السوبر كلاسيكو.. شغف جماهيري يلهب مواجهة قطبي بوينس آيرس الخالدة

يقول الإنجليز -الذين ينسبون ابتكار كرة القدم لأنفسهم- إنه لا بد أن تحضر “كلاسيكو” واحدا على الأقل بين “ريفر بليت” و”بوكا جونيورز” في الأرجنتين قبل أن تموت، لتشعر بمتعة كرة القدم.

في هذا السياق، يستعرض فيلم “بوينس آيرس” -الذي بثته الجزيرة الوثائقية ضمن سلسلة “ديربي الكبار”- تاريخ “السوبر كلاسيكو” بين الناديين الأشهر في الأرجنتين؛ “ريفر بليت” و”بوكا جونيورز”.

وتُعد بوينس آيرس بمثابة أرض الميعاد لعشاق كرة القدم، موطن اللعبة الجميلة وكل شغفها، ففي أعماق قلب المدينة يقع ميناء فيه بدأت القصة، هناك وصلت قوارب مليئة بالمهاجرين من كل أنحاء أوروبا في محاولة للهروب من الفقر، وسعيا خلف عالم جديد سرعان ما تعلّم أفراده الصنعة وساهموا في ابتكار أسلوب كروي جديد.

كرة القدم.. جاء بها الإنجليز وأنعشتها أقدام المهاجرين الإيطاليين

أدخل الإنجليز كرة القدم إلى الأرجنتين، لكن حقيقة أن بوينس آيرس موطن اثنين من أكبر الأندية في العالم يعود للمهاجرين الإيطاليين إلى حي لا بوكا، أما “ريفر بلايت” فهو النادي الأقدم، وقد تأسس عام 1901 بدمج ناديين محليين معا هما “سانتا روزا” و”روزاليس”، وبعد 4 سنوات أسس 5 مهاجرين من جنوة مهوسين بكرة القدم نادي “أتلتيكو بوكا جونيورز” لتبدأ المنافسة.

ويجمع نادي “بوكا” متناقضات عدة في بلد متعدد الثقافات، فقد اختار الجناويون اسما للحي مع إضافة الكلمة الإنجليزية “جونيورز”، كما اختاروا له ألوان علم سويدي. جدران الحي متعددة الألوان متمازجة، ومثل سكان بوينس آيرس يزدهر حي لا بوكا من خلال التنوع، باستثناء أن كل شيء يُشير إلى كرة القدم، فحي لا بوكا هو الحي الرمزي لكرة القدم، حي الشغف.

من لم يحضر كلاسيكو بوينس آيروس فإنه لم يحضر كرة قدم أبدا

في عام 1930 شهدت الأرجنتين أول انقلاب من سلسلة انقلابات استمرت حتى عام 1983، فقد أطاح جندي عُرف بالجنرال “أوريبرو” بالحكومة التي انتخبت في انتخابات حرة، لتصبح الفاشية قريبة جدا، وتُعرف هذه الفترة بالعقد المخزي.

ثار لاعبو كرة القدم ونفذوا إضرابا، فلا يمكن العبث بكرة القدم في هذه البلاد، ولاحقا أسست أول بطولة أرجنتينية احترافية، ولعب “ريفر بليت” ضد “بوكا جونيورز”، ليتمكن بذلك ناديان من نفس الحي من مواجهة بعضهما رسميا.

“شغفك بفريقك لا يتغير أبدا”.. مسيرة تشجيع من المهد إلى اللحد

لعب “بوكا” في دوري الهواة، ولعب “ريفر” في دوري مختلف، والتقيا احترافيا أول مرة في عام 1931، وانتهى اللقاء بطريقة جدلية بفوز “بوكا” بهدفين مقابل هدف، لكن “ريفر” اعترض على الهدف وترك لاعبوه المباراة، الأمر الذي أثار منافسة ما زالت موجودة حتى اليوم، أي بعد أكثر من 90 عاما.

فاز “بوكا جونيور” بأول بطولة أرجنتينية عام 1931، وكان على “ريفر بليت” الرد، فقام بأول صفقة انتقال في تاريخ كرة القدم الأرجنتينية بشراء المهاجم “بيرنابي فيريرا” مقابل 10 آلاف بيزو، وفي عام 1935 اشترى رئيس النادي “أنتونيو ليبرتي” جزءا من أرض بجانب النهر، وبني الملعب هناك وكشف عنه في مايو/أيار عام 1938، وسُمي الملعب باسمه.

