“جزيرة الموت”.. السرطان الفرنسي يمزق جزر القمر

بحثاً عن حياة كريمة، يُهاجر الإنسان من وطنه نحو أرض أخرى، لعله يجد ما يسد به رمقه، أو يُعيد إلى حياته روحها التي سُلبت بسبب شدة الفقر، فيتكبد الصعاب ويركب الأهوال ويخوض غمار تجربة قد يدفع روحه ثمناً لفشلها، ففي ظل انسداد أفق البدائل يتخذ المرء من طرق الموت ومسالك الأخطار وسيلة للعبور نحو الأمان.

“مايوت” الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، هي اليوم المقاطعة الفرنسية رقم 101، مساحتها 374كم2، سماها العرب قديما بجزيرة الموت لكثرة ما التهمت من سفن وبحّارة، غالبية سكنها مسلمين من أصول عربية عددهم 213 ألف نسمة، 40% من سكانها مهاجرين غير شرعيين جاؤوا من جزر القمر لعلهم يجدون حياة كريمة فيها.

بين أيدينا أحد أفلام الجزيرة الوثائقية المعنون بـ”المقاطعة 101 جزيرة الموت” الذي يروي حكاية البؤس الذي يعيشه المهاجرون غير الشرعيين في مايوت، وما يرافقهم من أخطار أثناء السفر على متن قواربهم البدائية التي يطلق عليها اسم “كوسا كوسا”، فقد ضاقت عليهم بلادهم حتى استحكمت حلقاتهم.

بين مطرقة اللجوء وسندانة الاستغلال

لم تكتمل أمنيات طاهر 35 عاما الذي يعمل في الزراعة والبناء في الحصول على حياة كريمة بعد هجرته إلى مايوت، فقد سكن بيتا خربا تتسرب إليه المياه في فصل الشتاء، وتتساقط من حوله الأشجار بسبب الأعاصير العاتية مهددة له بالموت. يفتقر المنزل لأبسط مقومات الحياة مثل الحمّام، يخاف من الإفصاح عن وجود التيار الكهربائي في منزله لأن السلطات لا تحب أن ترى مقيمين غير شرعيين عندهم كهرباء.

أما اللاجيء القمري محمد فقد هاجر إلى مايوت بطريقة شرعية، لم يتسلل إلى الجزيرة بعيدا عن عيون حرس الحدود، لكنه بعد أكثر من عشرين عاما على اللجوء لم يحصل على موافقة اعتباره لاجئا شرعيا، لا يملك عملا، يُشبه حياته بحياة البهائم، يمكث فترات طويلة دون أن يتناول الطعام، فضيق ذات اليد يقف حاجزا بينه وبين معيشته حتى في جزيرة أحلامه وأمنياته.

مطاردة الشرطة في العاصمة “مامودوزو” لمهاجرين قمريين

يتعرض اللاجئون القمريون في جزيرة مايوت للاستغلال والتمييز الشائعين في صفوف المهاجرين غير الشرعيين حول العالم، فراتب الوظيفة الواحدة يختلف بين المواطن المايوتي والمهاجر، يقول محمد: “أعيش هنا دون عمل باستثناء زراعة بعض البقوليات، أنتظر 12 شهرا حتى أتمكن من حصاد المحصول وبيعه لأحصل على مبلغ قليل من النقود بالكاد يكفينا للعيش مدة سنة”.

ينتقل بنا مخرج الفلم إلى مشهد من مطاردة الشرطة في العاصمة “مامودوزو” لمهاجرين قمريين كانوا يبيعون بعض البضائع انتهى بهم الأمر إلى الاعتقال ومصادرة ما لديهم من سلع، ليس من حقهم ممارسة التجارة، تقول لهم الشرطة “إن كنتم تريدون حق الإقامة عليكم أن تعملوا كعمال وخادمات”.

لا يتورع المواطن المايوتي من استغلال المهاجر القمري بالعمل في مهنة البناء ثم بعد إتمام العمل يستدعي له الشرطة ليتنصل من دفع الأجر، لأنه مهاجر غير شرعي ليس له حقوق في القانون ومطلوب للتسفير.

كما أن مشاعر العداء المايوتية تظهر واضحة جلية كضحكات شامتة كلما غرق قارب من قوارب المهاجرين وسط البحر، ومات كل من عليه من الركاب.

