مدير مهرجان الجونة انتشال التميمي.. وحديث عن المهرجانات السينمائية

حوار: د. أمــل الجمل

هو يساري عراقي من عائلة مناضلة دفعت الثمن غاليا، تمت مطاردته في نهاية السبعينيات ونجح في الهرب بمساعدة الأصدقاء. حاصل على ماجستير الصحافة من جامعة موسكو.

هوايته الأولى وعمله الأساسي كان التصوير. لديه أرشيف يحتوي كنوزا لكنه لا يمتلك الوقت لتنظيمها وإقامة معارض لها.

أخذه العمل في تنظيم المهرجانات السينمائية منذ العام 2001، عندما شارك في تأسيس مهرجان الفيلم العربي في مدينة روتردام الهولندية، ثم لاحقا ولسنوات أصبح مدير البرنامج العربي في مهرجان أبو ظبي السينمائي، ومسؤولا عن صندوق سند الذي قدم دعما للعديد من مشاريع الأفلام العربية خصوصا السينما المستقلة.

لعب أيضا دورا أساسيا في تغيير المفهوم الجغرافي للسينما الآسيوية، منذ التحق بعضوية منظمة نيت باك، وشارك بلجنة تحكيمها فى مهرجانات برلين وكارلوفي فاري ولوكارنو وكيرالا وتورنتو، فمنح السينما العربية فرصة الوجود والظهور بعد أن كانت منفية عن تلك المنظمة.

شغل عددا من المراكز، وله علاقات متينة راسخة وطيبة بأغلب السينمائيين والمبدعين في العالم. في المهرجانات الدولية تراه يركض بين قاعات السينما، وعقب انتهاء العروض يُقيم نقاشات مع صناعها. يحضر الفعاليات والندوات، وُيجري الاتصالات، ثم نراه في الصباح الباكر يحضر معنا العروض بابتسامة ودودة وروح مرحة، كأنه كتلة من الدينامو تتحرك على قدمين، لذلك عندما أُعلن عام 2016 عن توليه مسؤولية مدير مهرجان الجونة السينمائي الذي شهد العام التالي أولى دوراته بذلك المنتَج الساحر في حضن الجبل والمحاط بمياه البحر الأحمر في مدينة الجونة المملوكة للأخوين نجيب وسميح ساويرس المُمولين الأساسيين للمهرجان؛ كان التوقع منذ اللحظات الأولى للخبر بالنجاح، على الأقل من هؤلاء الذين يثقون في قدرات وخبرات واحترافية انتشال التميمي الذي يستحق أن يُلقب برجل المهرجانات الناجحة، والذي التقيناه وهو يضع اللمسات الأخيرة للدورة الثالثة من مهرجان الجونة المقرر لها أن تنعقد في الفترة من 19 إلى 27 سبتمبر القادم.

انتشال التميمي هو يساري عراقي من عائلة مناضلة دفعت الثمن غاليا
انتشال التميمي هو يساري عراقي من عائلة مناضلة دفعت الثمن غاليا
  • بدأنا حديثنا من الصراع -على الأقل التحتي- بين المهرجانات العربية، ومَنْ منها ينجح في الاستحواذ على أفضل الأفلام الدولية والعربية ويعرضها ضمن برمجته؟

في تصوري أن هناك أفلاما بالعالم تكفي للمهرجانات العالمية الكبيرة، وللمهرجانات الدولية، وكذلك حتى المهرجانات المتخصصة، لأن الإنتاج السينمائي بالعالم واسع جدا، والمهرجانات العربية بالمنطقة قليلة. هناك خرافة تقول بأن هناك عددا كبيرا من المهرجانات العربية ولذلك يدب الصراع على الأفلام. من الطبيعي أن تكون هناك مهرجانات كثيرة لتُتاح فرصة لعرض الأفلام الدولية، لتجد هذه الأفلام منصة للعرض، خاصة أننا في بلداننا لا نهتم بسينما التجربة.

لكن دوليا هناك فرصة ومساحة لعرض تلك النوعية من الأفلام بدور العرض السينمائي بجوار التجاري. أرى أن الأفلام المنتجة تكفي رغم أن عدد المهرجانات كبير، فهناك أكثر من ألف مهرجان بفرنسا، وأكثر من 500 مهرجان في ألمانيا، وعشرات المهرجانات في هولندا والسويد والدانمارك. كل هذا موجود، ففي كل مدينة أوروبية كبيرة أو متوسطة هناك مهرجان لسينما التجربة. هذا يُتيح مجالاً لعرض الأفلام. لكن ذلك غير موجود بمصر والدول العربية إلا بشكل قليل. بمصر توجد سينما زاوية، وفي لبنان ميتروبوليس التي بعثت قبل أيام رسالة استغاثة، كذلك الأمر في تونس والإمارات، من ثم تكون المهرجانات فرصة لسينما التجربة والسينما الفنية.

  • ولماذا ترى أن المهرجانات العربية متأخرة نسبيا؟

لأنها غير مستمرة، تمر بحالات من التناوب. فأول مهرجان متواصل هو قرطاج بدأ في 1967، كان متواصلا، لكنه يعقد تناوباً بين السينما والمسرح. مهرجان دمشق السينمائي تعاقب مع قرطاج لسنوات طويلة، بالتناوب.

وقبل قرطاج كانت هناك مجموعة من المحاولات؛ أهمها عام 1965 في دمشق، وقتها كان معرض دمشق الدولي وشاركت فيه 10 دول وعرض فيلم سوفياتي مهم. أيضاً في دمشق عام 1971 تم تنظيم مهرجان سينما الشباب، وحضره رعيل السينمائيين الأول قيس الزبيدي وقاسم حول من العراق، وكمال رمزي وسمير فريد وسامي السلموني من مصر، وبرهان علوية من لبنان. استمر عدة سنوات ثم توقف، وبدأ مهرجان دمشق السينمائي كثالث مهرجان سينمائي مستمر في المنطقة العربية بعد قرطاج، والقاهرة عام 1975. كل هذه المهرجانات نالتها تغيرات وتبدلات منذ بداياتها، وفيها يد كبيرة وثقيلة للسلطة.

