المستعربون.. سلاح إسرائيلي يلبس لباس العرب وينطق بلسانهم ويصلي صلواتهم

تخوض إسرائيل حروبها من أجل أن تضرب بجذورها في أرض فلسطين بكل الوسائل التي تتاح لها، وتمتد أذرعها في سبيل ذلك إلى وجوه بعض الصهاينة، فتغير سحنتهم وتُنبت لهم الشوارب واللحى إذا لزم الأمر، حتى تحولهم إلى بذرة هجينة شبيهة بالسكان الأصليين في فلسطين، وتستعملهم حتى تقتات بالمعلومات أو تصطاد رؤوس المقاومين.

تبدو كلمة عصفور مصطلحا اعتياديا لدى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي تعني المُخبِر الذي يتسلل للأسرى داخل زنازينهم للتأثير فيهم أو لاقتلاع معلومات منهم، وهو في الواقع مصطلح ذو دلالة في الثقافات المحلية العربية، فالعصفور هو كنية ذات مدلول سلبي ومخزٍ مرتبط بنقل الأخبار عن طريق التودد الزائف.

وقد أتى على ذكر العصافير الأسير عبد الله البرغوثي في كتابه “أمير الظل، مهندس على الطريق”، وفي الواقع، فإن العصافير هي أيضا وحدة استعلامية إسرائيلية حملت منذ الأربعينيات اسم “وحدة العصافير”، وقد كلفت بزرع إسرائيليين -عرفوا بالمستعربين- داخل التجمعات الفلسطينية، والعيش فيها لجمع المعلومات، أو لتنفيذ عمليات اغتيال.

وحدة المستعربين.. غايات الاحتلال من دراسة العربية والقرآن

اعتمدت إسرائيل ضمن وحدات المستعربين في أجهزة الشرطة أو الجيش أو الاستعلامات على مجنّدين يتقنون اللغة العربية واللهجات المحلية، ولهم ملامح شرقية، وكانت أسلحتهم الفتاكة هي التي راهنت عليها إسرائيل، ومنذ أن أقامت دولتها على الأراضي الفلسطينية توجهت نحو توسيع ذلك السلاح داخل المدارس بتعليم اللغة العربية.

يقول الكاتب “يوناتان مندل” في كتابه “تكوّن العربية الإسرائيلية.. معطيات سياسية وأمنية في تشكل دراسات العربية في إسرائيل” إن المستشرق والمفتش التعليمي في وزارة التعليم الإسرائيلية “إسرائيل بن زئيف” حاول -بعد مرور عقد على تبوئه منصبه- الدفاع عن أهمية دراسة اللغة العربية في النظام المدرسي اليهودي في رسالة إلى “باروخ يهودا” مدير وزارة التربية والتعليم.

وقد قال “بن زئيف” في رسالته: ستتيح دراسة اللغة العربية للتلميذ أن يقرأ مواد تتصل بنمط الحياة العربية المعاصرة في إسرائيل والبلدان المجاورة، وعند تخرجه في المرحلة المتوسطة يكون قادرا على استعمال معرفته العربية المحكية لغايات عملية.

ويقول الكاتب “مندل”: رأى “بن زئيف” أن الدراسات العربية في إسرائيل لها فوائد عملية واضحة، كاكتساب القدرة على أمور معاصرة في الإعلام المكتوب وعبر الراديو، فلذا كان اكتساب مهارات اللغة العربية يعني آنذاك خدمة أمور معاصرة، كذلك خدمة حاجات رسمية إسرائيلية، غالبا ما كانت لها طبيعة سياسية.

وفي شهادة له في برنامج “للقصة بقية” الذي بُث على قناة الجزيرة، يقول “إيلون بيري” -وهو مستعرب سابق- إنه يجب على المستعربين أن يتقنوا اللغة العربية واللهجة والقرآن، وأنه توجد وحدة خاصة مختلفة تسمى رأس المستعربين، وهم مجموعة من المجندين يتقمصون شخصيات مختلفة ويتنقلون بينها، وبسبب ذلك يعترف “بيري” قائلا: وصلت إلى وضع بالغ الصعوبة أوشكت فيه على قتل نفسي. وأحد المستعربين نقل إلى المستشفى بعد إصابته بالجنون.