في حين يرى إبراهيم أبو بكر عضو البرلمان الفرنسي عن جزيرة مايوت أن هذه الأعمال مجرد اتهامات لا أساس لها من الصحة مستعرضا بعض الحقائق المشيرة إلى أن نسبة المقيمين غير الشرعيين والأجانب في مايوت هي 40%، يتمتعون بالرعاية الصحية وما توفره الحكومة من إمكانيات لأهل الجزيرة، كما أن 80% من النساء اللواتي يلدن في العاصمة مقيمات بشكل غير قانوني، ولا تتوقف السلطات عن بذل جهود في بناء المدارس لكي يدرس الجميع من غير تمييز فلا تسأل الدول عن إقامة أولياء الأمور.

“جزر القمر” من الاستعمار إلى الاستقلال

احتل الفرنسيون جزيرة مايوت واستخدموها كقاعدة لاحتلال الجزر الثلاثة منذ عام 1841 حتى حصلت جزر القمر على الحكم الذاتي في عام 1961.

جرت محادثات بين فرنسا وسلطات الحكم الذاتي القمرية عام 1973 أسفرت عن اتفاقية تعرف باسم “اتفاقية حزيران” والتي تنص على استقلال جزر القمر وذلك عقب الاستفتاء الذي نُظم في 22 كانون الأول عام 1974 حيث صوت فيه أكثر من 95% من سكان الجزر الأربع لصالح الاستقلال.

جزر القمر أربعة جزر استقلت منها ثلاث وبقيت جزيرة مايوت تحت السلطة الفرنسية

لم تقبل فرنسا التصديق على نتائج الاستفتاء وقالت إنها ستنظم استفتاء آخر لكل جزيرة على حدة، فردت الحكومة القمرية بإعلان الاستقلال من طرف واحد.

شعرت فرنسا بالإهانة فعاقبت القمريين بالاحتفاظ بمايوت وفرضت قرارها أمرا واقعاً زاعمة أن 65% من سكان جزيرة مايوت صوتوا لصالح بقاء الوجود الفرنسي في استفتاء عام 1974.

لم يعتبر القمريون أن تلك النسبة جديرة بالاهتمام لأن الاتفاق بين السلطات الفرنسية والقمرية نصت على احتساب النتيجة العامة للجزر الأربعة وليس نتيجة كل جزيرة بشكل منفرد.

استفتاءات مضادة

نظم الفرنسيون استفتاءات في جزيرة مايوت أفرزت نتائج لصالح باريس فاصلة إياها عن سائر جزر القمر، عندها اتهمت فرنسا بالتزوير والتلاعب في النتائج إضافة إلى القيام بعمليات تهجير للسكان الرافضين للوجود الفرنسي من جزيرة مايوت.

يشكك الدبلوماسي والباحث في التاريخ القمري أحمد ثابت في نزاهة تلك الاستفتاءات قائلا ” إنَّه تم تنظيمها والتحكم بها والاشراف عليها من قبل الفرنسيين وحدهم دون وجود طرف آخر”.

أعلنت الأمم المتحدة بطلان الاستفتاءات الفرنسية في قرارها رقم 31 على 4 الصادر عام 1976، مستندة إلى القرار رقم 1514 الذي ينص على أن الدول الراغبة في الاستقلال يجب أن تستقل وفقا للحدود التي كانت عليها عندما دخلها الاستعمار، فمن وجهة نظر القانون الدولي فإن جزر القمر هي كيان واحد يشتمل على أربعة جزر ولا يمكن فصل أي منها عن الأخرى.

شوربة الطحين هي طعام بعض عائلات المهاجرين غير الشرعيين بسبب الفقر الشديد

لم تقبل فرنسا بوحدة جزر القمر مبررة رفضها لقرار الأمم المتحدة بأن لكل منطقة كانت تحت الاستعمار قصة مختلفة عن الأخرى،  فاحتلال فرنسا لمايوت كان عام 1840 في حين تم استعمار الجزر الأخرى في أوقات لاحقة  فلا يمكن جعل الجزر الأربعة خاضعة لذات المعيار”.

جزرٌ فقيرة

تُعد جزر القمر حسب إحصائيات الامم المتحدة من الدول العشر الأفقر في العالم حيث يرزح أكثر من نصف القمريين تحت خط الفقر، كان سببها الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى حالة الاضطرابات السياسية التي اعتبرت كمخلفات للاستعمار.

لا يجد أحمد إبراهيم البالغ من العمر 47 عاما عملا ليطعم أولاده الأربعة. يقول إن طعامه في الصباح شوربة طحين يتغذى عليها نفسها في كافة الوجبات إذا لم يُقدم له الزيت لصناعة الخبز، يعاني من الأمراض المنتشرة، مشاكله المتراكمة تدفعه للتفكير دائما بالسفر إلى مايوت.

ينتقل مخرج الفلم لتصوير مشهدا من حالة البؤس التي يعاني منها أهل الجزر المستقلة، فالإحباط يولد في القمر الكبرى وفي أنجوان وفي موهيلي، وتتهم الحكومة في التقصير وسط غياب كلي للمؤسسات مما يدفع القمريين للتوجه جنوبا نحو مايوت حيث تشير الإحصائيات إلى توجه نحو 15000 شخص سنويا من أنجوان إلى مايوت.

رحلة مهالك

يسافر القمريون إلى مايوت لأسباب من ضمنها زيارة عائلاتهم أو حضور حفل زفاف أو حضور جنازة أو العمل يستلزم السفر إلى هناك بالشكل الشرعي إلى تأشيرة تتطلب تكاليف مالية كبيرة لذلك فهم يختارون ركوب قوارب خشبية بدائية أقل كلفة وأكثر خطورة فغالبا ما تغرق هذه القوارب ويموت من عليها من الركاب.

يتعرض المهاجرون إلى استغلال المهربين ربابنة القوارب البدائية المُسماة “الكوسا كوسا” فالرحلة من أنجوان التي تبعد عن مايوت 70 كم تصل إلى مبلغ 1000 يورو، وهو مبلغ كبير إذا قورن بأمثاله من الرحلات إلى جزر أخرى.

أعداد كبيرة من المهاجرين يغامرون من أجل الوصول إلى مايوت لكن كثيرا منهم يمتون غرقا في الطريق

يظهر جشع المهربين حين يحملون على القارب عدداً يفوق 40 أو 50 شخصا من الرجال والنساء والمسنين الأمر الذي يجعل خطورة الرحلة تتضاعف أكثر، يقول مطر يعقوب “إذا أراد أحد المهاجرين أن يتبول فإنَّه لا يستطيع ذلك إلا في مكانه، كما لا يمكن لمسافر على متن القارب أن يلتفت يمنة أو يسرة بسبب العدد الكبير من البشر”.

اتهام بإغراق القوارب

قوارب نقل مسافرين بدائية تتلاطمها الأمواج وإمكانية التهامها من قبل البحر كبيرة جدا، حيث تنقل وسائل الإعلام في الشهر الواحد أخبار غرق العديد منها وهي متجهة إلى جزيرة مايوت وبالمقابل تنجح العديد من تلك القوارب في الوصول إلى الجزر الأخرى. الأمر الذي جعل أحمد ثابت أن يشعر بوجود جريمة إغراق بفعل متعمد.

يعتقد مطر يعقوب أن من أسباب غرق تلك القوارب هو الحمولة الزائدة، أو اضطراب في أمواج البحر فتغرقها وتقتل من عليها، ثم يذكر سببا آخر قائلا “تقوم سفن الفرنسيين الكبيرة ذات المحركات الضخمة بغمر قواربنا الصغيرة بالماء نتيجة مرور سفنهم بالقرب من قواربنا، ومن لا يجيد السباحة يغرق في قاع البحر”.

السلطات الفرنسية لا تقوم بواجب إنقاذ الغرقى

بالمقابل يرى إبراهيم أبو بكر الذي كان مديرا لميناء مايوت وفي قيادة عمليات الميناء أن اتهام الفرنسيين بإغراق السفن مجرد كلام لا أساس له من الصحة قائلا “إذا وصلتنا إشارة على وجود سفينة في خطر فإننا نسخّر كل الوسائل البحرية لإنقاذها، ولا ينفي ذلك طبعا هلاك بعض القوارب بسبب عدم مقدرتنا على متابعة العدد الكبير من القوارب المهاجرة بشكل غير شرعي”.

لا يرى الحقوقي وعضو اللجنة القمرية لمتابعة قضايا “مايوت” علي عبد الغني أن السلطات الفرنسية تقوم بواجب إنقاذ الغرقى لكنه يتهمها بالتظاهر أنها تحاول إنقاذ المهاجرين بينما في الحقيقة تقوم بعروض سينمائية فقط فينقذون شخصا واحدا من أصل 50 ويسجل الباقي كمفقودين في وسط البحر”.

يكشف الفلم عن مشاهد حقيقة تبدو فيها عمليات إغراق القوارب، ويظهر كلام الأشخاص الذين على متن السفن التي تشارك في تلك الجريمة وهم يقولون “إنّه قارب كوسا كوسا أنا متأكدة تعال تعال إنه كوسا هيا أحضروا جميعا، سلطوا عليهم الكشاف الضوئي تبا لهم”.

