السينما الفرنسية 2019.. عامٌ قياسي آخر

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. ويستعرض هذا المقال حال السينما الفرنسية في عام 2019.

 

ندى الأزهري

عرفت دُور السينما في فرنسا عام 2019 إحدى أفضل سنواتها من حيث نسبة التردد عليها مع 213 مليون تذكرة مباعة، ووُصف ذلك العام بأنه “سنة قياسية” أخرى بالنسبة للفن السابع في فرنسا، إذ شهد التردد على دور العرض ثاني أعلى مستوى منذ 1966، وهو السادس على التوالي في تجاوزه عتبة الـ200 مليون بطاقة مباعة، وهذا على الرغم من منافسة الاشتراك في شركات الفيديو أو منصات مثل نتفليكس ويوتيوب وغيرهما.

لكن هذا الارتفاع -بحسب تقرير المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة- يعود في جزء منه إلى ازدياد التردد على الأفلام الأمريكية المتمثل في 117 مليون تذكرة مباعة، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1957. ويرجع الفضل في هذا إلى الإنتاج الهوليودي الكبير للسينما الأمريكية من أفلام بطولات خارقة أو رسوم متحركة مثل “الملك الأسد” لـ”جون فافرو” الذي حصد لوحده 10 ملايين بطاقة من المجموع العام (لغاية إعداد هذه المادة، إذ إن عروضه مستمرة)، و”المنتقمون.. نهاية اللعبة” لـ”جو أنتوني روسو” و”جوكر” لـ”تود فيليبس”.

وعلى الرغم من أن السينما الأمريكية سادت في السوق الفرنسية وارتفعت حصتها من الإيرادات من 44% إلى 55% مقارنة بالعام الذي قبله (2018)، فإن السينما الفرنسية ما زالت تجذب جمهورا مخلصا لها لاسيما من الذين تجاوزوا الخمسين من العمر، وأيضا بعضا من جمهور الشباب. وقد استقطبت تلك السينما نحو 75 مليونا من التذاكر المباعة لتصل حصتها من الإيرادات إلى 35% بعد أن كانت تجاوزت ال 39% عام 2018.

وتضمنت لائحة الأفلام العشرة الأكثر جذبا للجمهور في عام 2019 فيلمين فرنسيين، بينما احتلت الأفلام الأمريكية بقية المراكز. وحلّ “ما الذي فعلناه أيضا بحق الإله؟” لـ”فيليب دي شوفرون” في المرتبة الثالثة، و”سننتهي معا” لـ”غيّوم كانيه” في المرتبة العاشرة. وأتى بالطبع هذان الفيلمان في المرتبتين الأولى والثانية ضمن لائحة الأفلام الفرنسية العشرة الأكثر جذبا للجمهور خلال 2019.

وهذه هي أبرز الأفلام الفرنسية التي لقيت نجاحا شعبيا في 2019، وتجاوزت مبيعاتها مليون بطاقة، وهي عتبة النجاح في معيار السوق الفرنسية، دون أن يعني هذا عدم تلقي بعضها استحسانا نقديا كذلك. وقد سيطر الموضوع الاجتماعي -الدرامي منه والهزلي- على معظم هذه الأفلام، وهي سمة خاصة بالسينما الفرنسية.

 

“ما الذي فعلناه أيضا بحق الإله؟”.. زواج متعدد الأعراق

لقي هذا الفيلم الكوميدي في جزئه الثاني -كما حصل في جزئه الأول- نجاحا شعبيا هائلا في فرنسا لبساطته وتعبيره عما يدور في أفكار فئة من الفرنسيين.

فالفيلم –الذي أخرجه “فيليب دي شوفرون” وقام ببطولته الممثل الفرنسي المعروف بأفلام الهزل “كريستيان كلافييه” وباع 6.7 ملايين تذكرة- يطرح مشاكل الاختلاف بين مكوّنات المجتمع الفرنسي من زاوية الأفكار المسبقة عن “الآخر”.