اللقاء الاحترافي الأول في عام 1931 ينتهى بطريقة جدلية بفوز “بوكا” على “ريفر” بهدفين مقابل هدف

كان شراء هذا اللاعب ونقل النادي من حي لا بوكا الفقير إلى منطقة أكثر ثراء في الشمال مهمتين أثرتا في تاريخ النادي، ويقول عنهما المؤرخ “إزيكيل فرنانديز مور” إنهما منحا نادي “ريفر” لقب المليونير.

وفي مقابل ذلك، يقول “كارلوس بيانكي” المدير الفني السابق لنادي “بوكا” إنهم أرادوا أن يكون ناديهم نادي الشعب، والنادي الآخر نادي الأثرياء، لكنه يستدرك قائلا: نقول ذلك، لكنها ليست حقيقة الأمر، ففي حي لا بوكا هناك أثرياء يشجعون نادي “بوكا”، وبجانب النهر هناك أشخاص عاديون يشجعون “ريفر”.

أما “سيزار لويس مينوتي” المدير الفني السابق للناديين وللمنتخب الأرجنتيني أيضا، فيقول إن أكثر من 70% من المشجعين الأرجنتينيين يشجعون أحد الفريقين، وهو الأمر الذي يُميّز “السوبر كلاسيكو”، فالمباراة تُقام في هذه المدينة، لكن الجميع يشعر بها في أنحاء الأرجنتين، حتى إن أحدهم يروي بفخر -وقد بلغ من العمر عتيا- أنه يشجع “بوكا” منذ كان في رحم أمه. ويقول: يُمكنك تغيير زوجتك وأبنائك، لكن شغفك بفريقك لا يتغير أبدا.

قلاع اللعبة.. ملاعب حميمية تلهب الشغف الجماهيري

ملعب “مونومنتال” الخاص بنادي “ريفر” هو المكان الذي تُوجت فيه الأرجنتين بطلة للعالم، وفيه تُقام الأحداث الكروية الكبرى، ومن أجل ذلك يفتخر مشجعو “ريفر” بناديهم وبملعبهم، لكن مشجعي “بوكا” لا يُقرون بذلك ويقولون: نحن مشهورون على مستوى العالم، والجميع يعرفون من نكون، يرغب السياح بزيارة ملعبنا، ويرغب كل لاعبي كرة القدم باللعب مع بوكا، إنه شرف كبير، نحن الأفضل.

يمتلك “ريفر” ملعب “مونومنتال”، وكان “بوكا جونيورز” في حاجة لملعب جديد ملتزم بتمثيل صورة النادي، بحيث يكون حميميا ومليئا بالحماس، إنه ملعب “لابومبونيرا” الملعب الخيالي في قلب حي لا بوكا. هذا الملعب فريد من نوعه، فهو مستطيل الشكل مع حامل عامودي يشكل جدارا.

ملعب “لابومبونيرا” الملعب الخيالي في قلب حي لا بوكا

في يوم المباراة يتحول ملعب “لابومبونيرا” إلى ميدان يتردد فيه صدى هتافات الجماهير في كل مكان. وهنا يقول المدير الفني “سيزار مينوتي” إن لهذا الملعب صوتا مميزا جدا، وقد سُمي “لابومبونيرا” لأنه مغلق، إنه المكان المثالي للاعبي كرة القدم ليشعروا بعواطف المشجعين، ويؤكد ذلك “كارلوس بيانكي” المدير الفني السابق لنادي “بوكا”، إذ يقول إنه شاهد مباريات “ريال مدريد” و”برشلونة” وشعر بالملل؛ فلا أحد يُغنّي، على عكس الحال في الأرجنتين.

في فترة الأربعينيات كان “ريفر بليت” المسيطر، فقد قدّم آلة تهديف دقيقة مرعبة، تشكيلة موهوبة فنيا ستبقى في تاريخ النادي. وهنا يقول الصحفي “توني سيربا” إن فريق “ريفر” لُقب آنذاك بالماكينة، وكان الفريق الأكثر رمزية في تاريخ كرة القدم الأرجنتينية والأكثر شهرة في البلاد، وقد قدّموا كرة قدم رائعة بوجود مهاجمين أسطوريين سجلوا في كل الملاعب وفازوا بالبطولة عدة مرات. ويضيف أن فريق “ريفر” ارتبط بأسلوب اللعب، بينما يعتبر “بوكا” في الأذهان نادي الشعب الذي تأسس من العدم.

