زلازل المغرب.. تاريخ الكوارث الطبيعية التي هزت الأرض والإنسان

ما زال المغاربة يحاولون الاستفاقة من صدمة الزلزال المدمر الذي ضرب ليلة 8 من سبتمبر/ أيلول 2023 منطقة الحوز جنوب غرب مراكش، فقد كان الزلزال شديدا بقوة 7.2 درجات على مقياس ريختر، ولم يسبق له مثيل منذ قرن من الزمن. وخلف ضحايا بالمئات بين قتيل وجريح، وشرد الآلاف في مناطق قروية، حين وجدوا منازلهم البسيطة قد سُويت بالأرض بين ليلة وضحاها.

وقد شهد المغرب أيضا عددا من الزلازل القوية في العقود الماضية، كان أشدها فتكا زلزال أغادير وسط غرب المملكة سنة 1960، ولم تتجاوز قوته 6 درجات، لكنه كان شديد التدمير، وأوقع حوالي 15 ألف قتيل، وتسبب في دمار شبه كامل لمدينة أغادير.

شيخان مغربيان يتأملان أطلال بيوتهما بعد الزلزال الذي ضرب مدينة الحوز بالمغرب

كما يتذكر المغاربة أيضا زلزال الحسيمة الذي وقع سنة 2004، فقد تسبب في وفاة 630 شخصا، واعتبر أيضا من بين أخطر الكوارث الزلزالية في تاريخ البلاد. فما هي قصة المغرب مع الزلازل؟ وما أعنف الهزات التي شهدتها البلاد على مر التاريخ؟ وكيف تعامل المغاربة مع هذه اللحظات الاستثنائية؟

زلزال أغادير.. جرح غائر في ذاكرة مدينة الانبعاث

عندما نتحدث عن الزلازل في المغرب، فإن زلزال أغادير وسط غرب البلاد كان الأخطر على الإطلاق، لأنه ضرب ليلة 29 فبراير/ شباط 1960م، في ثاني أيام رمضان 1379هـ، فقلب المدينة الساحلية، مخلفا 15 ألف قتيل، أي ما يعادل ثلث سكانها في تلك الفترة.

صور من زلزال أكادير 1960 حيث دُمرت المدينة بشكل كبير جدا

وعلى الرغم من أن الزلزال بلغ قوة 5.7 درجات فقط على مقياس ريختر، واستمر حوالي 14 ثانية فقط، فإن الدمار الذي تسبب فيه كان كبيرا جدا، وأصبح بسبه 35 ألفا من سكان المدينة بدون مأوى، وقدرت خسائره المادية آنذاك بحوالي 290 مليون دولار.

ولم يسلم أحد من أهالي أغادير من هذه الفاجعة، فمن لم يمت فقد جُرح أو فقد فردا من عائلته، حتى أن كثيرا من الأجانب الذين سكنوا المدينة المعروفة بتعدد الجنسيات والأديان فقدوا أحباءهم.

وتحولت المدينة إلى خراب، وتقاطر عليها العالم مساعدا ومغيثا، ونزل آنذاك الملك المغربي الراحل محمد الخامس بنفسه إلى وسط ركام المباني المنهارة، ووعد بإعادة بناء المدينة، وقال عبارته الشهيرة: لئن حكمت الأقدار بخراب أغادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا.

وقد أشرف ولي عهده آنذاك الأمير الحسن شخصيا على عمليات الإنقاذ وإعادة الإعمار. وهو ما تحقق بالفعل بعد أن شهدت المدينة نهضة عمرانية، وأصبحت تلقب بعد ذلك بمدينة “الانبعاث”.

زلزال أكادير 1960 كان أعنف الزلازل التي شهدها المغرب، إذ قلب المدينة رأسا على عقب وقتل ثلث سكانها

وما زالت أغادير تتذكر هذا الزلزال الأليم. ومع كل هزة أرضية جديدة، تهتز قلوب سكان المدينة التي تقع في منطقة ذات نشاط زلزالي مرتفع نسبيا، تحت تأثير الحزام الزلزالي الألبي الذي يعبر القارتين الآسيوية والأوروبية، ويمتد من جبل طارق غربا إلى إندونيسيا شرقا.

الحسيمة.. منطقة الزلازل الأكثر نشاطا

عاش المغرب فترة هدوء زلزالي نسبي لسنوات بعد زلزال أغادير، فلم تسجل هزات كبيرة حتى سنة 1994، حين اهتزت ضواحي مدينة الحسيمة شمال شرق المملكة على وقع زلزال لم تتجاوز شدته 6 درجات على مقياس ريختر، لكنه أسفر عن انهيار آلاف المنازل، خصوصا في القرى والمناطق النائية.

مدن مغربية كثيرة تأثرت بزلزال الحوز 2023 لكون مركزه قريبا نسبيا من سطخ الأرض

وبعد عشر سنوات، عاد الزلزال إلى الحسيمة في فبراير/ شباط 2004، لكن بقوة أكبر بلغت 6.5 درجات على مقياس ريختر، وخلّف أكثر من 628 قتيلا و926 جريحا، وأكثر من 15 ألف متضرر. ووُصف هذا الزلزال بأنه أحد أقوى وأعنف الزلازل التي شهدتها المملكة، وتضررت بسببه المناطق المجاورة للحسيمة خصوصا منها إمزورن وبني بوعياش وأيت قمرة التي حددها الجيولوجيون مركزا للهزة.