انتشال التميمي: قبل الألفية الثالثة كان القطاع العام قوي ومهيمن في سوريا أو مصر وفي معظم البلدان العربية
انتشال التميمي: قبل الألفية الثالثة كان القطاع العام قوي ومهيمن في سوريا أو مصر وفي معظم البلدان العربية
  • ينتقد البعض تلك المهرجانات العربية بسبب تدخل السلطة في تنظيمها. أنت أيضا أشرت إلى “اليد الثقيلة للسلطة”، فهل برأيك هذا يرجع إلى ضعف السينمائيين، أم أن قوة السلطة تفوق إرادة المثقفين والسينمائيين؟

ببساطة، قبل الألفية الثالثة كان القطاع العام قوي ومهيمن في سوريا أو مصر وفي معظم البلدان العربية. هناك دور مركزي للدولة ولوزارة الثقافة، لكن الدور الأكبر كان للإعلام فهو الأهم لتلك الأنظمة. أما في كل مكان بالعالم عندما تنظم المهرجانات فيتم ذلك من قِبَل جمعيات ثقافية أو اجتماعية. هذه الجمعيات تتوجه للدولة والجهات المختلفة والشركات طلبا للدعم ضمن قوانين ومعايير محددة. بالتالي عندما لا تحصل أي جمعية على الدعم من حقها أن تُقدم الجهات الحكومية الداعمة للمحاكمة.

في الدول العربية حتى عندما تكون الجمعيات هي المسؤولة عن التنظيم، فإن الدعم يكون أشبه بالمِنَّة والرشوة، وعلى هذه الجمعيات أن تلتزم بمعايير الدولة، وتلتزم بمعايير الشركات، لكن دوليا، من حقك رفض هذه المعايير. أبسط مثال في الفترة الماضية مؤسسات مالية عديدة أرجعت مبالغ قُدمت لها من المملكة العربية السعودية بعد ما حدث مع خاشقجي. أما في منطقتنا فتوجد أمور تعوق مثل التأشيرات والدعم والأمن. فيما يتعلق بمراكش ودبي والدوحة فإن هذه المنظومة موجودة لكن بدرجة أقل وإخراجها أكثر لطفا، لكن مثلا في المغرب في مهرجان مراكش لا يستطيع عرض فيلم عن البوليساريو، مهرجان أبو ظبي كذلك لا يستطيع عرض فيلم ضد الدولة أو فيلم ضد دولة صديقة أو فيلم عن الأرمن. الرقابة موجودة لكن بدرجة أقل لأنه ليس هناك اهتمام كبير بالعمل الثقافي.

  • ومع ذلك الجونة في الدورة السابقة مر بموقف مشابه.. عندما رفضت مصر منح تأشيرة دخول للفنان الفلسطيني علي سليمان الذي كان عضوا بلجنة التحكيم؟

لأن الموضوع يتعلق بالتعامل مع منظومة للتأشيرات.

  • لم تحاولوا التدخل؟

نحاول التدخل بأن نعطي كل البيانات المطلوبة، ونقوم بكامل الدور المطلوب من ناحيتنا في الوقت المحدد، لكن هناك أشياء خارج إمكاناتنا.

انتشال التميمي: في المهرجانات العربية قد يمنحون الجوائز لأفلام أضعف من أفلام أخرى أجنبية فقط من أجل دعم سينما المنطقة التي تنظم المهرجان
انتشال التميمي: في المهرجانات العربية قد يمنحون الجوائز لأفلام أضعف من أفلام أخرى أجنبية فقط من أجل دعم سينما المنطقة التي تنظم المهرجان
  • أراك تُجري تقسيما وتضع خطا فاصلا بين مهرجانات ما قبل الألفية الثالثة والمهرجانات الحديثة، لماذا؟

المهرجانات الحديثة التي اختتمها الجونة السينمائي؛ بها كل مواصفات المهرجان الدولي المستفيد من التجارب العالمية في التعاون السينمائي، سوق للإنتاج المشترك. الوحيد الذي لم يكن به نشاط متعلق بالإنتاج المشترك هو مراكش ومؤخرا استحدث ذلك عندما نظم ورشة الأطلس في الدورة الـ16. هذه المهرجانات الحديثة أولا كلها بعيدة جدا عن التأثير على لجان التحكيم. كل المهرجانات السابقة كان هناك شكل من أشكال التأثير على قرارات لجانها؛ ليس من خلال ما يتم تسريبه أو المفاهيم المتداولة، لكن يمكن استنتاج ذلك من خلال النتائج، فكل سنة يتوجب فوز فيلم إيراني أو سوفياتي حتى لو لم يكن الأفضل، يجب فوز فيلم سوري في قرطاج وإلا تعقدت العلاقات السورية التونسية وبالعكس، عدا التوازن العربي والأفريقي في قرطاج.

الأجانب أنفسهم في لجان التحكيم يُمارسون ذلك، ففي المهرجانات العربية قد يمنحون الجوائز لأفلام أضعف من أفلام أخرى أجنبية فقط من أجل دعم سينما المنطقة التي تنظم المهرجان.

