مصر 2019.. عام سينمائي أقل بريقا وأكثر ألوانا

مع نهاية عام وولادة عام جديد، يطيب لموقع الجزيرة الوثائقية أن يفتح ملف حصاد العام المنصرم (2019) في السينما العربية والعالمية، فيبحث في أهم ما تناولته صالات السينما من مضامين وعروض وأفلام روائية أو وثائقية. ويناقش المقال الثاني من الملف وضعية السينما المصرية في عام 2019، وأهم ما أنتجته من أفلام.

 

أمل ممدوح

بنظرة متأملة لأفلام العام السينمائي المصري الماضي 2019، فإننا سنجد انخفاضا نسبيا في عدد الأفلام بالمقارنة مع العام السابق له، فإنتاجه السينمائي وصل لنحو 34 فيلما مقابل 37 في العام الذي سبقه (2018). لكن المفارقة أنه رغم هذا الانخفاض في عدد الأفلام المنتجة فإنها حققت إيرادات إجمالية تفوق إيرادات العام الذي سبقه، كما أنه ضم عدة أفلام ضخمة الإنتاج ومتطورة التقنيات حققت منفردة عائدا كبيرا، وهو مؤشر جيد في تاريخ الصناعة.

وقد تميز عام 2019 بتعدد وجود أفلام متسلسلة أو على الأقل بجزأين، في عودة لظاهرة توقفت سنين طويلة (باستثناء سلسلة أفلام شخصية اللمبي لمحمد سعد) بعد أن شهدتها السينما المصرية في أفلام ذات سلاسل أغلبها كوميدي تثبت فيها الشخصية الرئيسية وطبيعتها التي يدور حولها الفيلم والأحداث، بينما يتغير الموضوع أو المغامرة؛ كأفلام “مستر إكس” و”إسماعيل ياسين”، أو الأفلام ذات الوحدة الموضوعية التي تُروى وتكتمل إجماليا مع اكتمال أجزائها، مثل ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، ليضم هذا العام عددا من الأجزاء الثانية لأفلام بدأت خلال السنوات القليلة الماضية بدءا من عام 2014 بفيلم “الفيل الأزرق” ثم عام 2015 مع فيلم “ولاد رزق” ثم العام الماضي مع فيلم “الكنز” (الحقيقة والخيال)، لتصل هذا العام إلى ثلاثة أفلام هي “الفيل الأزرق 2″ و”الكنز 2″ و”ولاد رزق 2”.. في ظاهرة يبدو أنها ستستمر معنا وتتزايد، وتشير لنوع من الحراك والتغير الذي يستحق الرصد والمتابعة.

ومن جهة أخرى كان هناك عدد من الأفلام التسجيلية الجيدة المستوى والملفتة للنظر، وفيما يلي نتطرق لمجموعة من أبرز الأفلام الروائية والتسجيلية لهذا العام.

 

أولا: الأفلام التسجيلية

شهد هذا العام عددا من الأفلام التسجيلية المتميزة فنيا، سواء على مستوى الموضوع، الذي يمزج في أغلبه بين العام والخاص بلمحات روائية، أو على مستوى الأسلوب السردي غير التقليدي، لتبدو مثيرة للتأمل الإنساني في مجملها، ونتوقف فيما يلي مع عدد من أهمها.

 

“إحكيلي”.. بوح متشابك وسرد متشعب

فيلم من سيناريو وإخراج ماريان خوري نال جائزة الجمهور في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ41، ينطلق ببساطة من أسلوب الحكي والبوح الذي تؤدي لفهم أكثر وتصالح مع الذات ومع من حولنا، من خلال سرد متشعب متداخل يقدم مزيجا بين خاص فردي وعام أسري، ثم خاص أسري وعام إنساني.

وتسعى البطلة في الفيلم -وهي ماريان خوري التي تحكي عن نفسها- لاستقصاءٍ أُسري لمزيد من الفهم لمبررات علاقتها بأمها الراحلة التي رأت فيها شيئا من القسوة أو عدم الاهتمام الكافي من وجهة نظرها، والإحساس بأنها غير مفضلة أو مرغوب بها، مما ترك أثرا نفسيا غائرا فيها سعت للتخلص منه بهذه الحالة الاستقصائية داخل نفسها ومع أسرتها، لتصل إلى فهم أوسع لشخصية أمها ومبرراتها، ولتكتشف أن ابنتها لديها تقريبا نفس الملاحظات عليها.

ومن خلال بوح الجميع نجد أن لكلٍّ أزمته وآلامه التي تتشابك وتؤثر في بعضها، فالفيلم يدور بين حاضر متعلق بالماضي وماض ألقى بظلاله على الحاضر، لنجد تشابها بين حياة وأزمات معظم نساء الفيلم؛ الأم البطلة وأمها وجدتها وابنتها، ليتماسّ ذلك كليا بالاقتراب من أجيال هذه العائلة الكبيرة في فترات زمنية من التاريخ الإنساني كله، إضافة لوجود المخرج الكبير يوسف شاهين متحدثا عن أسرته؛ فهو خال المخرجة، مع توازٍ بين سرده وبين فيلمين من أفلام سيرته، مما أعطى ثقلا وبُعدا إضافيا للفيلم يصب في صميم موضوعه، مع مادته الغنية من الصور واللقطات القديمة.. كل ذلك قُدّم بشكل حيوي وشاعري جيد رغم حفاظه على حالة تلقائية بسيطة في السرد.