زلزال تطوان 1909 كان أقل زلازل المغرب شدة ودمارا

وتوصف الحسيمة في منطقة الريف بأنها أكثر المناطق نشاطا زلزاليا في المغرب، بسبب قربها من خط التقاء الصفيحتين التكتونيتين الأفريقية والأوروآسيوية (صدع جبل طارق). وشهدت أيضا هذه المنطقة الشمالية الشرقية للمغرب عامي 2016 و2021 هزتين أرضيتين قويتين، بلغتا على التوالي 6.1 و5 درجات، بالإضافة إلى عدد من الهزات الأخرى الخفيفة التي تسجل خصوصا بمنطقة الدرويش.

تاريخ الزلازل.. نكبات تزهق الأرواح وتدمر المدن العتيقة

موقع المغرب الجغرافي جعله منذ القدم منطقة معرضة للزلازل، ونجد أن أقدم هذه الهزات العنيفة الموثقة في المصادر التاريخية، يعود إلى 28 مايو/ أيار 818م، حين ضرب زلزال قوي ضفتي مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا، ولم يعرف بالضبط حجم الخسائر تسبب فيها، لكنه تسبب في مصرع عدد من الأشخاص، وانهيار بعض المنارات والصوامع الواقعة في شمال المملكة.

للمغرب تاريخ قديم مع الزلازل طاف على كثير من مدنه عبر القرون المنصرمة

وعانت أيضا بعض المدن التاريخية للمملكة كفاس ومكناس ومراكش من هول الزلازل، وتسببت بدمار كبير لحق بأبنيتها، وكان من أشهرها زلزال مدينة فاس في 11 مايو/ أيار 1624، وكان ثاني أقوى زلزال يضرب المدينة في غضون قرن من الزمن، وقد أزهق أرواح المئات من المغاربة، وعطب الكثيرين، كما دمر منازل ومباني المدينة والقرى المجاورة.

كما دمرت أجزاء من مراكش عامي 1719 و1722 بسبب زلزالين عنيفين ضربا سواحل المغرب، وتسببا أيضا في خسائر جسيمة ببعض المدن الساحلية.

بسبب حركة الصفيحتين الأوراسية والأفريقية، جاء زلزال المغرب 2023 بشدة قدرها 7.2 على مقياس ريختر

وتضرر المغرب كذلك من زلزال لشبونة العظيم الذي وقع يوم 1 نوفمبر/ تشرين ثاني 1755، وصُنف ضمن الأكثر فتكا تدميرا على مر العصور، وقد امتد تأثيره خارج البرتغال، ليصل إلى السواحل المغربية، خاصة “أنفا” (الدار البيضاء حاليا)، فقد سقط فيها المئات بسبب الزلزال وما أعقبه من موجات مد بحري (تسونامي) وحرائق.

وفي السنة نفسها، وبعد مرور أقل من شهر على زلزال لشبونة، ضرب زلزال عنيف مدينة مكناس وسط المملكة، وتسبب في مقتل ما مجموعه 15 ألف شخص في مدينتي مكناس و‌فاس، بحسب مصادر تاريخية.

زلزال الحوز.. أقوى نكبات البلاد منذ القرن الـ18

على خارطة الزلازل التي فرضت نفسها في التاريخ المغربي، يكتب زلزال الحوز الجديد نفسه في القائمة، فقد خلف ألوف القتلى والمصابين، ومحا قرى صغيرة بالكامل، وهو بمثابة حلقة جديدة من مسلسل هذه الزلازل المخيفة التي عاشها المغرب عل مر العصور.

ويرى مراقبون أن هذا الزلزال قد يكون الأقوى في تاريخ البلاد منذ عام 1755، من حيث شدته على الأقل، وقالت صحيفة “صانداي تايمز” البريطانية إن الطاقة التي حررها زلزال الحوز تعادل قوة 30 قنبلة نووية، كتلك التي أسقطتها الولايات المتحدة على اليابان إبان الحرب العالمية الثانية.

ولا شك إذن أن كوارث الزلازل في المغرب كانت قدرا محتوما على سكان هذا البلد منذ الأزل، فالموقع الجغرافي المميز للمملكة جعلها أيضا قريبة من منطقة زلزالية نشطة، قد تستمر في التحرك مسببة هذه الكوارث الطبيعية المفجعة.

وهذه الكوارث، أبانت في المقابل عن قدرة كبيرة على التضامن في المحن بين مكونات الشعب المغربي، فبمجرد أن أطلقت السلطات نداء للتبرع بالدم للجرحى والمصابين، تقاطر المئات على المستشفيات ومراكز تحاقن الدم في مراكش القريبة من مركز الزلزال وحتى في المدن البعيدة، مصطفين في طوابير طويلة للمساهمة في إنقاذ أرواح إخوانهم المتضررين.

كما تقاطرت المساعدات من داخل وخارج المغرب، ولم يتوقف المواطنون عن عرض المساعدات المادية والمعنوية منذ الساعات الأولى على وقوع الكارثة.