مدير مهرجان فجر في طهران للوثائقية: مهرجاننا الأهم في المنطقة

 ندى الأزهري

حقق سيد رضا إلى اليوم عشرة أفلام آخرها "قصر شيرين"

 كانت بدايات المخرج الإيراني سيد رضا مير كريمي عام 1987، وذلك مع فيلم قصير ومسلسلين تلفزيونيين، ثم جاء فيلمه الطويل الأول والأشهر “الولد والجندي” عام 1999 والذي حاز على العديد من الجوائز في المهرجانات المحلية والدولية، هكذا كان الحال مع بقية أفلامه لا سيما منها “تحت ضوء القمر” الذي يعالج قضايا اجتماعية ودينية ونال جائزة في قسم أسبوع النقاد في مهرجان كان عام 2001.

حقق سيد رضا إلى اليوم عشرة أفلام آخرها “قصر شيرين”، وعُيّن منذ عام 2015 مديرا لمهرجان فجر السينمائي الدولي في طهران. التقته الجزيرة الوثائقية في مكتبه بمقر عرض أفلام مهرجان فجر بمناسبة الدورة الـ37 التي نُظّمت من 18 وحتى 26 نيسان/أبريل 2019 في العاصمة الإيرانية طهران، وأجرت معه الحوار التالي:

 

  • أعلنتَ في المؤتمر الصحفي أنكم اعتمدتم سياسة التقشف، كما واجهتم مشاكل عدة خلال تنظيم المهرجان هذا العام بسبب العقوبات على إيران.

جزء من المشاكل التي واجهتنا كان ماليا، وجزء آخر سبّبته العقوبات على إيران. في مهرجان مثل فجر نرغب بعرض ما لا يقلّ عن مئة فيلم، بالتالي علينا أن نسدد أجور الأفلام وبطاقات طيران المدعوين ونفقات أخرى بالعملة الأجنبية، مما وضع أمامنا العديد من العوائق، فحساباتنا جُمّدت في أوروبا وكان علينا اللجوء إلى أصدقائنا لمساعدتنا في حلّ الأمور. تسبب أيضا قرار الولايات المتحدة الأمريكية الجديد بعدم إعطاء تأشيرة الدخول لمن يزور إيران في تردد بعض الضيوف بالقدوم خشية مواجهة هذه المشكلة مستقبلا.

نحن نريد إكمال الطريق الذي بدأناه منذ 2015 حين قبلتُ أن أكون مديرا لمهرجان وليس موظفا حكوميا، لقد رغبت بتغيير الأمور على نحو محسوس، طلبت فريق عمل جديدا مكوّنا من خبراء ومخرجين، وكنا نختار الأفلام باستقلالية دون أي تدخل من الحكومة، بفضل هذا يتطور المهرجان ويكبر أكثر من السابق.

لدينا اليوم الكثير من الأصدقاء من مديري المهرجانات والمشترين والسينمائيين من المنطقة ومن كافة البلدان الأخرى، مما يساعدنا في إدارة مهرجاننا وهم يقبلون دعوتنا للقدوم. هذا العام استضفنا 250 مدعوّا من 70 بلدا تقريبا فضّلوا القدوم ولا يخشون تأثير ذلك على تأشيرة الولايات المتحدة.

  • ما تأثير كونك مخرجا في عملك مديرا لمهرجان سينمائي، ماذا أضفت مثلا للمهرجان غير ما ذكرته، وما هي التغييرات التي أدخلتها؟

تجربتي كمخرج تساعدني في خطّ مسير جديد لمهرجان فجر، لقد دُعيت لكثير من المهرجانات في العالم مع أفلامي أو كعضو في لجان التحكيم، استلهمت أفكارا جديدة من وجودي فيها ساعدتني على وضع تحديد جديد لمهام المهرجان وتغيير بعض الأمور.

على سبيل المثال نقلتُ مقرّه من شمال المدنية إلى مركزها (ليوفر على الضيوف الكثير من الوقت)، وكذلك جعلتُ مقر إقامة الضيوف في فندق وسط طهران مجاور للعديد من الأماكن الأثرية وهذا مهم لهم، كما أضفت قسم “دار الفنون” الذي ندعو من خلاله طلابا للاستماع إلى دروس مختصين بالسينما وسينمائيين من ضيوفنا ليستفيدوا من خبراتهم، لقد كانوا هذه السنة أكثر من ستين شخصا قدموا من 30 بلدا، وخاصة من المنطقة أي من الشرق الأوسط والأناضول والقوقاز ومن مناطق وولايات إيرنية، إنهم مواهب جديدة.