 

 

“الشغلة”.. أسرار عالم يبدو عاريا

فيلم يوغل في عالم سري لا يسهل الوصول إليه وإلى أسراره خاصة عبر فيلم تسجيلي، لكن المخرج وكاتب سيناريو الفيلم رامز يوسف، تمكن من ذلك في فيلم متقن غني بالتفاصيل الحقيقية لعالم حقيقي، متمكنا من نيل ثقة أبطاله ودفعهم لأريحية البوح.

فالفيلم يرصد عالم الأفراح الشعبية من خلال تتبع ثلاث راقصات شرقيات يمتهنّ الرقص الشرقي في الأفراح، فهذه هي مهنتهن أو “الشغلة” التي يتقنّها، بجانب متعهدي الأفراح المسؤولين عن تشغيلهن، لنراقب تفاصيل حياتهن ومهنتهن وما بين سطورها المختبئة بشكل عارٍ غير موارب، يحمل مذاق الصدق المدهش من خلال مواقف وحوار حي، حيث نجح الفيلم ومخرجه في تقديم عمل جذاب مثير للمتابعة متماسك ومتدفق الإيقاع، ويعد من بين أفضل الأفلام التسجيلية لعام 2019.

 

“رمسيس راح فين”.. تأملات لمستبد ومفعول به

يتساءل مخرج وكاتب سيناريو فيلم “رمسيس راح فين” عمرو بيومي عن رمسيس الثاني، ذلك الملك الفرعوني الشهير؛ أين ذهب؟ في إشارة غير مباشرة لكونه مفعولا به، جاعلا هذا التساؤل عنوان الفيلم، وهي جملة إعلان قديم استدعتها ذاكرته منذ كان صغيرا، مستعرضا مشاهد في عام 2006 لنقل التمثال من مكانه في ميدان رمسيس بالقاهرة، وكأنه يشير إلى انعدام إرادة هذا الملك بسبب قرارات عليا لرؤساء مصر.

وبهذا يسير الفيلم في خطين سرديين متوازيين، حيث يوازي المخرج بين التمثال ونقله كخط سردي عام وبينه في سرد ذاتي خاص يبدأ به الفيلم يتطرق فيه لإرادته التي تعارضت مع إرادة والده في اختيارات حياته، وتتخلل هذا السرد مشاهد نقل رمسيس الثاني التي كان قد التقطها قديما بكاميرته، ويتقاطع كذلك سرده الذاتي معها، بشكل يمزج بين الاثنين، فلا الحالة الأرشيفية خالصة بذاتها، ولا الذاتية مغرقة في ذاتيتها، فالأمر كالتداعي النفسي السلس، مزيج بين العام والخاص والذاتي والموضوعي، فالتوازي بين ما عاناه البطل الراوي من والده كما عاناه رمسيس الثاني بمكانته من امتهان وتسيير، حتى في دلالة الإعلان القديم لشركة ألبان والذي ذهب فيه رمسيس ليشتري مثلجات؛ ليتساءل الناس “رمسيس راح فين؟”.

وقد قُدم الفيلم بإيقاع جيد فيما عدا الجزء الأخير الذي أسهب فيه بتكرار اللقطات الأرشيفية وكثرتها وطولها وتحوّل الموسيقى بشكل مبتسر، لكنه يظل فيلما جيد البناء والفكرة جذاب العرض.

 

“تأتون من بعيد”.. أزمات الشتات والهوية

من الأفلام التسجيلية الجيدة والمميزة لهذا العام فيلم “تأتون من بعيد” للمخرجة أمل رمسيس، فهو جيد الفكرة والسرد والسيناريو، ويتضمن الكثير من الطبقات الداعية للتأمل.

ويدور الفيلم حول ثلاثة أشقاء من أب فلسطيني فرقتهم الحرب والأحداث بشكل مبرر بحيث صار كل منهم في دولة مختلفة؛ يحملون ذكرياتهم المختلفة التي يشتركون فيها في جزئهم العميق الأبعد، وكل منهم يحمل شجنه عن هذا الشتات، وازدواج الهوية الذي يعيشونه، يشتركون في الأصل وطبيعة ما مروا به وإن اختلفت الدول وأحداثها، ليدور الفيلم بين الزمنين الماضي والحاضر، مع مادة أرشيفية غنية وهامة وسرد حيوي متماسك، ينتقل بين كل منهم منفردا بالتوازي مع الآخر من خلال حكي جذاب لكل منهم.

ثم يلتقون جميعا أخيرا، مما يحمل مقارناته الضمنية الداعية للتأمل لما كان يمكن أن يعيشوه كأسرة واحدة وما آلوا إليه، كأشقاء صارت ألسنتهم مختلفة، ويعيشون في أماكن وثقافات مختلفة، مع مقارنات بين ماض وحاضر خاصين وماض وحاضر عامين تتداخل معا، ومقارنات بين الحروب المشتركة في المدن التي عاشوا فيها وتطورات هذه المدن، بما يحمل في طياته تاريخا إنسانيا عاما مليئا بالحروب، نرى نتائجه ببساطة من خلال هذه الأسرة المتفرقة.. كل ذلك ضمن حالة إنسانية مثيرة للتأمل بصياغة شاعرية جذابة.

