أفلام الأوبئة.. عالم الفيروسات الفتاكة بعيون سينمائية

عدنان حسين أحمد

كثيرة هي الأفلام الروائية التي تتخذ من الفيروسات الفتّاكة موضوعا لها، حيث تنتقل من الحيوانات في الأعم الأغلب وخاصة الخفافيش والقردة والخنازير وبعض أنواع القطط مثل الزباد (Civet)، وهو قط جنوب أمريكي، إلى غير ذلك من الحيوانات التي يمكن أن تكون حاملة لهذه الفيروسات وناقلة لها في كثير من الأحيان.

من بين الأفلام الروائية الكثيرة التي تتمحور على الفيروسات التي تُسبب الكوارث والأوبئة، ويمكن أن تصيب الملايين وتودي بحياتهم اخترنا خمسة أفلام وهي “عدوى” (Contagion) للمخرج الأمريكي ستيفن سودربرغ، و”التفشّي” (Outbreak) للألماني “ولفغانغ بيترسن”، و”الإنفلونزا” (Flu) للمخرج الكوري الجنوبي “كيم سونغ سو”، و”المجانين” (The Crazies) للأمريكي “بريك آيزنر” و فيلم “بعد 28 يوما” (28 Days Later) للمخرج البريطاني “داني بويل”.

وقد أوردنا في بعض الأفلام أسماء الفيروسات، وعدد المصابين، ونسبة الضحايا التي فتكت بهم الجوائح متخذين من فيروس كورونا الجديد أنموذجا للفيروسات القديمة التي تهدد حياة الجنس البشري، بينما خلت أفلام أخرى من النِسب والأعداد لأنها ببساطة لم ترد في متونها مثل فيلم “بعد 28 يوما”، لكننا نستطيع أن نستشف حجم الكارثة من خلوّ لندن وبقية المدن الكبرى من ساكنيها.

 

“عدوى”.. أقرب منعرج إلى فيروس كورونا

يُعد فيلم “عدوى” للمخرج الأمريكي “ستيفن سودربرغ” الفيلم الأقرب إلى فيروس كورونا (Covid-19) فالمريض يعاني من السعال وارتفاع درجة الحرارة وضيق التنفّس، كما أنه ينتقل إلى الإنسان باللمس والهواء، ويؤدي إلى جوائح قد يصل ضحاياها إلى عشرات الملايين من الناس، أما مصدر هذا الفيروس فهو الخفافيش والخنازير.

تنطلق فكرة هذا الفيلم من الجانب الذاتي للسيدة “بيث إيمهوف” التي تعود من رحلة عمل في هونغ كونغ، وتتوقف في شيكاغو للقاء عشيقها السابق “جون نيل” قبل أن تعود إلى عائلتها في مينيابولس، لكنها تُصاب بنوبة مرضية أقرب إلى الصرَع حيث يختضّ جسدها ويخرج سائل أبيض من فمها، ثم تفارق الحياة لسبب غير معروف، كما يُصاب ابنها “كلارك” البالغ من العمر ست سنوات ويموت أيضا، الأمر الذي يدفع الجهات الصحية لعزل الأب “ميتش إيمهوف”، لكن الأطباء يكتشفون قوة جهازه المناعي فيخلون سبيله، ويبقى رفقة ابنته المراهقة “جوري”.

نتعرّف في فيلم “عدوى” الذي ينتمي إلى الخيال العلمي على “بيث إيمهوف” كأول مريضة مُصابة بفيروس (MEV-1)، حيث يجتمع ممثلو وزارة الأمن الداخلي مع الدكتور “أليس تشيفر” ويعربوا عن خشيتهم من أن يكون انتشار هذا الفيروس ناجما عن هجوم بالأسلحة البيولوجية في عطلة نهاية الأسبوع و”عيد الشُكر”، الأمر الذي يدفع الدكتور “تشيفر” لأن يُرسل الدكتورة “أرين ميرس” للتحقيق في تتبّع انتشار هذا الفيروس، وتصل إلى “بيث إيمهوف” المُضيفة الأولى للمرض الذي انتقل منها إلى عشيقها السابق وابنها، وبقية الناس الذين قابلتهم في هونغ كونغ.

