مهرجان كارلوفي فاري الـ57.. أفلام عربية تتألق في سماء التشيك

موضوعات سياسية واجتماعية تتحدث عن الحرب بأنواعها وآثارها، عن الاضطهاد والشتات والفساد، عن الهجرة المادية والمعنوية، عن مشاكل الأسرة ومخاطر تفتتها، وانحدار الأخلاق، عن شعور الخوف من الوحدة، والعودة لمناقشة أمور ما وراء الطبيعة والغيبيات.

أفكار وقضايا عولجت في كثير من الأفلام التي تميزت بكسر الحواجز بين الأنواع الفيلمية مع نزوح واضح للوثائقي الهجين (Hybrid)، مثلما اتسم أغلبها بتحطيم الحدود بين سينما “الآرت هاوس” والسينما السائدة، كل ذلك بالتزامن مع اتجاه أسلوبي متزايد صوب الحركة والتشويق والإثارة والخيال العلمي في أفلام تنتمي -أو تكاد- إلى “الأرت هاوس”، إذ كانت أغلب المعالجات الفنية موشاة بجدارية بصرية سينمائية تشي بأنها معنية بجذب المُشاهد في الدرجة الأولى، وأنها سينما صديقة للجمهور.

ما ذكرنا آنفا هو سمات فكرية وأسلوبية انطبقت على عدد كبير من الأفلام التي شاهدناها في مختلف أقسام الدورة السابعة والخمسين لمهرجان كارلوفي فاري الممتد بين ٣٠ حزيران/ يونيو و٨ تموز/ يوليو الجاري، وهو المهرجان الأكثر أهمية وعراقة في وسط وشرق أوروبا. وكأن المهرجان التشيكي العريق ينقل نبض وهموم السينمائيين في مختلف دول العالم، وهي تكاد تتشابه، أو تكشف عن تفكير شبه جمعي، رغم اختلاف الجغرافية التي جاءوا منها، وكأن صناع الأفلام قد انحازوا لفكرة أن “الفيلم الذي لم يُشاهد على نطاق واسع كأنه لم يُصنع بعد”.

من هنا، يمكن تفسير الاهتمام بالأسلوب السينمائي الجاذب للجمهور، مع ذلك وضع منظمو المهرجان في اعتبارهم أنه رغم اهتمامه الكبير بالجمهور، فإنه مع ذلك يسعى جاهدا لأن “يوازن بين السينما الصديقة للجمهور وبين العروض التجريبية والرائدة في الأقسام الأخرى مثل قسم “تخيل” (Imagina)، وفق تصريح “كارل أوخ” المدير الفني للمهرجان منذ ١٣ عاما، وقد صار بمثابة شخصية رمزية للسينما التشيكية.

الأمر ذاته ينطبق على الأسلوب الفني والقيم الفكرية للأفلام العربية المشاركة في دورة هذا العام في كارلوفي فاري، وقد اتسمت بالتوهج السينمائي والجرأة والابتكار.

“حيوان”.. إبداع غرائبي أبدعته يد مغربية

رغم أن تاريخ السينما العربية عموما لا يمتلك إرثا غنيا فيما يخص صناعة أفلام التشويق المستند للخيال العلمي، أو إعادة خلق التاريخ ولحظات من الماضي المؤلم بأدوات مفعمة بالبهجة في شريط وثائقي، فإن دولة المغرب كانت محظوظة هذا العام بمبدعيها في عالم الفن السابع، خصوصاً المبدعات النساء.

فقد شاركت بفيلمين في قسم “آفاق” بالمهرجان التشيكي. وكلاهما شاركت قطر في إنتاجهما، وطافا مهرجانات دولية أخرى وحصدا عددا من الجوائز، وتجاوب معهما الجمهور بشكل لافت، وهذه إحدى مزايا مهرجان كارلوفي فاري؛ أنه يهتم بجمهوره جدا، فإلى جانب حرصه الدائم على اكتشاف سينما جديدة، وإحضاره أفلاما ذات عرض عالمي ودولي أول، فإنه يهتم كذلك بجلب الأفلام التي حققت سمعة طيبة بالمهرجانات الكبرى وحصدت جوائزها.