هذه مسألة أخرى، أقول هذا لأنه عندما نتحدث عن السينما لا نتحدث فقط بالمعلومات الشفهية، ولا عن التجربة، فنحن عشنا هذا، ولا نتحدث أيضا عن معلومات تتعلق بالإشاعات، لكن عن القوانين، فمثلا مهرجان دمشق السينمائي يشترط أن يكون عضوان سوريّان ضمن لجنة التحكيم، وهذا هو الحال نفسه في مهرجاني قرطاج والقاهرة. المهرجانات الحديثة بنيت على أسس حديثة، أغلبها تعتمد على خبرات أجنبية وخبرات أشخاص تولوا مسؤوليات في مهرجانات عديدة حول العالم، وأيضا ليس لهم علاقة بالمؤسسات التي تشرف على هذه المهرجانات، مثلا أيام قرطاج السينمائية يُدار تحت إشراف وزارة الثقافة التونسية. القاهرة بدأ بإدارة جمعية ولاحقا التحق بوازرة الثقافة. إحدى ميزات المهرجانات الحديثة شروط العرض التي تعادل تقريبا شروط العرض بأي مدينة عالمية سواء في سيدني أو دبي أو نيويورك أو سول أو أي مكان آخر. الميزة الأخرى هي أسواق الإنتاج المشترك، إضافة إلى نوعية أعضاء لجان التحكيم. أعتقد أن كل هذه المهرجانات تعتمد على بنية تحتية وتقنية متينة، وخبرات أجنبية مميزة، تغطيتها الصحفية واسعة. اختيار الضيوف يتم على أسس متينة جدا وليس بمحسوبيات، حيث يتم اختيار شخصيات لها شأن سينمائي مؤثر ومفيد، تحوي ورش إنتاج سينمائي والتي أطلق عليها البعض كلمة “سوق” كما في دبي، وأنا لا أعترف بكلمة سوق، لأن الأسواق السينمائية العالمية المؤثرة فعلا تقتصر على كان وبرلين وهونغ كونغ، وكل منها يُعد سوقا حقيقية. بقية الأماكن لديها أسواق للإنتاج المشترك مثل بوسان وروتردام وصاندانس وكارلوفي فاري وتورنتو. هناك يسمونه سوق الإنتاج المشترك عندما يجتمع المنتجون والموزعون وصناع الأفلام سواء داخل اجتماع منظم أو داخل أورقة المهرجان، كي يُفضي لنتائج حقيقية، ويُصبح فرصة حقيقية لهذه الأفلام أن توزع وأن تجد فرصا للبيع والشراء. كذلك في دبي، والقاهرة لاحقا، ومهرجان الجونة السينمائي.

صورة تجمع انتشال التميمي مع خليل بنكران
صورة تجمع انتشال التميمي مع خليل بنكران
  • في ظل توقف عدد من المهرجانات العربية، هل كان من السهل إقناع الآخر -على الأقل على المستوى الدولي- بإقامة مهرجان سينمائي جديد ناجح في المنطقة؟

واحدة من المشاكل الرئيسية التي واجهتنا عندما بدأنا في تأسيس الجونة السينمائي أن سمعة المنطقة العربية أصبحت سوداوية، وأنها في أيد غير أمينة، حيث تتأسس مهرجانات كي تتوقف. دمشق أولا، الدوحة، أبو ظبي، دبي. مهرجان القاهرة توقف مدة عامين، ومراكش توقف لسنة. لذلك تبقى دائما هناك خشية وشك وعدم ثقة في أن المهرجانات الجديدة ستواصل بشكل ناجح. من هنا نسعى في الجونة وبمساعدة الممولين الأخوين نجيب وسميح ساويرس وشركاتهم أوراسكوم، أن نحاول كل سنة الصعود بالمساهمة القادمة من خارج شركات أوراسكوم. العام الماضي وصلنا إلى 40٪ من خارج سميح ونجيب. هذه السنة نتمنى أن نصل إلى 50% لكي نبني شكلا من الأشكال والظروف التي تساعد على استمرارية هذ الفعل.

  • وما هى المعوقات التي تواجهكم؟

المعوقات نحن نرسمها لأنفسنا. لكي يستمر المهرجان يجب أن نخفض الميزانية عن السنوات الماضية، لماذا؟ لأنه لكي تكون لديك سيطرة على المهرجان، يفترض أن يكون لديك قدرة على إدارة الأموال بشكل أفضل من خلال العمل على اتجاهين؛ توسيع المصادر، وتخفيض الميزانية كي نعي ضرورة الاستمرار. فنحن مهرجان يعتمد على المتطوعين والموظفين الموسميين. بدأنا بكادر أغلبه لا علاقة له بالسينما، لم يعمل بمهرجانات سينمائية من قبل، وتم تدريبه أثناء عمله على المهرجان، ليتأهل ويتاح له فرص عمل أخرى، مثل العمل مع مهرجانات أخرى أو حتى مؤسسات طوال العام، سيكون عندهم سيرة ذاتية أفضل، ويسافرون إلى بلدان أخرى. عمليا واحدة من الآثار الإيجابية للمهرجان الاشتغال على التنمية البشرية وهذا مستمر في الجونة السينمائي، ولكنه يحتاج إلى جهد كبير.

صورة تجمع انتشال التميمي مع المخرج الكبير ألكسندر سوكوروف في الدوحة
صورة تجمع انتشال التميمي مع المخرج الكبير ألكسندر سوكوروف في الدوحة
  • تكلمتَ عن التحدي وخفض الميزانية وفي الوقت نفسه زيادة مصادر الدعم، وهذا يبدو لي فيه قدر من التنازع أو التناقض، فأين تذهب الزيادة في مصادر الدعم، هل توجهونها لدعم مشاريع الأفلام أم لشيء آخر؟

كانت الميزانية في الدورة الأولى من الأخوين ساويريس ومؤسساتهما بنسبة 85٪. نحن لا نريد أن نُثقل على المؤسسات. عندنا خطة للتخفيض كل سنة. ربما بعد هذه السنة يصعب خفض الميزانية. فمثلا في الدورة الثانية حصلنا على نصف المبلغ الذي أخذناه من الأخوين في الدورة الأولى.

