“إرث لوك هوفمان”.. عالِم أفنى حياته في حماية الطيور وموائلها الرطبة

“إن الأعظم بين القادة ليس المنتصر في مئة معركة، بل ذلك الذي لا يحتاج إطلاقا إلى القتال لينتصر”. هذا ما يقوله القائد والفيلسوف الصيني “سون تزو” عن الحرب، لكن ما لم يذكره في مقالاته الشهيرة عن الفن العسكري، أن هنالك حربا أخرى تدور رحاها في ديمومة متكررة، لا هدف منها سوى إعلاء قيمة الحياة، وفي التدفق الميسر للمسارات الحياتية تحقق وانتصار مؤكد.

وتلك الحروب المتواصلة والمنشغلة بالحفاظ على البيئة والهبات الطبيعية، تمثل جوهر ومضمون الجزء الأول من الفيلم الوثائقي “إرث لوك هوفمان” الذي عرضته قناة الجزيرة الوثائقية، فقد ورث الإنسان هذه المقدرات البيئية بعد سنوات لا عد لها ولا حصر، لكن التلاقي بين الفرد وما يقابله من عناصر طبيعية، أفرز نتائج مغايرة عن المنتظر، فبدت العلاقة بين هذا الطرف وذاك مغلفة بسياج صلب من الأشواك، ولا شك أنها في حاجة ماسة وعاجلة إلى التقويم، وهنا يبرز الدور الحيوي والفعال للمدافعين عن البيئة في أتون هذه النزاعات التي لا منهزم فيها، سوى بني الإنسان.

ويعد عالم الطيور والبيئة السويسري “لوك هوفمان” (1923–2016)، أحد المحاربين القدامى في هذه المعركة القائمة على الدوام والاستمرار، ويُعنى الفيلم برصد قبسات من حياة هذه الشخصية، التي وهبت عددا لا بأس به من سنوات عمرها للدفاع عن الطبيعة، إذ تمارس تجاهها تنويعات متباينة من الانتهاكات السلطوية المقصودة والعفوية.

عالم الطيور السويسري “لوك هوفمان”

ترى كيف أقدم الإنسان على الاشتباك بوحشية مع البيئة الطبيعية؟ وما هي عواقب هذا التناحر على المدى القصير المحسوس، أو على ما يقابله في السياق الأعمق امتدادا؟ وهل لا يزال في المتسع براح زمني يمكن من خلاله المساهمة ولو بقدر يسير في حماية الفائض من هذه الظواهر الطبيعية؟

كل هذه الأسئلة المشروعة تنبعث تلقائيا من رحم هذا الفيلم، ومع أن زمنه ضيق نوعا ما (45 دقيقة)، فإنه يملك تدفقا معلوماتيا هائلا، يساهم في تقديم مساحة تأملية نحو الطبيعة، وما تحتويه من كنوز مستترة، قد تغفل عنها أعيننا الغاشية، بفعل المؤثرات الأخرى، التي تتعاظم أعراضها الجانبية عكسيا على الحياة بمفهومها الأوسع والأكثر شمولا.

قطرات الماء.. منشأ الحياة وشريان الكوكب

يأتينا صوت قطرات الماء المنسابة في رتابة واضحة تتصاعد تدريجيا، حتى تصل الكاميرا إليه بروية وهدوء، حينها تنفتح الشاشة على مشهد تأسيسي، نرى فيه قطرات المياه تطرق أحد الأحجار الصلدة في متوالية غير نهائية، ونرى آثار نغزات المياه على السطح القشري للحجر، تلتقطه العدسة المقربة بجلاء لا يقبل الشك.

هكذا يبدأ الفيلم، ويتزامن انطلاق صورته مع التعليق الصوتي، فيخبرنا بأن الأفعال الصغيرة التي تحدث بصبر وبلا كلل أو ملل على المدار الزمني، لديها شجاعة على تغيير وجه العالم الذي نقطن بين أرجائه الشاسعة، فهكذا تتشكل الأنهار، ولم تكن في بدء نشأتها إلا قطرات أمطار تجمعت معا في وحدة واحدة، أو ملايين النتف الجليدية التي انفرطت عروة وثقاها النهرية، فالماء في حقيقة الأمر هو المسبب الأول لاستمرار الحياة وتعاقب أزمانها.