ثقافة كرة القدم.. شغف متغلغل في تاريخ الشعب والساسة

في بوينس آيريس سيطر الجنرال “خوان دومينغو بيرون” على البلاد، وتسلّم الرئاسة من الرئيس المستقيل طوعا “أدلميرو خوليان فاريل” عام 1946 بدعم من المظاهرات العامة، وبث حياة جديدة في البلاد مع وعد بمستقبل أكثر إشراقا، وقد كان يدرك أهمية كرة القدم في المجتمع، وقد استخدمها كمنصة للدعاية الإعلانية لأفكاره السياسية، ونتيجة لذلك فقد منح الأولوية للرياضة وبنى عدة ملاعب.

في عام 1968 قاد الشغف 80 ألف مشجع إلى ملعب “مونومنتال” ليموت منهم بالتدافع 78 مشجعا

وهنا يُشير “مارسيلو غالاردو” اللاعب السابق في نادي “ريفر بليت” إلى أن الأرجنتين دولة كروية؛ كل شيء فيها يدور حول كرة القدم. ويتفق مع ذلك الفنان “إميليانو برانشياري” الذي يرى أن كرة القدم هي أهم شيء في الأرجنتين، حتى أن الأمور التي لا علاقة لها بكرة القدم اكتسبت شيئا من طابع هذه اللعبة، إذ أصبحت روح كرة القدم جزءا من فرق الروك والسياسة وكل شيء، حتى الحوارات على طاولة العشاء.

تمثل كرة القدم مسألة ثقافة في الأرجنتين، بتقبل هذه الثقافة تتقبل معنى الشغف بقوته وعنفه. ففي 23 من يونيو/حزيران عام 1968 قاد الشغف 80 ألف مشجع إلى ملعب “مونومنتال” لمشاهدة “السوبر كلاسيكو”.. لم يكن هذا اليوم ليرتبط بالنتيجة أو حتى المباراة، بل هو يوم سيبقى في تاريخ الشعب الأرجنتيني للأبد؛ فقد تُوفي 72 مشجعا نتيجة التدافع على سلالم الملعب.

عودة الجنرالات.. لعبة مقززة تفسد متعة كأس العالم

التقى “بوكا جونيورز” و”ريفر بليت” مرة واحدة في نهائي البطولة الأرجنتينية عام 1976. وقد فاز “بوكا” بالمباراة بهدف نظيف، لكن لم تكن كرة القدم هي التي تصدرت العناوين، لم يكن أحد قد عرف بالأمر بعد، بيد أن مصير البلاد كان قد انقلب رأسا على عقب مرة أخرى بعد أن سيطر الجنرالات على البلاد واعتقلوا الرئيسة “ماريا أستيلا بيرون”، لتدخل الأرجنتين فترة استبداد دموية جديدة مُنع فيها كل شيء تقريبا، إلى أن جاءت مباراة ودية جمعت منتخبي الأرجنتين وبولندا، استعدادا لبطولة كأس العالم عام 1978، وقد توهمت الدولة الدكتاتورية -كما يصفها المؤرخ “إزيكيل مور”- أن كرة القدم سيكون لها تأثير مخدر على الناس.

دعوات أوروبية لمقاطعة مونديال الأرجنتين 1978 بسبب انقلاب الجنرال “خورخي رفائيل فيديلا”

وهنا يقول المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني آنذاك “سيزار لويس مينوتي” إن الشعب ليس غبيا، فلا يمكنك التلاعب بكرة القدم من خلال قتل الناس أو تغيير المثل العليا، كان من الخطورة اعتراض طريق كرة القدم، وكنتيجة لذلك بقيت كرة القدم تحت سيطرة رؤساء الأندية.

كانت التحضيرات لكأس العالم عام 1978 تجري على خلفية أوضاع مثيرة للاشمئزاز، فقد دعت معظم دول أوروبا إلى المقاطعة، لكن التخلي عن كرة القدم لم يكن خيارا بالنسبة للجنرال “خورخي رفائيل فيديلا”، بل إنه -على العكس من ذلك- استغل كرة القدم ليشغل الجماهير. وفي المقابل، يقول المدير الفني للمنتخب الأرجنتيني آنذاك “سيزار لويس مينوتي” إنه كان يحاول إيصال رسالة مفادها: كنت أقول للاعبين إننا نلعب من أجل الشعب، وليس لأجل الموجودين في منصة كبار الشخصيات.