  • وما التحدي الأكبر؟

من أكبر التحديات أننا مثل مَنْ وصل لسن الشباب بعد دورتين، وبالتالي نظرة الناس لنا أصبحت نظرة مختلفة، ليس كما كانت النظرة للدورة الأولى التي كانت محملة بكثير من الإثارة والترقب وربما الشك. خاصة بعد النجاح الذي تحقق خصوصا في ظل الصورة الذهنية المنتشرة بأنه صعب أن ينجح شيء في مصر بشكل جيد جدا، ولذلك كانت الصورة قاتمة، وأيضا كان هناك ترقب وشكوك في أنه ستكون هناك نتائج. هذا منحنا دفعة قوية لنا، وحَملنا مسؤولية كبيرة في ضرورة تجويد وتحسين العمل. الجمهور بدأ يستشعر أننا مهرجان راشد. ومن ثم علينا أن نعمل كثيرا للحفاظ على كل ذلك. فأي مهرجان بدون تطوير شكلي سيواجه موتا محتما.

انتشال التميمي: هناك مهرجانات عمرها الزمني٣٠ سنة ولم تحقق هذه الجذابية
انتشال التميمي: هناك مهرجانات عمرها الزمني٣٠ سنة ولم تحقق هذه الجذابية
  • هل لديكم قلق من ترقب الآخرين للمهرجان؟ 

هناك مهرجانات عمرها الزمني٣٠ سنة ولم تحقق هذه الجذابية. عندما نقارن الأمر بمهرجان دولي، هناك اتفاق على المهرجان رقم واحد في العالم، وهو كان. الاختلاف يدور حول المهرجان الذي يليه مكانة، هل هو فينيسيا أم برلين أم تورنتو؟، كثير من المهرجانات لها باع كبير لأنها في بلدان معينة، وأشبه بحالات خاصة. خلال جولاتي الأخيرة في كان وبرلين وغيرها تفاجأت بالكيفية التي يُنظر بها لمهرجاننا رغم حداثة عهده، هنالك الكثير من الترقب وهذا يضع مسؤولية علينا، لأن كثيرا من الجهات تسعى للاتصال بنا وتريد أن تقيم معنا اتفاقات وتعاون، وهذا أحيانا يُشكل ضغطا، ونكون غير قادرين على تحمل كل هذا الضغط الكبير في وقت واحد.

  • وما هو طموحكم؟

نحن نتوسع بشكل تدريجي، عدد الجمهور تضاعف بالدورة الثانية. فقد تم بيع 30 ألف تذكرة -منها 17500 تذكرة للأفلام، والباقي للندوات وورش العمل والماستر كلاس- في مدينة تعداد سكانها 12 ألف نسمة. بينما تذاكر الأفلام المباعة في الدورة الأولى بلغت 8500 تذكرة.

  • مهرجان دبي باع 60 ألف تذكرة.. فكم عدد التذاكر التي باعها مهرجان أبو ظبي أثناء عملك به؟

أعتقد وصلنا إلى 40 ألف تذكرة.

  • هل يُمكن لمهرجان الجونة السينمائي أن يصل لهذه الأرقام.. 60 ألف مشاهد؟

ممكن.. نحتاج سنوات طويلة. في أبو ظبي آخر دورة تضاعف عدد التذاكر عدة مرات عن الدورة الأولى. لكن دعينا نقول إن طبيعة مهرجان الجونة يختلف عن مهرجانات مثل أبو ظبي والقاهرة ودبي، مثلما يختلف كان وكارلوفي فاري وصاندانس عن برلين وتورنتو وروتردام. مهرجان كان هو أهم مهرجان سينمائي عالمي، لكن عدد تذاكره لا تقارن بعدد تذاكر مهرجان برلين. ما أقصده أن ما يُحدد الأهمية ليس فقط عدد الجمهور، لكن أيضا تتم المقارنة بقدرات المهرجان على استقطاب أهم الأفلام، ليس فقط النجوم ولكن أيضا مُختصي السينما في نوع الماستر كلاس، وفي شخصيات لجان التحكيم. أهمية المهرجان لا تقتصر فقط على عدد الجمهور، فمهرجان كان هو القبلة السينمائية لا يحضره جمهور مثل روتردام الذي يحضره حوالي 350 ألف مشاهد، وبرلين الذي يحضره 450 ألفا، لأنهما يُقامان في مدن كبيرة، فطبيعة المدينة تلعب دورًا.

انتشال التميمي: دائما، يرتبط المهرجان بأهمية السينما في ذلك البلد
انتشال التميمي: دائما، يرتبط المهرجان بأهمية السينما في ذلك البلد
  • هل حالة السينما بالبلد تمنح المهرجانات أهمية ووضعا أفضل، بشكل حتمي؟

دائما، يرتبط المهرجان بأهمية السينما في ذلك البلد. طبعا أهمية السينما تُعطي زخما واسعا للمهرجان، السينما الألمانية مهمة، مما يُعطي زخما لمهرجان برلين أو حتى ميونخ أو هامبورغ، كذلك عدد الأفلام المشاركة من البلد، وعدد المختصين والمنتجين، والموزعين والمبدعين في شتى المجالات من ذلك البلد المنظم للمهرجان. لكن هذا ليس دائما بالضرورة، فمثلا السينما الأمريكية أهم من نظيرتها الكندية، لكن مهرجان تورنتو أهم مهرجان في أمريكا الشمالية، والهند واحدة من أكبر دول العالم بالإنتاج السينمائي، لكن ولا مهرجان واحد بالهند له أهمية يعادل قوة المهرجانات الموجودة في هولندا والأماكن الأخرى.