طائر أبو ملعقة الأوراسي يسير بين برك المياه

فقد نسج الفيلم سرديته الوثائقية، معتمدا على تقديم مفتاح الفيلم وفهم مضمونه وسياقه الفكري الذي ينحصر في كلمة واحدة، وهي الماء، أصل نشوء كوكب الأرض، الذي يلتقي في محبته الإنسان والحيوان، وبانسياب المياه وتدفق مساراتها المتشابكة، تنشأ تلقائيا المحيطات والبحار، وغيرها من البرك والأحواض المائية، أو ما يسمى -وفق المناهج العلمية- الأراضي الرطبة.

تشكل الأراضي الرطبة محور الفيلم وبيئته العامة، وسيلتقي بها المتفرج على مدار الفيلم، بواقع أربعة أمكنة، موزعة ما بين الغرب والوسط الأوروبي، وحتى الغرب الأفريقي، فله أيضا حظ ونصيب من هذه الرؤية المجهرية.

مساحات الأراضي الرطبة.. ثروة طبيعية يخنقها التقدم الصناعي

تتحرك الكاميرا بحيوية ورشاقة بين المسطحات المائية الممتدة الأطراف، تلتقط الأنواع المتباينة من الحيوانات والطيور المختلفة الفصائل والأحجام، وكل من هذه الكائنات يمارس حياته بالقرب من ينابيع المياه المنتشرة هنا وهناك، فطيور النحام الكبرى -ذات السيقان الوردية الطويلة- تلتقط القشريات من بين طبقات المياه الراكدة، وذلك بمناقيرها المدججة بالزعانف.

وكذلك الطائر ذو الملعقة صاحب المنقار المدبب الحواف، الممتد للأمام، إذ يرتكز وجوده في هذه البقع المائية، ولذلك يقبع غذاؤه الأساسي في تلك المنطقة، وليست هي الأطياف الوحيدة التي تتخذ البرك المائية موطنا لها.

إذ تدلنا المصادر العلمية على أن ما يقدر بحوالي ثلث التنوع الحيواني والبيولوجي العالمي، يرتكز في هذا الحيز المكاني، ومن ثم تبدو الأهمية القصوى لهذه الأراضي الرطبة، لا في الحفاظ على التوازن البيئي فحسب، بل على استمرار وجود البشرية. هذا ما رآه وحارب من أجله عالم الطيور “لوك هوفمان”، الذي يقول على لسان التعليق الصوتي “من الضروري تعميق الفهم، وزيادة الوعي بأن الحفاظ على الطبيعة، يعود بالنفع على الأشخاص”.

أسراب طائر النحام الأكبر تقف على سطح المياه الراكدة

وحين نعود إلى الوراء قليلا، نستطيع استنباط التأثير المباشر والمتلاحق، لعمليات التقدم التكنولوجي الصناعي والزراعي على البيئة، فقد ساهمت هذه الاتجاهات في تقليص مساحات الأراضي الرطبة، ومن ثم أصبح وجود ضيوفها من الطيور والحيوانات أمرا مشكوكا في جدواه، وهنا يدق الفيلم ناقوس الخطر، فهذه الأحزمة المائية ضرورية وأساسية لتوازن الكوكب، وليس منحصرا في نطاق الرفاهية والجماليات الطبيعية.

وبعدئذ تنطلق الكاميرا في مسيرة طويلة بين البقاع الرطبة، عبر زاوية علوية (عين الطائر)، كاشفة عما تكنّه هذه الأمكنة من تنويعات لا نهاية لها من الكائنات التي تصطف جنبا إلى جنب في تناسق مهيب، تقتات على ما تفرزه هذه الأنظمة المائية من أسماك وقشريات، وتلك أيضا تنتظر دورها في هذا العرض البيئي المهدد بالانزواء أو الاندثار القسري.