 كانت بدايات المخرج الإيراني سيد رضا مير كريمي عام 1987، وذلك مع فيلم قصير ومسلسلين تلفزيونيين

  • هل هم طلاب في معهد سينمائي؟

ليس بالضرورة، لكن يشترط تحقيقهم فيلما قصيرا على الأقل كي يُقبلوا في ذلك القسم. في نسخة فجر الحالية  تُعرض أفلام أولى لأربعة من هؤلاء الطلاب الذين سبق وقدموا لدار الفنون.

  • هل ثمة معايير خاصة لاختيار الأفلام في مهرجان فجر السينمائي، وهل واجهتم هذا العام مشاكل تتعلق برفض بعض الأفلام المشاركة فيه؟

لم نواجه هذا النوع من المشاكل، لا سيما وأن الأفلام التي توزعها هوليود ليست ضمن برامجنا. لا حدود لخياراتنا، وأحاول أن أعثر على أفلام جديدة، فلا أريد لمهرجاننا أن يكون مُكرِّرا للأفلام ذاتها التي تعرض في مهرجانات أخرى، كما أنني لا أختار الأسماء الكبرى، فنحن نهتم بالخصوص بأفلام وسط آسيا.

حاليا لا يوجد في الشرق الأوسط مهرجان كبير، لذلك نسعى لجلب أفلام المنطقة والتعرف على ما يُنجز فيها من أفغانستان وباكستان مثلا. هذه هي النسخة  الـ37 من فجر وهو أحد المهرجانات الأقدم في آسيا، إنه مهم في غرب آسيا، ودورنا هو العثور على المواهب من هذه المنطقة وتقديمها.

وبالطبع لدينا قسم “مهرجان المهرجانات” لعرض أفضل الأفلام وتلك التي ربحت في مهرجانات دولية، لكن في المسابقة نريد أفلاما جديدة لم تعرض في أماكن أخرى أو لم تعرض كثيرا، ونرغب في تطوير المهرجان على هذا النحو.

  • لا يوجد مهرجان كبير في الشرق الأوسط؟ ماذا عن مهرجانات أخرى كالقاهرة الذي احتفل بالأربعين هذا العام؟

يوجد قرطاج وهو مهرجان جيد لعرض الأفلام العربية والأفريقية وقد سبق وحضرته، كما كان هناك مهرجان دمشق لكنه توقف، كذلك حصل مع دبي وأبو ظبي، أما مهرجان القاهرة فمستواه أقل من السابق، بالتالي مهرجاننا هو الأبرز في المنطقة.

رضا مير كريمي: بالنسبة للأفلام المشاركة فنحن نعطي الأولوية لقيمة الفيلم الفنية

  • هناك فريق جديد في مهرجان القاهرة، ربما رأيك نابع من عدم وجود حضور إيراني فيه؟

في الماضي كان هناك تعاون بيننا، لكنهم بسبب الظروف السياسية لا يريدون إقامة علاقات معنا. نحن نحاول كل عام دعوة أفلام ومخرجين من هناك، لكن حكومة مصر لا تعطيهم الموافقة للقدوم إلى إيران، فمنهم من يُلغي حضوره قبل أسبوع فقط من بدء المهرجان هنا. لقد دَعَونا أحدهم للمشاركة في لجنة التحكيم لكنه أعتذر قبل موعد المهرجان بقليل، واخترنا فيلما مصريا لعرضه في القسم الرئيسي وألغيت مشاركته أيضا.

ليس لدينا أية شروط لإقامة علاقات مع الدول العربية، مهرجاننا هو للمرة الأولى بيد مخرجين وليس بيد الحكومة، وهي لا تحدّ من تعاوننا مع الآخرين. في السنة الماضية كان هناك أربعة وفود عربية و40 مشاركا من المغرب والجزائر وتونس والإمارات وقطر والكويت وسوريا ولبنان والأردن، فقط مصر لديها مشاكل معنا، هذا لسوء الحظ لأنني أحب مصر حقا، وهي مع إيران إحدى أهم وأكبر حضارات المنطقة تاريخيا، هذا وضع سيئ لا نريده.

