينصر المظلومين ويدافع عن الضعفاء ويحارب المجرمين الذين يعتدون على سكان الحي، ليتعرف الأخوان على بارون كبير في تجارة المخدرات، ويدخلون معه في معارك خفية بعد أن يتعرفوا على عالم الجريمة المنظمة، وفي الوقت نفسه يعرفون أمورا كثيرة عن عائلتهما، وهذا بعد أن خرج والدهم الحقيقي من السجن وروى لهم القصة الحقيقية وراء قتل أمهم التي اتهمها بإقامة علاقة غير شرعية مع بائع الماء في الحي، ليكتشف في الأخير بأن المرأة التي قتلها بريئة من هذه الجريمة.

بطلا مسلسل “أولاد الحلال” عبد القادر جريو وسهيلة معلم في إحدى اللطقات

 

بعيد عن المركزية.. قريب من الهامش

قام ببطولة مسلسل “أولاد الحلال” عبد القادر جريو ويوسف سحيري وسهيلة معلم ومصطفى لعربي ومليكة بلباي وفصيلة عشماوي وإيمان نوّال وهيفاء رحيم ومريم عمير أمين بابيلون، كما شارك من المغرب الممثلان سعيد باي وفاتي جمالي وغيرهم من ضيوف الشرف، وقد قام بإخراجه التونسي نصر الدين السهيلي الذي سبق وأخرج مسلسلا تونسيا ناجحا هو “الريسك”، بالإضافة إلى تجربته الكبيرة في التمثيل في العديد من الأعمال.

كسر مسلسل “أولاد الحلال” المركزية التي كانت تُعتمد في إنتاج المسلسلات الدرامية، حيث يعتمد فيها على اللهجة العاصمية، لكن جاء المسلسل وخرج عن هذه النمطية، وقدم العمل باللهجة الوهرانية الخالصة التي لقيت استحسانا كبيرا لدى شريحة واسعة من الجمهور الذي اكتشفها واكتشف معها هذه المدينة العريقة.

وفي هذا السياق كتب الروائي سعيد خطيبي في جريدة “القدس العربي” عن هذا المسلسل الذي تحول إلى ظاهرة حقيقية في تاريخ إنتاج الدراما الجزائرية: “أفلت مسلسل أولاد الحلال من اللكنة الروتينية، ونجا من تدوير الأسطوانة المكررة، وخرج عن اللهجة العاصمية التي غالباً ما ميزت الدراما في الجزائر، لم ينحز إلى المركز ولا إلى الصور النمطية، واختار أن يذهب إلى وهران، أن يوغل في الأحياء الجانبية التي لا تطل عليها الشمس إلا لماماً، وتكاد تغيب عنها الإنارة العمومية، يستقي حوارياته من قاموس الراي والشيخات، لم يخلُ من الموسيقى، ومن محاولات فتح الأبواب الخلفية لثاني مدينة في البلد، يحكي عن الهامش المُستتر الذي يضيع بين الأسطر، ولا نلقي له بالاً.

لقطة من مسلسل “أولاد الحلال” الذي يرى البعض أنه شجع على بعض السلوكيات السلبية

 

الصلح مع المُشاهد.. تحريك المياه الراكدة

فتح مسلسل “أولاد الحلال” -الذي عرضته قناة الشروق بليس الخاصة حصرا- النقاش طويلا على العديد من المسائل، أهمها من بعض الجهات التي قالت بأن المسلسل لا يعكس الثقافة الحقيقية لمدينة وهران، كما أنه قدّم صورة مشوهة عن المدينة، وشجع على الإجرام وبعض السلوكيات السلبية.

ورغم الآراء المختلفة التي صاحبت العمل فإنه قدم الفرجة للمشاهد الجزائري، وعقد جلسة صلح بينه وبين القنوات التلفزيونية التي استطاعت أن تستقطب المشاهد من خلاله، خاصة وأن المسلسل توفر على جميع العناصر التي يمكن أن تُنجح أي عمل، أهمها التمثيل القوي الذي عكسه الممثلون، إضافة إلى القصة التي نزلت إلى القاع؛ إلى الطبقة الكادحة، حيث استمعت لها وإلى همومها، وعكست بشكل حقيقي ومقنع مشاكل وأحلام هذه الطبقة المهمشة والمغيبة في التلفزيون، بعد أن جاء هذا المسلسل ونقل أصواتهم إلى الجزائريين.