كان الفيلم المغربي الأول من فئة الخيال العلمي، ويحمل عنوان “حيوان”، وهو ينتمي لأفلام الطريق، من توقيع صوفيا علوي، وهي مخرجة طموحة شابة، وُلدت لأب مغربي وأم فرنسية، وقد تشربت ثقافة المغرب منذ طفولتها الأولى قبل أن تتنقل بين الصين وفرنسا، ثم تعود إلى المغرب في سنوات شبابها.

هذا العمل هو فيلمها الروائي الطويل الأول، وتمزج فيه بين الأنواع الفيلمية، فهو روائي لا يخلو من وثائقية، ينسج بين الكوارث الطبيعية الخارقة والرحلة الروحية بأسلوب تخييلي جريء ومتفرد، يجمع بين الواقعية الاجتماعية وكثير مما هو غرائبي وخارق.

غموض في قرى الأمازيغ..  جوانب مظلمة بأسلوب الخيال

تدور الأحداث أثناء رحلة امرأة شابة حامل ذات خلفية ريفية أمازيغية، زوجها شاب عصري ثري من عائلة ذات سلطة ونفوذ، إنها حامل في شهرها الأخير، وتعيش مع أسرته في القصر بمنطقة نائية، تصرفات حماتها تضغط على روحها، مع ذلك تتحملها لأجل الزوج، وأحيانا تتفاداها.

أثناء بقائها بالقصر لوحدها ذات يوم تقع أحداث بيئية مشؤومة متزايدة وظواهر جوية غريبة كأنها نهاية العالم، تُعلن حالة الطوارئ الغامضة على الصعيد الوطني، فتحاول المرأة الحامل الحصول على المساعدة للوصول إلى منطقة الأمان، وخلال الطريق نرى الناس على اختلاف مشاربهم، ونظرة المجتمع لامرأة وحيدة، وعيون الرجال من حولها، وصحبة الحيوانات المدهشة، فتمنحنا رحلتها الفرصة أن نستكشف معها جوانب مظلمة وأخرى مضيئة للمجتمع المغربي، وتنجح المرأة الشابة بتحرير نفسها بمساعدة أناس أحرار رغم الفقر، ثم ينتهي بها المطاف على أرض غريبة في المغرب.

فيلم صوفيا علوي لن تجد له شبيها في السينما العربية أبدا، ربما تأثرت مخرجته بالسينما الآسيوية، أو استلهمت تجارب من السينما الكورية، بجماليات تقترب من أفلام الغرب الأمريكي، وإن كانت تنطلق من سفوح الجبال والصحاري الشاسعة، مرورا بالأزقة الضيقة للقرى وكلابها ومختلف كائناتها من الحيوانات التي تُحيل إلى الأفلام الوثائقية في أحد جوانبها، لكنها في جانبها الآخر تخلق أجواء شديدة الغرائبية والتفرد، وهي أثناء ذلك توظف النور والظلمة في ثنائية إبداعية شديدة الجاذبية.

“لا يهم إن نفقت البهائم”.. طلب العلف في قرية غزاها الفضائيون

تستند صوفيا علوي في أحداث هذا الفيلم على فيلمها الوثائقي القصير المتميز “لا يهم إن نفقت البهائم”، وقد حصد جائزة سيزار الفرنسية لأفضل فيلم قصير، مثلما عرض بالمسابقة الدولية لمهرجان صندانس السينمائي، وحاز الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، ثم شارك بالمسابقة الرسمية لأكبر ملتقى للأفلام القصيرة في العالم، أي مهرجان كليرمون فيران.

تبلغ مدة الفيلم ٢٣ دقيقة، وهو ناطق بالأمازيغية، ويحكي عن راعٍ شاب يعيش بصحبة والديه، لكن قطيع أغنامهم ينفق في مرتفعات جبال الأطلس، فينطلق الابن في رحلة بحث عن العلف بقرية بعيدة. هناك يكتشف أنها مهجورة بعد غزو الكائنات الفضائية لها.

