السينما البريطانية في 2019.. رحلة في فلك الهجرة والحرب والتاريخ

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. ويقرأ مقال عدنان حسين أحمد أهم الأفلام البريطانية لعام 2019.

 

عدنان حسين أحمد

أنجزت السينما البريطانية خلال العام المنصرم 194 فيلما روائيا ووثائقيا طويلا، بحسب موسوعة ويكيبيديا، لكنها تستثني من هذه القائمة الأفلام القصيرة والمتوسطة الطول، والأفلام التلفازية، آخذين بنظر الاعتبار أن هذا العدد يتعرض للزيادة أو الانحسار بحسب الظروف الإنتاجية التي تمرّ بها المملكة المتحدة.

ولا بد أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى أنّ الفيلم البريطاني “هو ذلك الفيلم الذي يُقتَبس من مصدر بريطاني، أو يُصوّر جزئيا في المملكة المتحدة أو يقع بعض أحداثه فيها، أو أنّ غالبية طاقم التمثيل هم بريطانيون” بحسب المصدر أعلاه.

تلبّي الأفلام المُنتجة كل سنة رغبات الجمهور وتطلعاتهم إلى أنواع محددة من الأفلام الروائية على وجه الخصوص، إذ تحتل أفلام الرعب والحركة والجريمة المرتبة الأولى في اهتمام المواطن البريطاني، وخاصة شريحة الشباب والمراهقين الذين يفضّلون التشويق والعنف ولا يجدون حرجا في كمية الدماء المُراقة على الشاشة.

أما فئة الشيوخ فيجدون متعتهم الخالصة في مشاهدة الأعمال التاريخية التي تنبش في حياة الملوك والأباطرة الذين حكموا المملكة المتحدة أو توسعوا خارجها، فقد عُرفت هذه المملكة ذات يوم “بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”، وربما تكون الحروب الداخلية والخارجية هي المادة التي تتكرر في الكثير من الأفلام التاريخية، إضافة إلى قصص الحُب ومؤامرات القصور الملكية وما تفضي إليه من إعدامات ومجازر وحشية يصعب مُشاهدتها في بعض الأحيان.

وهناك الأفلام الدرامية والرومانسية التي تحظى بنسبة جيدة من المُشاهدين الشباب أو كبار السن الذين يسترجعون قصص حبهم، ويستعيدون الزمن الجميل الذي أصبح جزءا من ماضٍ يبتعد كلّما تقادمت الأعوام، وهذا الأمر ينسحب على أفلام الخيال العلمي وغزو الفضاء أو الغزو المعاكس الذي تقوم به الكائنات الفضائية القادمة من كواكب ومجرات أخرى عديدة.

وارتأينا في هذا المقال أن نركّز على ثلاثة أفلام روائية هي:

1. “الصبي الذي سخّر الرياح” للمخرج البريطاني “شويتيل إيغيوفور” الذي تُشجّع مادته الاكتشافات العلمية وتمجّد العلماء والمبتكرين.

2. فيلم “آثار ما بعد الكارثة” للمخرج “جيمس كينت”، ويرصد آثار الحرب العالمية الثانية على المجتمع الألماني خاصة من دون أن ينسى شخصيات بريطانية لم تنجُ من هول الكارثة الكونية في حينها.

3. أما الفيلم الروائي الثالث فهو “الطوفان” للمخرج “أنتوني وودلي” الذي يتمحور حول هجرة أحد المواطنين الإريتريين إلى المملكة المتحدة والمصاعب الكثيرة التي يتحملها بغية الوصول إلى المملكة وتحقيق حلم العيش بين ظهراني المجتمع البريطاني.

كما اخترنا فيلمين وثائقيين مهمّين جدا:

– الأول يحمل عنوان “دييغو مارادونا” للمخرج البريطاني “آصف كباديا”، وقد تتبّع فيه حياة اللاعب الأرجنتيني “مارادونا” في صعوده وتألقه، كما رصد سقوطه وانهياره الكلّي حينما تحوّل إلى مريض نفسي يُعالج من الإدمان في إحدى المصحات النفسية في بوينس آيريس.

– الثاني هو “ما بين الحياة والموت” للمُخرجَين “ريتشارد دا كوستا” و”أليكس باركنسن” اللذين رصدا فيه غوّاص التشبّع “كريس” الذي غاص إلى قاع بحر الشمال وتقطعت به السبل وكان عليه أن يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة.

 

الأفلام الروائية

1. “الصبي الذي سخّر الرياح”.. ثنائية الحياة والموت

أثار الفيلم الروائي “الصبي الذي سخّرَ الرياح” للمخرج البريطاني ذي الأصول النيجيرية “شويتيل إيغيوفور” العديد من القضايا الجوهرية أبرزها ثنائية الحياة والموت وما يتخللهما من أسئلة عويصة، وإذا كان الغموض يهيمن على سؤال الموت وطبيعة العالم الآخر، فإن الحياة نفسها لا تخلو من الشك والحَيرة والالتباس.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الفيلم مستوحى من قصة حقيقية كتبها “ويليام كامكوامبا” بالاشتراك مع “برايان ميلر” وهي تحمل العنوان نفسه. وبما أنّ المُخرج “إيغيوفور” -وهو كاتب السيناريو نفسه- قد ركّز على السيرة الذاتية للصبي “ويليام” دون أن يهمل الحكايات والالتماعات الأخرى التي أثْرَت المسار السردي الرئيسي وعمّقته إلى أن تتوّج بنتيجة عبقرية أسفرت عن اختراع طاحونة الهواء التي أنقذت أهالي القرية من المجاعة والهلاك؛ فهناك قصة الحُب السابقة لأبويه “ترايْويل” و”أغنيس كامكوامبا” اللذين ينتميان إلى أسرة مرفّهة تقريبا رغم أنهما يمتهنان الزراعة لكنهما متفتحان ذهنيا، وقد بذلا الغالي والنفيس من أجل تعليم ابنتهما “آني” وولدهما المتوقد الذهن “ويليام”.

كما تنمو أمام أعين المُشاهد قصة حُب إشكالية بين المعلّم “مايك كاتشيغوندا” و”آني” التي تحلم بإكمال دراستها الجامعية في العاصمة، ولا تجد حرجا في القول إن شباب قرية “ومبي” كلهم لا يرتقون إلى طموحاتها الشخصية، فهي شابة مغرورة ومتعالية في بيئة فلاحية بسيطة.

وبموازاة الحُب والعواطف المتأججة تلوح في الأفق السياسة، وتطلُّ علينا أكاذيب الديمقراطية وتخرصاتها في دولة منسيّة مثل جمهورية مالاوي الواقعة في جنوب شرق أفريقيا.

