المخرج الإيراني برويز شهبازي للوثائقية: مهتمّ بالتركيز على الشباب المعاصر في إيران

نال فيلم المخرج الإيراني برويز شهبازي الأول “مسافر من الجنوب” عام 1997 الجائزة الذهبية لمسابقة سينما الشباب في مهرجان طوكيو السينمائي الدولي، ومنذ ذلك الحين كتب وأخرج سبعة أفلام أخرى، وشارك في كتابة ستة.

هذا العام أيضا أتى شهبازي الذي يُعد من أهم المخرجين الإيرانيين في العقدين الماضيين إلى العاصمة اليابانية للمشاركة في الدورة الـ36 لمهرجان طوكيو (23 أكتوبر/ 1 نوفمبر 2023) بفيلمه الجديد “روكسانا”. وفي عرضه العالمي الأول هذا تنافس الفيلم مع 14 فيلما في المسابقة الدولية، وفاز بطله الشاب يسنا ميرطهماسب بجائزة أفضل ممثل.

“روكسانا” قامت بدورها الممثلة مهسا أكبر آبادي، وهي شابة جميلة تسود حياتها فوضى، تعمل مصورة لحفلات الزفاف في طهران ومدن أخرى قريبة، تعيش على هواها بعض الشيء، تصرفاتها غير متوقعة، ويمكن أن تغير خططها فجأة فتقع في مشاكل مع الزبائن، إما لتأخرها في الوصول، أو في تسليم نتاج عملها.

  • صبغة هزلية عاطفية ونهاية مأساوية.. قصة الفيلم

يبدأ الفيلم بصبغة خفيفة هزلية عاطفية، لكن نهايته تأخذ منحى آخر أكثر مأساوية. يشارك فْردْ (يسنا ميرطهماسب) في البطولة مجسدا دور شاب في أوائل العشرينيات، ضائع لا يعرف ماذا يفعل بوقته، يعمل بشكل متقطع، ويقضي معظم وقته في النوم أو في وكر قمار سري تحت الأرض.

تلمّح بداية الفيلم إلى شباب تائه عاطل، ثم يتوجه السرد فيما بعد إلى اتجاهات عدة دون أن يجد طريقه. بعد مشهد يبدي استيقاظا متأخرا للشاب، تتصل والدته التي ربما تكون في حالة من الخرف بالشرطة، وتطلب منهم اعتقاله لكسله وعدم وجود أدنى مبادرة للعمل لديه. لكن أحواله تنقلب بعد مقابلته بالصدفة لروكسانا التي تدخل حياته لتزيدها تعقيدا، بسبب مشاكلها التي لا تنتهي، فيجد نفسه منغمسا بها هو الآخر.

  • روكسانا الغامضة.. قصة حُب محفوفة بالخطر

وهكذا في كل مرة كانت تقع مشكلة، يحاول مساعدتها ليقع هو معها في مآزق لا تنتهي. إنه ليس مفتونا فقط بجمال روكسانا، بل بمواقفها وأسلوبها المنفتح في الحياة، وهو يحب روكسانا مع أنها ليست صادقة معه. وعلى نفس المنوال، فإن سلوكه لا يمكن التنبؤ به. يقبل العمل مصورا فوتوغرافيا ليرافقها، وفي أثناء سفرهم مرة بالسيارة إلى العمل، أوقفتهم الشرطة واكتشفت زجاجات من الكحول في السيارة لبيعها في الحفل.

يحاول فرد أن يكون شهما لتخليص روكسانا، ويتحمل مسؤولية الخمر مع أنه لم يكن يعلم بذلك. ومن هنا وفي سيناريو سريع الوتيرة ينتقل من أزمة إلى أخرى، وأغلبها يتعلق بالمال أو بنقصه، ثم تسير قصة الحب بينهما نحو مناح محفوفة بالخطر.