دكتورة إيرين ميرس تلزم المنزل بعد إصابتها بفيروس “ميف 1” القاتل في أتلانتا

 

تواري الرئيس.. أعذاق الموز القاتلة

تتسع دائرة التقصّي والمتابعة لكل الضحايا الذين التقطوا هذا الفيروس اللعين، لكن الدكتورة “ميرس” تمرض هي الأخرى في أتلانتا ويتعذر نقلها بسبب إغلاق المطارات، فتموت وتُدفن في مقبرة جماعية، ومع تفاقم المرض وإصابة الآلاف من المواطنين ينفرط العقد الاجتماعي، فتنتشر حالات نهب المحلات والمنازل والأسواق، بينما يتوارى الرئيس تحت الأرض تاركا مواطنيه يعانون من نقص الخدمات، بسبب هروب الموظفين والعاملين في أروقة الدولة إلى مناطق نائية، قبل أن تُغلق الحدود بين الولايات والمدن الكبيرة.

ما يهمنا في هذا الفيلم الذي يرصد 135 يوما من انتشار الفيروس هو عدد المصابين بهذا المرض القاتل، فبحلول اليوم السادس والعشرين وصل عدد المصابين في الولايات المتحدة الأمريكية 2.5 مليون في أقل تقدير، بينما بلغ عدد المرضى في جميع أنحاء العالم 26 مليون كائن بشري، ليظل تقدير العدد النهائي مفتوحا لمخيّلة المُشاهد وتصوراته.

لا بد من الإشارة إلى أن المُخرج قد حجب اليوم الأول ووضعه في خاتمة الفيلم ليقول لنا إنّ مصدر فيروس (MEV-1) هو الخفاش الذي كان يأكل الموز، وحينما سقطت أعذاق الموز بفعل التجريف تناولها الخنزير فانتقل الفيروس إلى صاحب المطعم الذي صافح “بيث إيمهوف” ناقلا إليها العدوى، ثم انتشرت بعد ذلك في كازينو القمار بين الزبائن والعاملين في الحانة التي تضم أناسا من جنسيات متعددة نقلوا الوباء إلى مختلف أرجاء المعمورة.

بيث إيمهوف تنقل فيروس “بيف 1” إلى الأشخاص الذين قابلتهم في هونغ كونغ وإلى عشيقها أيضا

 

عشبة فورسيثيا الرابحة.. خدعة علاج الفيروس

ينتقد مُخرج فيلم “عدوى” صانعي الخرافات ومروِّجيها، ويكفي أن نشير إلى “ألن كرمويدي” الذي أوهمَ الناس بأن عشبة فورسيثيا (Forsythia) تعالج المرض وتقضي على هذا الفيروس، الأمر الذي دفع المواطنين للهجوم على الصيدليات ونهب هذه العشبة التي لا علاقة لها بهذا المرض، ومع ذلك فقد حقّق هذا الدجال أرباحا مالية طائلة.

ثمة أوجه تشابه واختلاف بين فيروس (MEV-1) وفيروس (COVID-19)، فكلاهما ينتقل بواسطة الحيوانات كالخفافيش والخنازير والقردة، كما ينتقل عن طريق الرذاذ والعطاس ولمس الأسطح الملوثة بالفيروس، وفي السياق ذاته تتشابه الكثير من الأعراض مثل السعال وضيق التنفّس وارتفاع درجة حرارة الجسم وصعوبة بلع الطعام ونوبات شبيهة بالصرع وفشل كلوي وما إلى ذلك. أما أوجه الاختلاف فإن مرضى (MEV-1) لم يشفَ منه أحد، بينما شُفي الآلاف من مرضى كورونا.