والد “ويليام” يوافق على إعطاء ابنه دراجته الهوائية الوحيدة كي يستخدم مولّدها الكهربائي في تنفيذ مشروعه

 

عوز يغتال شغف الدراسة.. ملامح الديمقراطية المزعومة

لعل الموضوع الأبرز في هذا الفيلم هو الشغف بالدراسة، والحرص على التعلّم والابتكار، فلقد بذل الأبوان كل ما بوسعهما من أجل تسديد الرسوم الدراسية لابنهما “ويليام”، لكنهما لم يفلحا في ذلك بسبب الضائقة المادية التي تمرّ بها العائلة، الأمر الذي أفضى لاحقا إلى طرده من المدرسة لأنه لم يُكمل دفع القسط الثاني من الأجور. ومع ذلك فقد أفاد من مكتبة المدرسة، وتعرّف على بعض الكتب العلمية مثل “استغلال الطاقة” و”شرح الفيزياء” كما سأل المعلّم “كاتشيغوندا” الذي يدرّس مادة العلوم عن كيفية صنع الدينامو والمفاصل الأساسية المكونة له.

تتفاقم المجاعة إثر موجة الجفاف التي تضرب عموم البلاد فيطلب المعلّم “كاتشيغوندا” من “آني” أن تهرب معه إلى مدينة مانغوشي لأنه لا يستطيع دفع مهرها فتمتنع أول الأمر خشية العار الذي سيلحق بالأسرة ويشوّه سمعتها في هذا المكان الضيّق، لكنها ترضخ أخيرا عندما ترى بأم عينها أن الجوع قد بدأ يفتك بأفراد أسرتها وأنّ أباها يمتنع عن تناول الطعام كي لا يتضور أبناؤه جوعا. عند ذلك كتبت رسالة إلى أهلها مفادها أنّ فردا أقلّ في العائلة يوفر كمية من الطعام للآخرين بعد أن تقلصت الوجبات الثلاث إلى وجبة واحدة في اليوم.

تتدخل الدولة الفاسدة بشكل طفيف لتزوّد المواطنين بحصص تموينية مدعومة لكنها لا تسدّ الرمق، وحينما يتذمّر الناس في التجمعات والاحتفالات الرسمية تتصدى لهم القوى الأمنية وتقمعهم بكل ما أوتيت من قوة وعنف مُفرط، ليتضح أنّ الديمقراطية المزعومة التي جيء بها إلى هذا البلد ما هي إلاّ أكذوبة جديدة تضاف إلى أكاذيب الساسة أو المستبدين الجدد الذين يتناسلون جيلا إثر جيل.

مشروع طاحونة الهواء الذي حلّ به الطفل “ويليام” مشكلة مولّد الكهرباء في بلده

 

طاحونة الهواء.. صناعة الحياة

يتوسل “ويليام” لأبيه أن يعطيه دراجته الهوائية الوحيدة كي يفككها ويستعمل مولّدها الكهربائي في تنفيذ مشروع طاحونة الرياح، لكنه يرفض في كل مرة معتقدا أن ولده يحلم، بينما يشير واقع الحال إلى أنّ الابن يعرف أشياء كثيرة لم تطرأ على بال الأب ذات يوم.

ومثل كل النهايات السعيدة تتدخل الأم فيتنازل الأب عن الدراجة ويترك لابنه أمر تقطيعها وتركيبها في أعلى برج طاحونة الهواء، وما إن تتحرك ريَش المروحة وتشحن البطارية حتى تبدأ المضخّة بسحب الماء من البئر العميقة، فيندفع إلى السواقي الجافة التي تكتسي باللون الأخضر في غضون أيام معدودة.

بعد النجاح الكبير الذي حققه ويليام يحصل على منح دراسية محلية وعالمية متعددة تتوّج بنيل شهادة الدراسات البيئية من كلية “دارتموث” في أمريكا. أما والداه “ترايويل” و”أغنيس” فلا يزالان يعيشان في قرية “ومبي” ذاتها ويحصلان على الكهرباء اللازمة للزراعة من طاحونة الهواء التي صنعها ابنهما العبقري. بينما لم تستطع “آني” الابنة المتعالية أن تكمل دراستها الجامعية، لكنها نجحت في إنجاب أربعة أولاد كانوا يزورون قرية “ومبي” بانتظام بصحبة والديهما اللذين كفّرا عن الذنب الذي ارتكباه في لحظة متوترة غامضة.

 

2. “آثار ما بعد الكارثة”.. الحرب والحب

لا يقتصر اهتمام المخرجين البريطانيين على الحروب القديمة والحديثة، فقد أنجزوا عنها الكثير من الأفلام الروائية والوثائقية، لكن ميزة فيلم “آثار ما بعد الكارثة” للمخرج البريطاني جيمس كينت تكمن في مناقشته للنتائج والكوارث التي أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية على ألمانيا تحديدا، ولو شئنا الدقة لقلنا على مدينة هامبورغ بالذات لأنها تحولت إلى أنقاض وركام من البنايات المدمرة التي طمرت تحتها أكثر من 25 ألف جثة لم يَعثر عليها ذووها بعد ستة أشهر من توقف الحرب الكونية الثانية.

مقطع من فيلم “آثار ما بعد الكارثة” وتظهر فيه مدينة هامبورغ مدمرة بفعل الحرب العالمية الثانية

 

مثلث الحُب الرومانسي.. لمسة “شكسبير”

يندرج هذا الفيلم الدرامي تحت تصنيفي الرومانسية والحرب، فهناك الحُب والهجر والخيانة الزوجية التي يمكن تلمّسها في مثلث الحُب الرومانسي الذي يجمع بين الزوج والزوجة والعشيق، وقد شهدنا “ثلاثية الحُب” في مسرحية “روميو وجولييت” لشكسبير، ورواية “الكونت دي مونت كريستو” لألكساندر دوما، ومئات الأفلام العربية والعالمية حتى غدا هذا المثلث العاطفي تقليديا رتيبا لا ينطوي على مفاجآت كثيرة ما لم يُعالَج بطريقة فنية جديدة.

وقبل الولوج إلى هذا المثلث الإشكالي لا بد من الإشارة إلى شخصية العقيد “لويس مورغان” الذي تقمّص دوره الممثل الأسترالي جيسون كلارك وأبدع فيه لأنه بدا مُقنعا في كل المراحل والأزمات التي مرّ بها منذ خطوبته وزواجه ومقتل ابنه الوحيد “مايكل” بالقصف الجوي الألماني وهو في سن الـ11، ثم انتقاله للعمل قائدا مسؤولا عن إعادة إعمار مدينة هامبورغ التي دمرتها الحرب العالمية الثانية.

وبعد أن يستقر العقيد “مورغان” في منزل المهندس الألماني “ستيفان لوبيرت” الذي جسّد شخصيته الممثل السويدي “أليكساندر شكارشكورد” وتألق فيها، يدعو زوجته المقيمة في لندن للمجيء إلى هامبورغ، لكنها تصعق عندما تكتشف أنها ستتشارك السكن مع عائلة ألمانية تكنّ لها العداء لسبب غير مبرر وهو فقدان ابنها الوحيد في إحدى الغارات التي شنّها السلاح الجوي الألماني.