أما الفيلم الجديد “حيوان”، فقد خلَّف سمعة وصدى سينمائيا قويا منذ عرضه الأول في صندانس، إذ حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة لرؤيته الإبداعية، وذلك في مسابقة السينما العالمية الدرامية. وبعد شهر واحد فقط، وفي نادرة لا تحدث كثيرا في عالم البرمجة بالمهرجانات الكبرى، وضعه منظمو مهرجان برلين ضمن إحدى مسابقاتهم. وفق شهادة “كارل أوخ” أثناء تقديم الفيلم ومخرجته للجمهور التشيكي بالقاعة الكبرى في فندق ثيرمال، وقد قال: هذا يُثبت أن “حيوان” فيلم سينمائي استثنائي حقا.

ومن الجدير بالذكر أن نجاح الفيلم القصير وحصوله على الجوائز الدولية، سهّل عملية إنتاج الفيلم الطويل وفق تصريح مخرجته للجزيرة الوثائقية، إذ أقنع المنتجين بموهبة صوفيا، وأثبت أن طموحها يستند لأرض صلبة، مثلما شاركت قطر في إنتاجه بالتعاون مع المغرب وفرنسا.

والمُلفت أيضا أن مؤسسة الدوحة للأفلام ستشارك في إنتاج العمل الجديد للمخرجة صوفيا علوي، ويحمل عنوان “دع الأرض تحترق”، (Let the Earth Burn)، ويدور حول عمليات الخطف والقتل الحقيقية في المناطق النائية من المغرب للأطفال الذين يعتقد خاطفيهم أنهم يمتلكون قوة خارقة، من أجل استخدامهم في طقوس السحر المغربية.

“كذب أبيض”.. وثائقي مغربي يتألق في المحافل السينمائية

فيلم “كذب أبيض” للمخرجة أسماء المدير، هو تجربة مغايرة لا تقل أبدا في تميزها، وقد شاركت الجزيرة الوثائقية في إنتاجه، واستهل حصته من الجوائز من مهرجان كان السينمائي، فحصد جائزة الإخراج في قسم “نظرة خاصة”، ولم تتوقف الجوائز -حتى الآن- من مهرجانات سينمائية أخرى.

استغرق إعداد الفيلم وإنجازه عشر سنوات، وهو يحكي -بأسلوب الوثائقي الهجين- قصة ثلاثة أجيال؛ وهم أسماء الفتاة الثلاثينية، ووالداها وبعض الجيران والأقارب والجدة. بدأت أسماء فيلمها من صورة واحدة، وانتهت ببناء أرشيف خاص بها يبلغ ٥٠٠ ساعة تصوير.

إنه فيلم يمزج بين الشخصي والعام بسلاسة بصرية، إذ تحكي المخرجة عن نفسها وعائلتها، عن بلدها في لحظة تاريخية مؤلمة عرفت بـ”سنوات الرصاص”، في الثمانينيات التي اتسمت بقمع المعارضين السياسيين من الملك الراحل الحسن الثاني.

ينطلق الفيلم من محاولة المخرجة معرفة السبب الكامن وراء عدم امتلاكها أي صور إلا واحدة من طفولتها، متسائلة بتشكك عن هوية الفتاة في الصورة.

أثناء سعي المخرجة أسماء المدير لإدراك الحقيقة تبدأ في طرح الأسئلة الاستقصائية، واستجواب الحكايات التي رواها أفراد عائلتها طوال حياتها عن منزلهم وبلدهم، وهي تتحدث عن ذلك قائلة: بين الخيال والواقع، بين الحقيقة والأكاذيب، يظهر مدى صعوبة بناء هوية المرء، عندما تكون كل ذكرياته غير موثوقة.

جانب من الحضور الذي شارك بفعاليات المهرجان

 

مع ذلك فإن أسماء لم تكن وفق رأيها تُحاول توثيق القصة الحقيقية لعائلتها، لكنها كانت تحاول أن تصنع فيلما عن تعدد وجهات النظر، وتعدد التفسيرات الموجودة داخل أسرة واحدة، ليس فقط من أجل تاريخ العائلة، لكن أيضا من أجل التاريخ الوطني.