وقد تمثّل ذلك داخل الفيلم في زواج أربع فتيات من عائلة فرنسية كاثوليكية محافظة بأزواج فرنسيين منتمين لأصول مختلفة عربية وأفريقية وآسيوية وكذلك ديانات أخرى وثقافات يفترض كثيرون أنها “مغايرة” لثقافة العائلة الفرنسية والمجتمع الفرنسي المحافظ منه على وجه الخصوص، ليخلق هذا مواقف من سوء الفهم المتبادل، ولكن أيضا من الاكتشافات المثيرة عن نمطية النظرة نحو “الآخر المغاير”.

 

“سننتهي معا”.. ليست كل مفاجأة سارة

يتساءل هذا الفيلم الاجتماعي العاطفي -بنبرة فكاهية على الرغم من جدية الموضوع- عن قوة الصداقات التي تصمد أمام اختبار الزمن، فماذا يحصل حين يهبط عليك الأصدقاء فجأة في منزل العطلة وكنت قد اخترت العزلة لإعادة النظر والتفكير والتأمل بحياتك؟

هذه المفاجأة غير المتوقعة جعلت “ماكس” (فرنسوا كلوزيه) يبدي سعادة مفتعلة، مما صبغ الأجواء بمشاعر مزيفة متبادلة، وأعطى اللقاء نتائج غير متوقعة. فقد فرضت الحياة تغيراتها على الجميع مع أطفال جدد قدموا إلى هذا العالم، وآخرين كبروا وأزواج انفصلوا، وبالتالي ماذا بقي من الصداقة بعد هذا وبعد انقطاع الأصدقاء عن بعضهم ثلاث سنوات؟

في هذه الكوميديا الاجتماعية عن الصداقة والزمن الذي مضى استطاع المخرج “غيّوم كانيه” أن يبرز لحظات مؤثرة من الإنسانية والعواطف، ولكنها لم تصل في تأثيرها إلى ما حصل في الجزء الأول “المناديل الصغيرة” (2010) الذي صنعه نفس المخرج واستقطب 5.4 ملايين مشاهد، بينما استقطب هذا الجزء 2.8 مليون مشاهد.

 

“غير مطابق للمواصفات”.. جلسة طريفة مع المتوحدين والمنبوذين

يعيش كل من “برونو” (فنسنت كاسل) ومالك (رضا كاتب) منذ 20 عاما في عالمين مختلفين كل على حدة، إنه عالم الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد، يتعاونان -كلٌّ ضمن جمعيته- لتدريب شبان من المهمشين والجانحين من شبان الضواحي الباريسية للإشراف على هذه الحالات الموصوفة بـ”المعقدة للغاية”. تحالف غير عادي لشخصيات استثنائية في رغبتها بالمساعدة لدمج المتوحدين في المجتمع.

هذا الفيلم -من إخراج “إيريك توليدانو” و”أوليفييه نقاش” وباع مليوني تذكرة- إنما هو عن رفض الجمود، والانفتاح على الاختلاف والتسامح، ومعالجة إنسانية بعيدة عن السطحية والتكلف مع شيء من روح الطرافة برغم قسوة الموضوع، وكذلك بثّ الأمل الذي بات نادرا هذه الأيام.

كل المشاركين في الفيلم من مسؤولي الصحة في فرنسا الذين كانوا يبحثون عن مطابقة مواصفات الجمعية للشروط المطلوبة، ومتوحدين، وآباء وممرضين وأطباء؛ هم جميعا مستوحون من شخصيات حقيقية. وإذا كان سيناريو الفيلم مستوحى من الواقع فإنه مدرج في نص سينمائي منظم بشكل جيد، وهو يجذب السينما إلى مشكلة اجتماعية خطيرة في معالجة مليئة بالحياة والدفء الإنساني كما وصفه النقاد.

ويُذكر أن “توليدانو” و”نقّاش” ينجحان دوما بجذب الجمهور الفرنسي، وقد حقق أحد أفلامهما “المنبوذون” (2011) نجاحا هائلا ببيعه 19.5 مليون تذكرة، وكان بذلك الفيلم الثالث الأكثر نجاحا على مدى كل العصور في فرنسا.

 

“بِاسْم الأرض”.. هكذا عانى أبي

في موضوع اهتمت به السينما الفرنسية من قبل ولكن ليس على هذا النحو الواقعي والمأساوي، جاء فيلم “بِاسْم الأرض” وهو العمل الأول لمخرجه “إدوارد بيرجون” الذي رصد فيه بعض المشاكل الكبرى التي تعيشها فئة من أبناء المجتمع.

