“إيهِ وطن يا وطني”.. شابة هندية أسست إذاعة سرية أرّقت المحتل البريطاني

يسرد الفيلم الهندي “إيهِ وطن يا وطني” (Ae Watan Mere Watan) جانبا من سيرة المناضلة الهندية “أوشا مهتا”، ونضالها ضد المستعمر البريطاني لوطنها، بعد إنشائها في بداية العقد الرابع من القرن المنصرم “إذاعة المؤتمر” السرية التي لعبت دورا مهما في التحريض ضد المحتل، وفي تعبئة الشعب الهندي للنضال من أجل نيل حريته واستقلاله.

يستند الفيلم على قصة حقيقية، يُعيد تقييم دورها بوصفها شابة وضعت حرية وطنها فوق كل اعتبار، وقدمت بنضالها البطولي مثالا يقتدى به، لأنها لم تنتظر عليه شكرا أو عرفانا، ومن هنا يُعَد التذكير به جزءا من محاولة السينما الهندية، لإحياء ذكرى أبطال وطنيين مجهولين، يستحقون تجسيد سيرتهم الملهمة لكل الشعوب الطامحة في نيل حريتها واستقلالها، سينمائيا.

إذاعة مومباي السرية.. مركز التحريض ومنبر النضال الوطني

يحدد الفيلم عام 1942 تاريخا يبدأ منه بسرد قصة بطلته، ونضالها الوطني في مدينة مومباي الهندية، وقد صارت بفضل الإذاعة السرية التي أسستها مركزا للتحريض ضد المستعمر البريطاني، ومنبرا يدعو قادةُ النضال الوطني من خلاله الشعبَ إلى الوحدة وتنظيم الصفوف، في انتظار انطلاق الثورة الشعبية العارمة ضد المحتل البريطاني.

يقدم الفيلم قبل هذا التاريخ جانبا من طفولتها التي عاشتها في كنف والدها، وكان قد جلب معه من لندن مذياعا جذب انتباهها، وصار ما يبثه من موسيقى وغناء وسيلة لديها للتحليق بخيالها خارج المنزل نحو السماء الواسعة، ثم يدخل النص السينمائي بعدها في خضم انشغالاتها اليومية والحياتية، بوصفها شابة معنية بالقضايا التي تعايشها، ومنها مسألة علاقة بلدها بالمستعمر البريطاني، وبروز قادة وطنيين يطالبون بخروجه فورا منها.

بحماسة الشباب تجد “أوشا” (الممثلة سارة خان) نفسها منغمسة في نشاط احتجاجي، يواجَه بالعنف والقسوة من قِبل الجيش والأجهزة الأمنية التي يديرها الحاكم البريطاني للهند، وكل ذلك بجانب صديقيها “فهد” (الممثل سبارش سريفاستاف) و”كاوشيك” (الممثل أبهاي فيرما) الذي تربطها به علاقة عاطفية.

نداء الوطن.. صراع بين الفتاة المتمردة وأبيها القاضي

في تلك الحقبة من التاريخ الهندي، كان اسم الزعيم “غاندي” يتردد على كل لسان، نظرا لدوره الكبير في التحريض على الثورة، والتخلص من المحتل بأساليب سلمية، لكن يزج به المحتل في السجن مع قادة من حزب المