المؤلف الموسيقى خالد مزنر للوثائقية: “الموسيقى حصني الذي احتميت به طوال الحرب اللبنانية”

حاورته: د. أمــل الجمل

لم يكتفِ المؤلف الموسيقي وكاتب الأغاني اللبناني خالد مزنر بتأليف الموسيقى للألبومات الغنائية، لكنه تخطاها إلى عالم الفن السابع، إذ قام بتأليف عشرات المقطوعات الموسيقية لعدة أفلام، وحصد عنها جوائز مهمة، منها “سيزار”، وبعضها في “كان” و”ستوكهولم”.

إنه ملحن موسيقي خاض أيضا مجال الإنتاج في الموسيقى والأفلام بحثا عن الحرية والكمال في أعماله. تتجذر أعماله في مختلف أنواع الموسيقى، في الكلاسيك والجاز، مثلما تتأثر مؤلفاته بالموسيقى اللاتينية والروح المتوسطية الشرقية.

الجزيرة الوثائقية التقت به أثناء مشاركته بلجنة التحكيم الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ43، وكان معه اللقاء التالي:

  • متى بدأت رحلتك مع الموسيقى، ومتى قررت أن تكون الموسيقى هي حياتك؟

لم أقرر، الموسيقى هي التي جاءتني، أنا ولدتُ في بيت كله موسيقى، فوالدتي موسيقية كانت تعزف وتغني، ودائما هناك آلات موسيقية بالمنزل، كانت أمي تعيش بالمكسيك، فأحضرت معها الموسيقى اللاتينية وموسيقى أمريكا الجنوبية.

 

  • هل والدتك من أصول مكسيكية؟

لا، لكنها وُلدت في المكسيك وعاشت هناك كل طفولتها ثم جاءت إلى لبنان. في عائلتها كثير من الموسيقيين، فقد نشأت أنا في جو كان العزف فيه على آلة موسيقية أمرا طبيعيا، كنت أتخيل أن كل الأطفال يعزفون الموسيقى، لكن بعد ذلك وبالتدريج وجدتُ بالموسيقى ملجأ لي وحصنا، خصوصا أثناء الحرب اللبنانية.

لقد كانت الموسيقى هي الآلة أو الوسيلة التي أهرب بها من ضجة القصف والسياسة والشتم والعنف الذي كان موجودا بالساحة اللبنانية، وكأنها نوع من الحماية، مكان أختبئ فيه، كنتُ أحس بالحماية حين أكون بداخل هذا الجو الموسيقي، هكذا، ثم درست الموسيقى مع مؤلف موسيقي.

  • والدك لبناني؟

كل جذور عائلتي لبنانية خالصة، لكن الثقافة اللبنانية فيها تنوع كبير، فجدتي لبنانية من مصر، عاشت في مصر حتى بلغت 16 سنة، ثم تزوجت جدي في لبنان، وظلت تحكي باللهجة المصرية حتى توفيت في سن الرابعة والتسعين. هناك قسم من العائلة ما زال يعيش في مصر.

في البيت كان هذا التنوع الموسيقي، فإضافة للموسيقى اللاتينية كانت الموسيقى الكلاسيكية دائما موجودة بالبيت، الموسيقى الفرنسية أيضا، كذلك اللبنانية التي جاءت تدريجيا من خارج البيت من الشارع. كل هذا المزيج موجود بطريقة طبيعية، في اللاوعي عندي موجود كل هذه الأنواع، وأصبحت جزءا من تكويني.

  • والدك ماذا يعمل؟

والدي يعمل بمجال المجوهرات، فهو يرسم ويعتمد عمله أيضا على الفن، فهو مصمم مجوهرات من عائلة قديمة تعمل في حرفة ومهنة المجوهرات.

 

  • كيف جاءت أول خطوة لتأليف موسيقى الأفلام مع فيلم “بعد الحلاقة” الروائي القصير؟

هذا كان أول مشروع سينمائي جدّي بالنسبة لي.