وعلى الرغم من أنّ العائلة الألمانية المُؤلفة من أبٍ أرمل فقدَ هو الآخر زوجته عندما دمّرت القنابل البريطانية مدينة هامبورغ وراح ضحية القصف الوحشي قرابة 40 ألف قتيل، الأمر الذي ولّد نوعا من التحامل لدى “فريدا” الابنة الوحيدة والمضطربة للمهندس “ستيفان لوبيرت”؛ فلا غرابة أن تعتبر العقيد “لويس” الذي استولى على منزلها سارقا يستحق الإساءة والعقاب.

ومع مرور الوقت تتعاطف “ريتشل” التي أدت دورها الممثلة “كيرا نايتلي” مع المهندس “ستيفان لوبيرت” وابنته “فريدا”، بل إنها تذهب أبعدَ من ذلك حينما تطلب من زوجها أن يساعده في إنجاز معاملة الإخلاء التي تسمح له بالسفر إلى مدن أخرى ضمن الحدود الألمانية.

ريتشيل تتفاجأ عند مقدمها إلى هامبورغ بأنها ستتشارك السكن مع ألماني تكنّ له العداء

 

خيانة الزوج أم خيانة الوطن؟

عندما يُعتدى على “لوبيرت” من قِبل الجنود البريطانيين في الاحتجاجات الشعبية المُطالبة بالمُؤن الغذائية، تُعقِّم “ريتشل” إصابته في الرأس وتخوض معه حوارا لا يخلو من عتاب وشعور بالانجذاب إليه يدفعها في الحال إلى تقبيله واحتضانه غير مرة، الأمر الذي يفتح أمامها باب الخيانة الزوجية على مصراعيه.

تُرى هل تعاطفت معه وأرادت أن تحطم جدران العزلة القاتلة التي يعيشها هذا المهندس المجرّد من منزله وحريته وحياته الأُسرية، أم أنّ السيدة “ريتشل” تعاني من أزمة نفسية وعاطفية لم تبُح بها حتى هذه اللحظة التي تمارس فيها خيانتها الزوجية وانتقامها من “لويس” الذي أحبّته في يوم ما، ثم تنكّرت لهذا الحُب في ظرف غامض سنكتشفه قبل أن يطوي الفيلم أحداثه الأخيرة؟

تتكرر اللقاءات الحميمة بين “ستيفان” و”ريتشل” حتى إنهما يذهبان إلى منزله الجبلي المكلّل بالثلوج ويتفقان على الرحيل معا إلى مدينة أخرى، بعد أن تخبر زوجها وتكاشفه بكل الأفكار التي تعتمل في ذهنها. لم يكن “لويس” -وهو الحاكم الفعلي للمدينة- بعيدا عن إشارات الضباط الأصدقاء وتلميحاتهم المُوخزة التي تنقِّب في الأسباب التي تدفع زوجته لمساعدة المهندس الألماني “لوبيرت” والتعجيل في إنجاز معاملة الإخلاء التي يلحّ عليها منذ مدة ليست بالقصيرة.

لا تتردد “ريتشل” في البوح بخيانتها لزوجها، لكنه كان يلحّ لمعرفة اللحظة التي انتهى فيها هذا الزواج، فيأتيه الردّ الصادم: لقد انتهى منذ وفاة مايكل.

كلاهما يحمّل الآخر مسؤولية موت “مايكل”، لكنها كانت تلوم زوجها وتضعه دائما في زاوية التقصير الذي يتكتّم عليه ولا يُحسن الدفاع عن نفسه. وفي إحدى الحفلات الرسمية يلمّح له أحد الضباط بوجود هذه العلاقة فيذهب إليها مباشرة لكنها تنفعل وتغادر الصالة، فيتبعها ويحشرها في المقعد الخلفي في سيارته العسكرية ويتولى القيادة بنفسه، بينما يجلس السائق إلى جواره ليأخذنا الفيلم إلى أحداث أخرى تتعلّق بالمقاومة النازية التي تعمل خلف خطوط العدو وتستهدف كبار شخصياته.

وبينما كان العقيد متجها إلى منطقة مُشجرة عند حافة المدينة يتعرض لرصاصة تخطئه، لكنها تصيب السائق الذي يلقى حتفه، فيترجل العقيد “لويس” ويطارد القاتل “بيرتي” الذي يسقط في مياه مكسوّة بالجليد ويلقى حتفه فيها، وكانت صديقته “فريدا” تصرخ طالبة إنقاذه فيأخذها العقيد معه بالسيارة ويعود إلى المنزل، بينما ينشغل جنود آخرون بنقل جثة السائق الذي فارق الحياة بعجلة أخرى إلى ثكنته العسكرية.

علاقة ريتشيل والألماني بدأت متوترة، ثم تدحرجت الأحداث إلى تعاطف فعشق

 

ثلاثية الحب.. الكل خاسر

للمرة الأخيرة يسأل “لويس” زوجته عن الطريقة التي مات بها ابنه، وهل تألم كثيرا أم لا؟ فتجيبه بأن الانفجار كان سريعا وخاطفا، الأمر الذي يخفف قليلا من غلوائه، فيعترف لها بأنه لم يكن يريد أن يهجرها أبدا لكنه كان مضطرا لذلك. ثم يبوح بحقيقة مشاعره الصادقة قائلا: كنتُ أرى وجه مايكل في كل مرة أنظر فيها إليك، وكنتُ أسمع صوته في كل مرة أراك فيها تضحكين، وأشمُّ رائحته في كل مرة ألمسكِ فيها.

عندها تعانقه وتترقرق عيناها بالدموع وهو يؤكد لها بيقين ثابت: أنتِ أفضل جزء مني يا “ريتشل”، وستكونين كذلك دوما.

ومع كل هذه المشاعر المتدفقة تغادر “ريتشل” المنزل وتتجه مع عشيقها “ستيفان لوبيرت” إلى محطة القطار، ولكن في لحظة فارقة تتخذ قرارها الحاسم وتعود إلى زوجها الذي كان يتهيأ للعودة إلى وطنه فتحتضنه بقوة وتقبّله قُبلة حميمية تنسيه اللحظات العصيبة التي انخرط فيها باكيا وهو يشمُّ كنزة ابنه الراحل الذي تسامت روحه إلى السماء.

ما يميّز “ثلاثية الحُب” هذه أنّ أبطالها جميعهم خاسرون، فلقد خسرت “ريتشل” ابنها، كما خسرت زوجها لبضع سنوات لكنها استعادته في اللحظات الأخيرة. أما “ستيفان لوبيرت” فقد أضاع زوجته “كلوديا” بينما فقدت ابنته “فريدا” الأم والحبيب في آنٍ معا.

 

3. “الطوفان”.. حُلم الوصول إلى أرض الأحلام

لا تمرّ بضعة أشهر في المملكة المتحدة من دون أن نرى فيلما روائيا أو وثائقيا عن المُهاجرين أو المُقتلَعين من جذورهم أو ربما الباحثين عن تحقيق أحلامهم الوردية في الثروة والمال والعيش الكريم، لكن فيلم “الطوفان” للمخرج “أنتوني وودلي” يرصد حكايات عديدة في قصة سينمائية حبكتها جيدا كاتبة السيناريو “هيلين كينغستون”.

