“عاشق البندقية”.. قصة المقاوم الفلسطيني عوض سلمي على شاشة السينما

تنتاب المشاهد حالة من الإحباط بعد انتهاء عرض فيلم “عاشق البندقية” الذي أنتجته رابطة الفنانين الفلسطينيين، وكتب قصته د. محمود الزهار، وأخرجه عوض أبو الخير. فالفيلم الذي يوثق لحياة المناضل الشهيد عوض سلمي، وانتظره الكثيرون جاء مخيبا للآمال، ولا يغفر ضعف الإمكانيات ذلك.

تدور أحداث الفيلم حول حياة الشهيد عوض سلمي، أبرز قادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، منذ طفولته في سبعينيات القرن الماضي، وحتى استشهاده مع بداية الانتفاضة الثانية.

سينما المقاومة.. سيرة أبطال الكفاح على الشاشة الكبيرة

اعتمد الفيلم على مذكرات الشهيد المجاهد عوض سلمي، وقد ذكر فيها تفاصيل 17 عملية مسلحة لكتائب القسام، شارك فيها وقاد أغلبها، خليفةً للقائد عماد عقل الذي وصفه عوض في مذكراته بقوله: “مصباح الهدى على طريق الجهاد والمقاومة”، ووصفه قادة جيش الاحتلال بالرجل ذي الأرواح العشرة.

بوستر فيلم “عاشق البندقية”

ويعد فيلم “عاشق البندقية” استكمالا لسير أبطال المقاومة، أو ما يمكن تسميته “سينما المقاومة” التي بدأت مع الفيلم الأول عن حياة الشهيد عماد عقل. ولقد تأثر عوض كثيرا بعماد عقل، وعده معلمه الأول، ووصفه في مذكراته بأنه “القائد الهمام، الفارس المقدام، الأسد الهصور بطلعته البهية ووجهه المشرق بنور الإيمان”.

لكن كاتب الفيلم د. الزهار مر مرور الكرام على صداقة الشهيدين، ولم يبرز جوانب التأثر والتأثير، ولم يغص كثيرا ليكشف للمُشاهد -الذي يجهل التفاصيل والخلفيات التاريخية- كيف تشرب عوض من عماد حميّةَ الجهاد في هدوء وسكينة العابد الزاهد.

“مكثتُ مع الله طيلة الليل أدعوه”.. روحانية غيّبها الفيلم

بقي ذكر الدين في أحداث الفيلم أمرا مسلّما به، مما غيّب البعد الروحي، وإن كان الجهاد وبذل النفس في حد ذاته أبلغ علامات الإيمان، لكننا لم نجد ضمن مشاهد الفيلم مشهدا في عمق المشهد العبقري للممثل “أنتوني كوين” في فيلم “عمر المختار” وهو يتوضأ للصلاة قبيل المحاكمة.

مشهد اقتحام الجنود الصهاينة لبيت عوض سلمي من أجل اعتقاله

فمثلا لم نرَ عوض وهو يتهجد في الليل وحده، كما يصف في مقطع من مذكراته التي جاءت أبلغ من الفيلم: ما إن خيم عليّ ظلام ليلة تنفيذ الهجوم، حتى لجأت إلى حصني المنيع، وملاذي الآمن، حيث الخوف والرجاء، والطمع والدعاء. مكثتُ مع الله طيلة الليل أدعوه، وأطلب منه العون والتوفيق، والسداد في الرأي والرمي، حتى طلع الفجر، فصلَّيتُه، وانصرفت إلى سلاحي أتفقده.

كذلك لم نرَ عاشق البندقية الذي قال إنها “أغلى من الغذاء والماء والهواء”، وهو يهتم بمعشوقته كثيرا، فيستغرق في تنظيفها بنفسه قبل أي عملية أو بعدها، فقد ظلت البندقية “إم 16” -التي ورثها عن عماد واعتز بحملها- فاقدةً لدلالتها وعمق معناها في الفيلم.