  • إذن، قدمتَ أعمالا قبله لا تعتبرها جدّية أو ربما تعتبرها تجارب أو محاولات؟

نعم عملت أشياء قبله، فأثناء دراستي للموسيقى كنت أدرس الحقوق في بيروت، كانت كلية الفنون (التي يُعلمون فيها السينما) موجودة في مواجهة كلية الحقوق، فكنت أقضي بالفنون وقتا أكثر من وقتي مع طلاب الحقوق.

هناك كنت أرى نادين لبكي في كلية السينما، كنتُ أمضي وقتا كثيرا هناك، وتصادقت مع الكثير من الطلاب الذين يدرسون السينما، فكنت أصنع لهم موسيقى لمشاريع أفلامهم.

هكذا بدأت، إلى أن صرت أعمل موسيقى للأفلام الدعائية والإعلانات، كان هذا نوعا من الدراسة، تمرنت على الموسيقى وتمرنت على المهنة من خلال الموسيقى للأفلام الدعائية. الحقيقة أنها مدرسة جيدة جدا، لأن بها كل أنواع الموسيقيين، وفيها سرعة التنفيذ، وقت كانت بيروت فيها الكثير من العمل بهذا المجال من كل العالم العربي.

أيضا تعرفت على أنواع كثيرة من الموسيقى، تعلمت المهنة حقيقة، إلى أن تعرفت على مخرج كان يعمل دعاية اسمه هاني طمبا، وهو من اقترح عليَّ أن أكتب له موسيقى هذا الفيلم الذي حصل على سيزار. هنا بدأتُ.

المؤلف الموسيقي خالد مزنر يُكَرم من قبل جمعية سيل في نيويورك

 

  • جائزة سيزار الفرنسية التي يعتبرها البعض معادل للأوسكار الأمريكي، هل كان الحصول عليها مفاجأة لك؟

لا، لم تكن مفاجأة، لأنني أثناء العمل على الفيلم كنتُ أشعر بأننا نصنع شيئا جميلا فنيا. بعد هذا الفيلم تعرفت على نادين لبكي التي طلبت مني أن أصنع لها موسيقى لفيلمها الروائي الأول “كراميل”.

هذا الفيلم فتح لي كثير من الآفاق.

  • إذن، لم تكن قد ارتبطت بالزواج بنادين لبكي آنذاك؟

لا، تعرفنا على بعضنا بشكل أفضل بعد تجربة هذا الفيلم، فقد كنت في باريس أعمل على ألبوم باللغة الفرنسية لأنني أيضا أكتب أغاني. شاهدت نادين فيلم “بعد الحلاقة” في باريس، كانت تكتب فيلمها آنذاك، فطلبت مني التعاون معها بعد مشاهدة “بعد الحلاقة”.

  • ألم تشعر بالخوف أن تختطفك سكة العمل في موسيقى الإعلانات؟

لقد وضعتُ لنفسي وقتا محددا أتوقف بعده عن العمل في الإعلانات، قررت أنني سوف أشتغل بهذه المهنة ما بين العشرين والثلاثين، في الثلاثين سوف أتوقف عنها تماما، فعلت ذلك بطريقة إرادية، مهما جاءتني عروض كنت أرفضها لأنني كنت أريد أن أعمل بالسينما، وأريد العمل في تأليف الموسيقى، كنت أعرف أنني أريد حريتي المادية التي اكتسبتها من وراء هذا العمل الإعلاني، وأيضا تعلمت المهنة، فصرتُ مهندس صوت، وصرت أعرف كيف أشغل الإستوديو، صرت أعمل كل شيء من وراء عملي بمجال الإعلانات.

لقد كانت هذه الفترة بمثابة مدرسة أو كلية لي، لأنني لم أتخرج في كلية سينما، فكان العمل بالإعلانات بديلا للدراسة الفعلية.