من بين الانتقادات التي وُجهت لفيلم “عدوى” سرعة العلماء في إيجاد لقاح فعّال وشافٍ لهذا المرض خلال 90 يوما، بينما استغرق وباء الإيبولا 20 عاما لإيجاد دواء آمن وفعّال. تُرى كم سيحتاج العلماء والأطباء لإيجاد دواء ناجع لمرض كورونا؟

 

“التفشِّي”.. ذريعة صناعة الأسلحة الجرثومية

يتمحور فيلم “التفشِّي” للمخرج الألماني ولفغانغ بيترسن على انتشار فيروس “موتابا” القاتل في زائير، ثم ينتقل منها بواسطة قرد الكابوتشين ذو الوجه الأبيض ليصيب عددا من الناس ويُودي بحياتهم قبل أن يصل إلى قرية سيدار كريك الخيالية التابعة لولاية كاليفورنيا التي ينتقل إليها الفيروس تباعا من مهرِّب القرود إلى صاحب متجر الحيوانات الأليفة، ومنها إلى أبناء القرية التي تُحجر بالقوة العسكرية، ويبقى ساكنوها بانتظار المصير المجهول الذي يترقّبونه بهلع شديد، حتى يُعلن الطاقم الطبي عن اكتشافه لمصل مضاد لهذا الفيروس الذي أخذ يفتك بالناس بعد أن تحوّل إلى سلالة قادرة على الانتشار في الهواء وإصابة أعداد كبيرة من البشر.

يسبّب هذا الفيروس حمّى مميتة، ونوبات اختضاض حينما يسقط المريض أرضا، وتقرّحات عديدة حول الفم والأنف والعينين، ورغم أن الفيروس قد تفشّى في الغابات الأفريقية فإن الجنرالين الأمريكيين “دونالد مكلينتوك” و”بيلي فورد” قد احتفظا بهذا السرّ وحجباه عن الرئيس الأمريكي، وحينما تفاقم المرض واجتاح القرية برمتها بما فيها مخيّم الجنود الأمريكيين قصفت القرية وأبيدت عن بكرة أبيها.

لم تغب هذه القصة المُفجعة عن بال الأطباء والعلماء العاملين في الحقل الجرثومي، فبعد 28 عاما من حادثة القرية الزائيرية يرسل العقيد الطبيب “سام دانيلز” المختص بالفيروسات في معهد الأبحاث الطبية للأمراض المُعدية بالجيش الأمريكي مع طاقمه الطبي المؤلف من المقدم “كاسي شولر” والرائد “سولت”، وذلك للتحقيق في تفشّي المرض في زائير والعودة إلى أمريكا بتقارير طبّية معززة بالحجج الدامغة التي تكشف أن الجنرال “دونالد ماكلنتوك” يريد أن يستعمل هذا الفيروس كسلاح جرثومي مستقبلا، لكن العقيد “سام” وفريقه الطبي كشفوا هذا المخطط ونجحوا في اكتشاف المصل المضاد، وأنقذوا جميع المرضى المصابين بهذا الفيروس كما جنّبوا قرية سيدار كريك الأمريكية القصف بقنبلة عملاقة لا تُبقي ولا تذر.

 

“الإنفلونزا”.. لغز سفينة المهاجرين غير الشرعيين

يتناول فيلم “الإنفلونزا” للمخرج الكوري الجنوبي “كيم سونغ سو” انتشار فيروس إنفلونزا الطيور الذي ينتمي علميا إلى سلالة (H5N1)، ويفتك بحياة الآلاف من المواطنين الكوريين، وبما أنّ القصة طويلة ومتشعِّبة فسنتوقف عند الخطوط العامة التي تُحيط القارئ علما بالأحداث والشخصيات الرئيسية وطبيعة هذا المرض القاتل الذي بدأ على متن سفينة تحمل الأخوين المُهرّبيَن “بيونغ وو” و”بيونغ كي” اللذَين وَجدا أن المهاجرين غير الشرعيين قد لقوا حتفهم في حاوية شحن كبيرة بسبب مرض غير معروف.

