وقود الثورة الصناعية.. نهضة من عرق القابعين في أعماق مناجم الفحم

في أعماق المناجم وبعد هبوط خانق في آبار المنجم، يتنقل العمال عبر متاهات مظلمة في بيئة حارة ورطبة ومشبعة بغبار الفحم والغازات السامة، الخطر يتربص بهم وتقع حوادث يومية، يموت عمال المناجم من الدوار، أو يسحقون تحت الصخور، أو يحترقون أحياء، أو يغرقون بالفيضانات، أو يختنقون بانفجار جيوب غازية، يستحيل الهروب من هذه المتاهة المغلقة، مئات العمال يُقتلون بسبب هذه الحوادث في كل مرة.

وبمرور الوقت، أصبحنا ندرك أنه بغض النظر عن حجم الفوائد، هناك دائما ثمن للتقدم، يُوسّع البشر باستمرار آفاقهم التكنولوجية. واليوم -أكثر من أي وقت مضى- أصبح الهدف الوحيد هو الابتكار، دون تفكير حول ما إذا كان ذلك عادلا أم لا، فهل التقدم المادي يجعل الناس أفضل أو أكثر سعادة؟

يتناول فيلم “عمال المناجم.. وقود الثورة الصناعية” -الذي بثته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “سيناريوهات تاريخية”- قصة الثورة الصناعية التي انطلقت على أكتاف عمال المناجم الذين كانوا بمثابة وقود لها عبر استخراجهم الفحم، وقد مر الأمر بثلاث محطات كبرى شكّلت لحظات أساسية في تعدين الفحم في أوروبا، وتُشكل الجانب الآخر من الثورة الصناعية، وهي:

عام 1690، حين طوّر “دينيس بابان” المحرك البخاري، لكن هذا الاختراع لم ينجح أبدا في تجاوز النموذج الأولي. القرن الـ19، حين أصبحت مداخن المصانع تغطي أوروبا، وفي كل مكان يُرسل عمال المناجم إلى تحت الأرض لاستخراج الفحم. مارس/آذار عام 1906، حين دمر انفجار في مناجم “كورييه” الفرنسية 110 كيلومترات من الأنفاق والسراديب، وأسفر عن مقتل أكثر من ألف عامل.

محركات البخار.. بداية الثورة الكبرى في عالم الآلات

منذ القدم تنافس الرجال في الإبداع لتطوير آلات معقدة، بدءا من استغلال قوة الحيوان، إلى تسخير القوى الطبيعية، ومن اختراع العجلة، إلى حجر الرحى الهيدروليكية.

ومنذ القرن العاشر انتشرت الطواحين في الريف الأوروبي، وكانت كل واحدة منها قادرة على القيام بعمل 15 رجلا، ومع ذلك ففي عام 1690 كان الإنسان على وشك كتابة فصل جديد في التاريخ، فها هو المهندس الفرنسي “دينيس بابان” يختبر اختراعه الجديد “نظام آلي يعمل بالبخار”.

باستخدام البخار، تمكن البشر من اختراع أول مكبس ينقل الحركة ويؤدي عمله على مدار الساعة بلا توقف

تُملأ أسطوانة فيها مكبس بالماء، ثم يُغلى الماء فيتحول إلى بخار يدفع المكبس إلى الأعلى، وعندما تبرد الأسطوانة ينزل المكبس إلى الأسفل، وتتكرر الدورة نفسها طالما تتوفر النار. لقد وضع “بابان” أسس المحرك البخاري، لكنه لم يطور إمكانات نموذجه الأولي.

وبعد بضع سنوات طور الإنجليزي “سيفولي” نظاما لتصريف المياه الراكدة من قاع المناجم، ويعمل بطريقة مختلفة قليلا، إذ يُوضع الماء في مرجل، ثم يُنقل البخار في حاوية مانعة للتسرب، وعندما يبرد البخار يتكثف ويصنع فراغا يُستخدم لتفريغ المياه الموجودة بالأسفل.

وفي عام 1712، ابتكر مهندس ثالث هو “نيوكومين” نظام ضخ خاصا به، ويجمع بين الاقتراحين السابقين، وهو أول محرك بخاري تبديلي. يسمح هذا النظام لرجلين فقط خلال 48 ساعة بتصريف ما كان يحتاج 20 رجلا و50 حصانا يعملون ليل نهار لمدة أسبوع كامل. لقد كان النجاح فوريا، وهذه كانت البداية.