ويضيف خطيبي: إلى غاية اليوم، يكاد مسلسل “أولاد الحلال” يفرض نفسه كواحد من أكثر أعمال الموسم إثارة، كل حلقة منه كُتبت كما لو أنها سيناريو فيلم منفصل، في أحداث متصلة في ما بينها، لكنها أيضاً مكتفية بذاتها، التقطيع المشهدي أيضاً لعب دوراً، يُضاف إلى ذلك التوزيع العادل في الأداء بين الجنسين.

الممثلة الجزائرية الشابة سارة لعلامة في إحدى مشاهد فيلم “مشاعر”

 

مسلسل “مشاعر”.. اللسان مغاربي واليد تركية

جسّد العمل الدرامي “مشاعر” الذي عرض في الموسم الرمضاني الماضي فكرة الإنتاج المشترك، حيث قام بإخراجه التركي/الألماني “محمد الجوك” رفقة فريق عمل تركي محترف عمل على العديد من التجارب الدرامية التركية المهمة، من بينها “وادي الذئاب” و”الأرض الطيبة” و”السلطانة قسم”، ويتكون هذا الفريق من مهندس ديكور وماكيير وكوافير ومدير إضاءة، وهذا ما عكس التقنية القوية التي جاءت في مسلسل “مشاعر”.

كما أدى أدوار البطولة المشتركة في العمل مجموعة من النجوم المعروفين من الجزائر وتونس مثل حسان كشاش ونبيل عسلي وسارة لعلامة ومريم بن شعبان وأحمد الأندلسي وهشام رستم ورحيم هامل ومحمد لمين، وغيرهم من ممثلي الدراما التلفزيونية، وقد نُفذ الإنتاج من قبل لسعد خذر، ليتم عرضه في كل من قناة النهار الجزائرية، وقرطاج التونسية، وأطلس الليبية.

وتدور وقائع هذا المسلسل في كل من الجزائر وتونس، حيث تتمحور قصته -حسب ما جاء في الملخص- حول الفتاة الجزائرية زهرة التي هربت من حفل عقد قرانها على عمّار الذي أرغمت على الزواج منه، لتصل إلى تونس في فستان عرسها الأبيض الذي هربت به من الجزائر، وقد حاول أحد المارة التحرش بها فهربت منه، لتصدمها سيارة يركبها الطاهر يحيى رجل الأعمال الجزائري الكبير، فينقلها إلى المستشفى، ثم يأخذها إلى منزله للإشراف على علاجها لمدة 48 ساعة، وفي هذا المنزل تسكن أمه القاسية، وزوجته مريم التونسية المريضة بسرطان الدماغ، وهي في مرحلة متطورة منه، لكنها لم تخبر عائلتها بمرضها من أجل أبنائها مراد ونسرين ويوسف.

في وسط هذا الجو المكهرب، يقرر زوجها عمار الجزائري أن يلحق بها في تونس قصد إعادتها والزواج منها أو قتلها، وهنا تُطرح عدة أسئلة درامية لتصنع أحداث هذا المسلسل، مثل: هل يكون هروب زهرة إلى تونس بداية لقصة حبها مع الطاهر، أم أنها مجرد علاقة عطف لا غير؟ وهل تعود زهرة لعمار؟ وهل تشفى مريم من مرضها؟ هذه الأسئلة المحورية وغيرها رافقت العمل طوال الحلقات العشرين الأولى من الموسم الأول، ومن المنتظر أن تتواصل في الموسم الثاني الذي سيتم عرضه في رمضان القادم.

 

إثارة مبالغ فيها.. حين تطغى الصورة على الفكرة

اعتمد المسلسل على خاصية لتحريك أحداثه وحبكته، وذلك من خلال البحث المضني لعمار عن عروسه وسط الأزقة والشوارع التونسية، أو مع بدايات قصة الحب التي بدأها الطاهر وجلبت له الدمار والمشاكل لدى أسرته وأثرت بشكل كبير على عمله، إضافة إلى كيد والدته زينب لمريم ومحاولتها المستمرة لخلق مشاكل لها كي تسهل من عملية طلاقها من ولدها، أو سعي زوجته مريم المريضة كي تسهل من عملية عقد قران زوجها مع زهرة، ومن جهة أخرى سعي الشرطة الحثيث لمعرفة حقيقة العصابة التي يترأسها الطاهر من خلال تعذيب عمار وشقيق العروسة الذي يرافقه.