سنكتشف لاحقا أن ذلك المرض هو “إنفلونزا الطيور”، وأبرز أعراضه هي السعال والحمّى والتقيؤ والتهاب الحلق وصعوبة التنفّس والإرهاق الذي ينتهي غالبا بالانهيار وفقدان السيطرة، مما يسبب لسائقي المركبات حوادث سير مفاجئة وخطيرة تربك حركة المرور في الشوارع.

يأخذ الأخوان الناجي الوحيد “مونساي” ويصوِّران بالهاتف النقّال جثث الضحايا المتعفنة كي يراها رئيسهم في العمل بمدينة بوندانغ التي لا تبعد كثيرا عن العاصمة سيؤول، وما إن يذهبا إلى عيادة طبية حتى تنتقل العدوى إلى الآخرين وينتشر المرض في عموم المدينة.

قبل يوم من انتشار المرض كانت الدكتورة “كيم إن هاي” قد فقدت بيانات مهمة عندما سقطت سيارتها في فوّهة منجم محاطة بالحواجز والعلامات التحذيرية، وأضاعت حقيبتها اليدوية التي سيجلبها “جي كو” العامل في فريق الطوارئ في اليوم التالي، وينهمك في مساعدتها حتى تتوقف الكارثة ويُشارف المرض على الانتهاء.

دكتورة كيم إن هاي تعالج المصابين بفيروس إنفلونزا الطيور في الحجر الصحي في كوريا الجنوبية

 

أسراب الإبادة الجماعية.. تدخل من رئيس الجمهورية

يلتقي “مونساي” الناجي الوحيد من السفينة وحامل هذا الفيروس بابنة الدكتورة “كيم” وينقل لها المرض، وحينما ينتشر الوباء في المدينة تقرر الحكومة المحلية عزل المصابين في أماكن محددة في المدينة من بينها الملعب الرياضي الكبير، لكن الدكتورة “كيم” تنجح في تمرير ابنتها المصابة التي سيكتشفون مرضها، فتسارع الأم في أخذ الكمية المطلوبة من دماء “مونساي” لتتماثل للشفاء، ومع ذلك فإن فرق التفتيش ستكتشف وجودها في خيم العزل وتأخذها إلى جوف الملعب الرياضي الذي يضم آلاف الجثث الميتة، وبعضها ما يزال يتنفس الهواء المتبقي في جوف الأكياس المصنوعة من النايلون.

بينما كانت قاذفات اللهب تحرق الجثث المصابة تنقَذ ابنة الدكتورة “مي ريوْ” التي سوف تغيّر مجرى الأحداث التي تطورت كثيرا، الأمر الذي يدفع رئيس الجمهورية إلى شجار محتدم مع القائد المسؤول عن القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية الذي أمر أسرابا من الطائرات كي تدمّر المدينة الموبوءة برمتها، لكنهم يتوصلون في خاتمة المطاف إلى إتفاق بإلغاء الضربة الجوية، بعد أن وعدهم رئيس الجمهمورية بأنّ هناك طفلة ناجية حصلت على دماء أحد المصابين، وهي مستعدة لتقديم عيّنات من دمها لصناعة اللُقاح المضاد لهذا الفيروس.

يلاحظ في مجمل الأفلام الأمريكية وبعض الأفلام العالمية الأخرى أن الإدارة الأمريكية وبعض الحكومات الأخرى لا تتورع عن تدمير المناطق الموبوءة بالقصف الجوي الذي يمتص عصفه البيوت والناس والأشجار المحيطة بهم كما حصل في زائير في ستينيات القرن الماضي، وفي فيلم “الإنفلونزا” أوشكت الطائرات الأمريكية أن تلقي حمولتها لولا شجاعة رئيس الجمهورية الكورية الجنوبية وتحمّله لكامل المسؤولية الناجمة عن هذا الوباء.