  • إذن هذه العلاقة مهمة لكنها ليست حتمية؟

كذلك، قدرة المهرجان على استقطاب النجوم الدوليين، والمشاركة الفيلمية ونشاط السوق السينمائي في ذلك البلد يعد شرطا أساسيا. أيّ ممثل من نجوم الفيلم أثناء توقيع عقد الفيلم السينمائي يكون أحد الشروط أن يسافر مع الفيلم في تسع أو عشر مرات إلى دول يكون بها توزيع الفيلم على شكل واسع. لكن لو كان التوزيع أقل من 1٪ -ليس فقط مصر- فتكون هذه البلدان ليس لها أهمية، أما دولة مثل الصين فأهميتها كبيرة جدا، كذلك ألمانيا وإنجلترا، ومن هنا تكون جاذبة للنجوم. لذلك عندما يعيبون على المهرجانات بالدول العربية ويتساءلون: لماذا يدفعون أموالا للنجوم حتى يأتون ويسيرون على السجادة الحمراء؟ لأنه حقيقة هؤلاء النجوم ليس لديهم أي سبب أو دافع للحضور، لا السينما ولا السوق لهما أهمية كبيرة، إذن لا بد له من وجود حافز آخر.. فماذا تفعل تلك المهرجانات؟ تقدم الأموال، ثم تبدأ عاما بعد آخر في خفض الأموال، وتجعل سمعة المهرجان هى الجاذب الأساسي.

انتشال التميمي: تجاوزت التغطية الصحفية لمهرجان الجونة السينمائي تغطية أي مهرجان سينمائي دولي في المنطقة العربية منذ تأسيس أول نشاط سينمائي فيها
انتشال التميمي: تجاوزت التغطية الصحفية لمهرجان الجونة السينمائي تغطية أي مهرجان سينمائي دولي في المنطقة العربية منذ تأسيس أول نشاط سينمائي فيها
  • والتغطية الصحفية؟

تجاوزت التغطية الصحفية لمهرجان الجونة السينمائي تغطية أي مهرجان سينمائي دولي في المنطقة العربية منذ تأسيس أول نشاط سينمائي فيها.

  • حتى دبي؟

في الحقيقية التغطية الصحفية في أبو ظبي كانت أكبر من دبي. وهذا ناتج بدرجة أساسية عن تقنية مَنْ يعمل بالمكتب الصحفي الذي أضاف للمهرجان نفسه. لكن دعينا نتاول الأمر بشكل أكثر تدقيقا، على المستوى الدولي والعالمي حظي مهرجاني دبي ومراكش بتغطية صحفية أعلى من أي مهرجان دولي عربي آخر حتى الآن. ويشمل ذلك مهرجان الجونة السينمائي، ففي إحدى السنوات جاء توم كروز، فصارت أخبار دبي لا تظهر فقط في صفحات السينما، ولكن أيضا في مجلات الموسيقى وتلك التي تتوجه للمراهقين والشباب، وغيرها. حضور سكورسيزي وكوبولا وروبرت دي نيرو لمهرجان مراكش أعطاه بعدا واسعا، ولكن على المستوى العربي حتى تأسيس مهرجان الجونة، كان مهرجان أبو ظبي هو الأعلى في التغطية العربية. أما الجونة فلأول مرة تكون التغطية ليست فقط المكتوبة، أو الفيديو والسوشيال ميديا، بل قناة تلفزيونية واسعة الانتشار، وقنوات عديدة، فلأول مرة يتاح للمشاهد -منذ تأسيس قرطاج- أن يكون في بغداد أو بوسطن، لكنه قادر على متابعة المهرجان في حفلي الافتتاح والختام. هذا لم يُتح لمهرجان عربي من قبل. فلم يعد الأمر حصريا على المهتمين بالسينما، لكن صار المهرجان شعبيا، وأصبحت سمعته واسعة جدا جدا.

  • زخم وجود النجوم، هل لعب دورا في الجذب؟

طبعا، فلم يُتح لأي مهرجان دولي في المنطقة العربية أن يوجد فيه هذا العدد من النجوم، ليس فقط بالافتتاح والختام، لكن أيضا طوال أيام الفعاليات، وذلك لطبيعة المدينة فهى بلدة مختلفة. ستجد النجوم موجودين بالمقاهي وعلى الشواطئ والبلاجات. عدد النجوم ساهم في أن يكون هناك تغطية واسعة حتى بعد انتهاء المهرجان بنحو ستة أشهر. لكن أعتقد أن ما يُروِّج لمهرجان الجونة ليس فقط وجود النجوم السينمائىين في منصة الجونة، بل قدرتنا على استقطاب جمهور أكبر، قدرتنا على استقطاب أفلام أكثر، ومتخصصين في الماستر الكلاس بنوعيات مميزة جدا. هناك عوامل جذب أخرى أكثر من وجود النجوم، هى لا تنفيها، لكنها تكاملية.

انتشال التميمي: على مستوى مبادئي الشخصية أفصلها عن عملي بالمهرجان
انتشال التميمي: على مستوى مبادئي الشخصية أفصلها عن عملي بالمهرجان
  • في دورة العام الماضي قام الجونة بدعوة وتكريم سلفستر ستالون، وهذا سبّب حساسية وهجوما من البعض حتى وإن تم أغلبها في الكواليس ولم يتم الإفصاح عنها علناً إلا بعد تفجر مشكلة كلود ليلوش المؤيد لإسرائيل عقب إعلان تكريمه بمهرجان القاهرة. فهل أنتم في الجونة السينمائي تفصلون بين النجوم المكرمين وبين ميولهم السياسية، مع الوضع في الاعتبار أن بدايتك ولسنوات طويلة كنت مناضلا يساريا وتعرضت للاضطهاد والقهر السياسي، وربما أفلتّ من عقوبة الإعدام بالهرب؟

