الفيلم الفرنسي الأكثر مشاهدة في العالم

«المنبوذون” يحقق أرقاما قياسية 

ندى الأزهري- باريس              

لم تمر سنة بعد على ظهوره، لكنه يحقق أرقاما قياسية في نسبة المشاهدة لم يسبقه إليها أي  فيلم فرنسي ليس في فرنسا وحدها بل في أنحاء عديدة من العالم.
حين بدأ عرض الفيلم الفرنسي” المنبوذون” Les intouchables ( الترجمة الحرفية هي: غير القابلين للمس ) للمخرجين الفرنسيين أوليفييه نقاش وإيريك توليدانو في نوفمبر الماضي، ساهم  تهافت الفرنسيين على مشاهدته والذي تعدى ال 16 مليون بطاقة دخول خلال شهرين، في  وصول نسبة الإقبال على الفيلم الفرنسي خلال العام الماضي إلى رقم قياسي وإلى تحقيق السينما الفرنسية افضل انجاز لها في السوق منذ  سبعة وعشرين عاما. ثم ارتفع الرقم في مطلع السنة الحالية وقارب  العشرين مليون شخصا في فرنسا وحدها، دون حسبان النجاح الضخم الذي حققه بيع اسطوانات الفيلم محققا إيرادات قياسية لم يصل إليها فيلم فرنسي آخر ما جعله على رأس قائمة الافلام الخمسة الاكثر مشاهدة في تاريخ السينما الفرنسية  قبل “اهلا وسهلا  في ضيافة التشي(2008) , و”الطواف الكبير”(1966)، وأستريكس واوبيليكس: مهمة كليوباترا” (2002) و”الزوار” (1993).

وبحسب جريدة “جورنال دي ديمانش” الأسبوعية، فإن الفيلم حقق منذ أسبوع رقما قياسيا جديدا بحيث أمسى الفيلم الفرنسي الأكثر مشاهدة في العالم بعد أن تخطى عدد مشاهديه في كافة أنحاء المعمورة إلى الآن الخمسة وعشرين مليونا، منزلا  بذلك عن العرش ” المصير الرائع لأميلي بولان” للمخرج جان بيار جونيه والممثلة أودري تاتو، الذي كان لغاية اليوم الفيلم الفرنسي الأكثر مشاهدة عالميا.
وكان ” المنبوذون” قد بدأ جولة عالمية ونال إقبالا لا قبيل له ولاسيما في ألمانيا إذ تهافت على  دور العرض 8.6 مليون ألماني, كما حقق في اسبانيا وإيطاليا إقبالا منقطع النظير( مليونا مشاهد ونصف لكل منهما) وعرض في تركيا واليابان… ووصل إلى كوريا الجنوبية حيث تابعه هناك أكثر من مليون شخص. وهو بانتظار العرض في انكلترا واستراليا ونيوزلانده.  اما في الولايات المتحدة فلم يتمتع أي فيلم فرنسي آخر بهذه التغطية باستثناء “اهلا وسهلا لدى التشي” و”الفنان” بحسب موقع “بيور ميديا” الفرنسي، مع ملاحظة أن عدد متابعيه  لم يزد عن المليون وأرجع ذلك إلى عدد الصالات المحدود(194) الذي كرس لعرضه. ولكن شركة أمريكية تستعد على ما يبدو لاعادة إنتاجه بنسخة أمريكية. وخلاصة القول يتمتع “المنبوذون” اليوم بالنجاح الأكبر في التاريخ لفيلم غير ناطق باللغة الأنكليزية.

الفيلم
في بداية عرض الفيلم في الصالات الفرنسية نوفمبر من العام الفائت، بدا كفيلم فكاهي بسيط  من تلك الأفلام الفرنسية التي تحقق بميزانية صغيرة و بأسماء  معروفة في فرنسا ولكنها غير معروفة خارج حدودها، ثم ما لبث الإقبال عليه أن فاق حدود كل التوقعات بحيث اعتبر ” ظاهرة” بحق  في السينما الفرنسية.
“المنبوذون” مأخوذ عن كتاب “الرمق..الثاني” وهو قصة حقيقية، و يصور حياة نبيل غني”(فرنسوا كلوزيه) اصيب بالشلل الرباعي نتيجة حادث سيارة،  فيقرر توظيف أحدهم ليساعده في تدبير أموره وشؤون حياته اليومية، ويقع اختياره من ضمن مرشحين كثر على “ادريس”( عمر سي الذي نال جائزة السيزار الفرنسية لأفضل ممثل) ، وهو شاب أسود من الضواحي كان قد خرج لتوه من السجن. سيقلب هذا اللقاء حياته وسيكون مبعثا لعديد من المواقف المضحكة والعاطفية بسبب الاختلاف الكامل بين هاتين الشخصيتين المهمشتين من المجتمع والآتيتين من عالمين متباعدين بالكامل في المعرفة والثقافة والذوق والمظهر ونمط السلوك ولكن… برغم كل ذلك تنشأ بينهما علاقة صداقة فريدة.

 الفيلم كان حافلا بالأحداث “المتوقعة” والخطاب النمطي والمواقف المكررة في هذا النوع من الأفلام، إلا أن ذلك لم يمنعه من مس قلوب الفرنسيين ومن بعدهم كثيرين في شتى ارجاء الأرض. فما الذي دعا هؤلاء لرؤية الفيلم؟ بل ماالذي اثارهم فيه؟
الفيلم يتناسب مع العصر ومقولاته، مع الأفكار السائدة والخطاب اللائق، الخطاب “الإنساني” الرقيق  والسطحي وربما الساذج الذي يحب أن يتناسى شرور الإنسان فالحرب”غير جميلة” و”التعايش ما أحلاه”… إذ  يبين أن الصداقة تستطيع التغلب على الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعرقية (كل هذا معا!). في فرنسا قوبل الفيلم باستحسان النقاد دون أن يعني هذا أنه حظي باجماعهم، إذ ارتفعت أصوات تنتقد فيه مسايرته للسائد فكريا واعتبرته جريدة ليبراسيون مثلا كوميديا”لائقة  فكريا” وعابت عليه شخصياته النمطية(ستيريو تيب). كما اعتبره آخرون مائعا كالحساء.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، رأت فيه مجلة فاريتي المتخصصة فيلما “عنصريا”. وفي مقالة، نشرت مقاطع منها في موقع بيور ميديا الفرنسي،, نقل عن المجلة ما كتبته بخصوص “شعور بعدم الارتياح يصاحب المشاهد حين يرى هذا الممثل الموهوب والمرح(عمر) وهو يجسد دورا ليس بعيدا عن كليشيه “العبد” الذي يسلي سيده مجسدا كل النمطيات المتعلقة بالطبقات والعرق.”.
ورغم كل الانتقادات فالفيلم يتابع مسيرته بنجاح استثنائي.