تجنيد صهاينة الشرق.. عرض بريطاني لخدمة القيادة الصهيونية

يطلق الإسرائيليون كلمة “مستعرفيم” على مجنديها المستعربين الذين ينشطون ضمن الوحدات التابعة للجيش أو الشرطة أو الاستخبارات، ويعرف الكاتب غسان دوعر معنى المستعرب في كتابه “المستعربون أو فرق الموت الإسرائيلية” بقوله: المعنى الحرفي لكلمة مستعرب تطلق على اليهودي الصهيوني الذي يعيش في الوسط العربي متخفيا، من خلال تقليد العادات والتقاليد والثقافة للوسط الذي يعيش فيه، كما حصل عندما عاش أفراد عصابة “هاشومير”، وهي أول جمعية صهيونية تأسست على أرض فلسطين العربية العام 1909، وكان أفراد هذه العصابة يقلدون البدو في المنطقة التي انتشروا فيها.

واستعملته أيضا العصابات الأخرى، وذلك لتسهيل عملهم وإنجاز أهدافهم الاستيطانية، التي تمثلت بقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين في عام 1948، فقد استعمل هؤلاء المستعربون جميع الوسائل من قتل وتشريد للسكان المدنيين العزل، وكانوا يعملون ضمن العصابات الصهيونية المحاربة مثل “إيتسل” و”ليحي” و”الهاغانا”.

بدأ نشاط المجندين المستعربين قبل احتلال فلسطين بسنوات في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، فقد قدمت بريطانيا عرضا للقيادة الصهيونية المحلية هناك، وهو تجنيد جزء من يهود الشرق في فلسطين حتى يكونوا مجندين لها.

وحسب كتاب “المستعربون الأوائل، قصة الدائرة العربية في البلماح” الذي ألفه “غمليئيل كوهين”، فقد تواصل البريطانيون مع الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية من أجل استغلال الطاقة الكامنة لدى أبناء الطوائف الشرقية من بين أبناء الييشوف اليهود في البلاد، واختيار وكلاء مخابرات سريين من بينهم، وإعدادهم وإدخالهم الى التجمعات السكانية العربية في فلسطين وسوريا ولبنان.

مواجهة الخطر النازي في الشرق.. حلف الإنجليز والصهاينة

في الحرب العالمية الثانية، كان غير مستبعد احتمال الغزو النازي لمناطق نفوذ البريطانيين في الشرق الأقصى ومنها فلسطين، لذلك التقط الفكرة وتبناها “يغآل ألون” و”إسحاق سديه”، وهما من مؤسسي وحدات المستعربين خلال فترة الأربعينيات قبل إعلان قيام إسرائيل.

يقول “غمليئيل كوهين” في كتابه “المستعربون الأوائل، قصة الدائرة العربية في البلماح”: شجع البريطانيون بالتعاون مع “البلماح” و”الهاغانا” وضع خطة المعقل الإستراتيجي اليهودي على الكرمل، أطلق عليها اسم “متسادا على الكرمل”، أو “حيفا متسادا”، في المقابل أيّد البريطانيون إقامة شبكة لاسلكي استخباراتية سرية يشغلها يهود موزعون في مناطق مختلفة في البلاد بقيادة “موشيه ديان”.

كان هدف هذه الشعبة العمل في تنظيم سري مؤيد للبريطانيين تحت الاحتلال الألماني الإيطالي، وفي ذلك الحين، وبغياب أي أمل بإيجاد وكلاء استخبارات عرب في سوريا ولبنان، توجهت قيادة الشرق الأوسط البريطانية إلى الإدارة الصهيونية في القدس، وطلبت اختيار عدة عشرات من اليهود الصهاينة لتدريبهم للعمل في تفعيل اللاسلكي، وزرعهم بين العرب في أرجاء سوريا ولبنان.

