“التاج”.. قصة العائلة التي تحف بالعرش البريطاني

انتهى مؤخرا عرض الموسم الثالث لمسلسل بات من أشهر وأنجح المسلسلات التي تنتجها وتبثها شبكة “نيتفلكس”، كما يُعدّ الأكثر متابعة على مستوى العالم، حيث بلغت ميزانية إنتاج موسمه الأول ما يزيد عن 130 مليون دولار أمريكي، إنه مسلسل “التاج” (The Crown) من تأليف الكاتب المسرحي وكاتب السيناريو الإنجليزي “بيتر مورغان” وإخراج العديد من المخرجين.

لقد تم تغيير طاقم الممثلين الرئيسيين الذين بدأ بهم المسلسل في مواسمه الأولى، وذلك وفقا لما أعلنه “مورغان” وشبكة “نيتفلكس” عند الإعلان الأول عن المسلسل، حيث صرّح بأن طاقم المسلسل سوف يتغير كل موسمين، وذلك لمواكبة المراحل العمرية للشخصيات الحقيقية، وهو ما اعتبره الكثير من متابعي المسلسل بمثابة التحدي الأكبر لصُنّاع المسلسل الناجح، خاصة بعد النجاح المُدوّي للموسمين الأول والثاني.

 

الموسم الثالث.. شخصيات جديدة

في الموسم الثالث تحلّ الممثلة الإنجليزية الحاصلة على جائزة الأوسكار “أوليفيا كولمان” محل الممثلة “كلير فوي” في دور الملكة “إليزابيث الثانية”، وذلك بعد أن تصل إلى مرحلة منتصف العمر، بينما يخلف الممثل “توبياس مينزيس” الممثل “مات سميث” لأداء دور “الأمير فيليب” زوج الملكة إليزابيث، في حين حلّت الممثلة “هيلينا بونهام كارتر” محل الممثلة “فانيسا كيربي” لأداء دور الأميرة “مارجريت” شقيقة الملكة إليزابيث.

كما شهد الموسم الثالث ظهور شخصيات جديدة في العائلة المالكة، سيحتل بعضها صدارة المشهد في الموسم الرابع، منها شخصية الأمير تشارلز الذي قام بأدائه الممثل “جوش أوكونور”، والأميرة “آن” التي قامت بأداء دورها الممثلة “إيرين دوروثي”.

الأمير تشالز والأميرة ديانا من كواليس الموسم الرابع

تحدي المضمون.. حقبة تغيّر فيها وجه العالم

كعادة المواسم الأولى للمسلسل في أن يغطي كل موسم مكوّن من عشر حلقات عقدا كاملا من حكم الملكة إليزابيث الثانية، يبدأ الموسم الثالث عام 1964 وينتهي عند عام 1977، وهي الفترة التي تغيّر فيها وجه العالم على أصعدة عدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفنيا.

إنها الفترة التي شهدت ثورات الشباب الذي لم تعد من أولوياته متابعة محطات الإذاعة والاستماع لخطب الحكام العصماء بنفس اللغة ونفس اللهجة، ثم ظهور تيارات فنية مغايرة وغير تقليدية، منها فريق “البيتلز” الغنائي وموسيقى “الروك”، وهي الفترة التي شهدت مقتل الرئيس “جون كينيدي” وخلافة الرئيس نيكسون له، ليتغير وجه الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها تجاه العالم، وهي الفترة التي شهدت هبوط الإنسان على سطح القمر، لذلك فكان لزاما على إنجلترا وملكتها مواكبة هذا التغيير، حيث لم تعد إنجلترا هي إنجلترا الملك و”ونستون تشرشيل”.

فمع شكل الحياة الجديد في العالم كله وليس في بريطانيا وحدها؛ بات التغيير أمرا حتميا وضروريا، فأصبحت الملكة تستمع أكثر لمن حولها من المستشارين وتتجاوب معهم في تغيير لهجة خطاباتها، كما أصبحت أكثر اقترابا من شعبها خاصة في المواقف المؤلمة.

الملكة إليزابيث

نهج مختلف.. الأحداث تكتب تاريخ أصحابها

من هذا المنطلق –منطلق التغيير الحتمي- انتهج “مورغان” في كتابته للموسم الثالث نهجا مختلفا، فقد تعامل مع الموسم الثالث على أنه حلقة وصل أو مرحلة انتقالية ما بين الموسمين الأول والثاني وما بين المواسم التالية، ليس فقط على صعيد الشكل والأبطال، لكن على صعيد المضمون أيضا.

