مهرجان مالمو وتغيير الصورة النمطية للسينما العربية

د. أمـل الجمل – السويد 

 السوق السينمائي، صناديق دعم وتطوير الأفلام، ومنتدى “نقاد بلا حدود”؛ ثلاثة ملامح أساسية تُشكل إضافة جديدة لمهرجان مالمو للسينما العربية في نسخته الخامسة الممتدة بين 2 إلى 6 أكتوبر 2015، وذلك إلى جانب عرض نحو 130 فيلما عربيا، وإحياء ذكرى خمسة من نجوم السينما العربية هم؛ صباح، فاتن حمامة، عمر الشريف، سعاد حسني، ونور الشريف والذي يُحتفى بذكراه – في حضور ابنته مي وزوجته بوسي – ويعرض له في ليلة الختام آخر أفلامه “بتوقيت القاهرة” للمخرج أمير رمسيس والذي يشارك في مسابقة الفيلم الروائي الطويل في مجمع مالمو لايف السياحي والثقافي الذي افتتح ربيع هذا العام في مالمو التي تُعتبر ثالث أكبر المدن السويدية، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 370 ألف نسمة، وهي مدينة متعددة الثقافات يعيش فيها أكثر من 175 جنسية، ويُشكل المهاجرون نسبة 40 % من عدد السكان (منها الجالية العربية بنسبة 15 %)، وتتميّز بإطلالتها على بحر البلطيق، كما أنها المعبر الوحيد إلى أوروبا الغربية عبر جسر معلق يربطها بالعاصمة الدانمركية كوبنهاجن.