في هذه الأجواء الدرامية المستمدة من الدراما التركية تتحرك أحداث مسلسل “مشاعر”، حيث شكلت الإثارة المبالغ فيها وتمطيط العديد من المشاهد والقصص الثانوية وإعادة تدويرها والتكرار المستمر؛ خلقَ أحداث غير منطقية لم تسهل من عملية التقبل عند المتلقي، وهذا ما خلقه عدم اشتغال المخرج على التفاصيل الصغيرة التي تشكل الانسجام التام للعمل، مثل فستان زهرة الأبيض الذي حافظ على نظافته ونقائه رغم طول الرحلة التي خاضتها من الجزائر إلى تونس عن طريق الصحراء، أو كثرة الصدف التي يلتقي من خلالها عمار بعروسه الهاربة في تونس؛ في الشارع مثلا أو في المطعم الذي أصبحت تعمل فيه.. هذه التفاصيل وإن بدت صغيرة لا تؤثر على الأحداث الرئيسية في المسلسل، لكنها تقدم انطباع سيئا وتجعل المشاهد ينظر إليه بعين الريبة والشك، ويتعامل معه بحذر شديد.

 

بوستر مسلسل “مشاعر” الذي قدّم دراما تلفزيونية رومانسية معقولة

 

بلاغة الصمت الكلامي.. استعمال مفرط غير مبرر

ساهمت عملية نقل أجواء المسلسلات التركية إلى هذا العمل في خلق “التغريب”، في محاولة من المخرج لفرض أجواء معينة في بيئة غير بيئتها، بالإضافة إلى طريقة المعالجة التي عُرفت بها الدراما التركية، مثل الإضاءة الساطعة، وقصر الحوار وتنميط المشاهد.

وهذا ما يذهب إليه الكاتب الجزائري وليد بوعديلة في مقاله الذي نشره بموقع “أصوات الشمال”، حيث يقول: يقدم الكثير من المشاهد النفسية المعقدة، بحضور للتقنية السردية الدرامية التركية تحديدا، وهي التي تعتمد على تقنيات الصمت الدرامي في حضور الموسيقى الهادئة المواكبة للمشاهد والتي قد تستمر لدقائق بقصد ربط المتلقي بلحظات تشويق، يمكن أن نسميه بلاغة الصمت الكلامي، أي الكلام لكن بالصمت، لتكون الرسالة الفنية والعاطفية أكبر تأثيرا.

بالغ المخرج محمد الجوك في إطالة العديد من الحلقات على حساب الأحداث التي تجري فيها، وهذا يعكس ضعف السيناريو، وحسب المعطيات التي أنتجها المسلسل فإن المخرج كان يعتقد بأن الجانب التقني وحده سيصنع المسلسل، لهذا تم تغليبه على حساب القص الذي يعد النواة الأساسية في الأعمال الدرامية، كما كانت الموسيقى التصويرية مبالغة فيها لدرجة ترفع توتر المشاهد وتجعله يعيش ضغطا نفسيا غير مبرر، وهي من الأشياء التي أساء المخرج استعمالها في المسلسل ظنا منه أنها تعمل على شحن المشاعر.

ويذهب بوعديلة واصفا هذه الحالة من الموسيقى المبالغ فيها قائلا: حضور الموسيقى المواكبة لحدث معين طغت على بعض الحلقات، وكأن الهدف هو إطالة الحلقة وتحقيق غايات تجارية على حساب عمق القصة وحيوية سردها، وهو ما قد يزعج المشاهد ويدفعه للتوقف عن المشاهدة، في لحظة يشعر فيها بالخداع والاستخفاف.

رغم هذه السقطات فإن مسلسل “مشاعر” قدّم دراما تلفزيونية رومانسية معقولة مقارنة بما كان يعرض سابقا، وأكثر من هذا جسد فكرة الإنتاج المشترك الذي بدأ التأسيس له عمليا بين الجزائر وتونس، حيث تجسدت هذه الشراكة على أكثر من وجه وفي مجالات عدة، مثل الإخراج والإنتاج والتمثيل وفضاءات الديكور، وغيرها من الشراكات الأخرى التي ستنعكس لا محالة في أعمال أكثر نضجا في المستقبل.