  • بالعودة إلى معايير اختياركم للأفلام المشاركة في مهرجان فجر، فهل ثمة شروط فيما يخص المواضيع؟

نعطي الأولوية لقيمة الفيلم الفنية، فهناك مواضيع تهمّنا مثل القيم العائلية والسلام والقضايا التي يواجهها العالم اليوم، نهتم أيضا بكل جديد في المضمون، هذا ينطبق على قسم المسابقة الدولية، أما في بقية الأقسام فالأمر مختلف.

قد نعرض أفلاما متوسطة القيمة الفنية الآتية من آسيا وبعض البلدان العربية، لأن هدفنا البحث عن مواهب جديدة وتشجيع السينما المستقلة التي تتناول مواضيع بسيطة. في اختياراتنا نهتم بالسينما المشابهة لسينمانا في قيمها الجمالية والمتأثرة بها، وثمة أفلام من وسط آسيا متأثرة بأفلام كيارستمي مثلا، فنميل إلى هذا النوع من جهة ومن جهة أخرى نبحث ونعطي مكانا لأفلام وتجارب جديدة ذات أسلوب جديد مغاير للسينما الإيرانية، مثل سينما “النوع” أي أفلام الرعب أو الهزل.

  • في فيلمك الأخير “قصر شيرين” الذي عرض في قسم “سوق المهرجان” عودة إلى السينما الإيرانية التي عرفناها سابقا، لا سيما فيما يتعلق بإعطاء الأطفال دورا رئيسيا، أليس كذلك؟

ربما من ناحية الموضوع فهو قصة عائلية بسيطة، إنما ثمة اختلاف في أسلوب السرد وفي الشكل، مثلا طريقة كشف المعطيات حديثة جدا. في السينما الإيرانية التي تذكرين القصة واضحة من بداية الفيلم، حيث ثمّة أطفال يحاولون النجاح في يومهم وحياتهم وإثبات شيء ما، أما في “قصر شيرين” فالمعلومات تنكشف تدريجيا.

رضا مير كريمي: يمكن تقسيم أجيال السينما الإيرانية تبعا للأسماء وليس للأسلوب

  • نرصد تحولات عدة في السينما الإيرانية الراهنة، منها الميل الشديد للثرثرة والتواصل عبر الحوار، وليس كما عهدنا في السابق حيث الإيحاء والشاعرية كما في سينما كيارستمي، إنها اليوم ملتصقة جدا بالواقع، فما رأيك؟

أشكرك جدا على هذا التحليل، فلم أسمعه من قبل على هذا النحو، شكرا جزيلا لصياغته هكذا. الجيل الحالي يرغب بأن يكون له أسلوبه الخاص، ويريد السير على درب جديد مغاير لأسلوب كيارستمي، فأنا أوافقك تماما على هذا الجزء من التحليل. قد يكون في هذا شيء من تأثير سينما أصغر فرهادي، فحين يلمس البعض مدى شهرة سينماه ووصولها للجمهور الأوروبي بسهولة فإنه يميل إلى استخدام الأسلوب نفسه، لكنني في الواقع أخشى القول إن الأسلوب يأتي تماما من هنا. سيكون لدينا في المستقبل أسلوب جديد في السينما الإيرانية قد تكون له جذوره من الماضي وقد لا تكون، وفي فجر أحاول عرض الكثير من الأفلام الإيرانية لأنني أريد أن أرى التنوع والاختلاف في الأسلوب.

  • هل ثمة موجة جديدة في السينما الإيرانية؟

قد تكون، إنما الأمور ليست واضحة بعد، يمكننا التخمين بأن هؤلاء سيجدون طريقهم في المستقبل بصورة مستقلة.

  • هل يمكننا تقسيم الأجيال السينمائية الإيرانية تبعا لأسلوبها؟

يمكن تقسيم أجيال السينما الإيرانية تبعا للأسماء وليس للأسلوب، فقد يستمر أسلوب مخرج ما لجيل بعده، وعلى سبيل المثال لا يمكننا القول إن فترة بي اعتماد (رخشان) أو مجيد مجيدي انتهت، فما زالت هناك أفلام متأثرة بهما.

  • أنت مثلا بدأت مع أصغر فرهادي، أليس كذلك؟

بدأت في بداية الألفين، لكن أسلوبي مختلف لا يشبه أسلوب فرهادي، ففي سينماه تعرف كل شيء عن الشخصيات في النهاية، ربما يحدث هذا شيئا فشيئا لكنك تنتهي بمعرفة كل شيء، أما أنا فأحاول تجنب إعطاء معلومات إضافية أو كثيرة، فما يهمني أكثر مسّ المشاهد.