 

ثانيا: الأفلام الروائية

لم تتميز أفلام هذا العام بمستوى فني يمكن وصفه بالجيد في شكله الكلي، بل جاءت أقل في مستواها الفني من أفلام العام الماضي، بينما تنوعت أنواع أفلام هذا العام لتضم معظم الأنواع الفنية المعروفة بنسب متفاوتة لكل نوع، إضافة لتضمنها لأنواع لم تكن سائدة، مثل الأفلام التاريخية التي مثلها فيلمان:

أولهما ينتمي للأفلام الحربية وهو فيلم “الممر” الذي يأتي بعد غياب طويل لهذه النوعية خاصة ذات الإنتاج الضخم، حيث بلغ إنتاجه ما يقرب من 100 مليون جنيه.

أما الفيلم الآخر فتاريخي خيالي يرتبط بأزمنة تاريخية مصرية لكن ببنية تاريخية، وهو فيلم “الكنز 2” (الحب والمصير).

النوع الآخر المثير للانتباه وجود أفلام الرعب ضمن فيلم جاء يمثلها بشكل أوضح مختلف السياق والأسلوب عما سبقه من سلسلة لأفلام الرعب المصرية، وهو فيلم “122”، إضافة لفيلم آخر يقترب من هذا القالب لكنه أكثر انتماء للسيكودراما في قالب الإثارة والتشويق وهو فيلم “جريمة الإيموبيليا”، مع تطور في أفلام الأكشن التي تلقى رواجا في السينما المصرية عادة، ليشهد هذا العام إنتاجا ضخما متطورا لها كفيلم “كازابلانكا”.

وفيما يلي نتوقف مع عدد من الأفلام الروائية بأنواعها المختلفة بمزيد من التفصيل.

مشهد من فيلم “الضيف”

 

1-  أفلام الدراما:

“الضيف”.. زيارة لذهنين متخاصمين

في ثاني تجارب الكاتب إبراهيم عيسى في الكتابة السينمائية ومن إخراج هادي الباجوري؛ يأتي فيلم “الضيف” معتمدا على حبكة الزائر أو الوافد الغريب المعروفة دراميا، والتي تمهد لساحة لاستعراض عالمين متضادين لوافد ومقيم يتوازيان ويزيد اتضاحهما وتصادمهما ثبات المكان.

يدور الفيلم في منزل د. يحيى التيجاني الكاتب والمفكر الليبرالي صاحب الأفكار الصادمة الناقدة للأصولية، الذي يقيم فيه مع زوجته وابنته المدللة فريدة وتجمعهم علاقة متحضرة ضمن عالم مثالي أسسه في منزله الأنيق الذي لا يخرج عنه الفيلم. لكن زائرا شابا مثقفا يهدد هذا العالم المثالي عندما جاء لمنزلهم لخطبة الابنة مغيرا أفكارها التي تربّت عليها، فيبدأ الصدام والصراع الفكري الذي يتطور حتى نكتشف نية قتل مبيتة للأب وراء زيارة هذا الشاب الذي يتضح انتماؤه لجماعة أصولية، مخبئا مسدسه خلف آية قرآنية، بما في ذلك من دلالة رمزية لاستغلال الدين.

ورغم أهمية الموضوع وجودة البناء الأساسي، فإنه اعتمد بشكل كبير على المساجلات الفكرية بين الطرفين، وقد بدت مباشِرة معبرة عن رأي كاتبها أكثر من أنها تحركها الدراما، وإن كانت المحاورات في شكلها المجرد شيقة ذهنيا ضمن حالة تبدو كالمبارزة الممتعة. وما زاد الأمر سوءا استعارة خالد الصاوي لشخصية إبراهيم عيسى وطريقة حديثه الشخصية.

ورغم نجاح الفيلم في خلق تشويق جيد فإنه أفرط في الحالة الحوارية التي بدت مباشِرة وإن تخفت، وهذا قلل من نجاح وجودة إيقاع الفيلم، مما جعله يبدو وكأن الدراما صُنعت له خصيصا، بجانب قلة الاعتماد على لغة الصورة التي كان يجب أن تتقدم في وسيط بصري بالأساس.

 

“بين بحرين”.. واقعية فنية أهدرتها التوعوية المباشرة

هذا الفيلم هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج أنس طلبة وتأليف مريم نعوم، ومن إنتاج المجلس القومي للمرأة. يعد الفيلم نسويا، فهو يتناول مشاكل المرأة المصرية من زاوية اجتماعية وقهرها الذكوري والاجتماعي المتمثل أيضا في الموروث الشعبي الفكري، وذلك من خلال نماذج نسائية تشكل معظم أبطال الفيلم ضمن شريحة اجتماعية فقيرة ومهمشة في منطقة جزيرة الذهب، عارضا أشكالا من الممارسات الذكورية والخضوع الأنثوي من خلال حالات الزواج المبكر والختان والحرمان من التعليم.

ويُعرض ذلك بشكل يبدو حيا شديد الواقعية بحس إخراجي جيد، وأداء مميز يحسب للكثير من أبطاله، لكنه يظل نمطي التناول يميل لخطاب توعوي مثير للمشاعر بشكل عمدي يجعله مباشرا مهدرا الكثير من مميزاته.