أولا على مستوى مبادئي الشخصية أفصلها عن عملي بالمهرجان. آرائي الشخصية لا تتنافى مع شغلي بالمهرجان، لا تتناقض، لكن ليس بالضرورة أن تتطابق. المهرجان ليس مهرجاني ولكن هو مهرجان مجموعة كبيرة من الناس، وأنا واحد منهم. حتى على مستوى الإدارة، لم نضع مدير المهرجان بالمكانة المتصدرة كما في المهرجانات الأخرى، عندنا مصادر عديدة لاتخاذ القرارات. هناك الشخص المؤسس نجيب ساويرس، وأحد الداعمين الأساسيين وهو سميح ساويرس.. وهناك آخرون؛ الفنانة بشرى وعمرو منسي، كمال زادة، أمير رمسيس. بالنسبة لنا جميعا قد تكون وجهات نظرنا السياسية مختلفة جدا، بعضها متباعد ومتناقض، لكن الذي يجمعنا هذا العمل الذي نقدمه. أكيد على المستوى الشخصي أنا أنظر للسينما بعيدا عن الأيدولوجية. كثير من الأفلام تتطابق مع فكري لكن لا أقبلها وأعتبرها من دون أي قيمة فنية. في المقابل هناك أفلام كثيرة متناقضة مع فكري لكن أعتبرها أعمالا فنية خالصة.

أي مبرمج بمهرجان يأخذ بعين الاعتبار كل التفاصيل، منها الموقف الثقافي العام تجاه ظاهرة معينة، أما بالنسبة لسلفستر ستالون، لم نفكر بهذا الشأن، والأمر أُثير لاحقا. أنا برأيي إذا وضعنا في الاعتبار الأمور السياسية سوف نغلق الباب أمام 90٪ من النجوم الدوليين. بالنسبة لنا هناك عدد محدود من الناس العالميين الذين يريدون القدوم إلى البلد، عددهم محدود جدا. ستالون تحمس للحضور بسبب تشجيع أصدقاء له مرتبطون عضوياً بالمهرجان. فوافق على أن يحضر دون مبلغ مادي، حضوره كان له فائدة كبيرة جدا للمهرجان وللبلد والسياحة في مصر.

  • تتعامل بشكل داعم مدهش مع مهرجانات منافسة، كيف برأيك تصبح العلاقة تكاملية وتنافسية في الوقت نفسه؟

ببساطة الجو مساعد، فمثل ما قلت إن هناك عددا كافيا من الأفلام العالمية. المشكلة الوحيدة عربية ومصرية، السينما العالمية كالمحيط بينما الأخرى عددها صغير ومحدود، وعلى مدير المهرجان أن يشتغل ويبحث ويعرف معلومات ويتصل.

أتصور نحن على المستوى العربي حققنا هذا. على المستوى المصري عندنا مدير فني رفيع الثقافة السينمائية هو أمير رمسيس، عنده وشائج ممتازة في مصر إضافة إلى ثقافته السينمائية الفريدة فيما يختص بالسينما العالمية وخاصة الفرنسية. أنا على المستوى العربي بخبرتي وعلاقاتي المتراكمة منذ تأسيس مهرجان السينما العربية في روتردام، وبعدها عندما كنت مديرا للبرامج العربية في مهرجان أبو ظبي، ومسؤولا لصندوق سند لدعم الأفلام العربية. كذلك قمت بتنسيق عدد من البرامج السينمائية الخاصة بالمنطقة العربية في مختلف أنحاء العالم، وكنت مندوبا لعدد لا بأس به من المهرجانات الدولية المهتمة في السينما العربية. هذا جعل لي وشائج قوية ومعرفة كبيرة وقوية جدا بتاريخ معظم السينمائيين العرب، كذلك بسبب التواصل والبحث الدائم والمستمر، نحن دائما عندنا خريطة شبه كاملة للإنتاج العربي.

  • وما يخص السينما المصرية هل يكون الأمر سهلا؟

في الدورة الأولى عرضنا فيلمين مصريين. لم يكن لدينا الرغبة في أن نستحوذ على هذين الفلمين، لكن ما حدث أن فيلم “شيخ جاكسون” كان سينزل للسوق ووقته مناسب للعرض بالمهرجان، لكننا كنا ارتبطنا أيضا باتفاق مع الفيلم الآخر. في السنة التالية أول شيء ارتبطنا بفيلمين مصريين، وذلك رغم أنني شاهدت فيلم أحمد عبد الله “ليل خارجي” حتى في مراحل المونتاج الأولى.

  • ولماذا لم تختر “ليل خارجي” للعرض بالجونة؟

الفكرة أنه ليست لدينا رغبة في الاستحواذ على كل الأفلام المصرية. جلست أنا ومحمد حفظي وأخبرته أننا مرتبطين بهذه الأفلام، وأعتقد أن فيلم أحمد عبد الله مناسب لمهرجان القاهرة. هنا التكامل بعيدا عن الضرب تحت الحزام. اتفقنا أن نضع مبلغا لا يزيد عن 2500 دولار للأفلام الجماهيرية الأجنبية الموزعة في المنطقة العربية. عادة هنالك ثمن حقوق للعرض متعارف عليه نظير العرض يتراوح بين 500 و1500 دولار، والأمر يخضع للمساومات. لكن الموزعين للشرق الأوسط كانوا أيام دبي وأبو ظبي يطلبون مبالغ كبيرة. نحن قررنا أن أقصى ما ندفعه هو 2000 أو 2500 دولار. في نفس الوقت لا نسمح بأن يكون هذا مجالا للتنافس. هناك في كثير من الأحيان نحصل على الأفلام مجانا. الأفلام العربية تأتي دون مقابل في الغالب كأفلام المسابقات. برنامجنا يسمح بعدد محدود من الأفلام العربية الذي يجب أن لا يتجاوز خمسة أفلام روائية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وأربعة أفلام عربية في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة مع ثمانية أفلام عربية في مسابقة الأفلام القصيرة. نحن لا نستطيع أن نتجاوز هذه الأعداد، وخلاف ذلك مما يعرض عندنا في البرنامج الرسمي خارج المسابقة؛ فإما لأن موعد عرضه التجاري اقترب أو لأن طبيعته لا تناسب المهرجانات الأخرى.

