“رحلة الشام 2701”.. رواية السينما الإيرانية للحرب في سوريا

أحمد القاسمي

يساعد الفيلم المتفرج على تنزيل الحدث في سياقه زمانا ومكانا بمعلومات يوردها مكتوبة بداية العرض، فيظهر على الشاشة “في يناير/كانون الثاني لعام 2011 دخلت سوريا في أزمة كبيرة إثر الاضطرابات والخلافات الداخلية، وفي هذه الأثناء كان أبو بكر البغدادي زعيم جماعة داعش الإرهابية يحلم بتأسيس دولة خلافة على أراضي العراق والشام. كانت المدن تسقط الواحدة تلو الأخرى بيد هذا التنظيم، أما التي تبدي صمودا فإنها تدخل في حصار ظالم لا يعرف الرحمة. ثمة كارثة إنسانية كانت على وشك الوقوع ولا سبيل لتفاديها سوى عبر إيصال المؤونة والمساعدات عن طريق الجو، وكان الطيارون الإيرانيون من السبّاقين لإنجاز هذه المهمة”. ولا مساعدة بلا ثمن.

انطلاقا من هذا النص يعمل فيلم “رحلة الشام 2701” على توجيه تأويله لأحداثه إلى الوجهة التي يريد، فيمنح الوجود الإيراني في سوريا دورا إنسانيا صرفا مقاوما للإرهاب، ويظل على مدار العرض يحشد طاقات السينما الإبداعية لحملنا على تبني هذه الأطروحة من حيث لا نعي.

 

علي رستمي الفدائي.. تضحية في السماء لإنقاذ الأبرياء

يتلخص الفيلم في بدايته ونهايته، وأما ما بقي فهو مجرد تفصيل لهما، وهكذا تكون الأفلام المتقنة، و”رحلة الشام 2701″ للمخرج الإيراني “إبراهيم حاتمي كيا” يبدأ انطلاقا من قتل داعش لقائد طائرة النقل العسكرية السورية في تدمر.

فقد كان الطيار في مهمة نقل بعض المعتقلين من تنظيم داعش وإغاثة بعض المحاصرين المدنيين والعسكريين من قواته، فيتطوع علي رستمي والحاج يونس الطياران الإيرانيان اللذان كانا بين الحشود بقيادتها، وتنتهي أحداثه بسيطرة التنظيم الإرهابي عليها وإرسالها في مهمة انتحارية لا نعرف وجهتها، ولكنها شبيهة بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

تتحكم أم سلمى المنقبة الأمريكية في زر التفجير للحزام الناسف الذي ألبسوه لعلي رستمي من أجل إخضاعه، ولكن تصميم الطيار يكون أكبر، فيتمكن بشجاعة من إنزال من فيها من الأسرى عبر المظلات، ثم يفجر الطائرة في الجو وينفجر هو معها، حتى لا يُقتل الأبرياء بواسطتها، فيفدي الإنسانية بروحه.

الشيخ ممدوح سعدية والطيار الحاج يونس، ومفاوضات تجمعهما على متن الطائرة المختطفة

 

زوجة حبلى وطائرة مخطوفة.. أحداث متشعبة في سيناريو محكم

يحسن السيناريو التصرف في نسق الوقائع رغم تعقيدها وتلاحقها السريع، وينزلها ضمن أفق إنساني رحب رغم مشاهد الدمار والقتل المريع، فيورد أحداثا كثيرة تجري ذات يوم من أيام صيف 2015، ويحسن الربط بينهما لمنح البداية والنهاية المصداقية الفنية والأخلاقية.

تفضي الأحداث بعضها إلى بعض بسلاسة خالية من التكلف والافتعال، فتنزل المؤن عبر المظلات للمحاصرين من قريتي كفريا والفوعة، ويصطدم الطيار علي رستمي بوالده الطيّار الحاج يونس ووالدة زوجته، فكلاهما يريده أن يعود إلى إيران ليكون إلى جانب زوجته الحامل حين تضع مولودها بعد أن أجهضت الطفل الأول، ولكنه يرفض امتثالا لواجب إنساني أكثر تأكيدا.