كان كل ذلك لخدمة المصالح الاستخبارية البريطانية، إذا سيطرت ألمانيا وإيطاليا على هاتين الدولتين، وهكذا أقيم ما وصفه البريطانيون بالخطة السورية التي تسلّم “يغآل ألون” قيادتها.

في خريف 1942، وبعد الهزائم التي منيت بها جيوش الألمان والإيطاليين في العلمين وفي جبهة ستالينغراد إلى الشمال من القوقاز، تبدد نهائيا خطر احتلال الشرق الأوسط على يد دول المحور النازي. على هذه الأرضية حُلّت شبكة اللاسلكي التي تولاها “موشيه ديان” والدائرة السورية التي تولاها “يغآل ألون.

الوحدة اليهودية في الجيش البريطاني 1942

في المقابل، نقل “ألون” فكرة تشكيل وحدة مستعربين إلى تنظيم “البلماح”، وكان نائبا لقائده، فأسس وحدة عملت سبع سنوات، وهي وحدة وصفها “غمليئيل كوهين” بأنها لعبت دورا قويا وحاسما في تشكيل رد الفعل الإسرائيلي تجاه الأحداث التي تدور في الشرق الأوسط.

“البلماح”.. عملاء صهاينة في ثياب عربية

تأسست وحدة المستعربين في التنظيم العسكري “البلماح” في مايو/أيار من العام 1943 على يد “إسحاق ساديه”، وهو يهودي صهيوني بولندي خدم في صفوف الجيش الأحمر برتبة قائد سرية، ثم هاجر إلى فلسطين عام 1920.

وكان الهدف من “البلماح” تجنيد عملاء يهود صهاينة تكون لهم القدرة على الاندماج داخل التجمعات العربية والعمل هناك فترات طويلة، كما أسندت لهم مهام استخباراتية وعسكرية، وقد أطلق على هذه الوحدة اسم “شاحر”، وظلت تعمل إلى أواخر العام 1950، وكانت هذه الوحدة آخر جدران تنظيم “البلماح” قبل أن تفككه الاستخبارات الإسرائيلية.

يقول “كوهين” إن وحدة المستعربين عملت فترة قصيرة نسبيا، لكنها استطاعت خلال تلك الفترة أن تجمع المعلومات في فلسطين وخارجها، وحاولت التأثير بذلك على سير الأحداث فيها، “من خلال زرع عملاء ذوي هوية عربية لفترات متفاوتة، وتحولت مع الوقت إلى نمط في أوساط الأذرع الاستخبارية الإسرائيلية المختلفة”.

مع أن “إيان بلاك” و”بيني موريس” ذكرا في كتابيهما “حروب إسرائيل السرية، تاريخ أجهزة المخابرات الإسرائيلية”، أن تنظيم “الهاغانا” سبق في تشكيل وحدة مستعربين داخله، وكان ذلك في يونيو/ حزيران سنة 1940، حيث تأسست رسميا وحدة مستعربين داخل هذا التنظيم تحت قيادة “عزرا دانين”، وذلك بتشجيع من البريطانيين.

كتيبة الشحار.. صهاينة يتقنون العربية وشعائر الإسلام

في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1947 عُثر على جثتين مدفونتين قرب قرية تل الريش ليهوديين، هما “ديفيد شيمش” و”جدعون بئيري”، وغير بعيد عنهما دُفن يهودي آخر، بعد أن أُطلق عليه الرصاص في خندق خارج البلدة، وكان يدعى “نسيم عطية”.

كانت الجثث الثلاث لمجندين في كتيبة المستعربين “الشحار” التابعة لتنظيم “البلماح”، وهم من أوائل جواسيس إسرائيل الذين قُبض عليهم وقتلوا، وقبل ذلك تسلل الجواسيس الثلاثة مع اثنين آخرين إلى منطقة يافا، وكانوا جزءا من خطط “الهاغانا” لقياس الاستعدادات العسكرية العربية وتوجه الرأي العام.