 

“ولاد مفيدة”.. بداية التحرر من تبعات الدراما الأجنبية

أسس المسلسل الدرامي التونسي “ولاد مفيدة” بأجزائه الثلاثة التي عرضت في المواسم الرمضانية 2015 و2016 و2017، ما بات يعرف اليوم بالدراما التونسية الجديدة التي أثّرت بشكل كبير على الدراما المغاربية كلها، وكان العمل المذكور هو السبّاق إلى تعبيد طريق التحرر من تبعية الدراما الأجنبية التي استحكمت حلقاتها في عقلية المشاهد المغاربي.

أخرج هذا العمل وأنتجه وألّف موسيقاه سامي الفهري، حيث تم عرضه في القناتين “التونسية” و”الحوار التونسي”، ليتم استغلال النجاح الكبير في المواسم الثلاثة السابق وغياب الموسم الرابع في رمضان 2019؛ بإعادة تقسيم الحلقة الواحدة إلى ثلاث حلقات، مع إعادة المونتاج وعرضه من طرف قناة الحوار على يوتيوب، لتحقق ملايين المشاهدات في تونس، وأكثر من هذا تربع على نسبة المشاهدة في رمضان الماضي، بل إضافة إلى البلدان المغاربية التي تلقفت هذا العمل الذي تم اكتشافه من جديد بسبب النقاش الذي أثاره من خلال مواسمه الثلاثة على منصات التواصل الاجتماعي أو الصحافة بأصنافها المختلفة.

ويروي المسلسل -حسب ملخص الجهة المنتجة- قصة أرملة أم لثلاثة أولاد، يعود إليها عشيقها بعد عشرين سنة عاشها في الغربة، مطالبا بمعرفة أي من الثلاثة هو ابنه، لأنه مصاب بسرطان الرئة ويريد أن يرثه ابنه.

رفضت مفيدة الأم إخباره كي لا تفرق أبناءها، وهذا ما يجعله يحاول معرفة الحقيقة بطرق أخرى، أما الأولاد فيمثلون الفئة العاطلة عن العمل في المجتمع، فأحدهم يحاول الحصول على الباكالوريا، ويحاول الأب/الشريف التقرب منهم بحجة إنشاء مشروع ويبحث عمن يثق به حتى يصل إلى الحقيقة.

من جهة أخرى، يلتقي الثلاثة بفتاتين من عائلة غنية وهما ليليا وإيناس، فيقع الأخ الأصغر إبراهيم في حب إيناس، لكنها كانت تعشق أخاه الأكبر بدر الذي يحب أختها الكبرى ليليا المخطوبة لشاب من عائلة غنية اسمه زياد، لكنه ينجح في كسب ودها، وكي يبقى قريبا منها يقوم بدر بخطبة إيناس.

أما الأخ الآخر “بيرم” فهو أب لطفل من علاقة غير شرعية من حبيبته “حسناء”، ويحاول الاحتفاظ بابنه لكنه يفشل ويضطر لتسليمه لعائلة متبنية، وهو أكثر الثلاثة تشبثا بالعمل مع الشريف الذي يحاول معرفة الحقيقة مستغلا طمع زوج أخت مفيدة الذي هدد زوجته بالقتل إن لم تخبره من هو ابن الشريف فرفضت، فهمّ بقتلها، لكن ابنته سبقته وطعنته بسكين فأردته قتيلا.

يحاول الشريف التقرب إلى قلب مفيدة مجددا ويعدها بالزواج فتقبل، لكن دون إخباره الحقيقة. ومن جهة أخرى يتفطن الأخوان الأصغر إلى علاقة الأخ الأكبر بليليا، وعليه يخبرون خطيبته إيناس بذلك، فترصدت لهما بعد أن أخبرت والديها اللذين اصطحباها للمكان السري الذي يلتقيان فيه كي تفضحهما. ومن جهة ثالثة يقرر الشريف إجراء العملية لإزالة الورم السرطاني، وهي العملية التي لطالما أجّلها، وتصطحبه مفيدة للمستشفى، ليكون آخر طلب له بما أنه قد يموت تحت العملية هو أن يعرف من هو ابنه.