تقزيم الأبطال والأحداث الكبرى.. مشاهد كرتونية

لم يُظهر الفيلم الجهد المضني في التحضير للعمليات العسكرية كما هو في الواقع، بل إنها بدت عمليات اعتباطية تنفذها مجموعات غير احترافية، في كل هجمة يظهر رجل قزم يطلق مع اقتراب الجنود الإسرائيليين صفيرا طويلا إشارة لاقتراب الهدف ثم يخرج المناضلون بأسلحتهم ليمطروهم بالرصاص، هكذا كأنه مشهد كرتوني، في كل مرة يطلق الرجل القزم صفيرا، ويبدأ القتال.

لحظة مقتل الشهيد عوض سلمي كما صوره فيلم “عاشق البندقية”

ويغيب جلال الموقف، ورهبة الموت في احتدام القتال، لحظة اختبار عزائم الرجال، في حين تظهر رهبة تلك اللحظات في مذكراته التي يقول فيها إن التدريب يختلف عن المواجهة الحقيقية، فلقد انسحب أحد الأفراد عند الهجوم من موقعه في عملية الزيتون، وترك سلاحه، ولولا جسارة عماد عقل لفشلت المهمة.

أيضا بدا الاستشهادي عماد أبو أمونة في الفيلم كأنه ذاهب لتوصيلة بالسيارة، لا لتفجير حافلة جنود إسرائيليين، فغاب مشهد استعداده روحيا لمهمته، مشهد غُسله قبيل العملية، نطقه الشهادتين في أثناء ضغطه على زر التفجير.

غياب التاريخ والصورة السينمائية.. نقاط الضعف

دائما ما تسقط الدراما العربية – والفيلم هنا ليس استثناء- في تصوير الإسرائيليين على أنهم مجرد مجموعة من الأغبياء الحانقين الغاضبين، ذوو أصوات عالية يصرخون من جراء أفعال العرب، وهذا لا يدل على واقع الأمر، ولا يعلي من قيمة الانتصارات العربية على الكيان الصهيوني، لأن الحقيقة أنه كلما عظمت قدرات خصمك كانت انتصاراتك عليه أعظم.

جاءت أحداث الفيلم مجتثة من سياقاتها التاريخية، لدرجة أن الزمن يغيب في غمرة الأحداث، فلا يدري المُشاهد غير الملم بالشأن الفلسطيني متى كان الحدث، أفي ثمانينيات القرن الماضي أم تسعينياته، كذلك يغيب التاريخ، فلا مشاهد أرشيفية لأحداث الانتفاضة الأولى وتسليم السلطة للفلسطينيين، ولا حتى دخول “شارون” المسجد الأقصى واندلاع الانتفاضة الثانية.

كما غاب أيضا الدور التاريخي للفصائل الفلسطينية الأخرى، ودور الشارع الفلسطيني في مجابهة وجود قوات الاحتلال في جنباته، فلم يظهر دور المرأة الفلسطينية وصورها الشهيرة وهي تتصدى عَزلاءَ أمام الجنود المدججين بالسلاح، ولم نشاهد مأثرة واحدة لأطفال الحجارة -وهم رمز الانتفاضة- إلا في مشهد عابر.

الضعف الإنساني.. نص يتجاهل جوانب القصة العميقة

يشعر المشاهد بأنه يشاهد مسلسلا تلفزيونيا، فالفيلم بلا صورة سينمائية تخدم السياق الدرامي، ولم ينجح المصورون في الإمساك بخيط بصري ينقل عمق قصة الشهيد المجاهد، ولم تخاطر الكاميرا بانسياب حركتها في لقطة طويلة، فمعظم اللقطات قصيرة، ولم ينجح المونتاج من تخفيف حدتها، على عكس موسيقى الفيلم التي وضعها الموسيقار وليد الهشيم، وجاءت منسابة ومعبرة.