ويحكي الفيلم الذي باع مليوني تذكرة قصة واقعية -استوحاها المخرج من حياة والديه- عن أوضاع المزارعين وتأثير العولمة على عملهم وحياتهم، وقد مسّ قلوب الجمهور الفرنسي بإنسانيته وتعبيره الشديد عن الواقع القاتم.

“بيار” (غيّوم كانيه) شاب يعود إلى فرنسا من رحلة طويلة للاعتناء بمزرعة العائلة، فيتزوج من حبيبته “كلير” وينجبان أولادا ويعملان بجهد كبير لتطوير المزرعة، لكن السعادة الموعودة وجني الثمار لا يأتيان.

فقد تراكمت الديون وأنهكت الأسرة في عمل دون حساب ليل نهار لا يهدأ ولا ينتهي. وعلى الرغم من جهود “بيار” الجبارة فإنه يجد نفسه عاجزا أمام المنافسة وأمام قوانين الاتحاد الأوروبي، ولم يكن له مفر من الوقوع تحت سيطرة المصارف. إنه يعيش في عالم يجبر المرء على اللحاق به دون شفقة ولا رحمة، وإلا لكانت النهاية المدمرة.

هذا الفيلم نظرة إنسانية على تطور العالم الزراعي في العقود الأخيرة في فرنسا، وحتى في أوروبا، يستعين فيه المخرج بقصة معاناة والده في عمل جاحد ومحيط متوحش لينتهي نهاية مأساوية.

 

“الحياة المدرسية”.. مدرسة المشاغبين الفرنسية

موضوع المدرسة ومشاكل الطلبة والمعلمين تناولته السينما الفرنسية مرارا وتكرارا، لكن المخرجين هنا -وهما الجسم الكبير المريض (هكذا يسمي نفسه) ومهدي إدير- ينجحان في رهانهما بعيدا عن المواقف النمطية وفي إخراج متحكم به ومع مجموعة جيدة من الممثلين.

فمن خلال وصول مدرّسة جديدة إلى إعدادية ذات مشاكل في الضواحي الفرنسية المعروفة بمشاق العمل فيها وهي ضاحية “سانت دني” السيئة السمعة؛ نكتشف مشاكل الانضباط المتكررة والواقع الاجتماعي الذي يثقل كاهل المنطقة، ولكن أيضا الحيوية وروح الدعابة المدهشة للطلاب وفريق المدرسين.

إنه رصد لنظام تعليمي ليس على ما يرام، وحياة صعبة في الضواحي، ولكن مع رغبة الجميع بالمحاولة واستثمار طاقة البعض لتحويل فشلهم الدراسي المعلن إلى مشروع مستقبلي أفضل. فهو فيلم حيوي وفعّال وحصد 1.8 مليون تذكرة.

 

“نيكي لارسون”.. وجه آخر لجيمس بوند

هذا فيلم حاز على إعجاب الجمهور (حظي بـ1.7 مليون تذكرة) ولكنه لم يعجب النقاد. وينتمي المخرج “فيليب لاشو” إلى جيل “نيكي لارسون”، وهي شخصية هبطت على التلفزيون الفرنسي في التسعينيات. وهو بطل أحد الرسوم المتحركة التي كانت مفضّلة عند المخرج في طفولته، وكان يرى فيها كوميديا حقيقية تحتوي على كل شيء؛ الحركة وتحقيقات الشرطة وقصص الحبّ.

“نيكي لارسون” أكثر من أن يكون شخصية طريفة للغاية، فهو الأفضل في كل شيء، أفضل حارس شخصي ومحقق خاص بارز، لكن عيبه الوحيد هو النساء، فهو لا يستطيع مقاومتهن.

هو باختصار الوجه الآخر الطريف لـ”جيمس بوند” كما يراه المخرج، لهذا كان حلم طفولته تجسيد هذا البطل في السينما، وبما أنه يحب الكوميديا فقد كانت تلك الشخصية هي الأمثل لتجسيدها.