 

“لما بنتولد”.. حيوات مختلفة والقهر واحد

هو فيلم موسيقي رومانسي واجتماعي في إطاره الكلي من الأفلام الهامة لعام 2019، وهو من إخراج تامر عزت وتأليف نادين شمس.

ونتتبع في الفيلم ثلاثة خطوط سردية متوازية، كل منها يتناول حياة أحد أبطال الفيلم ومعاناتهم المختلفة. فأحدهم يعاني من السلطة الدينية الاجتماعية حيث تمثل عائقا أمام ارتباطه بمن يحب لاختلاف ديانتيهما إذ أنه مسلم وهي مسيحية، والثاني يعاني ضغوطا مادية والتزامات أسرية تقوده لتنازل أخلاقي، والثالث يعاني من سلطة أبوية حيث يتحكم فيه والده ويقف أمام اختياراته في احتراف الغناء. فجميعهم يعانون قيودا مختلفة تعطي صورة إجمالية لسطوة القدر والمجتمع، فكأننا نولد مقهورين، ليبدو عنوان الفيلم مبتورا كقصة القدر وقهره الدائم الذي لا يكمل الحكايات.

نتتبع الأحلام في البداية حتى نتتبع خفوتها، الذي تدعمه النهايات المفتوحة للشخصيات الثلاث، وهو خيار جيد يتناسب مع سياق الفيلم وعنوانه المبتور ومع بنيته التأملية، لكن بعض هذه الخطوط جاء استهلاكيا بقصص معتادة، ربما ما أضاف لها البريق جمعها معا في سياق يدعم بعضه بعضا، وقد دَعمت فيه الموسيقى والحالة الغنائية البعدَ التأملي الشجني للقصص الثلاث والحالة العامة.

 

“ولاد رزق 2/ عودة أسود الأرض”.. مغامرة ما بعد الوعد

يعتبر هذا الجزء من الفيلم الذي أخرجه طارق العريان وألفه صلاح الجهيني، استثمارا لنجاح جزئه الأول وإن لم يتفوّق عليه، معبرا عن عالم شعبي وعدد من شخصياته، بعد سنوات قليلة من أحداث الجزء الأول، وبعد قطع الإخوة الأربعة عهدا بعدم السرقة، لنتتبع ما جرى معهم حتى ينقضوا هذا العهد.

والفيلم مغامرة شعبية بحبكة مشوقة ضمن أفلام الأكشن المفضلة عادة لطارق العريان، وبشكل يعد امتدادا جيدا لما بناه الجزء الأول لا يخلو أيضا من كوميديا، بسيناريو قادر على خلق صراع جيد، كما أنه قادر على التصاعد بشكل جيد مع مضي الفيلم.

لكن بينما أضيفت تفرعات جديدة للحبكة والصراع وأحداث أكثر إثارة، فإن الكثير منها ظل شكليا زائدا يمكن الاستغناء عنه، في حين تميزت مشاهد الحركة وتصويرها بشكل أضفى الكثير من جاذبية الفيلم وتشويقه، في فيلم معتنى بصناعته مع أداء جاء مناسبا للشخصيات ولطبيعة الفيلم.

بوستر فيلم “الممر”

 

2- أفلام تاريخية:

“الممر”.. طموح تقني وتناول نمطي

تكمن الأهمية الأكبر لهذا الفيلم الذي كتبه وأخرجه شريف عرفة في ندرة هذا النوع في الوقت الحالي من أفلام الحرب، ولكونه الأعلى إنتاجا هذا العام.

ويدور الفيلم حول موضوع فترة هزيمة 1967 وما تلاها من سنوات حرب الاستنزاف، مصورا الحياة النفسية والإنسانية للضباط والجنود العائدين من الحرب، ثم متابعة شحن نفسياتهم للقيام من جديد، ونرى عالم الحرب وتفاصيلها الحقيقية ومواقعها بشكل أضاف الكثير لقيمة الفيلم، خاصة مع إنتاج ضخم أضاف للفيلم والاهتمام الكبير بتصميم المعارك حيث تم التعاون مع مصمم معارك من جنوب أفريقيا، إضافة للتطرق لتفاصيل ووقائع لم تُتناول من قبل في الأفلام التي تناولت هذه الفترة.

ورغم قيمة إنتاج مثل هذا النوع من الأفلام حاليا ونجاح الفيلم جماهيريا بشكل غير متوقع، ورغم محاولة الذهاب أبعد والارتباط بالواقع، فإن السيناريو ظل متواضع الطموح وتناول الشخصيات نمطيا كليشيهات، مع استخدام جمل حوارية بدا بعضها مستهلك العاطفة، وحوارات مباشرة خطابية أفسدت مشاهد جيدة وأهدرت واقعية مختلفة طمح إليها الفيلم. وجاء أداء الممثل إياد نصار لدور الضابط الإسرائيلي مضيفا الكثير للفيلم ولهذه الشخصية التي قُدمت هنا بشكل مختلف حي بعكس ما اعتدنا عليه في الأفلام المشابهة السابقة.