حين أفكر في موضوع جديد أمشي في الشارع ومن حولي أناس لا أعرف عنهم شيئا، أحاول تخمين قصصهم بالنظر إلى وجوههم، أسعى للاقتراب منهم والتعرف عليهم دون أن يلحظوا، وفي وقت قصير أشعر بهم وبأحاسيسهم.

أعتقد أن للسينما دورا يمكنها القيام به، ولديها القدرة على تحريض القيم الإنسانية التي بداخلنا للخروج، وتقريب الناس من بعضهم وإيجاد نوع من التواصل بينهم، وهذا دون حصول تبادل أو علاقة حقا. يمكنهم أن يضحكوا ويتشاركوا بهمومهم معا دون أن يعرف أيّ طرف كيف يفكر الآخر، لهذا أريد أن أروي القصة بشيء من الغموض وليس بأسلوب إعطاء المعلومات، كالبازل (أحجية الصور المتقطعة) تعرف شيئا فقط وتبقى أشياء لا تعرف عنها الكثير وتشعر بقدوم الأمور، إيصال هذه الأحاسيس للمشاهدين هو هدفي، وهذه رؤيتي للسينما، الإحساس ولمس الآخر دون شرح مُفصّل.

رضا مير كريمي: يمكن في السينما الإيرانية حاليا رؤية الألوان والتنوع وهذا ما نريده

  • نلحظ أيضا في السينما الإيرانية عدا الثرثرة عنفا بين الشخصيات وكلاما بذيئا لم يكن موجودا بهذا الشكل من قبل، لماذا؟

خلال ثلاثة عقود من الثورة كانت هناك ثلاثة أطراف تحاول معا عمل فيلم؛ السينما الإيرانية والجمهور والحكومة. في العقد الأول انتشرت سينما الطفل، والجمهور كان حينها طفلا هو الآخر، والحكومة تفكر على نحو بسيط ولا تعرف كيفية إدارة البلاد، أما في العقد الثاني فقد كبر الجمهور وتعلم المخرجون كيف يقفون أمام الحكومة، وتعلمت هي كيف تضع العوائق. لقد حصل بعد الثورة انفجار بين جمهور كان صغيرا في البدء، واليوم هؤلاء الصغار هم حوالي في الأربعين ولهم يعمل المخرجون الأفلام حاضرا.

الجمهور الذي لديه الكثير من المشاكل والقلق والهموم يريد أن يرى هذا في الفيلم، وحين تتردد كلمات “كبيرة” في الفيلم فهي لجمهور كبر ولا يريد الاستماع لأوامر الحكومة، بل يرغب بأن يكون مستقلا وأن تُعبّر الأفلام عن هذه الاستقلالية.

حين يكبر الأولاد يدخنون لأنهم يريدون إثبات أنفسهم وأنهم أحرار، إنني أحاول وصف الأمر بطريقة بسيطة ورؤية السينما الإيرانية بعد الثورة من هذه النافذة لأقول: إن هناك سنوات خلف ما يحدث اليوم، وإن هناك عائلة يرغب كل أفرادها بالاستقلال وهم حاليا كجيران وليس كعائلة.

يمكن في السينما الإيرانية حاليا رؤية الألوان والتنوع وهذا ما نريده، فالجمهور لم يعد هذا الطفل، لقد كبر وهو ينتقد ويعمل ويريد أن يكون له دور ذا معنى وليس مشاهدا فقط، وهو يطالب برؤية تجارب الحياة في الفيلم وليس رسائل مرسلة. هذا صعب، لكنه جيد ويعبّر عن جوّ ثقافي فكري غني. على كل الأحوال يجب التفكير بالجمهور وعمل فيلم يصل إليه ليحصل نوع من التواصل بينه وبين المخرج.

  • والجمهور قد لا يحبذ الرقابة مثلا، فهل ثمة رقابة على أفلام مهرجان فجر؟

نعم، مع محاولاتنا لتخفيف الشروط والحدود. مثلا فيما يتعلق بالعري نسعى لعدم قطع المشهد وإنما الاحتفاظ به مع تظليله حيث لا تبدو الصورة واضحة، هذا بالطبع بعد موافقة المخرج، ونحن لا نواجه مشاكل كبيرة مع المخرجين بهذا الخصوص، ذلك مثل الرقابة في البلاد العربية.

  • لا ضيوف من الغرب هذا العام كالسابق؟

بل يوجد من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وأوروبا الشرقية وروسيا، لكن ليس من فرنسا، فهدفنا هو آسيا.