“كانت الصوفيّة مفتاحي لتقمّص شخصية ابن الخطيب”.. بطل “الحمراء وابن الخطيب” يتحدث للوثائقية

بلغة إسبانية متمكنة أدى الفنان المصري العالمي عمرو واكد بطولة فيلم “الحمراء وابن الخطيب” الذي قام فيه بدور لسان الدين بن الخطيب الشاعر والأديب والمهندس ذي الوزارتين، ومن خلال سيرته نطلع على مساهماته في بناء قصر الحمراء.

أخرجت الفيلم الإسبانية “إيزابيل فرناندز”، وساهمت الجزيرة الوثائقية في إنتاجه، وقد استغرق إنتاجه سبع سنوات، وصُوّر معظم مشاهده في ساحات وغرف قصر الحمراء الحقيقية، ليأخذنا في رحلة استثنائية نستكشف فيها المعنى المعماري والفلسفي والثقافي لواحد من أشهر معالم الحضارة الإسلامية في الأندلس.

وبأسلوب يجمع بين الوثائقي والمتخيل، يُصور الفيلم تاريخ بناء قصر الحمراء والأسباب التي دفعت لتشييده، منطلقا من دراسات أكاديمية حول الكتابات التي كتبها الوزير والشاعر لسان الدين بن الخطيب في القرن الرابع عشر.

في حوار خاص مع الجزيرة الوثائقية يكشف لنا بطل الفيلم الفنان عمرو واكد كواليس وتفاصيل أخرى عن هذا العمل، وعن تجربته الخاصة بالمشاركة فيه.

  • ما التحضيرات التي قمت بها لأداء الشخصية الرئيسية في الفيلم وهو لسان الدين بن الخطيب ونقلها للجمهور؟ وما الأثر الذي تركته عليك أنت شخصيا؟

الحقيقة أن شخصية لسان الدين بن الخطيب بحد ذاتها كانت مفاجأة بالنسبة لي، فقد كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عنه. أقول هذا وأنا أشعر بالأسف، لأنه شخصية تاريخية فريدة من نوعها، فقد كان فيلسوفا وطبيبا وشاعرا وبنّاء ومهندسا، أرّخ للحقبة الزمنية التي عاش فيها.

ليس هذا وحسب، بل يمكن النظر إلى مهاراته وحنكته السياسية بوصفه رجل دولة في إدارة الأزمات، خاصة في فترات الحروب والمؤامرات التي مرت على مملكة غرناطة، كما أنه أثّر في شخصيات تاريخية أخرى مهمة، أبرزها عالم الاجتماع الشهير ابن خلدون الذي تتلمذ على يده.

وعندما تلقيتُ مهمة القيام بدور لسان الدين بن الخطيب كنت قلقا للغاية، لأن الأداء التمثيلي الذي سيظهر على الشاشة كان لا بد أن يرتقي لمكانة وقيمة هذه الشخصية العظيمة، لذلك لم أكن أرغب بأداء الدور بناء على المِهن والمناصب التي تقلّدها وحسب، بل حاولت البحث عن مدخل إنساني لشخصيته.

كانت الصوفيّة هي مفتاحي الأساسي لتقمّص شخصية ابن الخطيب، فأغلب كتاباته كانت توحي باهتمامه وممارسته للصوفية، لذلك وقع اختياري على الشيخ نصر الدين طوبار الذي ألهمني بأناشيده الصوفية، وساعدني على تشكيل الحالة الروحانية التي استعنت بها لأداء الشخصية. داومت على الاستماع لأناشيده طوال فترة التصوير، وهذا ما جعل التجربة استثنائية ومميزة بالنسبة لي.

بلا شك انعكس أداء دور ابن الخطيب على شخصيتي بشكل كبير، وكانت الاستفادة روحانية بالدرجة الأولى، وأجزم بأنني أصبحت أكثر صوفيّة وأشدّ حبّا لهذا النهج.

الفنان العالمي عمرو واكد بدور لسان الدين بن الخطيب
  • كنت تتجول في قصر الحمراء وكأنك لسان الدين بن الخطيب، وجُلت بين أرجاء غرف وباحات شكلت في أيام مضت موطنا لِحكم سلاطين الأندلس، كيف كانت تجربة التمثيل في مثل هذا الصرح الأثري؟ وكيف انعكست على أدائِك للشخصية؟

بالتأكيد كانت هناك عوامل مختلفة ساهمت وأثرت على بنائي لِشخصية ابن الخطيب، وطاقة المكان نفسه هي واحدة منها، ومنها المَعايير الدقيقة في الهندسة العمرانية للمكان والتناسق في مساحات الغرف وارتفاع الجدران، إضافة للآيات القرآنية وأبيات الشعر المنقوشة والمختارة بعناية لم تكُ عشوائية، فحسب ما فهمت كان هناك مراعاة حتى لوزن الكلمات عند اختيارها، هو شيء قد لا أفهمه بكل تفاصيله بالطبع، لكنني بالتأكيد شعرت به، وبالتالي فإن هذه التركيبة الفريدة من كل ما سبق ذكره كان لها عميق الأثر على أدائي التمثيلي دون أدنى شك.

التصوير في مكان تاريخي مثل قصر الحمراء كان تحديا كبيرا، فكان يجب الانتباه لكل حركاتنا أثناء التصوير، والحرص الشديد حتى لا نُسبب أي ضرر لهذا المكان الأثري، فعلى سبيل المثال أذكر تماما أننا استعنا بسجادة سميكة لوضع الكاميرات عليها، إذ لا يسمح بوضع حامل الكاميرا على الأرضيات مباشرة. هذه التحديات على صعوبتها أرى أنها كانت ملهمة جدا.