قوات البلماح على إحدى المدرعات التابعة لهم

لم يكن صعبا تسللهم، فـ”ديفيد شيمش” و”جدعون بئيري” كانا يهوديين عراقيين، لكن مكالمة هاتفية إلى تل أبيب كشفتهما وحكمت عليهما بالموت، كما قبض على مستعرب رابع كان يعرف باسم “سامي إبراهيم نمرود”، وحكم عليه بالإعدام، لكنه كان أوفر حظا من زميليه، فلم ينفذ الحكم عليه.

يقول كتاب “حروب إسرائيل السرية.. تاريخ أجهزة المخابرات الإسرائيلية” للكاتبين “إيان بلاك” و”بيني موريس”: مع أن آسريه حكموا عليه بالإعدام، فإنهم ألغوا الحكم عندما أثار إعجابهم بإخلاصه في أداء صلاة المسلمين. وأُطلق سراحه.

كانت كتيبة البلماح العربية -التي بدأت وحدة هواة- هي الذراع الأساس للاستخبارات العسكرية إلى صيف 1948. وقد كثفت عملياتها منذ أواخر 1947، حين اندسّ أعضاؤها بشكل متكرر متنكرين بزي العرب في المراكز السكانية الرئيسية في فلسطين العربية في يافا وحيفا ونابلس والقدس والخليل، ووصلوا إلى أبعد من ذلك إلى شرق الأردن وسوريا ولبنان، من أجل جمع المعلومات السياسية والعسكرية.

يقول كتاب “حروب إسرائيل السرية.. تاريخ أجهزة المخابرات الإسرائيلية” إن انتداب مستعربين في صفوف وحدة المستعربين “الشحار” كانت قد أوكلت إلى “يروهام كوهين”، فقد كُلف بالعثور على عشرات الرجال الذين يمكن اعتبارهم عربا لتنفيذ عمليات خاصة.

جنّد كوهين اليهود “السفارديم” الذين عاشوا في الأحياء المتاخمة للمناطق العربية، وكان كثير منهم لا يكادون يحسنون القراءة والكتابة، مع أنهم جميعا كانوا يتحدثون اللغة العربية، وقد تدربوا على الأعمال الميدانية والتخريب والقنص والجودو والاتصالات، وكذلك شعائر الصلاة واللهجة الفلسطينية والعادات المحلية. وكانت الفصيلة تحمل الاسم الرمزي “شحار”.

خلال منتصف الأربعينيات، نفذ أعضاء الوحدة -وهم يعملون عادة في فرق مكونة من شخصين أو ثلاثة- العشرات من مهام الاستطلاع والتجسس والتخريب في مدن وقرى فلسطين العربية، وكانت أشهر عملياتهم في العام 1946، حين قاموا بعملية اختطاف انتقامية وإخصاء عربي من بيسان، للاشتباه في اغتصابه فتاة يهودية من كيبوتس، وكانت عمليات “شحار” المبكرة محلية وقصيرة المدى.

مرافقة اللاجئين.. خطة المستعربين للتجسس على الدول العربية

يروي الكاتبان “إيان بلاك” و”بيني موريس” أن اليهود الصهاينة سعوا لزرع المستعربين في الدول العربية خلال صيف 1948، في أعقاب الهجرة الفلسطينية. ويقول الكاتبان: كانت الفكرة هي أن العملاء سيدخلون إلى بلدان العدو مع جماهير اللاجئين العرب الهاربين، لقد ميز الشحار بين ثلاثة أنواع من المهام وهي “هش بازيم”، و”تياريم”، و”ميباسيم”.

مستعرب يعتمر علم فلسطين ويقبض على مقاوم فلسطيني

كانت الهش بازيم (الصقور السريعة) عبارة عن مهمات دخول وخروج قصيرة لمرة واحدة، لا تستغرق أحيانا سوى بضع ساعات، لتحديد هدف محدد أو الحصول على معلومات محددة للاستخدام العسكري الفوري. أما مهمات التياريم (السياح) فكانت عبارة عن طلعات مدتها ما بين يوم إلى خمسة أيام في المناطق التي يسيطر عليها العرب في فلسطين أو الدول العربية المجاورة. وكانت الوحدة الثالثة “المستوطنون” تقوم بمهمات طويلة الأمد، تتضمن زرع عميل مدة سنوات في مدينة عربية، عادة ما تكون عاصمة.