مع الثورة الصناعية التي عمت أوروبا، كان الفحم الحجري وقودها الذي ملأت أدخنته سماء أوروبا

أثرت هذه الابتكارات في حِرَف أخرى، فقد رفع تطويرُ المكوك الطائر لألوان النسيج زيادةً إنتاجية بمقدار أربعة أضعاف، وبعد 30 عاما تضاعفت 20 مرة. ففي بريطانيا، يرتفع الإنتاج وتنخفض الأسعار ويرتفع مستوى المعيشة وتمنح البنوك القروض المهمة لرجال الأعمال وتزدهر المعاهد والأكاديميات. فالابتكار إذن يُغيّر المجتمع البريطاني جذريا.

“جيمس وات”.. معجزة بخارية تغزو أسواق الإنجليز

فُتنت إنجلترا في القرن الـ18 بالعلم وتطبيقاته العملية، فطُورت طرق جديدة لإنتاج الفولاذ، وجمعت الاختراعات بين الطاقة البخارية وألواح الحياكة الجديدة، إنه تفاعل تسلسلي حقيقي، إنه “انتصار المكننة” في ثورتها الصناعية.

في جامعة غلاسكو بأسكوتلندا، يعمل الشاب “جيمس وات” على صيانة الأجهزة العلمية، وذات يوم من عام 1763 كُلف بمهمة خاصة لإصلاح نموذج صغير لآلة “نيوكومين”، وكان مقتنعا بقدرته على تحسين إنتاجه، فدرس هذا النموذج بالتفصيل، وحدد نقاط ضعفه، وهي التبريد الضروري للأسطوانة للسماح بتكثيف البخار، إضافة إلى فقدانه الكبير للطاقة.

وللتغلب على هذه العلل أضاف خزانا منفصلا للنظام يسمى “المُكثّف”، ثم قام بحماية هذه الفكرة فورا ببراءة اختراع. ويواصل “وات” بحثه ويُطوّر مبدأ العمل المزدوج؛ حيث يُستخدم البخار بالتناوب على وجهي المكبس، وهكذا نجح في زيادة إنتاجية محرك “نيوكومين”.

ظهور المحرك البخاري أدى للحاجة إلى المزيد من الفحم الحجري ومحاجره التي استعبدت البشر

حصل “وات” على براءة لاختراعه مرة أخرى، وانضم إلى المُصنّع “بولتون”، وبدأ منتجهما يغزو السوق، وبين عامي 1776-1800 باعا 500 جهاز وحققا نجاحا باهرا، لكن “وات” لم يتوقف هنا، فقد أضاف مقياس ضغط وبندولا محسنا للحفاظ على تأرجح مستقيم، إضافة إلى منظم ضغط أوتوماتيكي.

ثم أُلهم ابتكار وحدة قياس جديدة لمساعدة المستثمرين على فهم قدرة منتجه، وهي “القدرة الحصانية”، وتعادل قوة حصان واحد القوة اللازمة للحصان لرفع 75 كيلوغراما مسافة متر واحد في ثانية واحدة.

معززة بقوة 15 حصانا، تتكيف الآلة مع أنواع مختلفة من الاستخدامات، كالضغط من المناجم وتتريس المطاحن، وكذلك مع مراجل القاطرات والقوارب البخارية. وهكذا تتراجع طاقة الإنسان والحيوان تدريجيا أمام الطاقة المعدنية.

عمال المناجم.. وقود الثورة الصناعية القادم من باطن الأرض

إنارة الشوارع والتدفئة الفردية والمكننة الزراعية والنقل بالسكك الحديدية والبحرية البخارية، كل ذلك أصبح متوفرا بفضل صخرة سوداء مدفونة في عمق الأرض منذ فجر التاريخ؛ هي الفحم الحجري، ذلك الوقود الأحفوري.

فالمراجل الكثيرة التي توفر البخار الثمين، هي القوة الدافعة لدوامة الحداثة التي تُفرط في استهلاك الفحم يوميا، لكن للحصول على الفحم لا بد من الحفر والكشف عن هذه الطبقات الغنية التي تتعرج تحت أقدامنا أحيانا على عمق مئات الأمتار. وإذا سمح الفحم على السطح للآلات بالحلول محل الإنسان، ففي باطن الأرض تنعكس الأدوار؛ إذ على الرجال استخراج الصخور السوداء من القشرة الأرضية.