وعلى الرغم من أنّ طلب اللجوء هو المحور الرئيسي للفيلم وخاصة للشاب الإريتري “هايلي” الذي أدى دوره “إيفانو جيرمايا” ونساء أخريات قدِمن من بلدان متعددة من بينها باكستان وأفغانستان وغيرهما من الدول التي يعشش فيها الإرهاب ويتراجع فيها القانون وتُهيمن فيها القبائل المسلّحة التي لا تُعير بالا للشرطة والجيش وبقية الأجهزة الأمنية؛ فإن هناك محاور جانبية أخرى موازية للهجرة واللجوء أبرزها الانفصال وتفكّك الأسرة البريطانية على الرغم من الحياة المرفّهة التي يعيشها المواطن البريطاني الذي يتمترس خلف وظيفة جيدة، ويتقاضى راتبا ممتازا يؤمِّن له هاجس العيش الرغيد، والسفر في الإجازة السنوية بهدف الراحة والاستجمام وما إلى ذلك من مظاهر الحياة الاجتماعية المتحضرة.

طالب اللجوء الإريتري هايلي يتعرض للاستجواب من ويندي الحاذقة المتشددة

 

الأسرة البريطانية.. تفكك ورفاهية

في مقابل طالبي اللجوء “هايلي” وفائز وزوجته “ريما” وآلاف اللاجئين الذين يفِدون إلى المملكة المتحدة كل عام؛ تقف “ويندي” (الممثلة لينا هيدي) الضابطة في مصلحة الهجرة كمعادل موضوعي لهم وإن اختلفت الاعتبارات، فهي موظفة حاذقة ومتشددة وتستطيع أن تكشف بذكائها صدق طالب اللجوء من كذبه بواسطة أسئلة مليئة بالفخاخ لا تُتيح مجالا للتملص والهرب، لكنها على الصعيد الإنساني امرأة منكسرة، وأم مخذولة تخلّت عن ابنتها الوحيدة وعاشت في شقة منفصلة عن زوجها وأسرتها الصغيرة. وقد رأيناها تعبئ قنينة الماء بالخمر كل صباح لتحتسيه في أثناء العمل موحية لبقية الموظفين وكأنها تشرب الماء.

لا تسير القصة السينمائية بخط مستقيم لأن الأحداث متداخلة، وقد اعتمدت كاتبة السيناريو على تقنية الاستعادات الذهنية (فلاش باك)، فما إن يَروي “هايلي” حادثة ما كي يؤكد مزاعمه حتى يعود بنا إلى ماضيه الشخصي وأسرته المفككة أيضا، فأبوه رجل أعمال أوغندي فُقِد من دون أن نعرف الأسباب، وأمه الإريترية “ويندي” التي تحمل اسم ضابطة الهجرة نفسه تخلّت عنه أيضا وهو في سن الخامسة من دون أن يُحيطنا بالأسباب المُوجِبة، الأمر الذي يفتح مخيّلة المُشاهد على احتمالات عاطفية ونفسية كأن تكون مرتبطة بشخص آخر أو أنها مريضة نفسيا بحيث نفرت من هذا الصبي وتركته يواجه الحياة في أقصى لحظات عنفها.

وبسبب هذا الضياع والتشرّد التحق “هايلي” بالجيش وأصبح جنديا، لكنه عصى تنفيذ الأوامر ولم يُطلق النار على شخص إريتري لأنه عبر الحدود، وإنما أطلق النار إلى جواره وطلب منه أن يتمدد في القبر الذي حفره بيده، وحينما عادت المفرزة العسكرية في اليوم الثاني لم تجد الجثة المُفترَضة الأمر الذي دفعهم لتعذيب “هايلي” لمدة ستة أيام متتالية كانوا يتناوبون على جَلد ظهره العاري بالسوط بينما هو مقيّد إلى عمود حديدي ثابت في الأرض. وفي اليوم السابع يعبر الحدود زحفا على بطنه لأنه لم يستطع المسير، وبينما كان “هايلي” يواصل الزحف التقى بالشاب الذي عَبرَ الحدود لكنه كان ميتا وهو يُمسك بعملة معدنية عثر عليها حينما كان يحفر قبره بيده، فأخذ العملة وواصل رحلته إلى المجهول.

تستمر مَشاهد الفيلم على هذه الشاكلة المبنية على تقنية الاستجواب الذي تقوم به “ويندي” ضابطة الهجرة، واسترجاع الأحداث التي مرّت على “هايلي” البطل أو السارد الذي يروي الأحداث. وبما أنّ طالب اللجوء -أيا كان عِرقه أو بلده أو دينه- موضع شكّ وشُبهة من قِبل السلطات البريطانية، فعليه الإجابة على قائمة طويلة من الأسئلة المُستفزة من قبيل: هل تورطتَ بالإرهاب أو دعمتهُ ذات يوم أو تواطأت معه؟ هل دخلت السجن لقضية جنائية ما أو احتُجزت أو اتُّهمت لأنك تجاوزت القانون أو انتهكته ذات يوم؟

هايلي اللاجئ يعبر الحدود البريطانية زحفا لأنه لا يستطيع المسير

 

التلبس بآلة القتل.. أحداث حقيقية لا تخلو من خيال

لا بد من الإشارة إلى أنّ قصة فيلم “الطوفان” مستوحاة من أحداث حقيقية، وأن خيال المؤلفة هو الذي أثّث بقية أحداث السيناريو الفرعية. فالبطل الإريتري “هايلي” قطع مسافة خمسة آلاف كيلومتر برا وبحرا كي يصل إلى المملكة المتحدة أو “أرض الأحلام”، فقد تعلّم الإنجليزية من أمه، وهو لا يريد أكثر من العيش في هذه الجزيرة المنغلقة على نفسها، وقد أمضى في خيام غابة “كاليه” نحو 47 يوما تطوّع خلالها لإقناع المهرّب “نصرت” أن يهرّبهُ إلى جانب فائز وزوجته الحامل “ريما” من دون أن يذكر اسميهما لأن مهرّب البشر الباكستاني لا يحب الباكستانيين ولا يفضّل التعامل معهم.

يأخذ الفيلم الدرامي في هذه المرحلة طابع الخوف والترقّب والجريمة، فثمة أشخاص آخرون في جوف الشاحنة ينزعج أحدهم من سُعال فائز الذي أخذ يتعالى بسبب مرضه، فاستلّ سكّينا لطعن المريض وإسكاته إلى الأبد، غير أن خفّة “هايلي” وبراعته في الدفاع عن النفس وضعت حدا لرعونة هذا الشخص الساخط وأعادته إلى رشده.

لكن الإشكال الذي لم يحسب له “هايلي” حسابا هو أنه ظل محتفظا بالسكين تحت حزامه، وحينما يشك الشرطة بالشاحنة ويهرب كل منْ فيها باستثناء “هايلي”؛ فإنه يُمسَك متلبساً بهذه الآلة الجارحة التي يهدد بها أحد الضباط، فتتحول لاحقا إلى دليل إدانة جُرمية، بينما يظل يصرخ لحظة القبض عليه لبعض الوقت كي يتيح الفرصة لـ”ريما” الحامل أن تهرب وتنجو بجلدها خاصة بعد أن فارق زوجها الحياة في جوف الشاحنة.