خلال حرب 1948، كانت عمليات وحدة شحار تحت قيادة “بيرتس غوردون” قد أعطيت أولوية عالية، وحسب كتاب “حروب إسرائيل السرية” فقد أمضى مجندو وحدة المستعربين وقتا أكبر في المناطق العربية الباقية في فلسطين.

يقول مؤلفا الكتاب: غالبا ما كانوا يرافقون اللاجئين الفارين، ويحضرون معهم تقارير مفيدة عن معنويات العدو وقوته العسكرية. في صيف 1948، فقدت الشحار رجلين في غزة وهما “دافيد مزراحي” و”عزرا هورين”. وكانا قد تسللا إلى قطاع غزة في 7 مايو/ أيار، لجمع معلومات استخباراتية عن الجيش المصري، فقد كان متوقعا أن يدخل المنطقة في الأسبوع التالي.

وقد قبض عليهما عند حاجز طريق مصري بعد بضعة أيام، واستُجوبا وعُذبا، ثم أقيمت لهما محاكمة عسكرية ميدانية قصيرة، فأدانتهما بمحاولة تسميم بئر بمياه ملوثة، وأُعدما رميا بالرصاص.

وكانت عمليات الاندساس الأخرى عموما أكثر نجاحا، وقد أنتجت عدة بعثات إلى شرق الأردن وسوريا ولبنان معلومات استخباراتية دقيقة حول النيات العسكرية العربية عشية الغزو، وأمضى اثنان من المستعربين مزودين بكاميرا مخبأة في قداحة السجائر أسبوعا مثمرا في سوريا في أوائل شهر مايو/ أيار.

في الواقع، لم تكن وحدة “شحار” الوحيدة التي عملت خلال النكبة، فقد أنشئت وحدة مستعربين تسمى بـ”هيكر 2″ في العام 1948، وكانت مهمتها الدعاية السوداء بعد الحرب، ثم أصبحت فيما بعد وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي.

كما أنشئت أيضا الوحدة 32 التي شنت حربا نفسية قبل ثورة يوليو/ تموز 1952 في مصر، وقد شن عملاء الوحدة دعاية مناهضة للملكية، وصلت حد تركيب مشهد يظهر الملك فاروق مع فتاة في السرير، حسب كتاب “حروب إسرائيل السرية.. تاريخ أجهزة المخابرات الإسرائيلية”، وكان “إلياهو ناوي” -وهو إسرائيلي ذو أصول عراقية- مسؤولا عن الدعاية القذرة ضد الدول العربية.

“إيلي كوهين”.. جاسوس صهيوني ذو ملامح شرقية وشارب عريض

في مايو/أيار 1965، حكمت سوريا على كامل أمين ثابت بالإعدام بتهمة التجسس ونفذته عليه، ولم يكن هذا الرجل ذو الملامح الشرقية الخالصة والشارب العريض سوى “إلياهو شاؤول كوهين”، المعروف باسم “إيلي كوهين”.

صورة الجاسوس الشهير إيلي كوهين

عمل “كوهين” جاسوسا مستعربا لصالح الموساد بين العامين 1961-1965، تحت اسم “كامل أمين ثابت”، مستغلا أصوله السورية، واستطاع إقامة شبكة علاقات واسعة داخل الجيش السوري، وصلت حد الحديث معه عن العتاد وعن خطط مواجهة إسرائيل.

كانت علاقات “إيلي كوهين” قوية بضباط سوريين إلى حد أنه وجد نفسه يتجول معهم في مرتفعات الجولان، وهو ما مكنه من تصوير مواقع الدفاع السورية وإرسالها إلى تل أبيب، كما استطاع كشف صفقة أسلحة أرسلها الاتحاد السوفياتي لسوريا، ولم يكن له أن ينجح لولا ملامحه الشرقية وإتقانه اللهجة والعادات العربية.