 

“المجانين”.. أصحّاء سلبتهم الفيروسات عقولهم

لم يكن هناك ما يؤرق حياة الساكنين وصفو عيشهم في بلدة أوغدن مارش التابعة لولاية أيوا الأمريكية حتى أظهر البعض منهم سلوكا غريبا وعدوانيا، وفي الوقت ذاته لم يستطع “ديفيد” عمدة مقاطعة بيرس وزوجته الطبيبة “جودي” أن يفسّرا ذلك السلوك لكن العمدة ونائبه “راسل كلانك” سيكتشفان أنّ طائرة عسكرية قد تحطّمت على نهر البلدة، ولعل حمولتها العسكرية هي التي أحدثت تلوثا في إمدادات المياه، وسبّبت للبعض هذا السلوك العدواني الغريب.

ثم يتفاقم الغموض عندما تنقطع الاتصالات مع بلدة أوغدن مارش، ويصل الجنود المدججون بأسلحتهم الأوتوماتيكية لحجر السكّان في المدرسة الثانوية لإجراء الفحوصات الطبية التي تميّز بين الأصحّاء والمصابين بفيروس رَبَدي (Rhabdoviridae) الذي يصيب الحيوانات كالحشرات والأسماك والثدييات، وينتقل إلى الإنسان أيضا.

العُمدة ديفيد وزوجته الطبيبة جودي الهاربان من بلدة أوغدن مارش الموبوءة

 

كبش الفداء.. حين تتحكم غريزة البقاء

يركز الفيلم على شراسة المصابين والعنف الذي يمارسونه ضد بعضهم، فلا يتورعون عن القتل بآلات حادة ومخيفة، إضافة إلى استعمال المسدسات والبنادق وكل ما يقع تحت أيديهم من أسلحة. وتتكئ قصة الفيلم على أربع شخصيات رئيسية، وهي العمدة “ديفيد” وزوجته الطبيبة “جودي” إضافة إلى “راسل” و”بيكا” الذين يحاولون الهروب من البلدة، لكن الجنود مخولون بإطلاق النار على أي مواطن مصاب يحاول النفاذ بجلده حتى لو كان العمدة نفسه، فتُقتل “بيكا” في أثناء محاولة الهروب عبر المروحية العسكرية التي تهاجم سيارتهم، فيقرّر الثلاثة قطع المسافة سيرا على الأقدام.

وفي أثناء استجوابهم لضابط المخابرات يتبيّن أنّ طائرة الشحن التي سقطت على نهر البلدة كانت تحمل سلاحا بيولوجيا يسمى “تريكسي” ويحتوي على الفيروس الربدي المُشار إليه سلفا.

يضحي “راسل” بنفسه بعد مشاجرات عديدة مع “ديفيد” حين وصل الطرفان إلى ذروة الغضب الذي كاد أن يفضي إلى القتل، لكن “راسل” يقدِّم نفسه قربانا في خاتمة المطاف ويموت من أجل أن ينقذ “ديفيد” وزوجته “جودي” اللذين يصلان إلى موقف للشاحنات الكبيرة، ويتزودان بعُلب الماء والأغذية المعلّبة، لكنهما يكتشفان أن الجيش قد أعدم العديد من الأشخاص المصابين بهذا الفيروس فيهربان بشاحنة صغيرة، بينما تدمّر قنبلة ضخمة بلدة أوغدن مارش كليا، فيعطّل الانفجار الهائل شاحنتهم ويقلبها على حافة الطريق، لكنهما يواصلان الرحلة نحو بلدة سيدار رابيدز التي تمثل رمزا للخلاص والأمل.