 

“الكنز 2/ الحب والمصير”.. الحب والسلطة في ثلاثة عصور مصرية

بعد الجزء الأول من فيلم الكنز المسمى “الحقيقة والخيال”، جاء هذا الجزء منه بعنوان فرعي “الحب والمصير” من إخراج شريف عرفة وسيناريو وحوار عبد الرحيم كمال؛ مكملا أحداث الجزء الأول وامتدادا لنفس خطوطه الثلاثة وحكاياتها وأزمنتها الماضية التي يربطها جميعا خط سردي في الحاضر من خلال “حسن” حفيد بشر الكتاتني الذي يبحث عن كنز يضطره للبحث في كتاب تاريخي قديم.

تضم الحكايات الثلاث حكاية الملكة حَتْشَبْسُوت في العصر الفرعوني، وعلي الزيبق في العصر العثماني وحكاية بشر الكتاتني في فترة الأربعينيات وما بعدها، وذلك ضمن ما يُعتبر نوعا من التأريخ البانورامي لعدة عصور مصرية في ثوب أسطوري، بحيث يتشابه فيها الصراع رغم اختلافات العصور، حيث يطل دوما صراع السلطة والسياسة ومكائدهما.

هذا الجزء وإن كان أفضل من سابقه فإنه لا يخلو من ملاحظات سلبية ككثرة السرد اللفظي وتكرار مشاهد لا تضيف جديدا، وحالة عامة لا تخلو من اصطناع باستثناء جزء العصر الحاضر، سواء في الأداء لدى غالبية الشخصيات، أو في الحوار الذي يميل للضعف والمباشرة، بينما كان التصوير واختيار زواياه من أكثر عناصر الفيلم تميزا.

 

3-  أفلام الإثارة والتشويق:

“122”.. رعب مختلف أهدره الافتعال

تماما كشَرَك المتاهة يدور عالم هذا الفيلم للمخرج ياسر الياسري والمؤلف صلاح الجهيني، في قالب رعب غير شائع في السينما المصرية التي عادة ما تكون أفلام الرعب بها -وهي قليلة- تدور في عالم الجن والأشباح، لكنه هذه المرة رعب يسببه بشر واقعيون بلا اعتماد على ميتافيزيقا، فالعالم الخفي هنا مؤسس ببناء واقعي، حيث يدور في مستشفى يتاجر بالأعضاء البشرية للمرضى، وهو المستشفى الذي علق به زوجان شابان قادهما إليه حظ بائس، يحاولان فيه البحث عن بعضهما والخلاص معا من هذا المكان والنجاة من أطبائه، بمحاولات فاشلة للاتصال برقم النجدة 122، في حالة متاهة مشوقة، ينقلب فيها مكان النجاة لقبر محتمل والأطباء لقتلة.

ويتتابع الفيلم في حالة من اللهاث وتوالي السقوط والنهوض والخطر والأمل بشكل مستمر، ومع جو شاحب مقبض وأشخاص يبدون غريبي الطبيعة متعايشين في عالم أسود ضمن ديستوبيا (بناء مضاد للمثالي) يدعم تأثيرات ذلك استخدام خاصية البعد الرباعي (4D) في تجسيم الصوت مع الصورة، وهي تستخدم هنا لأول مرة في مصر.

كل ذلك جيد لولا افتعاله لشكل الرعب أكثر من تجسيده، والمبالغة لانتزاع المفاجأة أو الخوف بشكل موحٍ فقط دون إقناع، الأمر الذي أبطل هذه الحيل السابقة سريعا، مع الاستغراق في تكرار مطاردة صارت معتادة ومعروفة المآل، مما يثير مللا ويفسد ما بناه الفيلم من حالة ترقب نجحت لبعض الوقت، وهو ما جنح بالفيلم نحو ضعف رغم تقدير المحاولة وجودة بعض زواياها. كما يحسب للفيلم أداء طارق لطفي المختلف والمؤثر في دور الطبيب الشرير السيكوباتي محور الشر، وكذلك الأداء الهادئ المقنع لأحمد الفيشاوي.

مشهد من “جريمة الإيموبيليا”

 

“جريمة الإيموبيليا”.. سيكودراما أشباح الداخل والخارج

يجمع هذا الفيلم من تأليف وإخراج خالد الحجر بين الدراما النفسية أو السيكودراما والجريمة في إطار من الغموض المشوق، وذلك من خلال شخصية كاتب شهير يعيش وحيدا بعد وفاة زوجته في شقته بعمارة الإيموبيليا الشهيرة بمنطقة وسط البلد، ويبدو خجولا مسالما متلعثما ومنطويا، فتقع في شقته حالة وفاة غامضة لفتاة واعَدها بمنزله، ليبدأ في تدبر كيفية التعامل مع هذه الكارثة المفاجئة.

وتتوالى بعدها جرائم أخرى، في حالة غامضة شبحية غير مفسرة تفتح الكثير من الشكوك، ليسير بنا الفيلم في حالة تتبعية لتفسير ما يحدث بشكل يمزج بشكل متواز بين احتمالات ميتافيزيقية تشتهر بها هذه العمارة في الواقع، وبين المرض النفسي الذي نكتشفه تدريجيا لدى البطل، حيث الأشباح تكمن في الداخل، ليقدم ذلك بسيناريو جيد وإن ظل تقليديا في نوعه، وحضور قوي للمكان القديم الموحي بالركود الزمني مما يجعل زعزعته مؤثرة، مع إخراج نجح في إذكاء مستمر لحالة الإثارة، ومع قطعات مونتاجية تباعد وتقرب عوالم وشخصيات الفيلم كما يراد لها من إيحاء.

