“أقل من 147 سم”.. فريق قصار القامة المغربي يطاول عنان السماء

عندما تُبدي الدول الحديثة والمنظمات الأهلية والعالمية اهتماما خاصا ومتزايدا بالأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ذوي البُنى الجسدية المختلفة مثل قصار القامة، أو تحارب التمييز العنصري والتنمر، فهي لم تأت بجديد عند مقارنتها بتعاليم الإسلام العظيمة التي سبقتها بـ14 قرنا، فقد أسهمت في رفع كرامة الإنسان والتجاوز عن جنسه ولونه وبنيته إلى صلته بخالقه ومدى مساهمته في إثراء البشرية.

ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، حين قال عن ساقَيْ عبد الله بن مسعود الدقيقتين إنهما أثقل عند الله من جبل أحد، وحين قدّم بلالا الحبشي على كثير من علية القوم من سادات قريش، أو حين أعلن أن سلمان الفارسي -الذي بيع رقيقا عدة مرات- من آل بيته الكريم، فقال “سلمان منا أهل البيت”.

وفي هذا السياق يأتي هذا الفيلم الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية، وعرضته على شاشتها تحت عنوان “أقل من 147 سم”، ليسلط الضوء على منتخب المغرب لكرة القدم للاعبين قصار القامة، ويبستعرض اهتمام الدولة المغربية بهم، واحتياجاتهم الأساسية من مرافق التدريب والدعم اللوجستي، ومشاركاتهم في البطولات المحلية والإقليمية والدولية.

فريق قصار القامة.. إجراءات الرحلة إلى مصر

الإداريون منشغلون بعملية قياس طول اللاعبين، في خطوة لتحضير الفريق المغربي من اللاعبين قصار القامة الذين سيخوضون غمار بطولة عربية في مصر، والتوجيهات مستمرة للاعبين من أجل الحصول على أفضل النتائج في هذه البطولة.

يقول أسامة الصغير الناطق باسم الفريق: نحن على تواصل مستمر مع الإدارة الفنية والمسؤولين المصريين، لمتابعة آخر التطورات الصحية، ولكن يجب أن يبقى في الحسبان أنه يمكن إلغاء البطولة في أي لحظة، نتيجة تفشي وباء كورونا المستجد.

ويتحدث أسامة عن بداياته قائلا: نشأتُ في هذا الحي وترعرعت فيه، بدأت ممارسة كرة القدم خفية عن أمي، كانت تمنعني من الخروج خوفا علي، كنت أتسلل من البيت وأنضم لأي فرقة تلعب الكرة، علمتُ لاحقا أنني نلت شرف أن أكون أول لاعب مغربي يسجل في مرمى البرازيل، في اللقاءات التي جرت بين البلدين، إنه لفخر كبير، كان ذلك في كوبا أمريكا 2018، وكان المغرب ضيف شرف في تلك البطولة.

“يجب أن ننتصر”.. عزيمة تكسر جدران التهكم والسخرية

يستغل اللاعبون قصار القامة كل المساحات، ويتدربون في كل مكان، لكنهم يواجهون بعض السخرية والتهكم من بعض الجهلاء أحيانا، والكثير من التعاطف والتشجيع من المجتمع عامة، وفي أغلب الأحيان. أما فيما بينهم، فهم دائما متكاتفون متعاضدون مع بعضهم، يتفقدون أحوالهم ويزورون المرضى والمصابين منهم، ويرفعون من معنوياتهم.

وهم كذلك يواظبون على التمارين، وينتقلون مسافاتٍ بسيارات الأجرة، من أجل الوصول إلى الملاعب المخصصة لتدريباتهم، يقول نزار بنقطابة عميد المنتخب: علينا النوم مبكرا الليلة، فغدا تنتظرنا مباراة مهمة أمام قدماء الجيش الملكي، ويجب أن ننتصر، ولكن دعونا أولا نتذوق طبق الطنجية اللذيذ الذي أعدّه لنا شعبان، ثم نفكر في لقاء غد.