الفيلم لوحة متعاطفة مع الشاب مع أنه يبديه كسولا يتلصص على الفتيات ويلجأ إلى السرقة (مصوغات الأمّ) للعب القمار. كما أنه يمتلئ بقصص صغيرة جانبية أثقلت السرد أحيانا، وكأن كل مشاكل المجتمع الإيراني وممنوعاته تركزت فيه، من أوضاع الشباب العاطل عن العمل، واحتياله أحيانا، والقمار، والخمر، وصعوبات لقاء المحبين، وسرقة العائلة، والطمع العائلي، والعلاقة مع الأم.

حضر المخرج برويز شهبازي إلى طوكيو مرافقا فيلمه، وكان معه الممثل يسنا ميرطهماسب (24 عاما) الذي يعمل بالتمثيل منذ كان ابن 13 عاما، وهذا فيلمه السابع، وكانت مناسبة للحوار مع شهبازي بمشاركة بطله.

  • هذه ليست المرة الأولى لك في طوكيو، هل تحدثنا عن مشاركاتك السابقة؟

جئتُ إلى هنا للمرة الأولى مع فيلمي “مسافر من الجنوب” عام 1997، ثم مع فيلمي الثاني “نجوى” عام 2000، أما المرة الثالثة فكانت مع “نفس عميق” عام 2003، وكان قد عُرض في مهرجان كان لنفس العام في أسبوعي المخرجين.

  • ما الذي أوحى لك بقصة “روكسانا” الرئيسية، هل هي قصة حقيقية؟

لدي كثير من القصص الصغيرة، لكنني أردت أن أتناول مسألتي القمار والكحول، لا سيما بعد أن التقيت بشاب في الشارع حكى لي قصة جرت معه. كانت الشرطة أوقفته لحيازته الكحول. (كما هو معلوم فإن استهلاك الكحول والمتاجرة به ونقله ممنوع في إيران)، وكان يبحث عن مبلغ من المال، ليدفع الغرامة التي فرضها عليه القانون، لينجو من العقوبة والحكم بالسجن عليه، وقد بدا الأمر لي مثيرا للاهتمام، وراقت لي فكرة صنع فيلم وبنائه على أساس هذه الحادثة.

  • هل كتبت سيناريو محددا للفيلم؟ في حواركما مع الجمهور في طوكيو، كشف بطلك الشاب فرد أنك لم تعطه أيّ سيناريو، وكنت تفضل الشرح قبل التصوير. لعلك من المخرجين الذي يفضلون عدم التقيد بسيناريو.

من المؤكد أني كتبت سيناريو، لكنني لم أطلع الممثلين عليه، فقد شعرت بأنني حين أضطر إلى تغيير أو تعديل، أو أيّ إضافة عند التصوير، فأني سأثير ارتباكهم، وأردت تجنب ذلك.

كان هدفي أن يأتوا إلى موقع التصوير وذهنهم خال تماما، وهذا سيساعدني كثيرا في وضعهم في الأجواء المناسبة، كما أنه يصبغ على الفيلم طزاجة ما. سيكون الأمر أكثر إثارة لهم ولي، حين نكتشف معا الأشياء، ونحلّ ما يطرأ من مفاجآت.

سأعطيك مثالا، حين أكتب حدثا ما في السيناريو، ثمّ أكتشف فيما بعد أثناء التصوير ملامح جديدة في شخصيات الممثلين، فإني آخذها بعين الاعتبار في السرد، وهذا يمنحني مرونة أكثر في التعامل مع سير الأحداث، ويعبر أكثر عن منهجي في العمل، يمكن القول إنه أسلوبي الخاص.

روكسانا وفريد
  • يحصل هذا عادة في تصوير أفلام وثائقية، حين تطرأ اكتشافات جديدة على خطّ سير العمل.

نعم هذا صحيح، لكن فيلمي روائي، وهو مبني على قصة روائية تماما، قد تبدو كأنها سينما وثائقية، لكنها ليست كذلك. لم أعمل على الإطلاق في هذا النوع السينمائي، أنا راوٍ لقصص، وإن بدت في فيلمي ملامح وثائقية فهو ليس بعمل وثائقي.