تماثيل المحاكاة.. إحياء ذكريات غامضة من حقبة مؤلمة

لم تكن مخرجة “كذب أبيض” تمتلك أرشيفا بصريا أو صحفيا يُمكنها من سرد قصتها وتاريخ عائلتها ووطنها، فلجأت إلى المحاكاة عبر التماثيل التي تشبه الدُمى، وقد نحتها والدها الفنان، لتمثل أفراد عائلتها. كما بنى الأب أيضا نماذج أخرى مصغرة تُعيد إنشاء الحي الذي كانوا يعيشون فيه بالدار البيضاء.

وقد أحيت المخرجة بذلك -عبر صوتها والمؤثرات الصوتية- فترة كانت في طي النسيان، وخلقت عالما موازيا نابضا، وأحيانا كانت تلجأ للرسوم الكاريكاتيرية الساخرة أو المبالغ فيها، كما فعلت مع الجدة، مما خلق ذروة درامية غير عادية، إضافة إلى إشراك أفراد عائلتها وبعض الجيران، بإحضارهم إلى مسرح التصوير الذي بُني خصيصا للفيلم.

لا تنبع قيمة الفيلم من المحتوى السياسي فحسب، بل تتجلى أهميته الكبرى في تقنية السرد الذكي، ليس فقط لأنه يمزج الخاص بالوطني في طبقات متداخلة، متماسكة، جذابة، بل لأنه فيلم ينهض من جدارية بصرية منحوتة بإبداع خلاق، مدعومة بشريط صوتي به عدد من الاشتغالات الفنية.

ومن جانب ثالث فإن أجواء الفيلم مفعمة بالتشويق والإثارة، خصوصا مع وجود شخصية الجدة التي منحت الفيلم مذاقا خاصا وجاذبية متفردة. إضافة إلى التناقض الرهيب بين مأساوية الحكايات أحيانا، وبين بهجة الألوان المتمثلة في الإضاءة وفي التماثيل.

“الرقص على حافة البركان”.. بصيص أمل في دخان انفجار بيروت

استغرق فيلم “كذب أبيض” عشر سنوات لإتمامه، فصناعة الأفلام صعبة دائما، لكنها في العالم العربي تزداد صعوبة، وهناك أوقات يكون فيها الأمر أكثر صعوبة عن المعتاد. هذا ما يتضح أيضا مع الفيلم اللبناني “الرقص على حافة البركان” للمخرج سيريل عريس، وقد شارك بالمسابقة الرسمية “الكرة الكريستالية” في كارلوفي فاري الـ57، فحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم بالمسابقة الدولية.

ينطلق الفيلم من أحداث ٤ أغسطس ٢٠٢٠، يوم الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت الذي راح ضحيته الآلاف، ويصور لقاءات مؤثرة وتلقائية مع أسر بعض الضحايا، ومن أبرزهم فتاة شابة فقدت حبيبها، ثم قررت أن ترحل عن بيروت، لأنها غير قادرة على تحمل كل هذا الوجع، ثم ردود فعل طفلة صغيرة على هذا الفقدان، ولوعة الأم التي خسرت ابنها للأبد، مع توظيف سينمائي قوي وحساس للقطات إخبارية، وهو أمر يكشف عن موهبة المخرج سيريل ويؤكدها.

يتحول الفيلم بعد ذلك إلى نوع من المقاومة وتفجر الفكاهة السوداء، فرغم أنه يشي ظاهريا بأن الانفجار قضى على ما بقي من آمال اللبنانيين بحياة كريمة في بلد خالٍ من الفساد، فإن تجربة صناعة فيلم “كوستا برافا” للمخرجة مونيا عقل -التي يرصد كواليسها سيريل عريس ضمن فيلم “الرقص على حافة البركان”- تثبت أن أهل لبنان ومبدعيها لم يستسلموا، وذلك رغم أن الاستمرار في مواصلة أحلامهم وتحقيقها قد صار أمر أكثر تعقيدا.

صحيح أنهم يتساءلون: لماذا وكيف وصلنا إلى هذا الحال؟ لكنهم واصلوا الطريق وأنجزوا فيلمهم وسط الظلام وانقطاع الكهرباء، وعدم وجود مواد غذائية أو بنزين، إضافة للأمطار الغزيرة والعواصف وصولاً إلى الوباء الأشهر والعزل الصحي بسبب جائحة كورونا.