نظرة 

شعار المهرجان

  “أسابيع لعروض الأفلام.. ليس إلا.” تلك كانت ولاتزال النظرة إلى “مهرجانات” السينما العربية بالدول الأوروبية، فأغلب أفلامها يرجع تاريخ إنتاجه لأكثر من عام أو عامين وربما ثلاثة، أفلام قادمة من المجتمعات العربية أو الجانب الشرقي للعالم طافت مهرجانات كثيرة أو عرض بعضها في التلفاز قبل أن يتم برمجته ضمن تلك التظاهرات الأوروبية. لكن على ما يبدو أن البعض يحاول الإفلات من تلك الصورة النمطية مثل مهرجان مالمو للسينما العربية الذي بدأ فعالياته لأول مرة عام 2011 برئاسة المخرج والمنتج الفلسطيني محمد قبلاوي بهدف تعريف الجمهور المحليّ بالسينما العربية، وإثارة النقاش حولها مع صانعي الأفلام والضيوف، على أمل أن تكون تلك التظاهرة حدثاً سنوياً “يُساهم في تكريس التفاهم، والعيش المُشترك المبنيّ على الاحترام المُتبادل بين ثقافات الشعوب المُختلفة”، ولذك منذ دورته الثانية حرص المهرجان على توسيع فضاء عروضه كي تصل إلى مناطق ومدنٍ سويدية عديدة مثل إستوكهولم، لوند، لاندسكرونا، هيلسيبورج، أرلوف، أوسبي، كارل ستاد. وبعد مرور خمس سنوات من الجهود المتواصلة للارتقاء بدورهم وتغيير تلك الصورة النمطية المترسخة في أذهان النقاد والسينمائيين، قرر المنظمون عدم الاكتفاء بحلقات النقاش الثرية والخصبة، والتي حضرتها كاتبة هذه السطور عام 2012 ولمست تفاعل الجمهور معها عقب عروض الأفلام من العالمين العربي ودول الشمال سواء ضمن مسابقاته الثلاث، أو خارجها، إلى جانب عروضه الخاصة بالمدارس والاحتفاليات الخاصة، لكنهم قرروا أن يُصبح دورهم أكثر تأثيراً في محاولة لمحاكاة المهرجانات الكبرى التي تهتم بتسويق وتوزيع الأفلام، فقرروا اطلاق أعمال السوق السينمائي الأول للمهرجان بهدف تعزيز التبادل الثقافي بين دول الشمال الأوربي والعالم العربي، وتشجيع الإنتاج السينمائي المشترك، وزيادة فرص توزيع الأفلام العربية في دول الشمال وبالعكس.
    يضم السوق السينمائي 22 منصة عرض لمؤسسات سينمائية وشركات انتاج يبلغ عددها نحو المائتين وفق تصريحات المسئولين، وقد مهد المنظمون لهذه الخطوة قبيل الدورة الرابعة عندما استحدث المهرجان “مؤسسة توزيع الأفلام العربية في السويد”، وهى خطوة من خلالها أصبحت السينما العربية موجودة ليس فقط في موسم المهرجان بل على مدار العام، وما بين الدورة الرابعة والخامسة قام المهرجان بتنظيم 16 تظاهرة سينمائية في 16 مدينة، فأتاحت الفرصة أن تطوف السويد من الجنوب إلى الشمال مرورا بالوسط، وكانت هذه الجولة بمثابة استطلاع لمدى حاجة المجتمع السويدي للتعرف على الثقافة والمجتمعات العربية من خلال مرآة السينما.
    ضمن فعاليات السوق أيضاً يوجد المحور الثاني المتعلق بالإنتاج؛ إذ أنشأ مهرجان مالمو بالتعاون مع مؤسسات سويدية وعربية ثلاثة صناديق لدعم وتطوير الإنتاج السينمائي، ومن خلالها ستتاح الفرصة أمام عشرة مشاريع روائية وقصيرة للعرض والمناقشة، والتنافس على جائزة دعم الأفلام الروائية بقيمة  150 ألف كرون مقدمة بالتعاون بين المعهد السويدي للأفلام ومهرجان مالمو، أما الأفلام القصيرة فجائزتها 30 ألف كرون سويدي تُقدم بالتعاون بين فيلم سكونا والمهرجان، كما تتنافس ستة مشاريع وثائقية على جائزة دعم ما بعد الإنتاج خاصة في مجال الترويج، والمقدمة بالتعاون بين مؤسسة الشاشة في بيروت ومهرجان مالمو للسينما العربية. 
   أما المحور الثالث فيخص “عيون السينما” أي النقاد ودورهم ومقدرتهم على ممارسة حريتهم في التعبير، والذي يشارك فيه عشرة نقاد من العالم العربي ومثلهم من دول الشمال يلتقون في منتدى “نقاد بلا حدود” وهو عبارة عن ورشة عمل يتبادلون فيها الآراء بشأن الأبحاث والدراسات النقدية، وسبل التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات.