ويستذكر “كاميلو خواريز” شعور الإحباط الذي كان يسيطر على البلاد طوال كأس العالم، فقد حاول الجنرالات الفوز بالكأس للاستفادة من ذلك سياسيا. ويقول: كنت ابن 10 سنين حينها، وقد تُوفي والدي -المنتمي لحركة الشبيبة البيرونية- قبل عامين، أتذكر مشاهدتي كأس العالم، لكن جدي أخبرني أننا لا نستطيع الاحتفال به، لأنه أشبه بالاحتفال بقتل الحكومة لوالدي.

“دييغو مارادونا”.. حقبة الأسطورة المشجع واللاعب

في عام 1981، كان هناك رجل واحد أتيحت له فرصة الاختيار بين “بوكا” و”ريفر”، كان شابا صغير الحجم في العشرين من عمره يتمتع بمجموعة من المواهب، إنه “دييغو أرماندو مارادونا”، وبالرغم من عدم بقائه لفترة طويلة مع فريق “بوكا”، فإنها كانت فترة عظيمة، وجود أفضل لاعب في العالم مرتديا قميص “بوكا” أمر لا يصدق، هكذا يُعبّر أحد مشجعي الفريق عن الأمر.

وبحسب عدد من المشجعين، فقد كان “مارادونا” ذكيا جدا ومتقدما كثيرا على أي لاعب آخر من تلك الحقبة، كان يتقدم بفارق يتراوح بين 30 ثانية ودقيقة كاملة. ويرى المؤرخ “إزيكيل مور” أن علاقة “مارادونا” بنادي “بوكا” كانت أقرب لعلاقة المشجع منها للاعب، فصورته في المدرجات مرتديا قميص النادي يصيح: “هيا يا بوكا” تعد أقوى من لعبه مع الفريق لموسم واحد.

“مارادونا” يلعب مع “بوكا” ضد صديقه الحميم “إنزو فرانسيسكولي” الذي يلعب لصالح فريق “ريفر بليت”

وكتحدٍّ بعد ما لعب مع “برشلونة” و”نابولي” أراد “مارادونا” ترك بصمة أخيرة، ففي عام 1997 عاد الفتى الأرجنتيني الشقي ليلعب مع “بوكا”، وفي الجوار اختار صديقه “إنزو فرانسيسكولي” فريق “ريفر بليت”. وعن هذه المرحلة يقول “فرانسيسكولي”: لطالما كنا في مواجهة؛ أولا في مباريات المنتخبات الوطنية، لعبت لفريق “أوروغواي” ولعب هو لفريق بلاده، ثم وقّع عقدا مع “بوكا جونيورز” ووقعت مع “ريفر بلايت”، لكن علاقتنا ظلت دائما جيدة. ويضيف: أفضل ما خرجت به من هناك هو علاقتي بالمشجعين وبالنادي، عندما أتيت إلى “ريفر بليت” لم أتخيل أبدا أنني سأصبح رمزا في تاريخ نادٍ بهذا الحجم.

ومع “فرانسيسكولي” تخلص “ريفر بليت” من سمعته التاريخية كخاسر، ومن لقب “الدجاج المبلل الخائف”، فالفريق الذي خسر بنتيجة أربعة أهداف لهدفين في نهائي كأس “ليبرتادوريس” ضد “بينارول” في الستينيات بعد تقدمه بهدفين نظيفين، لم يستطع الفوز بهذه البطولة إلا مع “فرانسيسكولي”.

“كارلوس بيانكي”.. مدرب كتب اسمه بحروف من ذهب

خلف المبدعين على أرضية الملاعب هناك المدربون، ويبقى أحد المدربين تحديدا هو الأفضل بالنسبة إلى “بوكا”، إنه “كارلوس بيانكي” الرجل الذي عرف كيف يغرس روح الفريق في لاعبيه، وعدّه مشجعو الفريق جزءا من ألوان قميص النادي، فقد جلب لهم أفضل لحظاتهم.