منطقة كامارغ.. جنة مهددة بالفناء في الجنوب الفرنسي

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبينما كان العالم السويسري “لوك هوفمان” لا يزال يطرق أبواب العلم شابا، كان لقاؤه الأول مع منطقة كامارغ الساحلية في الجنوب الفرنسي، وذلك أثناء إعداده لأطروحته العلمية، في تلك الأثناء شرع في العمل على بناء مرصد للطيور والمناطق الرطبة، ترى ما الذي أوقع هذا العالم في فخ هذا المكان؟

للإجابة على هذا السؤال يستدعي السرد ما جرى من محاولات نهضة صناعية وزراعية في الداخل الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، وبدلا من أن يصبح ذلك نهضة من أجل إعادة البناء بعد الهزيمة، فإنه يصبح منحدرا للهبوط نحو الهاوية على المدى البعيد، فالسعي الدائم إلى بناء المحطات الكهربائية والسدود المائية بمحاذاة نهر “الرون”، أصاب كامارغ ببعض الضرر، انبثقت ظواهره بعد الهجرات الجماعية لطائر النحام الأكبر.

صورة علوية لمنطقة “كامارغ” الفرنسية المليئة بالأنواع المختلفة من الطيور النادرة

هنا بدأت مستشعرات الخطر لدى عالِمنا تتحرك بدأب نحو أهدافها، في إشارة مبطنة عن العلاقة الحساسة بين العلم ورأس المال، وكيف يؤثر كل منهما على الآخر، فلكل من العلم والرأسمالية مسار مغاير، وعندئذ تنشأ النقاط الخلافية التي تبعث على الارتقاء إلى ساحة صراع محتملة بين هذا الطرف وذاك.

وبمعاونة عالم الطيور “آلان جونسون”، شرع “هوفمان” في بناء بركة مائية صناعية، تحوي بداخلها أعشاشا من الوحل، عندها عادت قوافل صغيرة من الطيور إلى المحيط المائي، وبمرور الوقت أصبحت البحيرة الصناعية ملجأ لتلك الأنواع النادرة من الطيور، تمارس فيها طقوس تزاوجها الطريف على وقع الأنغام الراقصة.

ومن ثم استعيدت كامارغ، وأزيحت سطوة أهل المنطقة الرأسماليين جانبا، وروّضوا بعد محاولات مضنية للسيطرة عليهم وإقناعهم بالأهمية السياحية والحيوية للمنطقة، حتى لا يعاودوا العبث في المحتويات الطبيعية لهذه البقعة الاستثنائية.

لكن الشغف والظمأ العلمي لدى “لوك هوفمان”، لم يتوقف عند هذا المنعطف المائي فحسب، بل انطلق إلى آفاق أكثر رحابة، متوغلا في العمق الجنوبي للبلاد، كاشفا عن مزيد من مساحات الأراضي الرطبة الباحثة عن عين راعية.

منطقة دنيانا.. حلبة الصراع بين السلطة والعلماء

مع بدايات فصل الشتاء، تنطلق أفواج طيور النحام في رحلة جديدة، فتحط رحالها في نطاق الأراضي الرطبة في منطقة دنيانا الواقعة في الأندلس جنوب إسبانيا، باحثة عن مرفأ آمن لبياتها الشتوي، فتتحول تلك الرقعة الرطبة إلى أعشاش لمئات الآلاف من الطيور، خلال تلك الفترة القارسة البرودة من العام.

وبما أن هذه القطعة الشاسعة من الكثبان الرملية، تقع جغرافيا في مقابل الطريق الرئيسي لهجرات الطيور من أوروبا إلى أفريقيا، فقد أصبحت المنطقة غابة واسعة الأطراف، تحوي بين حدودها البحرية عددا من الحيوانات والطيور الشحيحة الوجود، وقد تنوعت أغراض بقائها ما بين المكوث الدائم، أو الراحة بعد دوام الطيران المجهد.

صورة بانورامية لمنطقة “دنيانا” في إسبانيا

في تلك الأجواء الهادئة يظهر على مسرح الأحداث طائر أبو ملعقة الأوراسي، الذي يأتينا صوته المنمق مع حفيف الأشجار التي يعشش بين أوراقها الوارفة، وفجأة يهجم عليه الجوع، فيهبط على سطح الماء الراكد، باحثا بمنقاره الطويل عن القشريات، أو عن سرب ضال من الأسماك منكمشة الحجم، لكن هذا النمط من الحياة، سيباغت بتحول مخيف، يشي بحدوث أمورا طارئة.