“ريمون” و”شمشون”.. وحدات المستعربين لاغتيال القادة

أصبح المستعربون عصا الزانة التي تقفز بها الاستخبارات الإسرائيلية بعيدا في عمق الأراضي العربية، فقد عززت تشكيلاتها الأمنية والعسكرية بوحدات جديدة، بداية من السبعينيات، لمواجهة جبهة المقاومة الفلسطينية في الداخل، والجبهات العربية الأخرى المحاذية لحدودها.

يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية “أنطون شلحات” لموقع الجزيرة الإنجليزية، إن وحدة المستعربين المعروفة باسم “ريمون” هي أشهر الوحدات في إسرائيل، أنشئت عام 1978، وظلت تنشط إلى عام 2005، وقد تركز عملها في قطاع غزة، بجانب وحدة “شمشون” التي نشطت هناك خلال الثمانينيات والتسعينيات.

تأسست وحدة “شمشون” عام 1986 على يد “إسحاق مردخاي”، وتدربت على يد ضباط في الجيش الإسرائيلي، وكانت تنشط في قطاع غزة قبل نقل قاعدتها إلى “كيسوفيم” عام 1994، وتمثلت مهامها في إيقاف الفلسطينيين المطلوبين عن طريق التنكر كفلسطينيين. وقد استطاعت في نوفمبر/تشرين الثاني 1993 أن تلعب الدور الأهم في اغتيال عماد حسن إبراهيم عقل القيادي في كتائب عز الدين القسام، ثم حُلّت عام 1996.

وتقول الباحثة إنعام حامد في دراسة بعنوان “المستعربون ما بين الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية” إن وحدة “شمشون” استعملت عددا من مجنديها المستعربين، فتظاهر بعضهم بأنهم باعة متجولون فلسطينيون، وآخرون بأنهم شباب عاطلون عن العمل، وكان من بينهم نساء تظاهرن أنهن فلسطينيات، لتنفيذ اغتيال عماد عقل.

أيام الانتفاضتين.. حاجة الاحتلال الملحة لبطش المستعربين

في العام 1986، أنشأ “إيهود باراك” -رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق- وحدة “دوفدفان 217″، وهي تعمل إلى الآن في الضفة الغربية، وحسب أنطوان شلحات الخبير في الشؤون الإسرائيلية، فإنها تعد أكثر الوحدات نشاطا وسرية.

مستعربون في اللباس المدني والكوفية ينكلون بأحد الأطفال الفلسطينيين

وترى الباحثة إنعام حامد أن حاجة إسرائيل الملحة لاستخدام وحدات المستعربين كانت أثناء الانتفاضة الأولى، فقد استخدمت وحدة “دوفدفان” في الضفة الغربية، ونفذت آلاف العمليات والكمائن في المخيمات وفي غزة.

تقول إنعام: مع دخول اتفاقية أوسلو، استمر عمل المستعربين في تصفية واعتقال المطلوبين. أما كثافة عملهم فكانت مع بداية الانتفاضة الثانية، فكانت تنشط -إضافة إلى جانب وحدتي “شمشون” و”دوفدفان”- وحدات أخرى من المستعربين، وهي “ياماس” العاملة في الضفة الغربية والتابعة لحرس الحدود، و”ياماس” الجنوب وتعمل على الحدود مع مصر وغزة، و”ياماس” القدس التابعة لحرس الحدود، ووحدة “جدعونيم” التي تنشط شرقي القدس والشمال، إضافة إلى وحدة “اليمام”.

وأما الفلسطينيون فهم يكافحون على طول جبهات مختلفة، وتمثل وحدات المستعربين أصعب تلك الجبهات، فالعدو يحمل ملامحهم ويلف الكوفية على وجهه، ويرفع الشعارات، ويقذف عربات الجيش الإسرائيلي بالحجارة، قبل أن يزيل قناعه ويفتك بوحشية بالفلسطينيين.