المقبرة البحرية الأكبر في العالم

يُعد البحر الفاصل بين مايوت وأنجوان المقبرة البحرية الأكبر في العالم فهناك نحو 10 آلاف شخص من القمريين الأبرياء ماتوا معظمهم من النساء والأطفال.

ممن مات في ذاك البحر سيد علوي الذي تظهر والدته زينب في الفلم وهي تبكيه قائلة “كان سيد علوي مؤدبا اختار له والده زوجة فتزوجها، أراد أن يهاجر ليعمل في التجارة حتى يساعد عائلته على العيش الكريم، سألني هل أنت موافقة على السفر؟ فقلت له: موافقة، ثم ذهب وارتحل ولم يعد”.

تحدثت فتاة من قرية “بانغوالهمبو” كانت مسافرة على ذات القارب الذي استقله سيد قائلة “عندما رأى سيد العدد الكبير من الركاب على متن القارب طلب استرداد أمواله لأنه لم يعد راغبا في السفر، الأمر الذي رفضه قائد المركب” وبعد هذا الرفض اختار سيد أن لا يخسر نقوده فاضطر لركوب القارب فخسر حياته في وسط البحر.

سيد علوي آثر أن لا يخسر نقوده فاضطر لركوب القارب لكنه خسر حياته في وسط البحر

يرى علي عبد الغني أنه منذ فرض تأشيرة الدخول إلى مايوت عام 1994 ارتفع عدد الضحايا إلى 5 أشخاص كمعدل يومي، كما أن عدد القتلى الإجمالي تجاوز 30 ألف شخصا.

على الرغم من كل الشرور التي تواجه المهاجر أثناء رحلته إلى مايوت إلا أن أحمد إبراهيم ما زال يحلم بالهجرة إليها أملا في أن تتغير حياته للأفضل، لم يصل إلى شواطئ “متسامبور” التي شد إليها الرحال.

احتمالات كثيرة ومريرة لعل أحلاها هو أن يكون قد قبض عليه من قبل الشرطة، بعد 18 يوما من مغادرته “أنجوان” وصل إلى مايوت بعد أن تعطل قاربه في وسط البحر، هو الآن يعمل في ظروف سيئة في مايوت.

“مراكز الاحتجاز” ظروف غير إنسانية

تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن عدد الذين يُرحلون سنويا من مايوت بعد اعتقالهم يصل إلى تسعة عشر ألف شخصا لا تنتهي معاناتهم بالاعتقال أو الترحيل بل يتعرضون – كما يقولون – إلى معاملة سيئة في مراكز الاحتجاز التي لا تخضع للقوانين الفرنسية المتعلقة بالمهاجرين غير الشرعيين.

هذه الإدعاءات ينفيها إبراهيم أبو بكر قائلا “عند اعتقال المهاجرين غير الشرعيين تحترم الشرطة حقوق الإنسان التي يتضمنها الدستور الفرنسي، كما أنها تعتقلهم من الأماكن العامة وتبعدهم خارج الحدود، ولا تمارس عمليات الدهم لمنازلهم”.

ممن ذاقوا مرارة سوء المعاملة أثناء الاحتجاز طاهر فعند القبض عليه قُيد بشكل قوي وعندما طلب من الشرطة أن يخففوا عنه من شدة القيد دفعوه بقوة ووضعوه داخل السيارة.

يتحدث محمد نبهان عن سوء معاملة الشرطة الفرنسية للموقوفين وعدم احترامها لحقوق الإنسان ولا حتى القانون الفرنسي نفسه في جزيرة مايوت قائلا “عندما تدخل الشرطة البيوت فإنهم يأخذون الناس عنفا ويرجعونهم إلى الجزر المستقلة”.

تسمى مراكز الاعتقال التي يقتاد إليها المهاجرين غير الشرعيين ” بيلودو” يصف مطر يعقوب مكان الاحتجاز بالسيء للغاية وفيه روائح كريهة وبعوض، لذلك تصادر الأجهزة النقالة بمجرد الاعتقال حتى لا تنقل صورة المكان السيء إلى الخارج.

يتحدث عن ذكرياته المريرة أثناء الاعتقال قائلا ” ذات مرة سلقوا لنا أجنحة دجاج في الماء دون أي شيء رموها لنا مثل الكلاب أخذناها وأكلناها، كنا ننام في غرفة ضيقة نُقتاد إلى السفينة ثم نُرحل إلى أنجوان”.