  • ونصيحتك كخبير في برمجة المهرجانات؟

أتصور أن عدد الأفلام العربية العام الماضي وهذا العام كافية للمهرجانات بالمنطقة. المهرجانات الأخرى عليها أن تجد حلولا للشروط التي وضعتها لنفسها، وتجعلها أكثر مناسبة. فمثلا دبي كان يُخصص مسابقة للروائي، ومسابقة للوثائقي، وعندما وجد إشكالية في أن يحصل على أفلام عربية كافية بسبب منافسة أبو ظبي والدوحة، بحث عن بديل وجمع الروائي والوثائقي في مسابقة واحدة فأصبح مثلا يحتاج إلى 17 فيلما فقط بدلا من 30 تقريبا، وقاموا بتسوية هيكلية عندما وجدوا مشكلة في استقطاب عدد كاف للمسابقات الأخرى. فكثير من المهرجانات التي استحدثت لنفسها مسابقة عربية في القاهرة، أما الإسكندرية فتجد بعض السنين مشاكل في استقطاب أعداد كافية لتلك المسابقة. عانى مهرجان القاهرة في أن يستقطب أفلاما عربية للمسابقة من بينها الفيلم المصري. بينما الدورة الأولى للجونة تضمنت فيلمين مصريين، وكذلك الدورة التالية.

انتشال التميمي: لماذا صار الجونة السينمائي قادرا على الاستقطاب، لأن جوائزه الأعلى في المنطقة العربية
انتشال التميمي: لماذا صار الجونة السينمائي قادرا على الاستقطاب، لأن جوائزه الأعلى في المنطقة العربية
  • أعتقد أن الأمر لا يقتصر فقط على إعادة الهيكلة، فالترويج الإعلامي والجوائز في دبي وكذلك الجونة جاذبة أكثر من المهرجانات المصرية الأخرى؟

هناك أكثر من عامل جذب. الفيلم يحتاج جوائز مالية، يحتاج إلى ترويج جيد على المستوى الإعلامي، يحتاج لموعد عرض جيد، وصالة سينمائية جيدة، من المهم له حضور ممثلي أفلام دولية، حضور موزعين. أن يصبح المهرجان نقطة انطلاق الفيلم لمهرجانات أخرى عديدة، ويحتاج أن يوجد عدد لا بأس به من صناع الفيلم. هذه العوامل المتعددة من بينها الجوائز.

لماذا صار الجونة السينمائي قادرا على الاستقطاب، لأن جوائزه الأعلى في المنطقة العربية. حتى في الدورة الأولى عندما كان مهرجان دبي لا يزال موجودا، تمكنّا من عرض أربعة أفلام عربية هي من بين الأهم، كان بينها فيلم زياد دويري “القضية 23” وفيلم فوزي بن سعيدي “وليلى”، كذلك “شيخ جاكسون” و”فوتو كوبي”.

في نفس السنة حضر أهم أفلام مهرجان كان بداخل أو خارج المسابقة الرسمية. لذلك أعتقد أن المهرجان هو القادر، بسبب مجموعة من العوامل المركبة الصعبة التي يجب أن تنتبه للتفاصيل الصغيرة والتي تغرس الثقة. ففي مهرجان الجونة هناك عدة عوامل منها أن المدينة مناسبة جدا، أيضا الأخوين ساويرس وسميح ونجيب اللذين لا يشتركان في عمل فاشل، الثقة في المبرمجين وفريق العمل، لدينا صلات دولية واسعة ومراسلون في العالم للمتابعة والاختيار. المفهوم الذي تم وضعه للمهرجان مناسب جدا، ويجعل المتلقي يقتنع؛ يكتشف أننا لم نبالغ، لم نطرح أو نتحدث عن أشياء مبالغ فيها، بالعكس، هناك ناس قدِموا لم يكن في بالهم هذا التوقع، فعندما شاهدوا ما يحدث على أرض الواقع غيروا خططهم. أحد الصحفيين بقناة العربية جاء من دون كاميرا على اعتبار أن الجونة منتجع، لكن عندما اكتشف أن الوضع مختلف أسرع بالبحث عن كاميرا وصوّر برنامجا كاملا 60 دقيقة. إنه الحضور والمفاجأة، هذا حدث مع 50٪ أو 60٪ من الحاضرين.

  • وفيما يخص البنية التحتية السينمائية.. هل هناك خطط لتعديل البنية التحتية مما يساهم في رفع عدد التذاكر أم أن هذا ليس في خططكم حاليا؟

هذا من خطط المدينة نفسها. مدينة الجونة حيوية، والمهندس سميح تحدث عن الإستراتيجية، فقال: “لما حضرنا للجونة شفنا أن الناس لكي تستقر بالمدينة تحتاج إلى مستشفى وإلى مكتبة وإلى مدرسة؛ إلى خدمات”. عمليا الإنسان لا يستطيع أن يسكن بمدينة ليس بها بنية تحتية. لكنهم يحتاجون عدة سنوات. هذه السنة سيُضاف فندقان للمدينة أحدهما ينتهي قبل المهرجان، والآخر ينتهي العمل به بعد انتهاء المهرجان. نحن وجدنا مشكلة العام الماضي أثناء التسكين، فلم يكن هناك أي غرفة بالمدينة خالية، وأصبحت أسعار الفنادق شبيهة بالأسعار في مدينة كان الفرنسية. من فترة مبكرة من العام الحالي تجدين الفنادق “سولد أوت” أثناء فترة انعقاد مهرجان الجونة السينمائي.