تتعاطف “ويندي” مع طالب اللجوء “هايلي” لكنها لا تميل إلى تصديق حكايته، فهذا الإريتري القادم من أعماق القارة السمراء يُذكِّرها بمحنتها الشخصية التي تتمثل بالتخلي عن ابنتها من دون أن نعرف الأسباب، وربما يكون الجانب النفسي هو أحد الأسباب المُواربة التي تختبر ذهنية المُشاهد وتحثّه على التفكير بالفيلم وإيجاد السبب، وهذه مسؤولية الأفلام الناجحة التي تحثُّ المُشاهد على التفكير والمُشارَكة وإِعمال الذهن.

ويندي تخفي وراء شخصيتها المتشددة امرأة منكسرة وأما مخذولة تخلت عن ابنتها الوحيدة

 

المحققة السكرى.. أدلة متأخرة الظهور

يطول التحقيق كعادة “ويندي”، ويأتي الجواب من مصلحة الهجرة برفض طلب اللجوء والإقامة في المملكة المتحدة، لكنها ما إن تبدأ التحقيق مع “ريما” المرأة الحامل حتى تتيقن من صحة أقاويل “هايلي” فيما يتعلق بحيازته للسكين، أو اشتراكه في بعض الاحتجاجات الإريترية التي قرأتها في بعض الصحف، فتطلب من مديرها في العمل أن يُوقف أمر ترحيله لأنّ هناك أدلة جديدة ظهرت إلى الوجود، وأنها تعترف بالخطأ الذي اقترفتهُ ويتوجب عليها تصحيحه، وحينما يعترض المدير على إعادة تقييم الحالة تخبره بأنها كانت تحت تأثير الكحول وتلقي إليه بقنينة الماء ليتأكد بنفسه أن السائل الذي بداخلها هو خمر وليس ماء، عندها تُمدد الجهات المعنية إقامة “هايلي” لبعض الوقت كي تُستأنف قضيته من جديد.

أما عنوانه المثبت على ملف قضيته فهو نفس عنوان “ريما” المرأة الباكستانية التي مدّ لها يد العون والمساعدة وأنقذها من الترحيل القسري لأنها دخلت حدود المملكة المتحدة بطريقة غير شرعية، وما إن يطرق الباب حتى تخرج “ريما” وتتسع ابتسامتها شيئا فشيئا، بينما يأتينا صوت طفلها الرضيع من الداخل في إشارة واضحة إلى أنها ليست وحيدة رغم غياب الزوج الذي انتقل إلى جوار ربه في أوقات عصيبة لهذه الأسرة المُهاجرة. أما “ويندي” فقد استجابت لزوجها أن يجتمعا في اليوم التالي كي ينفصلا بشكل حضاري من دون جَلَبَة أو ضوضاء تزعج الآخرين.

ينطوي هذا الفيلم الروائي الدرامي على جانب توثيقي، ولو وضعنا جانبًا القصة المستوحاة من أحداث حقيقية فإن عنوان الفيلم “الطوفان” مستوحى هو الآخر من رقم دقيق توصلت إليه مؤسسة الهجرة بأن عدد اللاجئين الذين تدفقوا إلى أوروبا من مختلف دول العالم التي تشهد حروبا واضطرابات وموجات قمع متلاحقة قد بلغ 70 مليون مواطن، وهو عدد مقارب لسكّان المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا. أما عدد الذين لقوا حتفهم وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا خلال آخر خمس سنوات فقد بلغ 18 ألف مواطن من جنسيات مختلفة لا توفر لهم حكوماتهم الحرية والأمان وسبل العيش الرغيد.

 

الأفلام الوثائقية

كثيرة هي الأفلام الوثائقية البريطانية التي أُنجزت عام 2019، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر “مُغادرة نيفرلاند” للمخرج البريطاني “دان ريد”، و”حافة الديمقراطية” للمخرجة البرازيلية “بيترا كوستا”، و”المواطن ك” للمخرج الأمريكي أليكس غبني، وسواها من الأفلام المميزة التي ترصد أشخاصا مؤثرين تركوا بصمات قوية في الذاكرة الجمعية للناس، كما فتحوا آفاقا جديدة لم يرتدْها المُشاهدون من قبل.

1. “دييغو مارادونا”.. الفتى الذهبي

يكفي أن نشير هنا إلى فيلم “دييغو مارادونا” للمخرج البريطاني ذي الأصول الهندية آصف كباديا الذي قدّم تحفته السينمائية التي تحمل اسم مارادونا نفسه. وعلى مدى 130 دقيقة تتبعنا سيرة حياة هذا اللاعب الذي وُلد في عشوائيات ضواحي بوينس آيرس ليُصبح أعظم لاعبي كرة القدم على مرّ العصور وينال عن جدارة لقب “الفتى الذهبي” الذي يتمتع بمهارات تقنية يندر أن تجدها إلاّ عند بعض نجوم كرة القدم النادرين الذين يحفرون أسماءهم بقوة في ذاكرة الشعوب.

يندرج هذا الفيلم الوثائقي الرياضي ضمن باب السيرة الذاتية لدييغو أرماندو مارادونا، كما يسلّط الضوء على أبويه وبقية أفراد أسرته إضافة إلى الظواهر التي برزت إلى السطح في عدد من البلدان التي عاش فيها قبل أن يقفل راجعا إلى مسقط رأسه ومنبع أحلامه الأولى التي تفتّقت في سنوات طفولته وصباه.

مارادونا في صغره، حيث كان مُحبا لسماع الموسيقى

 

عامل الدهشة والإبهار.. مَشاهد لم تُعرَض من قبل

يتوفر هذا الفيلم على ميزة إضافية وهي اللقطات والمَشاهِد الجديدة التي لم تُعرَض من قبل، فقد استفاد المخرج من 500 ساعة تصوير لم تُستعمل في أي فيلم سابق، الأمر الذي أضفى على هذا الوثائقي طابع الدهشة والمفاجأة والإبهار لأن حياة النجوم والمشاهير تكون غالبا مكشوفة للجميع، بينما يبحث المُشاهدون عمّا هو جديد وصادم ولافت للنظر.

ولكي نحافظ على تسلسل الأحداث ضمن الأنساق السردية لهذا الفيلم لا بد أن نتوقف عند حياة والدي “مارادونا” اللذين وُلِدا وترعرعا في بلدة إسكينا التابعة لمحافظة كورينتس في أقصى الشمال الشرقي من الأرجنتين ثم انتقلا عام 1950 إلى ضواحي “بوينس آيريس”.

وُلد “مارادونا” في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1960 في لانوس لعائلة فقيرة جدا، وكان الابن الأول بعد ثلاث فتيات، ثم رُزقت العائلة بولدين آخرين هما “هوغو” و”راؤول” اللذين أصبحا لاعبي كرة قدم مُحترفِين، وبما أنّ “مارادونا” شخصية عامة ومعروفة في بلدان العالم كلها فلا حاجة لإطالة الحديث عن مآثره الرياضية المعروفة، ومع ذلك فلا بد من التوقف عند المحطات الرئيسية في حياته الشخصية والرياضية.