في هذه الأجواء المثيرة تدور أحداث الأجزاء الثلاثة التي غرقت في العنف، وقدمت الصورة السوداء التي كانت مختفية في الدراما التونسية، لكن حجم هذا الاهتمام فتح لها آفاق التحرر من جديد والتأسيس للدراما المغاربية، وهذا ما ساهم بشكل كبير في تسليط الضوء على التجربة التونسية من طرف الدراما الجزائرية التي استفادت من خبراتها وتجاربها.

 

“الخاوة”.. رياح الدراما التونسية تصل للجزائر

ساهم أيضا المسلسل الجزائري “الخاوة” –وهو من إخراج التونسي مديح بلعيد، ومن إنتاج شركة “نوت فوند برود وولكوم أدفرتايزينغ” التونسية- في خلق دراما مغاربية خالصة، وقد فتح هذا العمل -الذي عُرض موسمه الأول سنة 2017- شهية الكثير من المنتجين والقنوات الخاصة وحتى الداعمين من أجل الاستثمار في صناعة الدراما والمحتوى التلفزيوني.

وبعد النجاح الكبير الذي حققه هذا العمل على المستوى المغاربي، استغل الفريق والجهة المنتجة تقديم جزء ثان استثمارا لنجاح الجزء الأول، وهو ما تحقق سنة 2018 حيث نال نفس الاهتمام الكبير الذي حققه الجزء الأول، وأكثر من هذا ساهم في التحرر من تبعية الدراما الأجنبية التي كان المشاهد المحلي تابعا لها.

ويحكي المسلسل حسب ملخصه عن سر عائلي مدفون منذ أكثر من 20 سنة، وهذا السر انكشف بعد موت الأب الذي كان رجل أعمال مشهورا ترك وراءه إرثا كبيرا داخل البلاد وخارجها. ويعالج المسلسل المشاكل العائلية التي تتسبب فيها الاعتبارات المادية.

ويتكون المسلسل من 25 حلقة، عمر كل حلقة 50 دقيقة، وهو الأمر الذي تجاوز ما كان معمولا به في الدراما الجزائرية، حيث كانت تبلغ مدة الحلقة الواحدة 26 دقيقة، وقد تم عرضه حصرا على قناة “الجزائرية وان”، ومثّل فيه نجوم الدراما الجزائرية على غرار عبد النور شلوش وحسان قشاش وخالد بن عيسى وعبد الحق بن معروف وزهرة حركات وشهرزاد وخساني محمد وموني بوعلام، وغيرهم من الممثلين الذين شاركوا في الجزأين الأول والثاني.

ويذكر أن المخرج التونسي مديح بلعيد أخرج عدة أعمال تلفزيونية ناجحة مثل مسلسل “نجوم الليل” و”ناعورة الهواء” و”الأكابر”، كما أخرج فيلما بعنوان “ألو”.

وقد راهنت القناة التلفزيونية “الجزائرية وان” على الإنتاج الدرامي لكسب ود المشاهد، حيث عرضت عملا جديدا تحت عنوان “الجريح” (2019) أخرجه عبد الغني البقاعي عن سيناريو علي رازيباو وإنتاج عامر بهلول، لكن أحداث المسلسل التي تناولت قصصا مختلفة عن عالم المخدرات والجريمة المنظمة والاختطاف لم تعجب الكثير، لكون القناة عوّدت جمهورها على دراما فنية معقولة، خاصة وأنها هي من عرضت مسلسل “الخاوة” بجزأيه حصريا، لهذا كان العمل عرضة للانتقاد.

 

مسلسل “نوبة”.. رحلة تاريخية في عالم المزاودية

شهدت الدراما التونسية في الموسم الرمضاني الماضي تقديم عدد من الأعمال المهمة التي أنتجت بأياد تونسية خالصة، مثل مسلسل “نوبة” الذي عرض على قناة “نسمة”، وقد أخرجه وكتب نصه عبد الحميد بوشناق، وكتبت السيناريو والحوار هالة عياد.

وحسب ملخصه تعود أحداث العمل إلى فترة التسعينيات وتحديدا إلى سنة 1991 للدخول في عالم المزاودية وهو “فن المزود الشعبي في تونس”، ببدايته وكل تفاصيله التي تجمع الإبداع الفني، والمشاكل والأزمات الكبرى بين الفنانين في ذلك الوقت، وسيتم التطرق إلى العرض الكبير والشهير لحفل “النوبة”.