 

“بعد 28 يوما”.. لندن خاوية على عروشها

يرسم لنا المخرج البريطاني “داني بويل” بمزيج مُتقن من الإثارة والدراما والخيال العلمي صورة مروِّعة لنهاية العالم، وذلك إثر تفشّي فيروس غير قابل للشفاء في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث يحاول عدد من الناجين العثور على ملاذ آمن، في خضم الأجواء المُوحشة التي تعيشها العاصمة البريطانية لندن بعد أن قامت مجموعة من نشطاء الرفق بالحيوان بدهم جامعة كيمبردج، من أجل تحرير قرود الشمبانزي التي تخضع لتجارب وأبحاث علمية، لكنها تُصاب جميعا بفيروس مُهلك ينتقل بسرعة إلى الإنسان، ويُفضي بالنتيجة إلى انهيار المجتمع البريطاني.

وما إن يُطلق النشطاء القردة من أقفاصها حتى تظهر عليهم أعراض السلوك العدواني الذي يصل إلى درجة التوحّش، وبعد 28 يوما من تفشّي المرض يستيقط ساعي البريد جيم من غيبوبته الطويلة في مستشفى سانت توماس في لندن، ليكتشف أنّ المدينة شبه مهجورة إلا من بعض الأفراد المفزوعين والمتناثرين هنا وهناك، ومع ذلك يتجول في المدينة ويتعرّض لهجوم من قبل أناس مصابين بهذا الفيروس الخطير، لكن ينقذ من قبل الناجين “سيلينا ومارك” اللذين يحيطانه علما بتفشي هذا المرض الذي ينتقل عن طريق الدم.

ونظرا لإصرار “جيم” على زيارة أبويه في ديبتفورد يرافقه “مارك” و”سيلينا” في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وما إن يصل إلى الشقة حتى يكتشف انتحار والديه، وفي أثناء تجوله في المطبخ يتعرّض لهجوم من قبل عائلة مصابة، فينبري للدفاع عن نفسه، لكنه يجرح نفسه بالسكين بالخطأ، فتقتله “سيلينا” في الحال قبل أن يتحول إلى شخص متوحش جرّاء هذا الفيروس المُهلك.

جثث الموتى في كل أنحاء المملكة المتحدة بعد 28 يوما من تفشّي فيروس مُهلك ينتقل بسرعة إلى الإنسان

 

ركوب الموجة..  تعزيز منظومة القيم الأخلاقية

يتعرّف “جيم” و”سيلينا” بعد مغادرة المنزل على سائق التاكسي “فرانك” وابنته المراهقة “هانا” في برج وليفرون شرقي لندن، وبينما كان “فرانك” يستمع إلى بث إذاعي من وحدة عسكرية تُرابط قرب مدينة مانشستر تستضيف الناجين وتقدّم لهم الحماية، يقترح فرانك أن يتجهوا جميعا إلى هذه الوحدة العسكرية، خاصة وأنّ لندن قد بدأت تعاني من شح الماء وقلّة المؤن الغذائية، وحينما يصلون إلى هناك يُصاب “فرانك” بالفيروس فيقتله الجنود في الحال.

لم تكن هذه الوحدة العسكرية إلا خدعة يستدرج بها الرائد “ويست” النساء الناجيات بهدف العبودية الجنسية مقابل بقاء الجنود في الثُكنة العسكرية التي تتعرض يوميا إلى مخاطر، وفي الجزء الأخير من هذا الفيلم نكتشف مقبرة جماعية للمصابين الذين أعدمهم الرائد “ويست” وجنوده، لكن الرقيب “فاريل” ينشق عن وحدته ويؤازر الثلاثي “جيم” و”سيلينا” و”هانا” للهروب من هذه الثكنة بعد أن قتلوا كل أفرادها.

لا يقدّم لنا المخرج “داني بويل” في هذا الفيلم اسم الفيروس، ولا يزوّدنا بإحصائية تضمّ عدد المصابين، لكنه يشير إلى وجود ناجين يمكن أن يواصلوا حياتهم بعد الانهيار الاجتماعي الكبير، وعلى الرغم من قساوة القصة وفظاظة الحياة اليومية التي يعيشها الضحايا، فإن الفيلم يقدّم لنا أفكارا إنسانية عظيمة تعزز منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع البريطاني في أوقات المحن والشدائد.