 

4- أفلام الحركة (الأكشن):

“كازابلانكا”.. إبهار بصري وتشوش الخلطات المجتمعة

فيلم “كازابلانكا” هو الأحدث للمخرج بيتر ميمي ومن تأليف هشام هلال، وهو من أعلى أفلام هذا العام إنتاجا وإيرادا، ويجمع بين الإقبال الجماهيري والجودة الفنية رغم ما يمكن أن يُذكر من ملاحظات فنية.

ويقدم فيه المخرج بيتر ميمي شكله المفضل من أفلام الحركة أو “الأكشن”، من خلال ثلاثة أصدقاء يشتركون في عمليات سطو على السفن، حتى يتم تكليفهم بمهمة سطو على شحنة ماس داخل سيارة بميناء على إحدى السفن تخص المافيا، بينما يهرب بها أحد الأصدقاء وحده إلى مدينة كازابلانكا (الدار البيضاء) بالمغرب، ويقبض على صديقه عمر (الممثل أمير كرارة)، لتبدأ بعدها تصفية الحسابات من قبل الصديقين ورجال المافيا في مغامرة متنوعة الأحداث ومعارك متعددة أطراف الصراع.

يقع كل ذلك في مدينة الدار البيضاء التي اتخذها الفيلم عنوانا كاسم الفيلم الهوليودي القديم في فترة الأربعينيات، حيث كانت ملتقى تجمع اللاجئين من شتى البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، لتكون المفارقة أنها تستخدم هنا كملتقى لتجمّع عصابي ومعاركه، فالمدينة هنا لا تحمل دلالة درامية تستحق التأمل، بل هي مجرد موقع للأحداث، مما يجعل دلالتها في العنوان مستغربة وسطحية، وهو ما يتماشى مع ميل لدى المخرج في الإبهار الشكلي على حساب المضمون، وإن كان هذا الميل للإبهار اتخذ هنا شكلا أكثر اتزانا وتماسكا مع الموضوع وإطاره الحركي.

يعج الفيلم بالمطاردات والحيل والالتوءات الدرامية والمفاجآت والأفعال الخارقة والبطولية، مع تعدد الأماكن والشخصيات والاستعانة بفنانين أجانب كالممثل التركي “خالد أرغنتش”، وبالمناظر الجذابة بصريا، كما تكثر الخلطات الإنسانية كالحب الذي يبدو مفاجئا أيضا ومسطحا، والعلاقة الأخوية والأبوية وعلاقة الصداقة، مع خلطة كوميدية، وإيقاع شديد السرعة وتفاصيل كثيرة ونقلات سريعة.. في خلطة شاملة تجرفك شكلا دون تفاعل حقيقي.

بوستر فيلم “حملة فرعون”

 

“حملة فرعون”.. نسخة باهتة ورمزية مفتعلة

تتشابه حبكة هذا الفيلم مع حبكات أفلام عالمية قديمة كالساموراي السبعة، أو عربية اقتبست منه مثل “شمس الزناتي”، حيث نجد فريقا في مهمة إنقاذية بطولية.

وفي هذا الفيلم الذي أخرجه رؤوف عبد العزيز وألفه كريم حسن بشير، يتكون فريق يتزعمه بطل الفيلم “يحيى فرعون” (الممثل عمرو سعد) الذي لجأت إليه زوجته مستنجدة بعدما هربت منه من قبل وهاجرت بابنهما حتى وصل الحال بهما إلى سوريا.

وفي سوريا هاجمتهما جماعة أصولية مسلحة خطفت طفلهما وأطفالا آخرين للاجئين سوريين، فيسعى الأب مع فريقه لاسترداد ابنه، بما يحمل رمزا سياسيا وإن لم يكن موفقا أو جيد التوظيف، خاصة مع إشارة الفيلم لتاريخ مريب له استدعى هروب زوجته، بما لا يتسق دراميا مع الرمزية المقصودة، بل يجعلها تبدو سطحية مفتعلة، إضافة لضعف رسم الشخصيات والعلاقات، وعدم إعطاء تاريخ لها أو تقديم مبررات منطقية لبعض الأحداث، مع ضعف صياغة مشاهد الحركة وضعف حلولها، إلى جانب تواضع الكثير من أداء الممثلين فيما عدا عمرو سعد، مما يجعل الفيلم مخيبا للآمال بشكل كبير.

 

5-  أفلام الخيال والغموض:

“الفيل الأزرق 2”.. خيال مبهر جنح للاستعراض

يأتي هذا الجزء من الفيلم مستثمرا لنجاح جزئه الأول ومكملا ما بدأه ضمن نفس الخط الخيالي بعالمه الغيبي الغامض والمثير، وبنفس أبطاله الرئيسيين وإن أضيفت له شخصيات جديدة كشخصية “فريدة” (الممثلة هند صبري) في ظهور جيد ومختلف لها، والتي يعد الخط الخاص بظهورها أساسا في جديد الفيلم ونقطة انطلاق له، فبعد قرار اعتزال يحيى للطب، تعيده إليه حالة فريدة التي قتلت زوجها وأبناءها وإحدى السجينات طالبة التعامل معه وحده.