كانت مناجم الفحم تبتلع عمال الحفر لمدة 14 ساعة كل يوم بلا رحمة

وفي كل يوم يحتشد عمال المناجم عند منصات النزول التي تأخذهم إلى الظلام مجهزين بمصباح بسيط، بحثا عن هذا الخام الثمين.

ولا يمكن تصور معدل العمل، إذ تبتلع الحفر عمال المناجم عند الفجر، وبعد 14 ساعة تبصقهم وهم مغمورون بالسخام، لأن آلات الثورة يجب أن لا تتوقف ولا بد من إطعامها، فهي غِيلانٌ شرهة لكنها أصبحت ضرورية للبشرية، لذلك يحفر عمال المناجم دائما مسافات أعمق وأعمق، حيث تُكشط التربة وتُرمى الأحجار وتفجر الصخور بالديناميت، وأما الأكوام الركامية والمخلفات التي تتجمع فيها بقايا الحفريات فتتحول تدريجيا إلى تلال.

وبسبب معاناتهم في المناجم تحت الأرض، يرى عمال المناجم أجسادهم تتألم وتشوه. فلا أحد يخرج من الحفرة سالما، وهذا هو الجزء المرئي فقط، لأن عمال المناجم يموتون صغارا من مشاكل مختلفة، وحتى بعد سنوات يموت عمال المناجم بسبب “السُحار السيليسي”. ناهيك عن أن الرواتب قليلة وتعتمد على الإنتاج، فلا ينال عمال المناجم استراحة، بل ويعملون بلا هوادة بوتيرة قاتلة، حتى الأطفال يعملون، وأحيانا تعمل المرأة الحامل حتى الولادة وتعود إلى العمل في اليوم التالي، “عمال المناجم هم وقود الثورة الصناعية”.

استغلال البروليتاريا.. بطش الرأسمالية يهدد باشتعال الثورة

مثّل القرن الـ19 عصر الليبرالية المنتصرة وظهور الأفكار الاشتراكية، وإذا كانت المشاهد قد تغيرت بظهور المصانع وممرات المناجم، فالمجتمع أيضا شهد تغييرات جذرية؛ فالرأسمالية نظام يمتلك فيه الأفراد وسائل الإنتاج ويفضلون الابتكار وروح المبادرة، ووفقا للاقتصادي “كارل ماركس”، فإن العمل هو جوهر البشرية، وينقسم المجتمع إلى طبقتين هما “البروليتاريا” المؤلفة من العمال، و”البرجوازية الرأسمالية” التي يجسدها أرباب العمل.

صراع طبقي دائم بين البروليتارية التي تأمل معيشة أفضل، والرأسمالية التي تسعى إلى ربح أكبر على حساب البروليتارية

أما بالنسبة لـ”ماركس”، فالبروليتاري هو الشخص الذي يُقدّم فقط قوته العاملة مقابل راتب، وعلى الجانب الآخر، فالرأسمالي هو الشخص الذي يُثري رأسماله باستغلال البروليتاري، والطبقتان في صراع دائم، لأن الرأسمالي يسعى وراء مصلحته، والبروليتاري يأمل بنيل معيشة أفضل.

وتظهر حماسة شديدة بين العاملين الذين يتوقون إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة. وقد ظهرت الحركة الاشتراكية -التي تدعم هذه الأفكار- في النصف الأول من القرن، وسيُقدّم ممثلوها أنفسهم كمدافعين عن حقوق البروليتاريا، فهذا هو الصراع الطبقي، وسيقود هذا الصراع في مناجم الفحم بفرنسا إلى نقطة تحول واضحة.

زيادة الأرباح وخنق العمال.. وقود الثورة

في بداية القرن الـ19، كانت فرنسا تستخرج مليون طن فقط من الفحم كل عام، وقد تضاعفت الكمية 40 مرة خلال القرن التالي، وبالنسبة للمساهمين في المناجم الفرنسية، فإن هذا نجاح كبير، لكن بأي ثمن؟

تُرك عمال المناجم -المنهكون من هذه الوظيفة الخطيرة القليلة الأجر- في الخلف بسبب التقدم، فتحت وطأة أصحاب العمل، لا يسعهم فعل شيء ضد الاستغلال، ليكون الجوع وإدمان الكحول والعنف وانعدام الأمن والأمية والاضطراب والدعارة والسكن غير الصحي نصيبَهم اليومي.