“لن نستطيع إجراء المباراة”.. أوامر عليا تعطل مسيرة الحلم

في الصباح التالي حضر الفريقان، ولكن الإجراءات الإحترازية في مواجهة وباء الكورونا حالت دون انطلاق المباراة، وخاطبهم مدرب فريق قدماء الجيش المغربي قائلا: نتأسف لكم أننا لن نستطيع إجراء المباراة، فالسلطات قد منعت ذلك، وكما تعلمون فنحن جميعا متساوون أمام القانون، سنقتصر على أخذ الصور التذكارية، ثم نغادر، على أمل أن نعيد جدولة اللقاء حالما سمحت الظروف الصحية بذلك.

يتساءل الفريق قائلا: ولكن كل شيء كان مرتبا، وكل الأمور كانت على ما يرام حتى مساء أمس. فما الذي تغير؟

فيجيبهم إداري فريق الجيش: يا صديقي لقد جاء قرار المنع متأخرا، لا يمكننا تجاوز ذلك، وأعدكم أن آتي مع فريقي كاملا كما جئنا اليوم، صدقوني يا شباب، الأمر لا يتعلق بكونكم قصار القامة، معاذ الله، ولكنها إجراءات الكورونا الاحترازية، لا شيء سوى ذلك، والقانون ينطبق على الجميع.

“كل همنا تشريف العَلَم المغربي”

يحرص الإداري نزار مع اللاعب أسامة على حل المشاكل بين أعضاء الفريق، ويتحدث نزار قائلا: نحن كلنا شخص واحد، نتعاون فيما بيننا ونحل خلافاتنا بالود والتفاهم، لا مزيد من المشاكل يا شباب، فنحن جسد واحد، ولا مجال بيننا للخلافات، بل بيننا خبز وملح، ويجب أن نراعي حرمة العِشرة بيننا.

بينما أعلن مدربهم أنّ هذه ستكون الحصة التدريبية الأخيرة لهذا اليوم، وسيرتب للقاءات القادمة عندما يرفع الحظر الصحي، وقال: كما تعلمون فرمضان على الأبواب، ولا نعرف كيف ستكون الترتيبات الوقائية في شهر الصوم، ولكن إذا سارت الأمور على ما يرام فسوف نلتقي في مباراتين على الأقل، ونقيم إفطارا جماعيا.

بعد سنة ونصف من التدريب والإعداد، وتحديدا في منتصف عام 2021، ها هم أعضاء منتخب المغرب لقصار القامة يراوحون مكانهم، ولم يتمكنوا من المشاركة في بطولة كأس العرب في مصر.

يقول نزار: تحدثنا مع المسؤولين من أجل تقديم الدعم اللوجستي لنا، وقلنا لهم إن كل همِّنا هو تشريف العَلَم المغربي بالمشاركة والفوز، وهو العهد الذي أخذناه على أنفسنا منذ زمن، وقدمنا لهم كل الوثائق الضرورية، فلماذا يستمر المنع من السفر حتى الآن؟ لماذا لا يكون هنالك إجراء استثنائي يتيح لنا السفر؟

كأس العرب.. أمل مغربي أجهضته جائحة كورونا

أقيمت بطولة العرب في 2022 في مصر، ولكن مع الأسف الشديد لم يكن الفريق المغربي لقصار القامة من ضمن المشاركين في البطولة، وكان السبب المعلن هو إغلاق الحدود وإجراءات كورونا، “ولكن الأصل أن كل ما يتعلق برفع اسم الوطن في المحافل الدولية يجب أن نجد له حلا، وإلّا فكيف يمكن أن نفهم مشاركة الفرق الأخرى من الدول العربية الشقيقة؟”.

ويتابع نزار قائلا: يمكن أن نكون قد تأخرنا قليلا في تقديم وثائقنا للاتحاد المغربي، ومع ذلك كان ينبغي أن يجد الاتحاد حلا لهذا التأخير، والحمد لله على كل حال، ولكن لا نفقد الأمل، نتدرب ريثما تأتي الفرصة لإثبات وجودنا.