 

“البؤساء”.. ضاحية فرنسية مشاغبة

فيلم “البؤساء” للمخرج “لادج لي” هو الفيلم العميق والرائع الذي تناول مشكلة الضواحي والوضع الاجتماعي لسكانها وعلاقتهم بالشرطة التي تشغل الرأي العام الفرنسي كثيرا، وقد حصد في السينما 1.6 مليون تذكرة. وهو الفيلم الأول لهذا المخرج بعد سلسلة أفلام قصيرة عن الضواحي الفرنسية ومشاكلها والحياة فيها، ونال جائزة التحكيم في مهرجان كان الأخير، وقد استوحاه المخرج من قصص ومشاهد حقيقية شهدها بنفسه.

استُقبل الفيلم بحفاوة كبرى من قبل النقاد لتصويره -بدقة وواقعية- شروط الحياة اليومية في ضاحية فرنسية معروفة “بشغبها”، حيث يتابع فريقا أمنيا مكلّفا بحفظ الأمن فيها، ومن خلال ذلك يبرز أسباب الثقة المفقودة بين السكان ورجال الشرطة، وهو ما يجعل تلك الأماكن في فرنسا خارجة تماما عن السيطرة وتهدد بانفجار دائم في الأوضاع.

صَوّر هذا الفيلم الصادم كل التنوع الموجود في هذه الأحياء الفرنسية، واهتم بالإنساني والسياسي معا عبر رصد مكثّف وفعّال لهذا الغليان والعنف في الضواحي موجّها صرخة تحذيرية لعمل شيء قد ينقذ الجميع لأن العنف سيطال الجميع دون استثناء.

أفضل ما أثاره الفيلم أنه لا يبدي الشباب كملائكة يتعرضون لقمع الشرطة وكأنها المسؤولة الوحيدة عن تصرفاتها العدوانية، كما أنه لا يُظهر الشرطة وكأن كل همها الأمن فقط والتعامل مع الجميع بحسن نية، بل الجميع مسؤول، وإبداء هذا على نحو متوازن يضع الفيلم في جهة المراقب والمحذّر أيضا من انفجار محتوم.

 

“غناء الذئاب”.. خطأ فادح في حرب الغواصات

في لغة الغواصات، يُحيل تعبير “أغنية الذئب” إلى صوت السونا، وهو جهاز في الغواصة يحدد موقعها. عندما تكتشف “الأذن الذهبية” -وهو أيضا تعبير يطلق على الأذن الحساسة القادرة على التقاط أدق الأصوات- هذا الصوت في قاع البحار فإنها بداية النهاية للغواصة المُكتشفَة في حرب الغواصات.

البطل الشاب لديه موهبة نادرة في التعرف على كل صوت يسمعه، وكل شيء يعتمد عليه على متن غواصة نووية فرنسية، فهو الأذن الذهبية والشخص المعصوم، ومع ذلك ارتكب خطأ وضَع الطاقم في مواجهة خطر الموت المحدق. وفي إطار محاولاته استعادة ثقة رفاقه؛ يقودهم سعيه إلى موقف أكثر مأساوية.

لقد وجدوا جميعا أنفسهم محاصرين في معدات لا يمكن السيطرة عليها في عالم الردع والتضليل النووي. لقي الفيلم حفاوة جماهيرية فاقت الحفاوة النقدية، وحصد 1.5 مليون تذكرة، وهو الفيلم الأول للمخرج “أنطونين بودري” القادم من عالم السلك الدبلوماسي.

 

“إني أتهم”.. قصة الخيانة العظمى

يعود فيلم “إني أتّهم” -وهو من إخراج “رومان بولانسكي” وحصد 1.4 مليون تذكرة- إلى فضيحة هزت فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر حين اتُّهم الضابط الفرنسي اليهودي “دريفوس” بالخيانة العظمى. كانت قضية اختلطت فيها معاداة السامية مع تآمر الجيش واختراق النظام القضائي الفرنسي قبل أن تثبت في النهاية براءة المتهم.

نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم في الدورة الـ76 من مهرجان البندقية السينمائي 2019، وقد بدأت عروضه في فرنسا في أجواء من التوتر بسبب اتهامات باعتداءات جنسية موجهة لمخرجه “رومان بولانسكي”، مما أثرّ على نسبة التردد على الفيلم رغم جودته.