 

  • إذن، لماذا اتجهت لدراسة الحقوق رغم عشقك للموسيقى، هل هو بسبب والدك؟

لا، كان عندي هاجس بالحرب اللبنانية التي عشتها 20 عاما من حياتي، ففي كل طفولتي كان عندي هاجس كيف أعرف الحلول في بلد تعددي، وكيف يُدير الإنسان التعددية بطريقة راقية حضارية، ولليوم يراودني هذا الشعور، فلما وقفت الحرب في لبنان -لأن الحرب لم تنته قط، بل توقفت دون حلول- قررت أن أدرس الحقوق، فقط لأعرف بالحقوق والعلوم الدستورية، كيف ندير بلدا تعدديا، كيف نستطيع أن نعيش بسلام وأمان وبغنى، كيف تكون التعددية كنزا، وكيف تتحول إلى كابوس؟

لقد أصبح لدي تكوين فكري، ربما لم يكن ضروريا أن أظل أدرس أربع سنوات، وكان من الأفضل أن أركز على دراسة السينما، لكن بالتأكيد أفادتني الدراسة، كما أنني ناشط مدني في المجتمع اللبناني حاليا.

  • كيف تعمل على تأليف موسيقى الأفلام؟

أنا أعتمد على الخيال من قراءة النص، فالمؤلف الموسيقي يقرأ النص بطريقة مختلفة عن الآخرين، فهو يرى الجُمل الموسيقية، ويقرأ النص بطريقة موسيقية، من هنا أبدأ في وضع الموسيقى، بعد ذلك إذا كان من الممكن الدخول على التصوير فهذا أيضا يضيف، وأحيانا أعمل تصحيحات، لأنني في كثير من الأوقات أتخيل قصصا بينما يكون المخرج قد تخيل شيئا آخر مختلفا.

ولكي أُغني العمل وفكر المخرج بإضافة مختلفة لا بد لي من حضور التصوير، ثم يكون هناك تصحيح ثالث على نسخة المونتاج.

  • هل هذا يقع أثناء عملك بالشراكة مع نادين، أم أنه أسلوبك عموما؟

هذا يحدث كثيرا وعموما، لأن السيناريو في كثير من الأوقات لا يكون بصورته النهائية، وتجرى عليه تعديلات أثناء التصوير، فهنا لا بد من التصحيح وجعل خيالي يتوازى مع خيال المخرج.

خالد مزنر وزوجته نادين لبكي وبطل فيلمهما “كفر ناحوم”

 

  • هل تشعر في بعض الأوقات بأن هناك سيناريو لا يحتاج إلى موسيقى في مناطق كثيرة منه، وأنه سيكون أفضل بدون الموسيقى، أو قد يكون العكس؟

أنا منحاز دوما لوجود الموسيقى بالأفلام، لا أستطيع أبدا أن أحذفها من الأفلام، فمثلا “كفر ناحوم” هو آخر فيلم مشترك لي مع نادين، فحين قرأت النص تخيلت الموسيقى مع الطفل فيها الكثير من الرومانسية والعواطف والمشاعر، لأنه طفل صغير يتعذب، لكن حين ذهبت إلى التصوير ورأيت المكان، حيث بيئة هذا الطفل المليئة بالبؤس والعنف، هنا شعرتُ بأنه وجب علي التصحيح، لأن الواقع مختلف.

وفي المونتاج تظهر حقيقة الممثلين، تشعر أنهم لا يُمثلون بل إنهم تلقائيين، لأن عيشتهم الحقيقة هكذا، هنا دور الموسيقى يزداد، مع مراعاة الابتعاد عن طبقات الكذب. فالمهم في قراءة السيناريو مثلا هي أنني شاهدت الفيلم بطريقة كابوسية أو نبوئية كأنها نهاية العالم، يُمكن لو شاهدت الفيلم كصورة ثم ألفّت الموسيقى لاحقا، ربما لم أكن سأعملها بنفس الطريقة، فالنص كانت فيه تلك النبوءة، لذلك فإن الموسيقى أعطت بُعدا آخر للفيلم.