تمثل الرحلة إلى دمشق مغامرة محفوفة بالمخاطر، وتحول العمل إلى فيلم إثارة وتشويق لا تكف أحداثه عن التصاعد وجعل المتفرج يشد أنفاسه، فتواجه الطائرة صعوبات في الإقلاع بسبب القصف الكثيف، ويفجر الضابط أبو بلال نفسه  وسط الأعداء ليخلي لها الممر ويمكنها من إنقاذ ركابها من الأسر.

تشهد الرحلة معارك دامية، فتصطنع إحدى المعتقلات مشكلة لتعم الفوضى ويتحرر المعتقلون الدواعش ويسيطرون على الطائرة بقيادة الشيخ ممدوح سعدية، ثم يحولون وجهتها إلى تدمر من جديد بعد مفاوضة مع الطيارين لضمان حياة الركاب، ولكن عند الوصول إلى هناك يقطع القائد الميداني الشيشاني رأس الشيخ ممدوح لمفاوضته الأعداء وهو ما لا يقبله شرع داعش.

بينما يؤسر الجنود السوريون ويُلبسون اللباس البرتقالي لتصوير فيديوهات قتلهم المزعوم بعد أن تفشل الطائرتان الحربيتان الروسيتان في التدخل لمنع الكارثة.

الممثّل اللبناني جوزيف سلامة في دور “أبو عمر الشيشاني” وزير الحرب في تنظيم داعش يبدو مُتعطشا للقتل بعد هبوط الطائرة في تدمر

 

تفاني الجنود الوراثي.. إثارة الصراعات القطبية في السيناريو

يفهم السيد “فيلد” بناء الفيلم من منطلق الفيزياء، ويخضعه للمبدأ الثالث للحركة عند “نيوتن”، ومنطقه أن لكل قوة قوة مضادة تعادلها في المقدار وتعاكسها في الاتجاه، ومن التعادل بينهما يستمد الكون توازنه، والفيلم عنده كون يعج بالصراع، فكل شخصية لها شخصية مقابلة تعمل ضدها، ومن التعادل بين دوريهما تستمد الأحداث توازنها.

أما اختلال التوازن لهذا الطرف أو ذاك فيدفع بالأحداث إلى الذروة، ثم تكون نهاية الفيلم، وأقطاب الصراع في رحلة الشام عديدة متناظرة متعادلة أو تكاد تكون كذلك، فمنها الصراع النفسي المحتدم بداخل علي رستمي، فالضابط الطيار -الذي أدى دوره الممثل باباك حميديان- يظل ممزقا بين ضرورة الالتحاق بزوجته، خاصة أنها أجهضت سابقا، وبين ضرورة مد يد المساعدة للمدنيين العزل بتقديم الغوث لهم، أو بترحيل المحاصرين منهم وتخليصهم من قبضة داعش.

يسلط على علي رستمي ضغط خارجي حتى يترك ساحة القتال، كعتاب زوجته اللطيف أو تهديد والدتها بجعل ابنتها تفارقه، وضغط والده الحاج يونس الذي يتقمص شخصيته الممثل هادي حجازي فار، فوالده وقائده في ساحة القتال يمنحه الترخيص الذي يخوّل له مغادرة سوريا ويسعى إلى منعه من الالتحاق بالجبهة.

ورغم ذكريات الماضي المؤلمة -عندما كان طفلا صغيرا يشتاق إلى والده الذي يقاتل على الجبهات العراقية والبوسنية لفترات طويلة ويحرم من حضنه، وهو ما يوشك أن يعاد مع ابنه المنتظر- فإنه ينتصر لصورة المقاتل الإيراني المتفاني في خدمة الإنسانية عبر فعل الحرب، فيعيد إنتاج صورة والده ويقرر البقاء والخضوع للقدر الذي اختار الرجال الإيرانيين لهذا الدفاع المقدس.

ويكون الصراع داخل القطب الواحد في الجيش السوري بين الضباط بسبب الرغبة في الأداء الأفضل، أو في إطار العائلة الإيرانية بسبب الحب والرغبة في مزيد من القرب الروحي، وسريعا ما تعود الأمور إلى نصابها ويمتثل الجميع للقانون أو المصلحة العامة ويحترمون التراتبية العسكرية.

أما الصراع ضمن القطب الداعشي فيكون بين عناصر متقاتلة يحكمها الحقد والغطرسة كما هو الأمر بين الشيخ ممدوح سعدية وزوجته وابنهما والانتحارية الأمريكية أم سلمى والقائد الشيشاني وأبو طلحة البلجيكي، ولا يحتكم لغير سفك الدماء وقطع الرؤوس.