شجاعة الدراما التونسية ساعدتها في الخلق والتنوع، وهذا من خلال إنتاج وعرض المسلسل الدرامي الموسيقي “المايسترو” الذي أخرجه وكتب السيناريو والحوار له عماد الدين الحكيم، وقد عُرض على “التونسية”، وتدور أحداثه حول مشاكل أطفال الأحداث حيث يصور مآسي وأحلام هؤلاء الأطفال الذين تُلقي بهم الحياة كضحايا أو مذنبين في مراكز إصلاح الجانحين ليكبروا بين قضبان السجون.

الدراما المغربية.. مرتبة دون الجزائر وتونس

لم تستطع الدراما المغربية أن تكون بمثل القوة التي شهدتها السينما، أو أن تواكب نظراءها في كل من الجزائر وتونس، لكن هناك العديد من المحاولات المهمة لتقديم أعمال مغايرة تكسب من خلالها جمهورا جديدا ومشاهدين محليين تعوّدوا على ما يأتيهم من الخارج.

ويعود هذا الأمر لعدد من الأسباب التي سبق أن ذكرناها متفرقة، وتأتي هذه الأعمال المنتجة من القنوات التلفزيونية العمومية من أجل كسر هذه الهيمنة وتوسيع دائرة التلقي والمتابعة لديها، وقد استجاب معظمها إلى مبدأ التنوع، لكن الكيف لا يزال يبحث له عن مكان بينها، غير أن هناك بشائر ومعطيات تشير بأن هذه الدراما في تطور مستمر، وستخلق هذه التراكمات الإبداعية مواد قوية في المستقبل.

 

بين الدراما العائلية والسياسة.. محتوى متلون في المغرب

من بين جملة ما أنتج في 2019، مسلسل “قصر الباشا” الذي أخرجه أنور معتصم، وعرض على القناة الثانية، ويروي المسلسل قصة مطلقين دخلا سويا كشريكين في مشروع استثماري سياحي، في محاولة منهما لتناسي تلك العلاقة التي جمعتهما في السابق، رغم أن عاطفة الحب لا تزال تسكن الزوجة، لكن كل شيء يتغير عندما تدخل الشابة رحمة إلى الخط، مما يجعلها طرفا في هذه العلاقة، ومن هنا تبدأ المشاريع الشخصية والمصالح الاستثمارية تتداخل في الفندق.

كما عرضت القناة الأولى الجزء الثاني من مسلسل “رضاة الوالدة 2” الذي أخرجته زكية الطاهري، وهو عمل تم اقتباس تفاصيله من فيلم وثائقي، ويحكي قصة شاب مغربي وضياع مستقبله بسبب البطالة على الرغم من حصوله على شهادة جامعية، مما يدفعه للجوء إلى طرق ملتوية بعد أن كان قد جرب قبلها مجموعة من الوظائف الحرة وغير الحرة دون جدوى.

كما أخرج هشام الجباري مسلسلا دراميا تحت عنوان “الماضي لا يموت” وقد عرضته القناة الأولى أيضا، حيث تم تقديم قصة اجتماعية تدور أحداثها حول أحد الآباء يحاول جاهدا الحفاظ على أسرته، وعلى العلاقات بين جميع أفرادها بعد أن عاشوا قصصا انتقامية وصراعات نفسية كبيرة.

أما مسلسل “الزعيمة” فقد ذهب إلى التشويق والأحداث السياسية، وهو من إخراج علاء أكعبون، ويغوص المسلسل في أعماق عالم السياسة ويكشف عن خباياها، كما يركز على العنصر الأنثوي كعنصر فاعل في الحياة السياسية من خلال دور البطولة لمريم الزعيمي التي تلعب دور مناضلة سياسية، نعيش معها معاناتها اليومية لتفرض نفسها في الساحة السياسية وكذلك كيف توفق بين حياتها المهنية والسياسية.

 

الصناعة الفنية في المغرب.. أرض خصبة قل نظيرها

تحمل هذه الأعمال المغربية بذرة التغيير للخروج من تبعية الدراما الأجنبية التي أنتجت مُشاهدا استنسخ ثقافتها وأجواءها بعد أن أثرت عليه بشكل كبير، وقد شخّص الكاتب المغربي بوسلهام عميمر وضع الدراما المغربية في مقاله “الدراما المغربية.. ما الذي ينقصها؟”.