  • هل الأمر كان مشابها مع تجربة “كراميل”، أم أنه كان مختلفا بحكم الموضوع الرومانسي؟

فيلم “كراميل” كان فيلم حب رومانسي، كان فيلما عن النساء، وأنا كنت في حالة غرام مع نادين لأننا كنا للتو تعرفنا على بعضنا، كنتُ أكتب لنادين وللفيلم في ذات الوقت. أعبرُ عن قصتنا، وتصادف أن قصتنا قريبة من قصة الفيلم، فكل الموسيقى التي كتبتها للفيلم قمنا بتوظيفها كما هي، ولم يكن بها أي تعديل أو تصحيح، بعكس “كفر ناحوم”.

 

  • أشعر أن تجربة “كفر ناحوم” كانت الأصعب؟

فيلم “كفر ناحوم” كانت تجربة صعبة كثيرا، فهو فيلم واقعي جدا. بالأفلام الواقعية تنبذ الموسيقى، وهذا أراه وألاحظه بأفلام مهرجان القاهرة السينمائي، بينما أنا أحب موسيقى الأفلام، لا أحب أن أرى كاميرا في بيوت الناس وكأنني أسخر من حياتهم، لا أنا أريد قطعة فنية، أريد أن أشعر بشيء، أريد أن أحلم.

لا أستطيع أن أحذف الموسيقى من فيلم سينمائي، لذلك عملنا في فيلم “كفر ناحوم” مقاطع واقعية ومقاطع أخرى فيها شعر، والموسيقى كانت تحكي وكأنها تتكلم، ومناطق أخرى ليس بها موسيقى نهائيا، هكذا كان تقسيم الفيلم، أو توزيع الموسيقى به.

  • ما الذي لم يعجبك بالأفلام الواقعية مؤخرا؟

أن صناع الأفلام يريدون نقل الواقع كما هو، كأنهم لا يريدون أن يكذبوا على الجمهور بإضافة موسيقى، فكثيرا ما يستغنون عنها.

هناك بعض المدارس في هذا، فمثلا المخرج الروسي “أندريه تاركوفسكي” كان يقول دائما إن الأفلام لا تحتاج إلى موسيقي، لأن بداخلها الموسيقى الخاصة بها، ومع ذلك هو نفسه لم يستطع أن يصنع فيلما بدون موسيقى، باستثناء مشروع قصير بعنوان “القتلة” أخرجه أثناء دراسته للإخراج.

هي وجهة نظر، لكن أنا أحب الموسيقى بالأفلام، أحب استعمال “ستانلي كوبريك” للموسيقى، لدرجة أننا عندما نفصل الموسيقى عن أفلامه سنجد أمامنا كائنا آخر ينقصه الكثير، ما أود إضافته أن هذه أمور وأذواق فنية، عندما نناقش الفن لا نناقشه من منطلق أن هذا صحيح والآخر خطأ، فأنا ميولي الشخصية أكثر مع الموسيقى.

خالد مزنر ونادين لبكي بمناقشة فيلمها “كفر ناحوم” في بيروت

 

  • هل تشعر أحيانا أنك مُفرغ داخليا وليس لديك شيء جديد لتقدمه؟

أكيد، أحيانا هذا يحدث.

  • كيف تتغلب عليه؟

عندي، بل أرى أن كل فنان عنده الرعب من الورقة البيضاء، من أن يشح النبع، يمكنني القول إن هذا النبع يشح حين يختفي الحب من الحياة، كذلك حين يتلاشى الشغف، لذلك أسعى دائما أن تكون حياتي فيها شغف وحب، فيها خوف وحزن وفرح.

كل هذه القصص هي التي تُكَّون الموسيقى، حتى عندما أؤلف مقطوعة لحنية لفيلم أكون أعبر عن حالي، أنبش عن انفعالاتي الشخصية وعذاباتي.

  • ما الذي تفعله يوميا بحيث تجدد دوما نفسك وروحك، ما الذي تحرص على فعله يوميا؟

أنا أحب الطبيعة، أعيش تقريبا نصف حياتي في مزرعة، في الحرش (أي الجبل)، أزرع، أحصد، آكل مما أزرع، أتفاعل مع الطبيعة، هذه الحياة البسيطة مع الطبيعة تلهمني، كذلك القراءة والكتب.