وفي لفتةٍ أخوية صادقة، كان هنالك اتصال من بعض اللاعبين العرب المشاركين في البطولة المقامة في مصر لإخوانهم المغاربة، يفتقدون وجودهم معهم في هذه التظاهرة الرياضية للعرب من آسيا وإفريقيا، ويأملون رؤيتهم في تظاهرات مماثلة في المستقبل القريب.

كوبا أمريكا.. رحلة مطاردة الحلم في أعالي البيرو

في مايو/2022 حصل الفريق المغربي على تأشيرات للسفر إلى البيرو من أجل المشاركة في بطولة كوبا أمريكا التي ستقام في العاصمة ليما، لقد أوقعتهم القرعة مرة أخرى مع البرازيل. يقول اللاعب أسامة الصغير: سنكون جسدا واحدا أكثر مما مضى، وعندما نفوز سيقال فازت المغرب كلها، ولن يقال فاز فلان وفلان.

يقوم الفريق بتدريبات متواصلة من أجل الاستعداد للبطولة، وهناك توجيهات مستمرة من المدربين والإداريين، والتركيز مستمر على وحدة الفريق وتماسكه، وفجأة ظهرت مشكلة، فأحد أعضاء الفريق لم يتلق جرعة اللقاح، وهذا الأمر سيخلق مشاكل للفريق في المطار.

وقد استطاع الفريق تجاوز هذه المشكلة، وها هو ذا يتوجه إلى المطار، إن لحظات الوداع صعبة، وتتخللها المشاعر الجياشة والدعاء بأن يوفّق الفريق في مهمته، ويحصل على النتائج المشرفة التي ترفع علم المغرب عاليا في سماء البطولة.

في ليما عاصمة البيرو كان في استقبالهم السفير المغربي في البيرو وطاقم السفارة، وقد وعد السفير بتذليل جميع العقبات التي قد تحول دون مشاركتهم الفاعلة، وقد تلقى السفير الشكر على لسان إداري الفريق الذي قال: باسمكم جميعا وباسم المنتخب الوطني لقصار القامة، نشكر سعادة السفير المغربي في ليما على حسن الاستقبال والضيافة.

قام الفريق بالتدريبات الأولية في الملعب المخصص له، وبدا واضحا تأثير نقص الأوكسجين على اللاعبين، فكما هو معلوم تعتبر ليما من أكثر مدن العالم ارتفاعا فوق سطح البحر، وبذلك يكون منسوب الأوكسجين في الهواء أقل بكثير من المعدل الاعتيادي للمدن القريبة من مستوى سطح البحر.

ربع النهائي.. إنجاز مشرف يرفع علم الوطن عاليا

بعد أن خسر الفريق مباراته الأولى أمام البرازيل، سيخوض مباراته الثانية أمام غواتيمالا، الأجواء طيبة، والأداء جيد في الفترة الأولى من المباراة، يشجعهم المدرب ويرفع من معنوياتهم قائلا: “حافظوا على تركيزكم، وواصلوا على نفس النسق”، لتنتهي المباراة بالتعادل بهدف لهدف.

وبفضل هذا الهدف وتلك النقطة تأهلت المغرب إلى الدور ربع النهائي، وتقابلت مع منتخب بوليفيا، وأدى الفريق أداء متميزا، وتعادل بهدفين في الوقت الأصلي للمباراة، ولجأ الفريقان لضربات الترجيح، وابتسم الحظ لبوليفيا، فخسر المغرب بشرف بنتيجة 2-3، وخرج من الباب الكبير للبطولة، وعادوا إلى أرض الوطن مرفوعي الرأس.

تستطيع الفرق العربية أن تنافس أقوى الفرق العالمية، ولا تنقص اللاعبَ العربي المهارةُ ولا القوة البدنية، كل ما هو مطلوب هو الاستمرارية والديمومة، وتفريغ اللاعبين لهدفهم الذين يلعبون من أجله، وكفايتهم مؤونةَ أنفسهم وعائلاتهم، وتوفير المدربين الأكفاء والملاعب المناسبة، والخدمات التي تدعم مشاركتهم في البطولات المحلية والمحافل الدولية.