  • تركّز في أفلامك على قضايا الشباب الإيراني وتطلعاتهم في مجتمع يقيدهم

منذ فيلمي “نفس عميق” وأنا مهتمّ بالتركيز على الشباب المعاصر في إيران، قصصهم المتنوعة والعلاقة التي تربطهم مع بقية الأجيال. أحاول أن أبدي معاناتهم والحياة القاسية التي تواجههم اليوم في إيران.

  • تبدي صورة قاتمة لهذا المجتمع

لا أرغب برؤية المجتمع في صورته القاتمة فقط، فهناك ما يسرّ فيه أيضا، ما أبديه من الحياة والناس أستوحيه من حولي، أظهر ما أرى وأسمع في بلدي، أسعى لتبيان الحقيقة فقط، ولا أختلق شيئا، وأصنع أفلاما تصوّر كيفية عيش الشباب في الوقت الحالي، أحيانا يكونون سعداء وأحيانا تكون حياتهم صعبة، هذا هو الحال.

هنا سألت يسنا ميرطهماسب الممثل الذي لعب دور فرد في الفيلم، عن رأيه بتصوير قتامة الوضع في إيران، فقال إن كثيرا من المخرجين يروون الوجه المظلم من البلد فقط. مضيفا: نحن لا نعيش فقط في السواد هناك، بل نتمتع بحياتنا وبأوقات سعيدة أيضا. بالتأكيد لدينا مشاكل سياسية في إيران، لكن هناك كذلك جوانب حسنة.

روكسانا تشرح العمل لفريد
  • صورت كثيرا من المشاهد الخارجية في طهران. كيف يجري التصوير في إيران؟ وفي شوارع العاصمة، كيف يتصرف الناس؟

في إيران هنالك طرق كثيرة لصنع الفيلم، إما أن تحصل على تصريح من الحكومة، وحينها تستطيع أن تصوّر في الشارع، ثم يمكن للفيلم أن يُعرض في الصالات العامة بعد الحصول على إجازة للعرض، أو أن تصور سرا بطريقة غير شرعية، بمعنى أن الفيلم لا يحصل على تصريح.

في هذه الحالة لا يمكن أن يعرض للجمهور، وقد يعاقب صاحب العمل بأن يلغى تصريحه بالعمل، أو يمنع من الخروج من إيران. وعن التصوير في الشارع، لا ألقى أي مضايقات، بل على العكس، فالناس يحبون ذلك ويساعدوننا، وقد يتعمد بعضهم المرور أمام الكاميرا ليظهر في الفيلم.

  • في فيلمك تلميح واضح لحصول قبلة بين البطل والبطلة. يمكننا القول إنها أول قبلة أو إيحاء صريح بقبلة في السينما الإيرانية بعد الثورة. موافق؟ كيف تتوقع أن يكون ردّ فعل الرقابة في إيران؟

نعم هناك قبلتان. تكمن المشكلة في الأولى لأنها -وإن لم تظهر على الشاشة- فإن صوتها مسموع، إن حُذفت من الفيلم فلن يكون للمشهد من معنى، وأنا جاهز لسماع آرائهم في الأمر وشكواهم، لكن ليس لتطبيق قراراتهم.

لن أزيلها لضرورتها في مشهد يبين تطور العلاقة، أي لتعبيرها عن موقف مهم في السرد، وقد قدمت الفيلم إلى الجهات المختصة للموافقة عليه، لكن لم يردني بعدُ أي ردّ منها.

فريد يعاني الهجران
  • وكيف ترى السينما الإيرانية اليوم؟

كارثية! السينما الإيرانية اليوم قائمة على الكوميديا، فالأفلام التي تعالج مواضيع اجتماعية تعاني من صعوبات جمة، فأن تبدي المجتمع وأحواله وتحصل على موافقة بالتصوير ليس بالأمر السهل. كثير من المخرجين لا يرغبون بطلب تصاريح من الحكومة للتصوير، أنا أيضا لا أؤمن بالتصريح لأن سينماي مستقلة وتمويلها خاص.