لقد خصص “مورغان” لكل حلقة موضوعا أو حدثا معينا يتابعه المشاهدون على مدار أحداث الحلقة، وربما تنتهي الحلقة ببعض السطور لتوضيح ما آلت إليه الأحداث الحقيقية، كما حدث في الحلقة المخصصة لرصد مأساة أو كارثة “أبرفان” في أكتوبر/تشرين الأول عام 1966، أو الحلقة الخاصة بإضراب عمال المناجم وتعويم الجنيه الإسترليني عام 1972، حيث فضّل “مورغان” بعد تأسيسه لحياة وتفاصيل وطبيعة علاقات العائلة المالكة أن يتناول تلك العائلة من خلال مجموعة من الأحداث المهمة التي تمثل عناوين رئيسية، ليس فقط في حياة العائلة المالكة، بل في حياة الدولة بأكملها، موضحا حجم التغيرات التي مرّت بها كل من العائلة والدولة، وهو ما يؤكد على الرؤية المختلفة التي حققها “مورغان” في تناوله للعائلة المالكة، وحتى للأحداث التاريخية التي يسردها المسلسل بشكل عام، والتي تحمل وجهة نظر مختلفة عن أعمال عديدة تناولت نفس الحقب أو الأحداث أو الشخصيات التاريخية.

الأمير فيليب وزوجته

الأمير “فيليب”.. مطاردة الحلم

من أهم التحديات الجوهرية التي خاضها “بيتر مورغان” وصُنّاع مسلسل “التاج” في الموسم الثالث؛ هو قرار عدم تصدر الملكة مشهد الأحداث، وعدم تمحور الحلقات حولها، وذلك بعد أن كانت محور الموسمين الأول والثاني، وهو ما أضاف أبعادا درامية شديدة الثراء لدراما وشخصيات الموسم الثالث، حيث تتاح للمشاهدين فرصة المتابعة والتعرف أكثر على شخصيات أخرى، منها على سبيل المثال شخصية “الأمير فيليب” زوج الملكة الذي تعود أزمة هويته إلى الظهور مرة أخرى، مع مشاهدته لهبوط رواد الفضاء الأمريكيين على سطح القمر، ليجدد بداخله ذلك الحدث “حلم الطيران” الذي اضطر للتخلي عنه، وذلك كي يظل في ظل زوجته الملكة يساندها ويدعمها.

نراقبه وهو يبحث عن تحقق حلمه بشتى الطرق، حتى أنه يلجأ إلى فكرة غير مسبوقة في أوساط العائلة المالكة، وهي إنتاج فيلم وثائقي عن حياة ويوميات الأسرة كعائلة، وذلك في محاولة منه لإقناع عامة الشعب أن الأسرة المالكة تستحق كل امتيازاتها المالية، وأن الملكية ليست عبئا على الشعب الإنجليزي، ولكن ينقلب الأمر عليه وعلى العائلة، ويتسبب ذلك الفيلم في ازدياد حنق الناس على العائلة بعد أن وصفوا ما شاهدوه خلال الفيلم بالرفاهية المفرطة.

كما نتابع جانبا شديد الخصوصية من جوانب شخصية الأمير فيليب، وهو جانب علاقته مع والدته الأميرة “أليس” (قامت بدورها الممثلة “جين لابوتير”)، التي انفصل عنها منذ طفولته، والتي اتُهمت بالجنون والانفصام، وتعرضت لأقسى أنواع التعذيب تحت مسمى العلاج النفسي، وكيف انتهى بها مطاف حياتها إلى إشرافها على مأوى للمشردين تنتقل منه إلى قصر باكينجهام بعد أن تقوم ثورة باليونان وتصبح حياتها في خطر، فتقرر الملكة إليزابيث استضافتها في القصر، لتقضي به آخر أيام عمرها، وهي الفترة التي تعود فيها للتواصل إنسانيا وعاطفيا مرة أخرى مع ابنها “فيليب”.

الأميرة “آن” ابنة الملكة “إليزابيث” وشقيقة الأمير “تشارلز”

القلب النابض.. جيل جديد في القصر

نرى من خلال الموسم الثالث جيلا جديدا من العائلة المالكة، والمتمثل في الأمير “تشارلز” الذي لقبت وسائل الإعلام الإنجليزية شخصيته بالـ”قلب النابض” للموسم الثالث، وما تخوضه تلك الشخصية من صراعات داخلية تتمثل في بحثه عن نفسه وسبل تحققه ككيان منفرد ليس في ظل كيان والدته الملكة، وبحثه عن نفسه وقيمته كإنسان وليس كأمير أو كملك قادم، وصراعاته الخارجية مع والدته الملكة التي لا تعيره اهتمامها، ولا تعتد به ككيان منفرد، بل تراه أمير ويلز والملك القادم الذي يجب عليه اتباع الأوامر دون مناقشة، حتى أنها لا تؤمن برغباته، فعندما يحاول أن يحترف التمثيل ترسله إلى ويلز لتعلّم لغتها وكسب ثقة سكانها لتعضيده ومساندته عند تتويجه كأمير عليها فيما بعد.