ومن جملة ما قال الكاتب عميمر: ألم يحن الوقت بعدُ لفتح نقاش جديّ وهادف بخصوص الدراما المغربية وقد مرت عقود على انطلاقتها، وحققت تراكما كميا لا بأس به، وكذا الميزانيات التي ترصد لها كل موسم، وبسط سؤال الجدوى، خاصة في ظل اكتساح الإنتاج الدرامي الأجنبي لسوق المشاهدة منذ سنوات؟ أعتقد أننا نملك من المقومات ما يؤهلنا لإنتاج دراما وطنية في المستوى، من غنى طبيعي هائل قل نظيره، بحار ووديان وغابات وجبال وسهول وصحاري ورمال وثلوج ومناخ متنوع، وموقع جغرافي مهم يصل بين أوروبا وأفريقيا، ثم -وهو الأهم- إن بلدنا من البلاد القليلة التي تتوفر على تاريخ زاخر وطافح بالأحداث، أعتقد أنا لو وجدنا الكاتب البارع والمخرج المتمكن من الإخراج الدرامي والسيناريست المتضلع في صنعته والمصور وغيرهم، وطبعا قبلهم من يؤمن بالإنتاج الوطني من المستثمرين؛ فلا أظن أن درامانا ستكون أقل إثارة مما نتابع فصوله لدى الدراما الأجنبية.

 

الدراما الموريتانية.. اسكتشات يرى فيها المجتمع نفسه

من الصعب تصنيف الأعمال التي ينشرها التلفزيون الموريتاني على أنها أعمال درامية، وهذا ليس انتقاصا من حجم المجهود الذي تبذله بعض الجهات، بقدر ما هو توصيف للقيمة الفنية التي تحملها هذه الأعمال التي تأتي في مجملها كتراكيب سمعية بصرية، تقدم تقاطعات تمثيلية، لكنها ورغم عدم حرفيتها فإنها تُرضي بعض العائلات الموريتانية التي تريد أن ترى صورتها وثقافتها ومجتمعا في هذه الأعمال التي غيّبتها الدراما العربية والأجنبية.

وقد سبق لموقع الجزيرة نت أن نشر تحقيقا عن هذا الموضوع، وفيه حوار مع المنتج التلفزيوني الموريتاني محمد الدده الذي شخّص هذا الوضع وقال عما يُنتج: ما يتم بثه في القنوات الموريتانية على أنه دراما يمكن تسميته اسكتشات خفيفة تعالج بعض المسلكيات في المجتمع، لكنها لا يمكن أن تقارن بباقي الإنتاج الدرامي العربي.

ويضيف: إن ما نشاهده في الإنتاج الموريتاني عمل شخص واحد، يقوم بعمل سيناريو، ثم يختار بعض الهواة من أجل تجسيد الأدوار.. ورغم ذلك فإن هذه المحاولات -رغم ضعفها فنيا- استطاعت أن تصنع الفرجة للأسرة الموريتانية التي تريد فنا يعكس خصوصياتها، رغم سيطرة الدراما العربية السورية والمصرية خاصة.

 

الدراما الليبية.. إنتاج ذابل تحت القصف

الدراما الليبية هي الأخرى تقع تحت مشكلة التوصيف والتصنيف كمثيلتها الموريتانية، لكن تختلف فقط في المسببات، ومن بين أهم هذه المسببات الحرب الدائرة فيها منذ سنوات، ولم تنتهِ إلى اليوم بسبب الرصاص الذي لا يتوقف والقصف العشوائي الذي لا يفرق بين مدني وعسكري، وبين ما هو ثقافي ترفيهي ومن يحمل البندقية.

لذا اعتمدت العديد من القنوات على بعض المحاولات التي لا تعكس ما يود أن يراه المشاهد الليبي الذي تعوّد على دراما أجنبية قوية، في انتظار أن تتغير الأمور والمعطيات حتى تتغير معها الدراما الحالية لخلق أعمال أكثر احتراما وأكثر فنية، يحترم فيها عقل المشاهد الليبي والعربي على العموم.