من جهة أخرى ساهم تصميم القصر الاستثنائي في تقليل استخدامنا للإضاءة الصناعية، أذكر أنني سألت مدير التصوير والإضاءة عن سبب قلة معدات الإنارة المستخدمة، فأجابني بأن مَن صمّم هذا القصر كان يعلم تماما كيف يسخّر الضوء الطبيعي لخدمته، فالإنارة الطبيعية كانت تدخل القاعات وتنعكس على الجدران والأرضيات، بنفس قدر انعكاسها على الذات البشرية الحاضرة فيها.

  • كيف تقيّم اهتمام الجزيرة الوثائقية بالمساهمة في إنتاج فيلم “الحمراء وابن الخطيب”؟ وماذا أضاف هذا التعاون للفيلم برأيك؟

شخصيا أرى أن فيلم “الحمراء وابن الخطيب” لا يكتفي بِسرد أحداث ووقائع تاريخية وحسب، بل هو مشروع اجتماعي متكامل، يحاول أن يوصل رسالة مهمة إلى الغرب وأوروبا تحديدا، مفادها أننا كحضارات يكمّل بعضنا بعضا. ويؤكد الفيلم في ذات الوقت على أهمية عرض الحقائق التاريخية من وجهة نظر مختلفة، وبعيدة عن التوجهات والأهداف السياسية.

وبهذا يطمح الفيلم إلى إعادة سرد الرواية حول الأندلس بطريقة جديدة، ويبقى الهدف الأهم منه هو بناء جسر بين الشرق والغرب، فمما لا شك فيه أن الإسبان كانوا موجودين في مناطق عربية، وساهموا ببناء الحضارة والمدنيّة، بنفس القدر الذي ساهم العرب فِيه ببناء حضارة إسبانيا، وهذا ما لا يمكن إنكاره.

لذلك كان من المهم أن يكون هناك منبر عربي يسمح بتوثيق هذه السردية، وتشجيع ودعم صنّاع السينما الإسبانية للقيام بهذا المشروع، هذا بالضبط ما أكدته الجزيرة الوثائقية بمشاركتها في إنتاج العمل، وذلك ما اعتدناه من شبكة الجزيرة، فلطالما كانت سبّاقة بأهمية البحث عن الحقيقة وعرض القصة الكاملة.

وهنا أجد أنه من المهم الإشارة إلى أن هناك صنّاع سينما أوروبية يهمهم تسليط الضوء على جوانب مختلفة وجديدة للروايات التاريخية، إذ نجد أن السياق العام الذي يتناول العرب في هذا الفيلم هو صيغة مختلفة تماما عما عهدناه في السينما الغربية عموما، وبعيد كل البعد عن صفة “الإرهاب” التي لطالما عمد البعض لربطها بالشخصيات العربية. من هنا تأتي أهمية دعم صنّاع السينما هؤلاء ومباركة جهودهم.

لذلك أرجو أن يكون هذا العمل خطوة أولى على طريق إحياء شخصيات تاريخية مهمة، وأن لا يكون الإنتاج باللغة العربية فقط، بل بلغات أخرى ومتنوعة، فهذا من شأنه أن يخصص لنا مساحة مهمة في سوق الأفلام الوثائقية تساهم بتقبّل هذا النوع من الدراما أو القصص، وبالتالي تنعكس نتائج هذا النوع من المجهود على تحسين نظرتنا لواقعنا ولماضينا، وتعزز فكرة العيش المشترك بين الشعوب.

لقطة عامة لقصر الحمراء في غرناطة
  • برأيك ما الجديد الذي يقدمه فيلم “الحمراء وابن الخطيب” للمشاهد الأجنبي عامة والمشاهد العربي بصفة خاصة؟

يتيح فيلم “الحمراء وابن الخطيب” للمشاهد الأجنبي -وتحديدا الإسباني- فرصة الاطلاع عن قرب على الثقافة العربية الثمينة، إذ يمكن الاستدلال عليها من خلال العمارة والهندسة التي تركها العرب في إسبانيا. كانت هذه العمارة نتاج جهود عباقرة في الطب والهندسة وعلوم الفلك، عمل عليها لسان الدين بن الخطيب ومن عاصروه أيضا.

قد تكون هناك أفلام أخرى روائية أو وثائقية أجنبية تحدثت عن تلك الفترة، لكنني أرى أن الجديد في هذا الفيلم هو أنه يعتمد على الطرح من زاوية عربية، وهو ما سيضيف بُعدا جديدا لهذه الروايات وطريقة توثيقها، بعيدا عن الصور السيئة التي يصور فيها العرب “إرهابيين” وتستغل سياسيا.

أما بالنسبة للمشاهد العربي والغربي على حد سواء، فأرى أن العمل القائم على تقديم فيلم درامي وثائقي يحمل مَشاهد درامية، يساهم في خلق علاقة عاطفية بين المشاهد وبين أبطال وشخصيات القصة، مما يجعل أثره أكثر عمقا وأكثر تميزا في هذا الفيلم الذي يُصوَّر في آخر معاقل المسلمين في الأندلس.

بالنهاية تبقى رسالة الفيلم بشكل أساسي للجميع هي دعم التآلف والتكامل بين الحضارات ونبذ التناحر فيما بينها.