صورة حقيقية للشهيد عوض سلمي

اجتهد الممثلون في أداء أدوارهم على ضعف إمكانياتها، ولا سيما الماكياج، وغياب التوجيه الفني للممثلين، ومع ذلك فإن شخصيات الفيلم ظهرت دون جوانبها الإنسانية، فلا ضعف ولا ألم، وأمُّ عوض وأخته وزوجته لا يظهر عليهن الهلع، ولا يذرفن الدمع عليه لحظة، اللهم إلا في لقطة نبأ وفاته غير الصحيح عند ولادة ابنته، حين قالت أمه للطفلة الرضيعة “قدرك يا بنيتي تتيتمي بدري”.

كما أن عوض نفسه لا يبكي إلا في لقطة واحدة مؤثرة، قبيل ذهابه للعملية التي سيستشهد فيها، وهي اللقطة الوحيدة التي يبدو فيها عوض إنسانا فياض المشاعر.

“غزة قادرة على تقديم سينما رفيعة”

على هامش العرض، تحدث محمد أبو كويك الذي قام بدور الشهيد عوض سلمي، وهو ممثل مسرحي وُلِد عام 1969م بمخيم النصيرات، فقال عن الفيلم الذي يعد التجربة الثانية من إنتاج حركة “حماس”: إنني أشجع كل سلطة أي كان موقعها وأدعمها وأحييها عند وقوفها وراء السينما، لأن استخدامها لهذه الأداة الإعلامية دليل على وعيها بأهمية هذا الفن، وقدرته على تثقيف الجمهور.

ثم يستدرك قائلا: لكن الفن يحتاج إلى أدوات ضرورية، وهذا رسالة أوجهها إلى القائمين على السينما في المراكز القيادية، فالسينما في غزة تحتاج إلى معهد للدراما والفنون، به تخصصات في إدارة الإنتاج والسيناريو والإضاءة، ونحتاج إلى صالات عرض مناسبة، وإلى تشجيع دور المرأة في الدراما، فالمرأة نصف المجتمع، ولذا فهي نصف الدراما، وبالمناسبة أحيي كل النساء اللاتي شاركن في الفيلم.

وعن دور الدولة والقطاع الخاص في الارتقاء بالسينما قال: تحتاج السينما لجهود كبيرة، جهود الدولة من ناحية، وأيضا مساهمات القطاع الخاص، وذلك من أجل الارتقاء بهذا الفن، فغزة قادرة على تقديم سينما رفيعة، لأنها غنية بالقصص الإنسانية المؤثرة التي تحدث كل يوم، كما أنها غنية بالمناظر الطبيعية.

“مكره أخاك لا بطل”.. فنون المقاومة الإجبارية في فلسطين

يتحدث بطل الفيلم محمد أبو كويك عن ترشحه لدور البطولة في فيلم “عاشق البندقية” قائلا: في أثناء قيامي بدوري في عرض مسرحية “كلهم أبنائي” للكاتب المسرحي الأمريكي “آرثر ميلر” من إخراج ناهض حنونة، كان المخرج عوض أبو الخير حاضرا، وعرض علي الدور بعد انتهاء المسرحية، فطلبت منه أن أقرأ السيناريو، وبعدها وافقت.

نافيا أن يكون الشبه الشكلي بينه وبين الشهيد هو ما رشحه للدور، مع أن بعض المقربين من الشهيد عوض أخبروه أن ثمة شبها بينهما، مؤكدا أن ما رشحه للدور خبرته في التمثيل.

كما أبرز رأيه حول ظهور بعض المسميات من قبيل “سينما المقاومة”، إذ يقول إن كل ما يقدم في فلسطين من مسرح وسينما هو من فنون المقاومة، وليس هذا خيارا، فالفلسطيني مجبر على المقاومة، ويصدق عليه المثل “مجبر أخاك لا بطل”.