السيد الرئيس… رسالة شديدة اللهجة من مثقفين فرنسيين ضد الحرب على غزة

طالبت مئات من الشخصيات الثقافية من عالم الأدب والفنون والسينما في فرنسا الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” “بوقف دائم وفوري لإطلاق النار في غزة”، معتبرة “أن التبرير الأخلاقي مستحيل للكوارث الهائلة البشرية والمادية والأخلاقية التي تعيشها غزة، والتي يصفها ممثل الأمم المتحدة الآن بـ”الجحيم على الأرض””.

ودعت الشخصيات الثقافية التي من بينها الممثلة الشهيرة “فيرجيني إيفيرا” والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 2008 “جان ماري لو كليزيو” رئيس الجمهورية في رسالة مفتوحة نشرت الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول أن يتحرك، “هذه الرسالة تدعوك إلى واجبك. أن تتحرك، وأن تجعل نفسك صوت خلافنا واشمئزازنا وأملنا”، وأعلن فيها الموقعون “سننهض، سنتظاهر، سنكتب، سنتحدى، سنتجمع، حتى تظهر بوادر يوم جديد”.

الممثلة البلجيكية فيرجيني إيفيرا إحدى الموقعين على رسالة تطالب بوقف دائم لإطلاق النار

وكان من بين الموقعين أيضا الممثل الفرنسي طاهر رحيم الذي عمل مع مخرجين عالميين، وأيضا مغني الراب سفيان، وأضاف هؤلاء “نحن، من جميع الأصول وجميع الأديان، متحدون في إدانة هذه الكارثة، نرسل إليكم هذه الرسالة ونطلب منكم بذل كل ما في وسعكم لضمان وقف هذه المذبحة”.

ورحّب الموقعون بالتصويت الذي أجرته فرنسا مؤخرا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار مطالبين الرئيس بالمضي قدما “ونحن نرحب بتصويت فرنسا الأخير في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي من الواضح أنه ليس كافيا. ونحن نحثكم على مواصلة هذا الزخم، وأن تجعل من نفسك ممثلا لأولئك الذين يطالبون بشكل متزايد، (…) بـوقف إطلاق النار الفوري والدائم في غزة”.

وتجدر الإشارة أنه في السياق الفرنسي الحالي فمن المهم أن يكتب الفنانون إلى الرئيس. وفي الحقيقة فإن الرئيس الفرنسي “ماكرون” كما معظم أسلافه، يسعى بشكل خاص إلى إعطاء نفسه صورة رجل مثقف، ويرغب بإظهار قربه المفترض من عالم الثقافة. لذلك فإن هذه الرسالة تضعه أمام مسؤولياته، بل تحصره من قبل أولئك الذين يودّ أن يكون قريبا منهم.

وما يثير الدهشة في نشر هذه الرسالة اليوم هو أن هذا المجتمع الفني استغرق وقتا طويلا قبل أن يتفاعل مع ما يجري في غزة. وتجب هنا ملاحظة تأثير انشقاقات داخلية في عوالم السينما والآداب والأوساط الأكاديمية.

وفي الواقع فإن القضية الفلسطينية باتت مرة أخرى هي التي تثير أقوى الانقسامات في الرأي العام الفرنسي المنشطر الآن إلى معسكرين، ليسا فقط متعارضين، بل يمكن القول إنهما عدوين (على الرغم من اعتدال المؤيدين للفلسطينيين الذين، على عكس المعسكر المعارض، يتجنبون “إلقاء الزيت على النار”. ومما لا شك فيه أنه من الضروري أن نرى في هذا التأخير عن ردّ الفعل أثر التخويف وهو ورد في الفقرة الأخيرة من الرسالة. حيث نجد فيها مثل ما نجد في تصريحات أخرى تشير إلى الفظاعات والمجازر المرتكبة في غزة، إشارة إلى القتلى الإسرائيليين، وأيضا الآمال بعودة الرهائن وتحريرهم. كما نلاحظ أن حماس لم تُذكر بالاسم حتى، وأن الموقعين اختاروا تعبيراتهم بدقة كاملة مدروسة، وانفصلوا عن الخطاب الإعلامي الفرنسي السائد الذي كان يصف حرب اسرائيل ضد الفلسطينيين بـ”حرب ضد حماس”.

أما الأكثر جرأة فهو أن الموقعين يستخدمون بصراحة كلمة الفصل العنصري لوصف النظام الإسرائيلي؛ ولذلك يمكننا أن ننظر إلى كلماتهم على أنها إدانة لا تقتصر على مجازر غزة:

“لقد روعنا مقتل أكثر من 19.000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 7.000 طفل، وكذلك سياسة الفصل العنصري غير المقبولة التي تطبقها الحكومة الإسرائيلية في فلسطين”.

كما تجدر الإشارة إلى أن الإدانة تمتد لتشمل المتواطئين في الجرائم الإسرائيلية، “ونحن ندين بالإجماع الأفراد والمنظمات والدول المسؤولين أو المتواطئين في مذابح المدنيين الأبرياء”.

ولم يغفل الخطاب ذكر سياق الإسلاموفوبيا الذي يفسر جزئيا مواقف بعض السياسيين في فرنسا وتيارات رأي معينة “إننا نرفض بلا تحفظ كراهية الإسلام ومعاداة السامية، وكلاهما يقودان إلى نفس الهاوية”.

كاتب السيناريو الفرنسي جان بيار داروسان أحد الموقعين على وقف إطلاق النار

وأخيرا عادت هذه الرسالة الشديدة اللهجة وذات الأسلوب البليغ إلى الترهيب الذي تعرض له فنانين أو صحفيين مهددين في حياتهم المهنية بسبب مواقفهم الشجاعة “سندين من الآن أيضا جميع أعمال الترهيب والرقابة والإكراه. كما سوف ندين أي محاولة لعرقلة حرية التعبير لأولئك الذين يدافعون عن المساواة بين الكائنات. ولن نستسلم لهجمات من يريدون الجريمة والغضب والحرب والعمى، والذين يحاولون فرض الصمت على من يرفعون أصواتهم ضد ما لا يسمح به”.

ومن بين الموقعين الأوائل نجد غير الكاتب “لو كليزيو” الأديبة الحائزة على جائزة نوبل في الأدب “آني إرنو”​​ وكتاب آخرين وأكاديميين، وهناك عدد من الشخصيات السينمائية الأخرى منها “دانيال عربيد” و”سوان أرلو” و”فيليب أزوري”، ورشيدة براكني وليلى بختي وجان بيار داروسان وأديل أكزابولوس وزيتا حرنوت وجوانا حاج موسى وخليج جريج ولينا خضري وربيكا سلوفوفسكي ولاعب كرة القدم الشهير السابق والممثل أريك كانتونا وغيرهم كثيرين.