ففي ربيعه الثامن اكتُشفت موهبته الواضحة في كرة القدم في نادي حي “أستريلا روخا”، وفي الـ12 من عمره تجلّت معظم مواهبه الكروية الأخرى في المراوغة والمرور وتمرير الكرات بطريقة ذكية. لعب مارادونا منذ عام 1976 في نادي أرجنتينوس جونيورز لمدة خمس سنوات، ثم انتقل عام 1981 إلى نادي بوكا جونيورز حيث سجّل 134 هدفا في 206 مباريات.

في حقبة الثمانينيات كان مارادونا اللاعب الأغلى سعرا في العالم

 

كرة القدم.. الخَلاص الوحيد

يُعدّ “مارادونا” اللاعب الأغلى سعرا في حينه، ففي عام 1982 كلفت صفقة انتقاله إلى نادي برشلونة 5 ملايين جنيه إسترليني، لكنه لم يكن سعيدا في العمل مع إدارة النادي التي وعدتهُ بمنزل وأعطته شقة سكنية. كما تعرض إلى التهاب الكبد، وكُسر كاحله جرّاء احتكاكه باللاعب الإسباني أندوني، الأمر الذي دفعه للموافقة على صفقة جديدة أبرمها مع نادي نابولي بـ6.9 ملايين جنيه إسترليني لتشهد حياته الرياضية انقلابا نوعيا في الشهرة والذيوع على مختلف الأصعدة الرياضية والاجتماعية والاقتصادية، بل إنّ جوهر الفيلم يكاد يعتمد على السنوات السبع التي أمضاها في مدينة نابولي التي أعطته الكثير لكنها أطاحت به من أعلى برج في المدينة وتركته حُطاما بعد أن أخذت منه كل شيء.

فعلى الصعيد الرياضي أوصل نابولي إلى الدوري الإيطالي مرتين، وإلى كأس إيطاليا، وكأس الاتحاد الأوروبي، وكأس السوبر الإيطالي مرة واحدة على التوالي بين عامي 1986 و1990. إن مجرد فوز نابولي بالدوري الإيطالي بسبب وجود “مارادونا” دفع جماهير المدينة لأن يضعوا صوره في منازلهم.

كما يرصد المخرج المباريات التي خاضها “مارادونا” في بطولات كأس العالم الأربع بدءا من عام 1982، ومرورا ببطولتي 1986 و1990، وانتهاء ببطولة 1994، ولعل أهم ما في بطولة عام 1986 في المكسيك هي مباراة الأرجنتين مع إنجلترا حينما احتسب فيها الحكم هدفا سجّله مارادونا بلمسة يد، أما الهدف الثاني الذي اشتهر به فهو الذي راوغ فيه خمسة لاعبين قبل أن تلامس كرتهُ الشباك الإنجليزي.

وفي عام 1994، وهي البطولة الأخيرة بالنسبة له، سجّل “مارادونا” هدفين ضد اليونان، وقد حصل على ألقاب ونعوت كثيرة تمجِّد قدرته الخارقة في لعبة كرة القدم التي يصفها بأنها “خلاصه الوحيد في هذه الحياة”.

المصورون حول العالم يجتمعون حول اللاعب الأغلى ثمنا في حينه “مارادونا”

 

ثلاثون عاما من الإنكار.. حياة “مارادونا” العاطفية

أثارت حياة “مارادونا” العاطفية زخما كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وكان المصورون الصحفيون يطاردونه في حِلِّه وترحاله، وقد زَجر بعضهم لكنه كان يغضّ الطرف عن البعض الآخر منهم.

يركز المخرج “آصف كباديا” على فتاتين ارتبطتا به؛ الأولى “كلاوديا فيلافاني”، والثانية “كرستينا سينيارا” التي أنجبت منه طفلا رفض الاعتراف به، ولكنه بعد 30 عاما من الإنكار اعترف بحقيقة علاقته مع “كرستينا”. أما “كلاوديا” فقد رافقته في السرّاء والضراء وأنجبت له خمسة أطفال متحملة نجاحاته وإخفاقاته على حد سواء.

الكوكايين.. معارك الماضي وقلق الحاضر

كان “مارادونا” يتناول الكوكايين، وقد سلّط المخرجُ الضوءَ على هذه الظاهرة الشائعة التي يعرفها مشجعوه في مختلف أنحاء العالم، كما لاحظنا أن مافيا الغومورا كانت تؤمِّن له الكميات المطلوبة التي يحتاجها هو وبعض الفتيات اللواتي يذهبنَ معه إلى الحانات والملاهي الليلية. وقد قال ذات مرة: حينما شممت لمرة أحسست بأنني سوبرمان.

لكن المخرج لم يدرس هذه الحالة من الجانب النفسي، فـ”مارادونا” الذي كان فقيرا ومُعدما ذات يوم أصبح من بين الأثرياء، لكنه سلوكه لم يتشذّب وإنما ظل ابنا للبيئة المحتاجة التي تتعسّر أمورها كل يوم، الأمر الذي خلق منه شخصا متناقضا لم يتصالح مع ماضيه ولم يرتح لحاضره رغم البحبوحة التي يتمرغ فيها، أما حالة التوازن فيجدها فقط في الساعات التي يغيب فيها عن الوعي ويحلّق في أحلامه الوردية الناجمة عن فعل المخدّر الذي سيفضي به لاحقا إلى نتائج لا تُحمد عقباها.

من مساوئ “مارادونا” وطباعه السيئة أنه لا يعترف بنقاط ضعفه، ولا يريد العودة إلى الوراء رغم أنّ أكبر أحلامه سابقا كان يتمثل في شراء منزل يضم أسرته الكبيرة، وربما اقتناء سيارة صغيرة يتنقل بها هنا أو هناك، لكن مخيلته التي توهجت تحت تأثير السموم والعقاقير ذهبت به إلى القصور المنيفة، وسيارات الليموزين البيضاء، وبنات الليل اللواتي تحولن إلى مصدر شُبهة وإدانة لأن التهمة التي وُجهت إليه ليس حيازة الكوكايين فحسب وإنما الاتجار به، وكلنا يعرف بأن شخصا في منزلة “مارادونا” لا يحتاج إلى مهنة مثل بيع المخدرات.

مارادونا يحمل كأس العالم الذهبي في بطولة عام 1986 في المكسيك

 

ملِك ونصف إله.. خطأ لا يُغتفَر

يعتقد كثيرون ومن بينهم مخرج هذا الفيلم أن غلطة “مارادونا” التي لا تُغتفر هي حين طلب من مشجعي نادي نابولي أن يشجعوا الفريق الأرجنتيني ضد الفريق الإيطالي في نصف النهائي عام 1990، وكان هذا الطلب غريبا حتى وإن قدّم “مارادونا” خدمات جليلة لنادي نابولي خاصة وللإيطاليين عموما. فهذا اللاعب العبقري الذي لقّبوه بالملك تارة، وبنصف إله تارة أخرى؛ هل سيخون وطنه أم يسجّل هدفه بضربة سحرية تُخلّد في ذاكرة الأجيال؟

البعض يقول: لو سجّل “مارادونا” هدفا من ركلة الترجيح فإنّ الرابط القوي بينه وبين الجمهور الإيطالي سينقطع إلى الأبد. وهذا ما حصل بالضبط، إذ تقوّضت أسطورته ولم يعد محميا بعد الآن من الصحافة والضرائب والسلطات القضائية.