المنقبة الأمريكية “أُم سلمى” بدور إمرأة داعشية في فيلم “رحلة الشام 2701”

 

قطب الخير الصرف.. إيران كما تحب أن يراها العالم

يمثل الصراع بين الإيرانيين وداعش غاية الفيلم ومنتهاه، ويحسن الفيلم توجيهه ليكون وجها من وجوه الصراع بين الخير والشر، فلا يخسر فيه علي رستمي حياته، وإنما يجعل من موته حياة حرة للأسرى وللمدنيين الذين تخطط داعش لإصابتهم بهجوم انتحاري.

من خلال هذا الصراع تنسج أحداث الفيلم متدرجة مشتملة كل المعايير المطلوبة في السيناريو الاحترافي النمطي، ويكون المخرج أشبه بمايسترو يحرك كل الآلات معا دون أن يحدث نشازا في مسار الأحداث أو تكلف رغم كم الإثارة والتشويق، وينتهي إلى الدلالات التي يريد، وهي أن يجعل من إيران رمزا للخير الصرف الذي ينتصر في النهاية، وأن يجعل الوجود الإيراني في سوريا امتدادا لمقولة الدفاع المقدس التي تطلق على الحرب العراقية الإيرانية، وقد توسّع وأضحى يشمل ديار الإسلام عامة لا الأرض الإيرانية فقط.

 

سينما الدفاع المقدس.. إبراز الوجه الإنساني للمقاتل الإيراني

تستفيد حبكة الفيلم كثيرا من منجز سينما الدفاع المقدس التي واكبت الحرب العراقية الإيرانية، ولا تزال تتغذى من أحداثها إلى اليوم، فتُعقد لها المهرجانات الخاصة ليتبارى في جماليتها المخرجون الإيرانيون كفيلم “الصدع 143” الذي كتب له السيناريو نرجس أبيار وأخرجه بنفسه، وفيلم “الصراخ” في النار” الذي أخرجه عزيز الله حميد نجاد، وفيلم “كيميا” الذي أخرجه أحمد رضا درويش، وفيلم “يوم الواقعة” الذي أخرجه شهرام أسدي، أو كأفلام إبراهيم حاتمي كيا مخرج هذا الفيلم، مثل فيلم “المراقب” وفيلم “من كرخه إلى الراين” وفيلم “الوكالة الزجاجية”، وتنسب إلى الحرب العراقية الإيرانية التي اصطلح عليها في إيران بالدفاع المقدس.

يشير مؤرخو السينما الإيرانية إلى أن سينما الدفاع المقدس عالجت في البدايات مآسي الحرب الإيرانية العراقية بكافة أشكالها من وجهة نظر إيرانية طبعا، وصورت جبهات القتال ووسط خطوط النار، فدارت مواضيعها حول تحرير المدن المحتلة من قبل العراقيين أو جسدت عمليات التوغل في العمق العراقي.

وقد كانت تحرص على إبراز الجانب الإنساني للمقاتل الإيراني وهو يخوض واجب الدفاع المقدس بشجاعة وأداء ملحمي ونبل أخلاقي، ويواجه الأشرار برباطة جأش يستمدها من إحساسه الديني العميق، أما عدوه فمن أوصافه القسوة التي ترصد في تعذيب الجرحى واضطهاد الأقليات.

الممثّل اللبناني رامي عطالله في دور “أبو طلحة البلجيكي”

 

رحلة إلى ساحات الجحيم.. خبرة السينما الإيرانية في صناعة الحرب

يلجأ الفيلم إلى خبرة السينما الإيرانية في تصوير أفلام الحرب، فالآلات الحربية الضخمة وحركتها السريعة تقتضي مهارة في التصوير ودراية حتى تكون الصورة مقنعة، وحتى تزيدها زوايا التصوير ضخامة وتولد منها الإيحاء بعظمة القوة الإيرانية.