ويأتي هذا الجزء كثالث تعاون بين مروان حامد مخرجا وأحمد مراد مؤلفا وكاتبا للسيناريو هذه المرة، وهو التطور الجيد في الفيلم، حيث صارت المشاهد أقل كثافة في السرد اللفظي وأكثر تعبيرا بصريا، لكنها جنحت لنوع من الاستعراض البصري المفرط، مع قطعات مونتاجية سريعة طوال الوقت مهما كانت الأحداث، وإيقاع أسرع من اللازم مع تكرار المحتوى الدرامي، مما يفرغ الصورة والإيقاع من جمالياتهما التي بناها النصف الأول، ليلفهما الرتابة رغم هذا التدفق السريع، مع تلاحق الانقلابات والمفاجآت بكل الحيل الممكنة دراميا أو بصريا أو صوتيا أو أدائيا، فالاستمرار في سرعة الإيقاع طوال الوقت استهلكه حد إثارة شعور الرتابة، خاصة مع تدفق اللقطات والمعلومات بغزارة.

وفي الوقت نفسه فإن الحالة البصرية جاءت مبهرة مع تقنيات غرافيكية مبهرة كذلك، ضمن حالة تقتلع المشاهد من واقع ثابت عقلاني رتيب، فبعيدا عن أي تحفظات تحليلية للفيلم فإنه نجح في إثراء خيال نفتقده، بأخذك لمنطقة ما بين الواقع والخيال والوعي واللاوعي مشوقة بذاتها، وتجسيدها بصورة ممتعة تثير الدهشة.

من فيلم “قصة حب”

 

6-  أفلام رومانسية:

“قصة حب”.. شاعرية عذبة بحاجة للتعميق

يمثل هذا الفيلم عودة للرومانسية الخالصة غير المتفرعة من قالب كوميدي كالسائد وإن تضمنته. ويدور الفيلم -وهو من إخراج وسيناريو عثمان أبو لبن وتأليف أماني التونسي- حول شاب يتعرض بشكل مفاجئ لحادث يفقده بصره، فيصطدم يوما بفتاة فتهتم به وترعاه حتى يتعلقا ببعضهما، وتتبدل الأدوار في تحول درامي ليصبح صحيحا مبصرا بينما تمرض هي ويرعاها، في قصة حب صار من النادر حاليا تقديمها.

وقد قُدّمت القصة ببناء جيد لكن بسيناريو شابه الارتباك، فالمزج بين الرومانسية والكوميديا لم يكن منضبطا ولا متناغما في كثير من الأجزاء، مع وجود مواقف كانت بحاجة لمزيد من التعميق خاصة في ضوء انقلابات سريعة. لكن من جهة أخرى استطاع الفيلم تقديم التواءات درامية جيدة وتحقيق التأثير المطلوب خاصة في مشاهد النهاية.

 

7-  أفلام كوميدية:

“خيال مآتة”.. مُشهّيات كثيرة ضلت طريقها

عملٌ يجمع من جديد بين المخرج خالد مرعي والممثل أحمد حلمي، بعد عدد من الأفلام كان أغلبها ناجحا، لينضم لهما هذه المرة عبد الرحيم كمال مؤلفا. ويدور الفيلم حول كيان سري متخصص في سرقة الأشياء القيّمة التذكارية، يضم إليه في فترة الستينيات “يكن” الذي استطاع بتخطيط ماهر سرقة “بروش” أم كلثوم. فيلتقي أعضاء هذا الكيان السري بعد ثلاثين عاما محاولين استئناف ما كان.

سيناريو الفيلم غني بحبكة تبدو مثيرة وخطوط سردية مشهية، حيث يجمع بين فكرة الكنز ومغامرة الحصول عليه سواء أكان شرعيا أو لا، محتويا على حيل متداخلة وشخصيات ذات نمط واضح، وزمنين مختلفين بعالميهما بين الماضي وأجوائه والحاضر، مع سرد متعرج بينهما، وشخصيات مزدوجة بظهور لنفس الشخص بأكثر من شخصية كل منها لها معالمها، ومع ثيمة البخل المثيرة وازدواجية العالم الظاهري والحقيقي، واحتوائه على أجيال مختلفة بثقافاتهم وأساليبهم المنتمية لعصرهم.

ألاعيب درامية كثيرة وثيمات وحبكات مختلفة وثراء وتنوع سردي قد يكون مشهيا وواعدا بمتعة كبيرة، لكن كل ذلك أثقل الحبكة وبعثر السرد بشكل مرهق، مما قد يكون سببا في بطء إيقاع اتسم به الفيلم أهدر ما أُعد لشحنه، وهو ما أثر على أداء الممثلين أنفسهم فبدا ثقيلا خاملا، وبدت المواقف فاقدة لحيويتها اللازمة، في حالة خاملة لا تتناسب مع فيلم كوميدي، فكثرة المشهيات لم يتم تقديمها بشكل يحقق ذلك، رغم ما كانت تبشر به.