 

  • ماذا عن تجربتك مع نادين أيضاً بفيلم “هلأ لوين”؟

كنا نحاول أن نصنع تجربة مختلفة، ليس فيلما موسيقيا (ميوزكال) تماما، ليس بكل معنى كلمة “ميوزكال”، لكنه نوع من “الميوزكال”.

نادين متأثرة كثيرا بالسينما المصرية القديمة الغنائية التي فيها رقص واستعراض، فهي على المستوى الشخصي كائن يحب الموسيقى بالحياة.

حين ترى مشهدا تشعر بأحاسيس كثيرة، لقد كان هذا الفيلم اختبارا جميلا جدا، كتبنا الأغاني قبل التصوير، من ضمن السيناريو كانت الأغاني جزءا يحكي القصة، هذا الفيلم ربما كان اختبارا لشيء أكبر سنصنعه مستقبلا، فيلم استعراضي كبير، ليكون ميوزكال بكل معنى الكلمة.

هذا حلم يراودني ويراود نادين أيضا.

  • لكن هل وقع أي تصحيح للموسيقى بفيلم “هلأ لوين” كما حدث بفيلم “كفر ناحوم”؟

لا، “كفر ناحوم” كان الأصعب، لأنه أيضا كان عندي عدة أدوار بالفيلم، كنت منتجا، هذه وظيفة ليست هينة، ليس من السهل أن أشارك وفي الوقت نفسه أكون حكما، لكن يمكنني أن أقول إنه عمل نقلة نوعية بأسلوب نادين نحو الواقعية، لكنها واقعية مختلفة، ليس كما بالأفلام الواقعية التي لا نرى بها موسيقى من بدايتها لنهايتها.

كُتب سيناريو هذا الفيلم بطريقة أكثر تقليدية، قمنا بالتصوير والمعايشة نحو سنة ونصف، أول نسخة من الفيلم كانت مدتها 12 ساعة، فكان لا بد أن تكون هناك موسيقى تغطي هذه المادة لنختار من بينها ساعة ونصفا أو ساعتين فقط.

 

  • لكن أليس هذا مرهقا؟

مرهق إنتاجيا وصحيا، أنا ونادين خرجنا مرهقين كليا نفسيا وجسديا لأننا تعبنا، وكان مرهقا أننا عشنا مع هؤلاء الشخصيات في بيئتهم لمدة سنة وستة أشهر. أيضا عشنا معهم بعد الفيلم لأننا عملنا جمعية، وبقينا معهم نساعدهم ونشتغل معهم لنتأكد أن الأولاد لن يذهبوا إلى الشارع، وأنهم سيذهبون إلى المدارس، فكان هناك عمل اجتماعي كثير شاق نفسيا، لأنه لم يكن دائما يحقق نتائج إيجابية، باستثناء الشخصية الرئيسية زين الذي تمكنا من توفير عيشة كريمة له ولأسرته، لكن لم ننجح في تحقيق ذلك مع كل الأولاد. إنها مسؤولية كبيرة، لقد دخلنا في عالم لليوم لم نخرج منه.

  • هل ممكن أن تخوض تجربة الإنتاج مجددا، أم هذه تجربة استثنائية؟

أكيد ممكن أن أفكر في ذلك، لكن أساسا هذا لم يحدث نتيجة رغبة في أن أكون منتجا، لقد كان السبب أن نحقق النتيجة الفنية التي ترضينا أنا ونادين، ما كان يمكن تحقيقها إلا بهذه الطريقة.

في هذا الفيلم كنا نعلم جيدا منذ البداية أننا نريد أن نصور عدد ساعات كثيرة ولمدة أشهر كثيرة، كان عندنا ساعات مونتاج كثيرة، لكن لم يوافق أي منتج على المغامرة، فعملنا كل التأسيس عندنا، وكل شيء قمنا به عندنا في البيت، المونتاج، الاستوديو، الميكساج، كل شيء. كان لا بد أن نقوم بهذه المغامرة بأنفسنا، ولم يكن أمامنا حل آخر.