 
المسابقات الثلاث

ملصق فيلم سكر مر

   القراءة الأولية لبرنامج النسخة الخامسة من مهرجان مالمو للسينما العربية تشي بمساعي المنظمين في أن يصبح المهرجان حدثاً ثقافياً رئيسياً في السويد بما يتضمنه من ندوات دراسية، وورش عمل، وصفوف دراسية، حفلات ولقاءات وثيقة بين حضور المهرجان من الجمهور وصُناع الأفلام. إضافة إلى بانوراما خاصة بأفلام الشمال، وأفلام مناهضة للعنصرية، وأفلام من الشرق. إضافة إلى المسابقات الرسمية التي تشارك فيها أكثر من ثلاثين دولة عربية ومن دول الشمال بـ44 فيلماً، منها 11 فيلما روائيا طويلا هي؛ “بتوقيت القاهرة” لأمير رمسيس – “سكر مر” وهو فيلم الافتتاح للمخرج هاني خليفة الذي يعود به بعد غياب نحو ثلاثة عشر عام من فيلمه الأول “سهر الليالي – فيلم “دلافين” من الإمارات العربية المتحدة إخراج وليد الشحي – فيلم “عيون الحرامية” للمخرجة الفلسطينية نجوى النجار بطولة خالد أبو النجا، وتشارك فلسطين بشريط روائي آخر هو “فيلا توما” للمخرجة سهى عراف بطولة نسرين فاعور، وقد أثار الفيلم الكثير من الجدل منذ تم الإعلان عن مشاركته في فينيسيا 2014 بسب الدعم المادي الإسرائيلي الكبير الذي تلقاه ورغم ذلك لم تنسب المخرجة هويته لإسرائيل واعتبرته فيلما فلسطينيا مما أثار غضب الدوائر الإسرائيلية وكذلك كثير من النقاد العرب.
   أما دولة قطر فتشارك بفيلمين من الإنتاج المشترك أحدهما مع لبنان هو فيلم “غادي” للمخرج أمين درة بطولة جورج خباز، والثاني مع الأردن والمملكة المتحدة هو فيلم “ذيب” للمخرج الأردني ناجي أبو نوار والذي استقبل نقديا بحفاوة منذ عروضه الأولى في مهرجان فينيسيا الحادي والسبعين عام 2014 وحصد العديد من الجوائز في مهرجانات متباينة. ومن العراق يأتي فيلم “الكعكة الصفراء” للمخرج طارق الجبوري بطولة المخرج والممثل جمال أمين، أما فيلم “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة” فمن الإنتاج اليمني الإماراتي الفرنسي المشترك للمخرجة اليمنية خديجة السلامي، وتشارك الإمارات كذلك في إنتاج فيلم “الشجرة النائمة” مع البحرين للمخرج محمد راشد بو علي، ومن المغرب يشارك فيلم “كارين بوليود أو حي من صفيح” للمخرج ياسين فيناني.
     تتضمن مسابقة الأفلام الوثائقية 12 فيلما وثائقيا بعضها من الإنتاج المشترك بين الدول العربية ودول الشمال، وشارك في اخراجها ستة مخرجات نساء وثمانية مخرجين؛ منها “رسائل من اليرموك” لرشيد مشهراوي، و”إيكو” للمخرجة الإيطالية كاروليتا بيسينيني، و”روشميا” للمخرج الفلسطيني سليم أبو جبل، و”حاجز الصمت” للمخرجة المغربية هند بن ساري، و”شباب تحت الاحتلال” للمخرجة الدانمركية ريكي روبي، و”أنا مع العروسة” من الإنتاج والإخراج الفلسطيني الإيطالي المشترك. أما مسابقة الأفلام القصيرة فتضم 21 فيلما من 15 دولة، وشارك في إخراجها 10 مخرجات و11 مخرجا.
    يشمل برنامج المهرجان أيضاً ثلاث احتفاليات خاصة وركن الأفلام، منها احتفالية الأفلام المناهضة للعنصرية والتي تحقق بعضها عن طريق الإنتاج المشترك بين الدول العربية ودول الشمال، واحتفالية الأفلام العائلية المنزلية، وكذلك أفلام الشمال، إلى جانب العروض الخاصة بالمدارس من أعمار مختلفة، وعروض أخرى خاصة تنظم في إطار السوق السينمائي بهدف التسويق.
  لجان التحكيم 
 تضم لجنة تحكيم الأفلام الروائية كل من المخرج المصري محمد خان، الناقدة الجزائرية نبيلة زرايق رئيسة دائرة السمعي البصري في الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، الناقد اللبناني محمد رضا. في حين تضم لجنة تحكيم الأفلام القصيرة كل من السيناريست المصري سيد فؤاد رئيس قناة نايل سينما، الممثلة الفلسطينية عرين عمري، الممثلة اللبنانية ديموند أبو عبود. أما لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية فتضم كل من المخرج والناقد الفلسطيني فجر يعقوب، ومدير مهرجان سينما المؤلف في الرباط الدكتور حمادي كيروم، والناقدة المصرية ماجدة خيرالله.