لقد كانت صدمة هدف الفوز الذي سجّلهُ على الفريق الإيطالي قوية، ومن الطبيعي أن يكون ردّ فعل الإيطاليين أكثر قوة وعنفا مما يتصور هذا الأرجنتيني الهابط من كوكب آخر. لقد انقلب إلى شيطان وبغيض ومكروه أول من قبل الإيطاليين، وسرعان ما وجد نفسه في مواجهة المحاكم الإيطالية التي أثبتت التُهم الموجهة إليه كحيازة المخدرات والمتاجرة بها والتي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 20 عاما، فنصحه المحامي بتقديم التماس والموافقة على عقوبة السجن لسنة وشهرين مع وقف التنفيذ مشفوعة بغرامة مادية قدرها خمسة ملايين ليرة، ولا ضير إن ظهرت في سجله القضائي لأن الجميع قد تخلى عنه الآن باستثناء زوجته “كلوديا”، خاصة وأن الفحوصات الإجبارية برهنت على وجود مواد محظورة في بوله فمُنع من اللعب لمدة ستة أشهر عام 1991.

الأسطورة مارادونا حين القبض عليه بتهمة حيازة المخدرات والمتاجرة بها

 

ترحيب صاخب ورحيل صامت.. تراجيديا نهايات الأبطال

كان سقوط “مارادونا” يشبه سقوط الأبطال التراجيديين العظام الذين يجدون أنفسهم في مهب الريح بعد أن تخلى عنه المشجعون والمعجبون الذين كانوا يمجدونه ليل نهار. وعندما تأكدت “كلاوديا” من نتائج فحص المنشطات أخبرت “مارادونا” قائلة “علينا أن نغادر الآن”، فحزمت حقائبها وقررت أن تغادر معه إلى “بوينس آيريس”.

لم يستغرب “مارادونا” هذه العقوبات القاسية من الإيطاليين والفيفا وبعض المؤسسات الرياضية، لكنه سقط في الذهول وهو يتذكر استقبال جمهور نادي نابولي له عندما قَدِم 85 ألف شخص للترحيب به في المطار بينما لم يودِّعه أحد. وأغرب من ذلك الحادثة التي وقعت له بعد أسبوعين من وصوله إلى بوينس آيريس” حيث دُهمت شقته وكان تحت تأثير المخدرات وبحوزته غرام ونصف من الكوكايين، فشعر بمنتهى الإذلال وهم يكبِّلون يديه ويحطمون روحه ثم يحشرونه في مصحّة ليتخلّص من محنة إدمانه.

ينتهي الفيلم بدموع غزيرة يذرفها هذا اللاعب الفذّ وهو يبكي بحرقة عندما يرى ابنته، لكن لا مفر له من القتال، فلقد حارب من قبل، وها هو أمام مواجهة جديدة.

لقد انتهى “مارادونا” اللاعب، وما بقي منه هو الأسطورة التي ترسخت في ذاكرة الناس، لقد كانت كرة القدم خلاصه الوحيد، وهوايته المفضلة التي لا تنافسها هواية أخرى، فعندما يكون على أرض الملعب “تختفي المشاكل وتتوارى الحياة” أو تنكمش لتأخذ صورة ملعب يحتشد بعشرات الآلاف من المشجّعين.

 

2. “ما بين الحياة والموت”.. صراع من أجل البقاء

يجمع فيلم “ما بين الحياة والموت” للمُخرجَين “ريتشارد دا كوستا” و”أليكس باركنسن” بين التشويق والإثارة والسرد الروائي رغم أنّ الفيلم وثائقي يعالج مادة علمية وإنسانية في وقت واحد، حيث تقتضي الأولى أن يكون المُشاهِد مُلمّا بمصطلحات من قبيل الغوص المشبّع (Saturation diving)، والحبل السُرّي أو حبل الحياة (umbilical cable)، والوضع الديناميكي (Dynamic positioning) وما إلى ذلك.

بينما يستدعي الجانب الإنساني النظر العميق إلى معركة رجل واحد يبذل قُصارى جهده من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف حرجة وبالغة التعقيد.

مهنة الغوص المشبّع.. شغف قاتل

يروي الفيلم الذي تبلغ مدته 126 دقيقة حادثة “الغوص المشبّع” التي وقعت عام 2012 عندما قُطع حبل الحياة للغواص “كريس ليمونس” وأصبح مُحاصرا على بُعد 100 متر تحت سطح بحر الشمال من دون حرارة أو إضاءة مع وجود كمية قليلة من الأوكسجين في خزّانه الاحتياطي تكفيه لمدة خمس دقائق فقط. تُرى هل سينجو بجلده أم يفارق الحياة في قاع البحر المظلم الذي تضطرب أمواجه عند السطح وتعلو لأكثر من خمسة أمتار بسبب رداءة الطقس في ذلك اليوم؟

لا يقف الفيلم عند هذا الحد فقط بل يتجاوزه إلى حالة إنسانية أخرى، فالغوّاص كريس مرتبط بخطيبته “موراغ” وهما على وشك الزواج، وقد شيّدا نصف المنزل وينتظران إكمال النصف الآخر. وبما أنها تحُب أمورا محددة في الحياة وتمضي في تنفيذها من دون أن يعترض عليها أحد، فهي لا تعترض على مهنة الغوص المشبّع التي يمارسها خطيبها “كريس” لأنه شغوف بها رغم المخاطر التي تحيط بها في الأوقات العصيبة.

تتنقّل الكاميرا بين “كريس” الذي يتهيأ للغوص وبين خطيبته “موراغ” التي تعيش في منزل ريفي وقد عُيّنت توا مديرة مدرسة ابتدائية محلية. ثم نتعرّف على معظم أجزاء السفينة ومرافقها الحيوية وكأننا أمام سفينة فضائية ستنطلق بطاقمها إلى الفضاء الخارجي، وربما تكون حجيرة الغوص (Diving bell) هي القسم الأهمّ في هذه السفينة لأنها تنقل الغواصين إلى قاع البحر ثم تعود بهم إلى جوف السفينة بعد الانتهاء من مهمتهم في تصليح عُطل ما في الآبار النفطية المحفورة تحت الغمر المائي.

السفينة التي تحتوي على 12 غوّاصا، وتقوم بنقل الغواصين إلى قاع البحر ثم تعود بهم إلى جوف السفينة بعد الانتهاء من مهمتهم

 

حبل الحياة.. طوق النجاة الوحيد في بطن المحيط

تحتوي السفينة على 12 غوّاصا، لكن تركيز المُخرج ينصبُّ على بعض غواصي التشبع والإسعاف، كما يمتد إلى بعض التقنيين والمشرف الذي يطيعه الجميع وينفِّذون أوامره.