بوستر فيلم “نادي الرجال السري”

 

“نادي الرجال السري”.. كوميديا جيدة لفكرة جذابة

هنا يتمرد الرجال بالذهاب لطرف مضاد وعالم سري بدلا من البوح الذي لا تؤمَن عواقبه، في واحد من أفضل الأفلام الكوميدية لهذا العام وأكثرها جودة وتماسكا، وهو من تأليف أيمن وتار وإخراج خالد الحلفاوي وبطولة كريم عبد العزيز وغادة عادل.

يدور الفيلم حول “أدهم” الزوج المسالم الذي تستغرقه الحياة الزوجية مع زوجته وابنته، فيقوم بالكثير من المهام بينما تظل زوجته المتحكمة في الأسرة، حتى يقرر تأسيس ناد سري للرجال يقضي فيه الليل مع من مثله من أصدقائه، ليكون متنفسا عما يتعرض له من خضوع بالنهار.

نتأمل عالم هؤلاء الرجال وحيلهم وتخطيطاتهم المضحكة، فنصبح أمام فريقين متضادين، لكننا نرى تحديدا عالم أحد الفريقين وهو عالم الرجال ووقْع عالم النساء عليهم، حتى نرى العالمين متقابلين عند المواجهة.

هذا التضاد مثير بحد ذاته، في فكرة جذابة مشوقة تستطيع أن تمد الكوميديا بالكثير. وقد أحسن السيناريو استغلالها بالفعل ونجح في تصوير هذا التناقض والعالمين بشكل خفيف الظل ومتماسك كذلك، متمكنا من تفجير المواقف المثيرة للضحك بشكل بصري وأدائي ولفظي معا، نابع بتلقائية من نسيج الفيلم وإن تم استخدام أسلوب النكات والتلاعب اللفظي للإضحاك لكن بشكل ظل منسجما مع السياق، مع صورة بصرية ممتعة في الديكور والأماكن تناسب هذا النوع من الأفلام الخفيفة الاجتماعية، بأداء مناسب دون افتعال من معظم الممثلين أضاف كثيرا للروح المطلوبة.

 

“سبع البرمبة”.. حالة طريفة بين الفتور والافتعال

اختار هذا الفيلم –وهو للمخرج محمود كريم والمؤلف لؤي السيد- عنوانه بهذا التعبير الشعبي الدارج الذي يسخر من شجاعة مفترضة للرجل، وهو يعتبر نسخة عصرية من فيلم “عفريت مراتي” (1968) للمخرج فطين عبد الوهاب.

وتتعرض في الفيلم زوجة “عمر” بطل الفيلم (الممثل رامز جلال) لحادث سيارة تصيبها بصدمة عنيفة تصاب بعدها بحالة من عدم الأمان تقترن برؤيتها لزوجها، متمنية أن ترى فيه نماذج لشخصيات سينمائية شجاعة من الرجال، مما يضطر زوجها لتقمص هذه النماذج لشخصيات في أفلام حديثة هذه المرة بعكس الفيلم القديم.

ويبدو الفيلم محاكاة ساخرة ضمنية للفيلم القديم، بفكرة طريفة قُدمت بشكل مناسب قادر على الإضحاك، لكنه لا يخلو من استهلاك، ضمن فريق جيد باستثناء البطلين، حيث بدت “جميلة عوض” سطحية وفاترة الأداء، وظهر أداء “رامز جلال” متشنجا كالذي ينتهجه في برامجه دون أن يستطيع التفريق بين الحالتين.

مشهد من فيلم “الطيب والشرس واللعوب”

 

“الطيب والشرس واللعوب”.. محاكاة مثيرة خبا وهجها

يداعب هذا الفيلم -الذي كتبه رأفت رضا وأخرجه رامي رزق الله- فكرة استدعاء زمن ماض ويقوم عليها وإن كان ضمن فكرة أعم تحاول الخروج من هذا الزمن، فالفيلم يدور حول ثلاثة ممثلين كانوا نجوما في فترة التسعينيات، فيحاولون بعد انحسار الأضواء عنهم العودة لدائرة الضوء والتمثيل من جديد، خاصة أنهم ما زالوا يحتفظون بطريقة أدائهم القديمة، مما يكفي لتوليد حالة متباينة تثير الضحك.

الفكرة بحد ذاتها جيدة مثيرة للخيال والمقارنات الممتعة لو سارت كما ينبغي لها، خاصة مع تنوع شخصيات الأبطال وتمتع كل منهم بطبيعة مبالغ فيها خاصة في أدائها، مما أتاح استخدام أسلوب “البارودي” أي المحاكاة الساخرة، مع محاكاة ساخرة للعنوان أيضا الذي يتشابه مع عنوان الفيلم الشهير لـ”سيرجيو ليوني” “الطيب والشرس والقبيح”.

نجحت المقارنات وتتبع هذه المحاولات في التشويق وإثارة الضحك بشكل جيد في الأجزاء الأولى من الفيلم، خاصة بتفعيلها الجيد لحالة المحاكاة، لكنها تلاشت في الأجزاء التالية وأهدرت ما أسسه الفيلم في البداية الجيدة، مما تسبب بإطفاء توهج الحالة الأولى وسوء الإيقاع، وزادت الأمرَ سوءا نهايةٌ مبهمة فاترة لا ترتبط بما سبقها أو تغلق أقواسه المفتوحة.