ولما كان الفيلم بشكل ما فيلم حركة وإثارة لجأ إلى اللقطة المتوسطة التي توجه عناية المتفرج إلى الأحداث والتحديات، وتدفعه إلى التساؤل عن مدى توفيق الشخصية في ما يواجهها من التحديات، ويجعل التحدي الرئيسي على صلة بالطائرة التي تقلع وتختطف. كيف ستواجه محنتها وما مصير الأسرى على متنها؟

ومن ثمة يجعل من الفرجة متابعة لحكاية تسرد بطولة طيار شجاع يضحي بحياته من أجل إنقاذ الأبرياء بصرف النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم أو لغاتهم أو ماضيهم، ويقصر هوياتهم على بعدهم الإنساني الخيّر، وتكون هذه الصورة أحيانا فظيعة تعرض مشاهد القتل والتفجيرات المرعبة، فتستجيب لفضول العين المشاهدة التي تريد من الكاميرا أن تنقلها إلى ساحات الحرب بالفعل وتجعلها ترى عمليات عسكرية حقيقية.

لكن الكاميرا لا تلجأ إلى هذه اللقطات -وهي كثيرة- إلا بعد أن تبرز إفساد العدو في الأرض وتهديده لحياة الأبرياء، ومدارها جميعا على ما يصيب الطرف الداعشي المعتدي، فتكون رغم فظاعتها إنقاذا لحياة الأبرياء، لتبهج المتفرج الميال بطبعه للتعاطف مع أسباب الحياة والخير للنهاية العادلة.

اللقطة الكبيرة التي تجعل الطيار الإيراني يتألم فيعبر عن إنسانيته من خلال شعوره

 

حين تمطر السماء غيثا.. تمييز الكاميرا للخبيث من الطيب

يرمي الفيلم إلى غايات مدروسة بعناية كلما لجأ إلى تقطيع فني مختلف، فيلجأ إلى لقطات غطس في البداية تصوب فيها الكاميرا من السماء نحو الأرض، حيث الصناديق  تُلقى من الطائرات أو إلى  لقطات غطس مضادة تتجه تحت الأنقاض نحو الأعلى، فإذا السماء تمطر فتغيث مؤونة المحرومين المحاصرين، وإذا الطائرات العسكرية الإيرانية غيمات ترسل بها السماء رحمة للجياع.

أما اللقطات العامة التي تنقل المشاهد الواسعة فتتعلق بالخراب أساسا، فتلاحق الكاميرا مروحية في لقطة بانورامية بطيئة، ولا تكون الصورة غير تعلة لعرض الدمار وتدعو إلى تأمل واقع الحرب من زاوية نظر إيرانية، فتعرض اللقطة الأولى المباني الضخمة المحطمة التي تثير صدمة المتفرج لهول الكارثة، ثم تعرض اللقطة الثانية المسجد المدمر والصومعة المطروحة أرضا في رسالة مفادها أن هذه الحرب تخاض باسم الدين الإسلامي لتدمر الدين الإسلامي نفسه.

وفي الآن نفسه يعتمد المخرج اللقطات التي تركز على ملامح الوجه من حين إلى آخر لمنح الفيلم الإيقاع المطلوب، والفرجة اليقظة تكشف لنا أنه يكاد يخص بها  الشخصيات الإيرانية، فيلتقط الشعور بالألم النفسي أو الجسدي وهو يلتمع على صفحة الوجه، فيعرض الشخصية الإيرانية وهي تعاني، ويجعل انخراطها في الحرب مجرد ردة فعل تضطر إليها إنقاذا للأبرياء.

ليس الشعور بالألم هنا أمارة على الضعف، وإنما هو تجسيد للبعد الإنساني في عالم حيواني تحكمه الغرائز والرغبة في القتل والتدمير، وبالمقابل اقتصر المخرج في تصوير الشخصيات الداعشية على اللقطة المتوسطة فتجعلها رمزا للبطش، وصنع منها آلات مبرمجة مسبقا للتدمير دون تفكير أو تأمل أو إحساس.

 

داعش المتناحرة.. حرب الدعاية والدعاية  المضادة

يتخذ الفيلم من اختطاف الطائرة وإعادتها إلى تدمر سبيله لفضح طرق دعاية داعش وأسلوبها الهوليودي في تصوير عمليات القتل الجماعي، ويتضح أن عملية القتل المصورة ليست سوى مسرحية، فحالما يكتمل التصوير المبهر بإشراف خبراء التضليل الإعلامي ومختصي الماكياج وبآلات ضخمة في غاية التطور التكنولوجي يوضع الأسرى وهم يرتدون الملابس البرتقالية في أقفاص، ثم يرسلون في الطائرة أثناء تنفيذها للعملية الانتحارية المذكورة، وليس التمويه رحمة بالأسرى -كما قد يذهب إلى الظن- فالتنظيم الإرهابي يريد أن يستعملهم في أكثر من حدث صادم ليعطي الانطباع بفداحة خسائر خصومه في إطار حربه النفسية.