يُدرِّب المشرف غوّاصيه الجدد حينما تكون الأجواء ملائمة تحسبا للمخاطر التي تفاجئهم على حين غِرة. وبما أنّ “كريس ليمونس” لم يجرب الغوص المشبّع إلاّ مرات معدودة، فقد طلب منه المشرف “كريغ فريدريك” أن ينزل مع الغوّاص “ديف يواسا” إلى حجيرة الغوص في السفينة في الساعة 8:13 مساء ويهبطا إلى عمق 90 مترا، ولم يكن “كريس” قلقا، بل كان يحاول الإثبات أنه بنفس كفاءة زملائه في العمل.

يتأكد “كريس” من أنّ حبل الحياة متصل، وخزّان الأوكسجين الاحتياطي مُركّب على ظهر البدلة، والخوذة مثبّتة بشكل جيّد، وعندما يتأكد “ديف” أنّ وضع زميله مريح قال له “سأراك بعد ست ساعات”، وأخبر قمرة القيادة أن الغواص “كريس” الذي يحمل رقم 2 قد غادر الحجيرة ونزل إلى المياه في الساعة 8:37 مساء.

لا شك أن حبل الحياة مهم جدا فهو الذي يمد الغواص بالأوكسجين والإضاءة والماء الساخن والاتصال مع أفراد القمرة. الشعور الأول الذي انتاب “كريس” وهو يغادر الحجيرة هو انعدام الوزن، وغياب الرؤية لأول وهلة، فقاع البحر مظلم ومُربك ومن السهل أن يضيع فيه الغوّاص المشبّع.

كانت مهمة “كريس” هي تصليح عُطل في الحقل النفطي 22 الذي يبعد عنه 30 مترا إلى الشمال الغربي من المكان الذي يقف عليه، وحبل الحياة هو الرابط المادي الوحيد الذي يربطه بالسفينة، وإذا أراد العودة إلى حجيرة الغوص فما عليه إلاّ أن يتتبع هذا الحبل الذي يُعيده إلى طوق النجاة الوحيد.

“كريس” يغوص في الأعماق في مهمة لتصليح عُطل في الحقل النفطي 22

 

الموت المحقق.. عندما تصبح السفينة قاربا شراعيا

كانت الأمور تسير على ما يرام، لكن رداءة الطقس وقوة الرياح منعتا مسؤول التثبيت الديناميكي “ميشال سيكورسكي” من إيقاف السفينة لضمان سلامة الغواصين، وبعد فقدان السيطرة على السفينة توالت الأعطال، فطلب المشرف على القمرة من الغواصين العودة إلى حجيرة الغوص، وطلب من الغوّاص الاحتياطي “دنكان” أن يعطيهما مزيدا من الحبل، غير أن قمرة القيادة فقدت السيطرة على السفينة ونظام التوجيه الملاحي فأصبحت قاربا شراعيا تسوقه الرياح، فاتسعت المسافة إلى الهدف حتى أصبحت 25 مترا، لكن لحسن الحظ أن الغواصَين ما زالا متصلين بحجيرة الغوص ويمكن جرّهما إليها، غير أن خطبا ما حدث منع “كريس” من العودة، إذ التفّ حبل الحياة التابع له حول صخرة، مما أبقاه عالقا ويحتاج أن يرخيه أو يحلّه، لكنه ظل مشدودا ومتوترا فطلب من القمرة مَدّهُ بمزيد من الحبل، غير أنهم لم يفلحوا في ذلك لأن السفينة واصلت الابتعاد.

حاول “ديف” الوصول إلى “كريس” لمساعدته، لكنه كان على مسافة مترين منه وفي نهاية حبل الحياة التابع له، الأمر الذي منعه من الوصول إليه. يسمع “ديف” صرير الحبل يتمزّق ويتقطّع ثم يستدير ليتسلق حجيرة الغوص بكثير من المقاومة وكأنه يسبح ضدّ تيار نهر جارف.

تيقّن المشرف بأن “كريس” يفتقر إلى حبل الحياة، فكل ما لديه هو خزّانا الأوكسجين الاحتياطيان اللذان يكفيان لمدة خمس دقائق فقط، والزمن الذي انقضى منذ قطع حبل الحياة هو 4 دقائق و57 ثانية، وهذا يعني أنّ المدة الزمنية الباقية للعودة إليه وإنقاذه محدودة جدا.

صورة لديف الذي لاحظ أن “كريس” لا يزال حيّا

 

وكأن شيئا لم يكن.. العائد من الموت

كانت المفاجأة كبيرة وصادمة عندما لاحظ “ديف” أن “كريس” لا يزال حيا، فمن المستحيل أن يعود المُشرف إلى الوطن ويخبر “موراغ” بأن خطيبها قد فارق الحياة وحيدا ومختنقا في قاع البحر، لكن لحسن الحظ عاد نظام التثبيت للعمل فشعر الجميع بالارتياح. كان “كريس” ثقيلا جدا ويجب نقله بسرعة إلى حجيرة الغوص وسحبه بأسرع وقت ممكن، ثم تبنّى الغواص المسعف عملية التنفس الاصطناعي التي أنعشته وأعادته إلى الحياة وأصبح أقوى مع كل نفس جديد.

لقد شعر “كريغ” بالفخر لما فعله بعض الغوّاصين لإنقاذ “كريس” الذي عاد لأسرته وخطيبته وتزوج بحضور الأصدقاء والمحبّين، وبعد ثلاثة أسابيع من هذه الحادثة عاد “كريس” و”ديف” و”دنكان” إلى قاع بحر الشمال، لكن المُشرف طلب منه مُمازحا ألا يُفسد الأمور هذه المرة.

يتضمن الفيلم لقاءات عديدة أجراها المُخرج على وفق تقنية الرؤوس المتكلمة (Talking heads) أعرب فيها الجميع عن رؤاهم ومشاعرهم الداخلية وهم يتحدثون عن اللحظات التراجيدية الفارقة التي كان يعيشها كريس، لكنه نجا من الموت بأعجوبة، وعاد ليمارس حياته من جديد وكأن شيئا لم يكن.

ختاما فهذه الأفلام الروائية والوثائقية الخمسة التي درسناها بشيء من التفصيل ما هي إلاّ الجزء الناتئ من جبل الجليد، فهناك عشرات الأفلام التي أنجزت في العام الفائت تستحق المشاهدة والتأمل، ويكفي أن نشير هنا إلى بعض هذه الأفلام النوعية مثل “الملك” للمخرج “ديفد ميشود”، و”تولكين” للمخرج “دوم كاراكوسكي”، و”جودي” لـ “روبيرت غولد”، و”ساعية البريد” لـ “زاكري أدلر”، إضافة إلى الفيلمين الوثائقيين المميزين “انقلاب 53″ لتقي أميراني، و”بافاروتي” للمخرج “رون هاورد”.