مع ذلك، ورغم كل هذه الأمور السيئة التي قد تدفع لليأس، فإن هذا الحب الغريب للسينما والشغف بها ساهم في إنجاز الفيلم، ليشارك في مهرجان البندقية الدولي ومهرجانات أخرى. وقد يبدو هذا بصيصا من التفاؤل الذي يغرسه المخرج بشأن قوة السينما ودور الفن بشكل عام.

“إن شاء الله ولد”.. نساء في مهب عاصفة المجتمع الذكوري

هناك فيلم سينمائي آخر عن النساء اللائي لا يمتلكن خيارا في الحياة، لكنهن لا يستسلمن ويواصلن طريق المقاومة، بتوقيع مخرج أردني. إنه فيلم “إن شاء الله ولد” للمخرج أمجد الرشيد في أول تجاربه الروائية الطويلة.

يحكي الفيلم عن قضية تدور أحداثها في المجتمع الأردني، لكنها تمس كل امرأة في أرجاء الوطن العربي، إذ يتناول ثقافة الميراث والوصاية، حين تُمنع المرأة من الحصول على حقها في ميراث زوجها، وتصبح رهينة تصرفات الذكور من أقارب الزوج، خصوصا إذا لم تنجب إلا البنات، فحينها تقع تحت الضغط العائلي والقانوني للتخلي عن حقوقها وحقوق ابنتها، حتى لو كانت هي التي دفعت ثمن البيت أو السيارة، أو على الأقل شاركت في شرائهما، فالقانون لا يتعامل إلا مع الأوراق والعقود المختومة.

يطرح الفيلم قضيته عبر سرد قصة اثنتين من النساء ضحايا المجتمع الذكوري، أما الأولى فهي البطلة الرئيسية، وهي امرأة مسلمة تعمل في مجال العلاج الطبيعي ولديها طفلة في المدرسة، وعندما يتوفى زوجها فجأة تلاحقها الديون المتراكمة عليه، إضافة إلى مساومات من أخيه، حتى تقوم ببيع الشقة والسيارة لتقسيم هذه التركة بينها وبين أخواته، لأنها لم تنجب ولدا، وليس لديها سوى فتاة.

إنه سرد سينمائي ينبش من حول موضوع الميراث وقانون الوصاية، والتمييز بين النوعين، والظلم الذي تتعرض له النساء.

أما المرأة الثانية بالفيلم فكانت امرأة ثرية مسيحية، صحيح أن دورها ثانوي، لكنه تأكيد على نفس اللحن الأساسي بالفيلم وصدى قوي له، وكأن المخرج أراد أن يقول إن اضطهاد النساء في مجتمع ذكوري لا يقتصر على ديانة بعينها، ولا يتوقف عند الطبقة الفقيرة أو الوسطى، بل إنه أيضا متوفر في العائلات الكبيرة الثرية.

“وداعا جوليا”.. شعور بالذنب يكشف خفايا مجتمع السودان

الفيلم السوداني «وداعا جوليا» هو تجربة شائكة عن الشعور بالذنب الذي يدفع الناس للقيام بأشياء قد تبدو نبيلة، لكنها تخفي دوافع أخرى.

البطلة هنا امرأة مسلمة ثرية، كانت مطربة سابقة واعتزلت بعد زواجها برجل شكاك متشدد، وفي ذات يوم تتسبب عن طريق الخطأ والخوف بمقتل رجل مسيحي له زوجة وطفل، فتسعى المطربة المعتزلة لتقديم المساعدات للزوجة الأرملة وابنها، وذلك في محاولة لتحرير الروح من عقدة الذنب، وأثناء هذه المحاولات نرى تفاصيل شديدة القسوة والقبح عن كيفية إدارة الأمور في السودان.

الفيلم من تأليف وإخراج محمد كردفاني في أولى تجاربه الروائية الطويلة، إذ يقدم نفسه كمخرج لديه أسلوبه الخاص في سرد حكاية سينمائية قد تبدو بسيطة، لكنها محملة بالتعقيدات والطبقات التي تؤكد على الكارثة العنصرية التي يعيشها السودان، في ظل مجتمع يتفشى فيه الفساد البطريركي المسيطر.