بيّن إذن أنّ الفيلم يبعث للمتفرج بأن داعش تنظيم ضعيف متناحر داخليا يعمل على تهويل صورته ويفيد من وقعها في النفوس لا أكثر، ولكن بالمقابل لا يخلو “رحلة الشام 2701” من دعاية مضادة توجه الرسائل إلى أكثر من طرف، وبصمة الجهات الرسمية الحريصة على إنتاج فيلم ضخم جلية، فمتطلبات التصوير اللوجستية التي تتضمن الطائرات الحربية والدبابات والآلات الحربية المختلفة تتجاوز قدرة شركات الإنتاج الخاصة، وتحتاج إلى التراخيص من أعلى هرم السلطة.

هذا ما ينزل الفيلم ضمن الردّ على الصورة التي لا تفتأ السينما الغربية عامة والأمريكية خاصة تروجها حول إيران في حربها الإعلامية والثقافية عليها، فإيران الراعية للإرهاب على الشاشة الأمريكية تتحول إلى إيران المسالمة الفاعلة للخير في ذاته والقوية عسكريا، ولكنها لا تتحرك إلا ضمن دائرة الأخلاق والدين والإنسانية، فلا تشارك في القتال، ويقتصر دورها على البعد الإنساني.

لم يخل الفيلم من غمز يقزم الدور الروسي ويتهمه بعدم الفاعلية، فالطائرتان الروسيتان لا تستطيعان أن تفعلا شيئا حيال خطف الطائرة السورية، ولولا مهارة علي رستمي الذي يغير وجهة طائرته لوقعتا في مرمى رشاش الشيخ ممدوح سعدية.

لا يخلو الفيلم أيضا من رسالة يحتاجها النظام ليوجهها إلى الداخل المتململ من الانخراط الإيراني في حرب مكلفة، والحال أن المواطن يعيش الخصاصة بسبب الحروب والحصار، فيحاول إقناعه بأن لا مهرب من هذه المهمة النبيلة التي اصطفت لها الإرادة الإلهية الجيش الإيراني بالذات.

لقطة من كواليس تصوير فيلم “رحلة الشام 2701” للمخرج الإيراني إبراهيم حاتمي كيا

 

مساحيق الزينة الإيرانية.. أوامر المخرج المزعجة

يوجه الفيلم رسائله إلى الداخل الإسلامي غير المطمئن لدور إيران في المنطقة، فتبيّن النقاشات بين الطيار الحاج يونس وأسرى داعش أن الصراع السني الشيعي مفروض عليها، وأنها لا تعمل إلا ما فيه مصلحة للمسلمين، وأنّ الآخرين هم من يتحملون المسؤولية في الصدام بين المذهب الشيعي والمذهب السني بإخراجهم للشيعة من الملّة والدين الإسلاميين، واعتبارهم من الروافض الذين يحل قتلهم.

إذن من قال إنّ السينما تقع في قلب السياسة؟ إنها السياسة نفسها، ألا تخاض الحروب اليوم بفوهات الرشاشات والمدافع أكثر مما تخاض بعدسات الكاميرات؟ فالويل لمن ينخرط في صراع الحضارات وهو أعزل لا يتقن اصطناعها، ومع ذلك قد تُعجب بالفيلم لأنه متقن وقد تدرك نقاط قوته، لكنك تظل على قناعة بأن الصورة المتقنة مجرد فخ.

فحرص الفيلم على تغييب مصالح إيران وتحالفاتها في المنطقة وخلفياتها الأيديولوجية يفقده المصداقية الفنية ويمنع استسلامك طوعيا للفرجة الآمنة، ويجعلك تقول في كل لقطة هنا يريد مني المخرج أن أسلم بهذه الصورة لإيران، وهنا يريدني أن أفكر على هذا النحو، فينغّص على فرجتك بما يبديه عقلك من مقاومة.