في مارس/آذار عام 1906، حدث انفجار في مناجم “كورييه” بفرنسا فدمر 110 كيلومترات من الأنفاق وقتل أكثر من ألف عامل

ومن أجل زيادة الإنتاج، يدرك أصحاب المناجم أن صحة العمال يجب أن تكون جيدة، وأن يعيشوا إن أمكن بالقرب من مهاوي المناجم، ففي المناطق المحيطة بالمناجم، بنوا المساكن للعمال والمتاجر والمدارس، وبالطبع المقاهي والحانات.

وبسبب الخوف من البطالة، يقبل الناس أي عرض عمل، لكنهم يدركون تدريجيا أن الاتحاد والوقوف معا قد يُحدث فرقا؛ فالإضراب العام هو وسيلة ضغطهم، فإذا توقفوا عن العمل فلن تنتج المناجم، وستنخفض الأرباح، عندها ربما سيلفتون الانتباه.

“أطلقوا النار إذا كنتم تجرؤون”.. صرخة الجائعين في وجه الجيش الفرنسي

في 17 مايو/أيار عام 1833، نزل عمال المناجم إلى الشوارع بالعصي غاضبين من شركة تجاهلتهم لعشر سنوات، وعلى الفور نشر الجيش ثلاثة آلاف جندي وثلاث قطع مدفعية ضد عمال المناجم المضربين، فلا مزاح في شأن إمدادات الفحم بالنسبة للدولة الفرنسية. وفي عام 1844 أثناء نقل 17 عاملا معتقلا إلى سان إتيان، وقع الحراس في كمين وردوا بالنار والسيف، وبعد أربع سنوات في منطقة سان إتيان، وجد عمال المناجم مخزون أسلحة نارية، وبكل تصميم هاجم 400 منهم مركزا للشرطة لتحرير المعتقلين المضربين.

وكدليل على تطور المجتمع، فإن الإضرابات -التي ظلت ممنوعة لزمن طويل- أجازتها الدولة عام 1864، لكن الرواتب لا تزيد وظروف العمل لا تتحسن، حتى أن الإضرابات أصبحت أكثر عنفا، هجوم على العربات في مدينة وكمين في أخرى، ويكشف المضربون عن صدورهم للشرطة ويصرخون: اقتلونا إذا كان هذا ما تريدون، أطلقوا النار إذا كنتم تجرؤون.

إضراب عمال مناجم الفحم يستدعى تدخل الشرطة الفرنسية لقمعهم

وفي عام 1884 أجاز القانون إنشاء النقابات العمالية، وينصح قادةُ النقابات عمالَ المناجم المضربين بالهدوء والاعتدال، وسُمح لأعداد متزايدة من العمال بانتخاب نوابهم، ثم سُنّت تشريعات تقدمية تدريجيا، وتحسنت حالة العمال، ومنع الأطفال الذين لم يبلغوا 13 عاما من العمل، وعُوّضت حوادث العمل، وقللت ساعات العمل إلى أقل من 12 ساعة.

ضريبة التقدم.. ثمن يدفعه العمال في كل زمان ومكان

بينما بدا أن وضع العمال في فرنسا قد تحسن أخيرا، فإن كارثة مروعة ستُذكّر الجميع بالواقع القاسي لهذه الوظيفة، ففي 10 مارس/آذار عام 1906 في كوريان، دمر انفجارٌ 110 كيلومترات من الأنفاق والمتاهات، ومن أصل 1800 عامل نزلوا في ذلك الصباح، فإن أكثر من ألف منهم لم يعودوا أبدا. ورغم التقدم الاجتماعي، يستمر عمال المناجم في دفع الثمن.