المؤلف الموسيقي خالد مزنر أثناء مهرجان بعلبك

 

  • ماذا عن الصعوبات التي تواجهك كمؤلف موسيقي، وهل تلك الصعوبات هي التي جعلتك تتجه لإنتاج ألبوماتك بنفسك؟

ليس هناك سبب مادي، بل السبب هو رغبتي في الوصول فنيا لما أود تحقيقه لأقصى الحدود، لذلك أريد أن أكون متمكنا من كل الخطوات في تلك العملية، من كتابة الموسيقى لتسجيلها للماستر للميكسنج، كل العملية بأكملها.

ربما تكون طريقة خطأ، لكنني لا أستطيع أن أوقع الموسيقى إلا بعد التحقق من كل شيء، حتى وضع الميكروفون أمام الآلة الموسيقية، لأنني أيضا أصنع الآلات التي أسجل بها، أشتغل بيدي كحرفي، لأن الموسيقى أيضا حرفة. فالحرفي لا يُعطي شيئا لشخص آخر ليُتمه، من هذا المنظور يُصبح الإنتاج من ضمن الحرفة.

  • هل يُضايقك أحياناً أن شهرة نادين تطغى على شهرتك؟

أبدا، لم أشعر بهذا أبدا، أولا نادين ممثلة والظهور جزء من مهنتها، أما الموسيقي فدائما وراء الكواليس، وأنا بطبيعة شخصيتي أحب أن أكون وراء الكواليس، لا أحب الظهور كثيرا، ودائما يسألونني: لماذا تكون عابس على البساط الأحمر مع نادين؟

لأن هذه تكون أصعب لحظة في حياتي أمام العدسات، بالعكس أنا دوما فخور بنادين وبأنها تحت الأضواء.

  • أنتما سند لبعضكما.. هذا واضح من علاقتكما وتعاونكما سويا.

دائما كنا نحلم بالبيت في هيئة معينة، أردناه أن يكون مختبر فن وفكر ومناقشات وجدل حول الحياة والفلسفة والفن، كان الحلم أن يتربى أولادنا في بيئة مثل هذه. نحاول أن نصنع هذا خارج بيروت، في الجبل، فحن نعيش في مزرعة، ونضع الأستوديو في الطبيعة، ويكون الفن جزءا من كل هذا، أشعر أن العالم يتجه نحو انهيار تام في الكثير من القصص، لقد سرّع كورونا من هذه العملية التي كان لا بد منها.

 

العالم المادي لا يمكن أن يُكمل هكذا، خصوصا في ظل الطريقة التي نتعامل بها مع الطبيعة، مع التنوع البيئي، وتخريبه. لا يمكن أن تستمر الحياة في ظل هذا الدمار للتنوع البيئي، وهذا الاختبار الذي أقوم به أنا وعائلتي في الطبيعة هو تدريب لأولادي على المستقبل، لأن المستقبل سيكون لمن يعرفون ويمتلكون مهارة البقاء في قلب الطبيعة ويعيشون فيها، لأن بها الحياة الحقيقية، والإلهام الموسيقي يأتيني هناك.

هذه الحياة أيضا تمنحني حماية من ضجيج الحياة الحديثة، وملاحقة الأخبار لنا ووسائل التواصل على الهاتف، هذا الضجيج هو الذي يمنع وجود أعمال لكتاب مثل “ديستويفسكي” الذي كان يقدم الكتاب في 2000 صفحة والناس كانت تقرأ. كانوا مبدعين يعيشون في هذه الخلوة.

كل المؤلفين الموسيقيين الكبار كتبوا كما هائلا من السيمفونيات، أما اليوم فلا أحد يستطيع أن يكتب ثلاثة منها، لأننا نعيش في هذا الضجيج. أنا شخصيا في بعض الأوقات أشعر بأنني أريد أن أبطئ الوقت والإيقاع، حتى أستطيع أن أنتج أكثر.