استمرت قضية “دريفوس” في فرنسا لمدة 12 سنة، واعتُبرت إحدى الفضائح الكبرى. وجاء سرد القصة من خلال وجهة نظر العقيد بيكوار في الجيش الفرنسي (الممثل جان دي غاردان) الذي اكتشف بمجرد تعيينه رئيسا لمكافحة التجسس؛ أن الأدلة ضد النقيب “ألفريد دريفوس” لاتهامه بالخيانة العظمى قد تم اختلاقها. ومن هذه اللحظة ومع تعريض تاريخه المهني وحياته للخطر، فإن العقيد لم يتوقف عن تحديد الجناة الحقيقيين وإعادة الاعتبار للضابط المظلوم.

 

“اللامرئيون”.. عن المهمّشات الفرنسيات

اللامرئيون هو فيلم اجتماعي آخر عن النساء المهمّشات في فرنسا بسبب فقرهن وبطالتهن، ويقترب في أسلوبه من الوثائقي بمتابعته لساكنات ملجأ للنساء تقرر البلدية إغلاقه.

ولا يبقى للأخصائيين الاجتماعيين المتعاطفين مع أولئك الشقيّات إلا ثلاثة أشهر فقط لإعادة دمجهن في المجتمع بأي ثمن حتى لو استخدمن التزوير والكذب، لقد بات كلّ شيء مسموحا به ما دام الهدف نبيلا.

والفيلم من إخراج “لوي جوليان بتي”، وحصد 1.3 مليون تذكرة.

 

“الزمن الجميل”.. رحلة إلى حيث تشاء من الماضي

فيكتور “دانيال أوتوي” في الستين من العمر، يشعر بالإحباط والملل، إلى أن تنقلب حياته رأسا على عقب في اليوم الذي يُقدم فيه رجل الأعمال الرائد “أنتوان” نوعا جديدا من عوامل الجذب، وذلك بمزج الأعمال الفنية المسرحية مع فترات تاريخية في ماضي أشخاص.

فشركة “أنتوان” تقدم لعملائها فرصة الغرق مرة أخرى في عصر من حياتهم يقومون باختياره. لقد اختار “فيكتور” بعد ذلك أن يسترجع أهم أسبوع في حياته وهو الأسبوع الذي التقى فيه بزوجته التي ما زال يحبها ولكنها باتت تفضل عليه رجالا آخرين.

وقد جلبت الفكرة الجديدة والمنفذة جيدا لهذا الفيلم الذي أخرجه “نيكولا بيدوس”، أعدادا غير متوقعة من الجمهور (1.2 مليون تذكرة) واستحسانا نقديا يتناسب مع مستوى الفيلم.

ثمة أفلام فرنسية أخرى حققت إعجاب النقاد، ولكن ليس بنفس درجة إعجاب الجماهير، وهي غير مذكورة في اللائحة السابقة التي اقتصرت على الأفلام التي تجاوزت مبيعاتها المليون بطاقة.

 

خارج الحدود الفرنسية.. الغزو السينمائي

حققت أفلام فرنسية في العام الماضي (2019) نجاحا في الخارج، بينما لم تحقق نفس النجاح في الداخل، ومنها “أشخاص بالغون في الغرفة”، الفيلم الأخير لـ”كوستا غافراس” عن أزمة ديون اليونان.

ولكن “الظاهرة” التي تعبر تماما عن هذا الأمر هي ظاهرة المخرج الفرنسي “لوك بيسون” الذي يعتمد على الحركة (الأكشن) في أفلامه، فهو يلقى نجاحا خارج حدود بلاده، ولكن أفلامه تلك لا تجتذب الجمهور الفرنسي ولا تصل مبيعاتها إلى المليون. وحصل هذا مع فيلمه الأخير “آنا” الذي بيعت منه 600 ألف بطاقة فقط في فرنسا واستقبله النقاد الفرنسيون بفتور واضح.