ترك التقدم بصماته على القرن الـ19، بوصفه تطورا مستمرا للمجتمع نحو المثالية، إذ يجب أن يكون التقدم لصالح البشرية جمعاء، فاليوم أفضل من الأمس، لكنه ليس جيدا كالغد، والتنمية أمر حتمي وضروري لحسن سير العالم، لكن يبقى السؤال الجوهري من يضع الحدود؟ وتحت أي شرط؟

اختراع السيارة العاملة بالبنزين يرمز للتقدم، لكن تطويرها -وإن كان أنتج حرفا جديدة- فإنه ألغى حرفا أخرى. فكم عدد الحدادين الذين نجحوا في إيجاد فرص في العمل في ميكانيكا السيارات؟ وكم عدد العمال الذين ماتوا في مناجم الفحم حتى نتمتع بجميع وسائل الراحة؟

آخر مناجم الفحم.. نهضة الماضي لم تعد مربحة في العالم الجديد

في أبريل/نيسان عام 2004، أغلق آخر أنفاق المناجم الفرنسية رسميا في لورين، وذلك بعد ثلاثة قرون من التعدين المكثف، إذ لم يعد الفحم مربحا كما كان من قبل.

كان الفحم محرك الثورة الصناعية ورئة إعادة الإعمار الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، كما كان بمثابة عضلات الصحوة الاقتصادية الصينية، ولكن مصادر أخرى للطاقة حلت محله الآن، فقد حلت المناجم الضخمة المكشوفة مكان منصات الحفر المعدنية، وأفسحت النفايات النووية المجال لأكوام من ركام المعادن، وحلت بقع الزيت محل الانفجارات المشتعلة.

في عام 2004 تم إغلاق آخر مناجم الفحم الحجري في فرنسا

عالمنا يتغير مرة أخرى، حياتنا اليومية تعج بالسيارات، وهناك نمو سكاني هائل، ويجري استكشاف الفضاء، ففي بداية الثمانينيات بدا العالم مرة أخرى جاهزا للتطور، وبعد ذلك ظهرت آلة جديدة في السوق هي الحاسوب الشخصي، وفي العقد التالي أحدث الإنترنت ثورة في وسائل اتصالنا على نطاق عالمي.

ومثل محرك “جيمس وات” قبل قرنين، أصبحت هذه الاختراعات ضرورية وغيّرت الاقتصاد، وخلقت وظائف جديدة لم يكن بإمكان الناس تخيلها في القرن الـ19.

ثورة الذكاء الصناعي.. تطور فوضوي يهدد مستقبل الإنسان

رغم أن الثورة الرقمية لم تصل إلى كل البلدان بعد، فيبدو أن ثورة جديدة تظهر حاليا، نظرة جديدة للمستقبل تعد بتسارع التقدم التكنولوجي في مجالات الذكاء الصناعي والتكنولوجيا النانوية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم الإدراك.

عالم مستقبلي ستصبح فيه كلمات العمل والتوظيف والوظيفة بلا معنى، عالم تستطيع فيه الروبوتات فعل كل شيء بشكل أفضل من البشر، من تصنيع السيارات إلى الطهي وتأليف معزوفات الكمان.. عالم يواجه فيه الإنسان السؤال المتعلق بهدفه الأساسي، لكن تلك قصة أخرى.

فاقت قدرةالروبوتات البشر في التصيع والإنتاج ما أدى إلى الاستغناء عن أعداد مهولة من الأيدي العاملة

وقد يكون التقدم فكرة مخيفة، ففي بداية القطار البخاري، انتشرت شائعات جنونية عن هذه الآلة الجهنمية التي ستدمر الريف. وحاليا يسيطر الخيال والخوف على المناقشات بشأن التكنولوجيا الرائدة الجديدة، إذ نسمع عن روبوتات قادرة على التحدث مع البشر، أو أجهزة حاسوب تجمع عواطفنا، أو آلات تزيد قدراتنا الفكرية أو تطيل حياتنا.

المستقبل يُصيبنا بالدوار، لذا نميل بشدة إلى رفضه تماما. حتى رواد الأعمال مثل “إيلون ماسك” يعتبرون أن التطور غير المدروس للذكاء الصناعي يمكن أن يصبح أكبر تهديد لمستقبل البشرية. ويبقى السؤال المطروح هو: من يتحكم في التقدم؟ ومن يقرر ما إذا كان الابتكار في صالح البشرية أم لا؟ وهل الإنسان ما زال مسيطرا؟

من حسن حظنا أن الميزة الرئيسية للبشر هي التكيف، لأنه من المؤكد -بطريقة أو بأخرى- أن ظهور هذه التقنيات في حياتنا هي مسألة وقت فقط، وأمام هذه الثورة المستقبلية لكل منا خيار؛ فإما أن نخوض هذه الثورة متفرجين ونترك مهمة تشكيل مستقبلنا للآخرين، أو ننضم إلى المعركة للحفاظ على السيطرة.