انتشال التميمي: طبعا لدينا رغبة في التوسع بالغردقة، هناك شاشات العرض السينمائي التي يمكن لها أن تستقبل جمهور الغردقة
انتشال التميمي: طبعا لدينا رغبة في التوسع بالغردقة، هناك شاشات العرض السينمائي التي يمكن لها أن تستقبل جمهور الغردقة
  • وهل ينوي الجونة أن تمتد العروض لمدينة الغردقة؟

طبعا لدينا رغبة في التوسع بالغردقة، هناك شاشات العرض السينمائي التي يمكن لها أن تستقبل جمهور الغردقة. لو تم الاطمئنان من ناحية الجمهور وزيادة عدده سوف نزيد عدد الأفلام من 80 إلى 100 فيلم، وربما أكثر. رغبتنا أن نتوسع في عدد العروض. كذلك على مستوى الماستر كلاس والندوات بدأنا بشكل ممتاز؛ ففي الدورة الأولى محمود حميدة وأسامة فوزي والمخرج الأمريكي أوليفر ستون، وفي الدورة الثانية قدم الماستر كلاس كلاً من داود عبد السيد، وكذلك نجم هوليود أوين ويلسون الذي يحظى بشعبية كبيرة حول العالم.

  • بعد الدورة الأولى انتقد البعض الجونة السينمائي لأنه “يستنسخ أبو ظبي” خصوصا المسابقة الدولية لأن فيها جائزة أفضل فيلم عربي، فما رأيك؟

ونحن لم نرد. السؤال: مَنْ عمل هذا الشيء في أبو ظبي؟ أنا. إذن أنا أستنسخ نفسي. مع ذلك وجود جائزة أفضل فيلم عربي داخل أي مسابقة هى معضلة وبها شيء من عدم المنطقية. ما يجعلني أدافع عنه هنا وفي أبو ظبي وما أقنعتهم به هو أننا ننتمي إلى هذه المنطقة العربية، وهذا شكل من أشكال دعم سينما المنطقة. فعندما تشارك الأفلام العربية بالمسابقة الدولية، هذا يعني بالضرورة أنها ليست أقل. لكن أثناء المنافسة على المستوى الدولي أعطيها نوعا من الحماية والدعم. نعطي لجنة التحكيم الحق في أن تختار فيلما تمنحه الجائزة الفضية ويكون مختلفا عن الجائزة العربية، وذلك عندما يكون لديها فيلمان عربيان تعتقد أنهما يستحقان التكريم، أو تمنح الفضية وتحجب جائزة أفضل فيلم عربي، أو تعطي أفضل جائزة عربية وتترك الجوائز الدولية لأفلام أخرى. فمثلا فيلم “القضية 23” فاز بالفضية، وهذا معناه أن ينافس على المستوى الدولي، مثلما رُشح للأوسكار. في رأيي أن المهرجانات عليها أن تقدم خدمة للسينما ولا تتوقف عند القواعد الجامدة. وعندما يكون عندك وجهة نظر ليس بالضرورة أن يتفق عليها الجميع، لكن في النهاية هذه وجهة نظرنا.

انتشال التميمي: وجود أي مهرجان عربي يُعد إضافة إيجابية للسينما العربية
انتشال التميمي: وجود أي مهرجان عربي يُعد إضافة إيجابية للسينما العربية
  • وماذا عن العقبات الأخرى؟ 

هناك دائما عقبات. وجود مهرجان مراكش يجعل أي فيلم مغربي مدعوم من المركز السينمائي المغربي، يفرض عليه قانونا أن يعرض هناك أولا، نفس الشيء بالنسبة لقرطاج. مثلا مع مهرجان قرطاج نختار فيلما تونسيا واحدا لتمثيل السينما التونسية، فهذه عقبات ومعوقات لكننا نضعها لأنفسنا، لأنه لو كانت علاقتنا بقرطاج سيئة، أو بالقاهرة سيئة فهذا سوف يؤثر علينا سلبيا. لذلك ننظر لكل هذه الأشياء بشكل مسؤول، وبقدرة على إدراته.

  • لو عاد مهرجان دبي السينمائي هل تعتقد أنه سيؤثر عليكم؟

طبعا.. سيؤثر بشكل إيجابي وسلبي. وجود أي مهرجان عربي يُعد إضافة إيجابية للسينما العربية، وسيساعد في زيادة عدد الأفلام العربية المنتجة. لو كان الوطن العربي يُنتج عشرين فيلما، مع دبي سينتج 26، ويزداد عدد الجمهور، وتتفاعل الناس والرأي العام بشأن السينما. توقف دبي أحزننا بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان عندنا فرصة أن نذهب إليه ونقابل عددا كبيرا من صناع السينما في دبي، لكن مع ذلك فوجوده لن يؤثر بشكل كبير على قدرتنا على استقطاب أفلام عربية أو غير عربية، لأننا نافسنا دبي من الدورة الأولى، فرغم أنها كانت دورتنا الأولى وهم كانوا في الدورة الـ14، لكننا تمكنا من أن نكون مكان عرض أهم أفلام برلين وأهم أفلام ترايبيكا ونوتردام وأهم أفلام مهرجان كان وبعض أفلام فينيسيا وتورنتو ونافسنا دبي منافسة كاملة. إضافة لبعض العروض العالمية والدولية الأولى هنالك فرصة أكيدة لمشاهدة أهم الأفلام السينمائية الدولية خاصة تلك الحاصلة على الجوائز.

الأفلام العربية في مسابقة الأفلام القصيرة لم تكن بقوة العام الماضي، بينما في الدورة الثانية كان البرنامج قوي وضم ثمانية أفلام عربية كلها عرض عالمي أول. لكن في ظل وجود مهرجان دبي سيكون هذا العدد موزع بيننا وبين دبي، وكذلك الأفلام الطويلة ستكون فرصة الاختيار ثلاثة لنا واثنان لدبي.