يطلعنا التعليق الصوتي على وقائع ما جرى مع بزوغ القرن الماضي، من سعي حثيث لملاك الأراضي الزراعية الإقطاعيين، لمواصلة عمليات الصيد الجائر للحيوانات والطيور، لكن هذه السلسلة المتعاقبة من الأعمال العدائية تجاه الكائنات الأخرى، لم تدم طويلا، فقد واجهت المنطقة عدوانا أشد وطأة.

ففي الخمسينيات، أقدم الجنرال “فرانكو” -في أوج حكمه الديكتاتوري- على تحويل تلك الرقعة الشاسعة إلى غابة من ملايين الأشجار لتغذية صناعة الورق، ولم يكتف بهذا الأمر، بل سعى نحو تطوير الشاطئ جذبا للسياحة، في ظل هذه الأيام الملتهبة، تُرى ما هو مصير دنيانا من محاولات الطمس المتعمدة؟

الجنرال “فرانكو” يعلن عن إنشاء متنزه “دنيانا” الوطني سنة 1969

يجيب السرد على هذا التساؤل، بالانتقال إلى العلاقة الوطيدة بين “أنتونيو فالفيردي” مؤسس جمعية علم الطيور الإسبانية، وبين العالم “لوك هوفمان”، في تلك الأجواء المشحونة بالترقب بحثا عما يلزم من أموال لشراء الأراضي المحيطة من الملاك القدامى، لإحاطة المنطقة بسياج من الحماية الطبيعية التي ستدور دائرة التحولات الزمنية إليها، وستتحول إلى محمية طبيعية في التسعينيات، وذلك بعد قبول الجنرال “فرانكو” العدول عن قراره المعني باستقطاب الاستثمارات الاقتصادية للمنطقة، ويبقى السؤال الملح، لماذا هذا التبدل المفاجئ؟

يستكمل الفيلم مساره السردي الموكل إليه، ويضيف التعليق الصوتي إلى حقيبة معلوماتنا أنه مع تفشي رائحة الديكتاتورية العفنة، أقدم “فرانكو” على السماح بالابتعاد عن تلك الأرض الرطبة، في محاولة قد تؤتي ثمارها، نحو إضفاء محسن بديعي إلى صورته الذهنية، بوصفه محافظا على البيئة والطبيعة، وهو تعبير ضمني عن العلاقة المتضادة بين العلماء والسلطة، وكأن منطقة دنيانا ساحة قتال بين السلطات الباحثة عن سند قانوني لوجودها، في مقابل براءة العلماء الساعية لرسم عالم أفضل خالٍ من زوائد الجشع وشحوم البحث عن الثروة.

بحيرة بريسبا.. سباق على الغذاء بين الإنسان والطيور

من حرارة الأندلس إلى اعتدال طقس الشرق الأوروبي، يصحبنا الفيلم بسرده السلس المتمهل إلى بقعة بعيدة عن السائد هذه المرة، فعلى ارتفاع يقرب من 850 مترا، وبين الجبال الراسخة، تقبع بحيرة برسيبا الواقعة على الحدود المشتركة بين اليونان ومقدونيا الشمالية وألبانيا، وبالتماس مع التعليق الصوتي الكاشف عن المقومات الطبيعية لهذا المسطح المائي، تلتقط الكاميرا ما يكفي ويفيض من المشاهد المعبرة للبحيرة الشاسعة الامتداد، التي يبلغ طولها نحو 176 كيلومترا تقريبا، وما يجاورها من حقول زراعية مزدهرة الاخضرار.

بحيرة “بريسبا” الواقعة بين الجبال وعلى ارتفاع 850 مترا

ثم يباغتنا التعليق الصوتي بأن هذه المنطقة قد عانت سنوات من حصار مطبق للطبيعة، مع تصاعد موجات البناء والتشييد للسدود المائية، بالتوازي مع انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى توغل حالة العداء بين صائدي الأسماك وطيور البجع الشرهة والجائعة على الدوام، فالإنسان والطائر كلاهما يبحثان عن نفس الغذاء، ومن ثم نشأت حرب غير معلنة ضد هذا الطائر المسكين.