عارٌ على الجمهورية الفرنسية

بين تقرير بعثة البرلمان الأوربي ومنظمة العفو الدولية أن مراكز الاحتجاز في مايوت تمثل عارا على الجمهورية الفرنسية، لكن هذا التقرير غاب عن جميع وسائل الاعلام الفرنسية، لأن قضية مايوت مغيبة عن الإعلام الفرنسي معظم الأحيان.

يقول النقيب شرف صوفو “فرنسا تنتهك ميثاق حقوق الإنسان في إفريقيا في بعض الأحيان يقومون بإبعاد الأشخاص بملابسهم الداخلية كما أنهم يعاملون المعتقلين كالعبيد أو كالحيوانات”.

المهاجرون غير الشرعيين يعيشون خوفا دائما من الاعتقال فيختفون دوما من أمام أعين الشرطة

تبدأ معاناة المهاجرين منذ إبحارهم نحو مايوت وتستمر معهم حتى الترحيل لكنها تصل ذروتها حين يضاف إليها التوجس الدائم أثناء الإقامة غير الشرعية فالمهاجرين يعيشون خوفا دائما من الاعتقال الأمر الذي يدفعهم إلى الإختفاء من أمام أعين الشرطة.

يتعرض المهاجرون بسبب الخوف من الظهور لمشكلات يومية منها متعلق بالحصول على الطعام، وغيره مرتبط بالعلاج، إضافة إلى حالة الاستغلال فإذا كان ثمن السلعة 2 يورو فإنه تحت وطأة استغلالهم يتحول إلى 5 يورو ويضطرون للشراء مكرهين.

يرى محمد نبهان أن “هؤلاء الذين يُسمّون مهاجرين غير شرعيين هم في الحقيقة ليسو مهاجرين، لأنهم في بلدهم، ربما المهاجرين غير الشرعيين هم الفرنسيين بالنسبة للقانون الدولي”.

تكريس الانفصال المايوتي

مارست فرنسا سياسة الإنفصال السياسي والاجتماعي والثقافي في مايوت عن باقي جزر القمر المستقلة حيث بدأت بفصل الرموز القومية كالعلم واللغة والعملة والدستور، وانتهت بالرموز في الحياة اليومية كلوحات السيارات وأنواع الطعام والشراب.

نتيجة لتلك السياسة ظهرت أجيال شابة في مايوت تظن نفسها أنها أجيال فرنسية حقا، لكن المفارقة أن هؤلاء الشباب إذا سافروا إلى فرنسا أو حتى إلى جزيرة لارينو الفرنسية يعاملون كأفارقة أو قمريين مما يثير الدهشة والحيرة في أعماق مشاعرهم.

لا تنفك فرنسا عن محاولة محو الميزات القمرية فربما يأتي اليوم الذي يمنع فيه صوت الأذان من مآذن جزيرة مايوت في طريق محو ثقافتها الدينية.

جزر القمر الأربعة هي عبارة عن بلد واحد وهوية واحدة يتكلمون نفس اللغة

يدعي الفرنسيون أن هناك شعب مايوتي يرغب بالانضمام إلى فرنسا، في حين يَدحض محمد نبهان هذا الإدعاء قائلا “لا يوجد شعب مايوتي فجزر القمر الأربعة هي عبارة عن بلد واحد وهوية واحدة يتكلمون نفس اللغة ويؤمنون بدين الإسلام ويتخذون من الشافعية مذهباً لهم، كما أن الملابس والعادات والطعام واحدة أيضا”.

باالمقابل يُصر إبراهيم أبو بكر على انفصال مايوت عن بقية جزر القمر قائلا ” نحن في مايوت اتخذنا قرارا ببناء وطننا ضمن الجمهورية الفرنسية وهم في جزر القمر اختاروا الاستقلال إنها ليست مسألة دين أو عرق إنها مسألة سياسية نحن نحترم خيارهم ونطلب منهم ببساطة أن يحترموا خيارنا”.

أحلام دُفنت في طريقها نحو مايوت، وأخرى قُدّر لها الحياة في تلك الجنة الموعودة، وغيرها طردت من ذاك النعيم، طاهر تم اعتقاله من أمام مدرسة أولاده للمرة الثانية ورُحّل إلى أنجوان لكنه ما زال ينوي العودة إليها إذا حصل على فرصة جديدة، تلك البلاد حُلم آلاف القمريين أثناء يقظتهم، لكن الحلم تحوّل إلى كابوس لا يعلمون سبيل الاستيقاظ منه، لم يجدوا فيه طعم الكرامة بل تذوقوا مرارة الحرمان في بلد يظهر بريقها لامعا من بعيد لكن سرعان ما يخبو ذاك البريق بمجرد الهجرة إليها والعيش فوق أرضها.