ويسرد الفيلم مغامرات “آنا”؛ وهي امرأة جميلة تبلغ من العمر 24 عاما، غامضة تطرح التساؤلات عن هويتها، فمن هي حقا، وكم من النساء يختبئون فيها، وهل هي مجرد بائعة دمى في سوق موسكو، أم أنها كالدمية الروسية ماتريوشكا حيث كل دمية تُخفي أخرى؟ سيتعين على الجمهور الانتظار حتى نهاية اللعبة لمعرفة من هي.

 

الفيلم الوثائقي.. مرتبة دون الروائي

على الرغم من أن الأفلام الوثائقية الفرنسية انتشرت بقوة في 2019 (في المتوسط يعرض نحو 45 فيلما وثائقيا سنويا في فرنسا) وكذلك أفلام التحريك، فإن الثانية تتفوق على الأولى في أعداد مشاهديها، حيث تذهب الأسر مع الأطفال لمشاهدتها، وبعضها يحتل مكانة في قائمة أكثر الأفلام مشاهدة. ولكن لا تتوفر معلومات بعدُ عن أعداد المترددين على الفيلم الوثائقي في دور السينما.

ومن أبرز ما عُرض من أفلام وثائقية تعددت مواضيعها من سياسي إلى اجتماعي وبيئي ما يلي:

“الدبابة وأشجار الزيتون”.. تاريخ آخر لفلسطين

فيلم مدهش عن تاريخ فلسطين من بدايته إلى اليوم. فهو إضاءة جديدة يقوم بها المخرج “رولاند نورييه” الذي يفنّد كل ادعاءات الصهيونية عن إقامة دولة إسرائيل، بعيدا عن نمطية تناول هذا الصراع في وسائل الإعلام الفرنسية.

ويستضيف المخرج لهذا الغرض محققين دوليين وكتابا ومحامين إسرائيليين وفرنسيين وبعض الفلسطينيين مثل إلياس صنبر، لتبيان حق الفلسطينيين في أرضهم وحقائق الصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل بعيدا عن ادعاءاتها الكاذبة.

 

“رابطٌ يسمو بنا”.. من أجل حيوانٍ أكثر كرامة

بينما أعطى التصنيع -بشكل أساسي- تربية الماشية الفرنسية شكل الخنازير المصنّعة أو الإسطبلات المكتظة أو حتى المزارع الآلية بالكامل، فإن “لاور” و”نيكولاس” و”أنابيل” ومربين آخرين اختاروا طريقة مختلفة لتوفير وجود أكثر كرامة لحيواناتهم، وهذا من بداية حياتها وحتى النهاية.

في فيلم وثائقي رقيق ومتفائل للمخرج “أوليفييه ديكنسون”، نرى جهودهم والرابطة الغنية التي ينسجونها مع حيواناتهم. إنه فيلم إدانة للمزارع والمداجن وتصنيع عملية تربية الحيوانات.

 

“لوفار.. حالة ميلانشون”.. عندما تتدخل السياسة في القضاء

يتابع الفيلم زعيم حزب “فرنسا غير الخاضعة” اليساري “جان لوك ميلانشون” بشأن ملاحقته بِتُهم “التمرد واستفزاز السلطة القضائية”، والمتجلية في شبهات عرقلة “ميلانشون” وبعض رفاقه تفتيش مقراته السياسية ومقر سكنه”.

ويضع مخرجا الفيلم -وهما “ماري فود” و”صوفيا شكيرو”- هذه الملاحقة ضمن إطار استخدام الحكومات النيوليبرالية أو الفاشية في جميع أنحاء العالم العدالة لإسقاط صورة خصومها السياسيين أو إتلافها.

ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018 استهدفت عملية غير مسبوقة “جان لوك ميلانشون” وعائلته؛ 15 عملية تفتيش نُفّذت في وقت واحد من قبل مئة مدّع عام والشرطة مباشرة بأوامر من وزارة العدل، وهو أمر لم يُسمع به في فرنسا من قبل.

كوفئ المدعي العام المقرب من الرئيس “إيمانويل ماكرون” الذي قام بتنظيم العملية بعد أقل من شهر بتعيينه في أعلى منصب في القضاء. ويوثق هذا الفيلم الجريء بعناية الحقائق التي تجعل هذه القضية قضية رمزية لتدخل السياسة في الأحكام القضائية.