أما الأميرة “آن” ابنة الملكة “إليزابيث” وشقيقة الأمير “تشارلز”؛ فنراها أشبه بشخصية خالتها الأميرة “مارجريت”، فهي شخصية متمردة ومتحررة تنخرط في علاقة عاطفية معقدة مع “أندرو باركر” حبيب “كاميلا شاند” التي يحبها شقيقها الأمير “تشارلز”، لكنها تتركه لتتزوج من حبيبها السابق “أندرو باركر”.

الملكة إليزابيث وشقيقتها الأميرة مارجريت

العائلة المالكة.. الجوانب الإنسانية

نجح المخرج “مورغان” في خلق شخصيات درامية ذات صراعات وأبعاد إنسانية، مبتعدا عن الصور النمطية لتلك الشخصيات المعروفة، فأظهرهم كبشر عاديين وليسوا أشخاصا خارقين أو آلهة أو تماثيل بلاستيكية تظهر لتلوح للناس فقط. ففي الوقـت الذي يــرى فيه العالم أن الملـكية أصـبحت أمرا عـفا عـليه الزمــن، يحـث مورغان الـناس -بشكل غير مباشر- على إعادة التفكير في العائلة المالكة من منظور جديد ومختلف.

وإلى جانب ظهور عدد من الشخصيات الجديدة مع الموسم الجديد، يستمر “مورغان” في التأكيد على أهمية حضور شخصيات وعلاقات بعينها يستحيل استكمال المسلسل دون وجودها، منها بطبيعة الحال شخصية الأميرة “مارجريت” شقيقة الملكة “إليزابيث”، والتي ما زالت هي الأخرى تبحث عن كيانها عبر مهام تستطيع من خلالها أن تثبت دورها كفرد فاعل في العائلة المالكة، وليست فقط شقيقة الملكة، وهو ما يتحقق بالفعل من خلال زيارتها للولايات المتحدة الأمريكية ومقابلتها للرئيس نيكسون، وإقناعه بإقراض بريطانيا مبلغا ضخما لسدّ عجز ميزانيتها ومواجهة أزمة اقتصادية طاحنة.

الأمير تشارلز وكاميلا باركر

الموسم الرابع.. أميرة القلوب

بعد خوض “بيتر مورغان” وصُنّاع المسلسل كافة التحديات السابقة ونجاحهم في عبورها بأمان؛ يبقى التحدي الأكبر في الموسم الرابع للمسلسل هو ظهور أميرة القلوب الأميرة “ديانا”، فهو الظهور الذي ينتظره ملايين الملايين حول العالم، وعرض طبيعة وتفاصيل علاقتها بالأمير “تشارلز” والملكة “إليزابيث” والعائلة المالكة كلها، لا سيما أن العديد من تلك التفاصيل كانت قد خرجت للعالم على لسان الأميرة “ديانا” نفسها، وذلك من خلال العديد من المقابلات والحوارات المكتوبة والمسموعة والمرئية.

لكن ما يريده مشاهدو المسلسل هو مشاهدة نسخة “بيتر مورغان” الدرامية لتلك الأحداث، بداية من لقاء الأمير “تشارلز” و”ديانا”، ثم عودة علاقته مع “كاميلا باركر” وخيانته للأميرة “ديانا”، وهو ما لم تقبله “ديانا”، وصولا إلى حادث وفاتها المفجع في فرنسا الذي ربما يظهر في الموسم الخامس.

وتم اختيار الممثلة الصاعدة “إما كورين” لأداء دور الأميرة ديانا في أحداث الموسم الرابع الذي يجري تصويره حاليا، على أن يُعرض في شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام القادم. كما يتوقع ظهور شخصية رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر ضمن أحداث الموسم الرابع أيضا، والتي تقوم بدورها الممثلة “جيليان أندرسون”.

“مورغان” يؤكد.. والملكة تنفي

منذ أيام قليلة أصدر القصر الملكي بيانا يُوضّح فيه رفض القصر لادعاءات وتصريحات “بيتر مورغان” بأنه أجرى عدة مقابلات مع أفراد من العائلة المالكة أثناء إعداده وكتابته للمسلسل، وذلك في إشارة منه إلى أن المسلسل يتمتع بتأييد القصر والعائلة، وهو ما نفاه سكرتير الملكة لشؤون التواصل الإعلامي “دونال ماكيب”، وذلك من خلال خطاب ردّ أرسله إلى صحيفة “الجارديان” للردّ على تصريحات مورغان، وهو ما يضع مورغان وأسرة المسلسل في وضع مربك، خاصة مع خوض الموسم القادم في تفاصيل وعلاقات شديدة التعقيد في الحياة الخاصة لأفراد العائلة.