فقد أعلنت السلطات المحلية عن جوائز تشجيعية عن كل رأس طائر أو بيضة منتزعة من باطن أمها، وسبب هذا النزاع، يعود في الظاهر إلى الحفاظ على الثروة السمكية، لكنه بين طياته يحوي ما هو أعمق، من صراع بين الإنسان والحيوان على البيئة التي تبدو كمنجم ذهب يفرغ ثروات طائلة لكل منهما.

طيور البجع تطير بحرية في بحيرة “بريسبا”

وبما أن الطبيعة الإنسانية تميل إلى الأنانية، فقد أصبح الصراع بين الإنسان الصياد والبجع، يحمل أبعادا وأفكارا أكثر اتساعا، حول البحث عن سبل الحياة المغلفة ببريق الثروة، على حساب الكائنات الأخرى التي لا تمارس سوى حقها التقليدي في العيش بحرية.

وفي مراحل الخطر، يجب أن يأتي من يحمل العبء، فيكشف الفيلم عن السعي المحموم لـ”لوك هوفمان” للحفاظ على الطبيعة آنذاك، بمحاولات كانت أقرب إلى السراب، لكنها تُوجت بالنجاح بعد سنوات في توحيد الدول الثلاث المتناحرة سياسيا، في إطار مشترك، فلا هم لديها الآن سوى الحفاظ على البحيرة، وسكانها الأصليين من طيور البجع ذات المنقار المجوف، الذي يحمل بين جعبته أكثر من 4 كيلوغرامات من الأسماك الطازجة.

حوض آرغين.. طيور مهددة عند ملتقى الصحراء والمحيط

يواصل السرد مهمته التعريفية بمنجزات “لوك هوفمان”، وهذه المرة نتجه إلى أفريقيا، حيث الالتقاء الساحر بين المتسع الصحراوي والمحيط الذي يضم بين أمواجه المنسابة صائدي أسماك البوري الأصفر النادر، وهي تمارس صيدها التقليدي منذ أزمنة سحيقة البعد.

لكن كنز المنطقة الطبيعي يكمن في الملايين من حجافل طائر الخواض، وهو يعتمد في غذائه أساسا على الأسماك، وهنا يصبح وجود هذه الكائنات الطائرة مهددا، فعمليات الصيد الممنهجة من قبل القبائل المستوطنة لحوض آرغين، تؤثر بطريقة أو بأخرى على مصائر تلك الطيور.

صيادون من موريتانيا يمارسون عمليات الصيد التقليدي للأسماك في المحيط

وهنا يبزغ دور “هوفمان” الذي يستجيب دائما لنداء المساعدة وتقديم حلول بديلة، عبر تغليف المنطقة بسياج آمن وتحويلها إلى محمية جذابة مكتملة المقومات الطبيعية، فقد سعى الفيلم ببنائه وسرده المحكم إلى تقديم شخصيته الرئيسية، منقذا للطيور والمعالم البيئية المهددة من المعارك الوجودية، وهذا صحيح وواقعي بلا شك، والحقيقة أن الطبيعة ذاتها مدينة إلى هذا العالِم ببقائها حية حتى يومنا هذا، فنحن أمام سيرة بصرية لرجل أفنى من العمر سنين عددا، في معية الطبيعة التي أحبها، وتعلق قلبه بمحتواها الفريد.

أسراب طائر الخواض على شاطئ المحيط في موريتانيا

وقد انعكست حياة “هوفمان” وإنجازاته على ما شاهدناه، فالفيلم سردية محبة للطبيعة، امتزجت فيها الصورة المعتنى بجودتها الفائقة مع السرد الصوتي، في تناغم واندماج يبعث على التأمل المشفوع بالتساؤل التلقائي، عن المصير المنتظر للطبيعة إن لم يوجد في عالمنا “لوك هوفمان”؟