ويروي المدرب الكبير ذكرياته عن تلك المرحلة قائلا: كانت مباراتي الأولى مع “بوكا” على ملعب “لابومبونيرا” ضد ناديّ السابق “فيليز”، وقد فزت بلقب البطولة قبل 4 أعوام، وخسرنا بهدف نظيف.. حينها سمعت شخصا يقول: إنه ليس أفضل من الآخرين، خصوصا عندما يلعب ضد ناديه القديم، ومن حسن الحظ أن لعبنا بعد ذلك 40 مباراة دون أي خسارة.

“كارلوس بيانكي” مدرب “بوكا جونيورز” يقود فريقه نحو الفوز في سوبر كلاسيكو 2000

في عام 2000، التقى “بوكا جونيورز” فريق “ريفر” في كأس “ليبرتادوريس”، وقد قام “كارلوس بيانكي” بمجازفة كبيرة، وبفعل ذلك كتب واحدة من أفضل القصص في تاريخ “السوبر كلاسيكو”. يقول: أعدتُ الهداف الأساسي “باليرمو” بعد مغادرته بسبعة أشهر، كنا قد خسرنا بهدفين مقابل هدف على أرضهم، وعادوا ليلعبوا على أرضنا.

ويروي الحارس “باليرمو” أجواء ذلك “السوبر كلاسيكو” قائلا: شاركتُ في المباراة قبل 20 دقيقة من نهايتها، وقد كنا متقدمين بهدف نظيف، ومُنح “بوكا” ضربة جزاء، سجلنا منها لتصبح النتيجة هدفين نظيفين. وفي الوقت الإضافي سجلتُ الهدف الثالث لفريقي لتشتعل المدرجات.

“دافيد تريزيغيه”.. عودة لإخراج النادي من قاع الدرجة الثانية

في عام 2011 هبط “ريفر بليت” إلى دوري الدرجة الثانية لتنهار الأرض تحت أقدام مشجعيه، وهو أمر يصفه أنصار الفريق بأنه أسوأ ما حصل لهم، أمر فظيع لم يستطيعوا استيعابه فترة طويلة. يتساءل أحدهم: كيف يمكن بعد 110 أعوام أن يهبط “ريفر” إلى الدرجة الثانية؟

وفي المقابل، كانت احتفالات مشجعي “بوكا” لا تنتهي بهبوط خصمهم اللدود، لكن هذا الذل لم يثبّط عزيمة “ريفر”، حتى إن أحد اللاعبين غادر أوروبا لينضم إلى الفريق الأحمر والأبيض في دوري الدرجة الثانية، لاعب كان يستعد لمشاركته الأولى في “السوبر كلاسيكو” خلال بضعة أيام، إنه “دافيد تريزيغيه” الذي يقول: أردتُ العودة إلى جذوري، وكانت أمامي فرصة للانضمام لفريق الطفولة، أردت رؤية الشغف والجنون المحيطين بكرة القدم، وقد صعدنا بعد ستة أشهر.

في عام 2011 هبط “ريفر بليت” إلى دوري الدرجة الثانية فانهارت الأرض حزنا تحت أقدام مشجعيه

أما “السوبر كلاسيكو” الذي ينتظر “تريزيغيه”، فيقول المدرب “ماتياس ألميدا” عنه: تحدثتُ معه وقلت له إنه بالنسبة لأي شخص ولد في الأرجنتين، فإن الحلم الأول هو أن يصبح لاعب كرة القدم، ومن ثم يأتي حلم اللعب في ديربي “ريفر – بوكا”، كان عليه إدراك ذلك، وبالرغم من تحقيقه عددا من الإنجازات، فإن “السوبر كلاسيكو” سيكون مختلفا عن أي شيء آخر.

لكن مشجعي فريق “بوكا” كانوا ينتظرون يوم المواجهة المرتقبة في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2012، فقد كانت بمثابة “حياة أو موت”، وقد وقفوا يهتفون بأعلى أصواتهم: “ريفر” خائفون، لأنهم يعرفون أننا مشجعون جريئون، هربتم من “بوكا” من قبل، وهذا المساء ستهربون مجددا.

وبعد الانتظار مدة عامين، التقى حبيبا الأرجنتينيين أخيرا، وكلاهما يتمتع برغبة شديدة بالفوز، إنه احتفال للشعب، وهو احتفال بالشعب. وفي ملعب “مونومنتال” أو ملعب “بومبونيرا” تشاهد الجماهير أكبر عرض على وجه الأرض؛ عرض لم يخلُ من الإثارة، وإن انتهى بالتعادل بهدفين لمثلهما بين الفريقين.

وتستمر الحكاية.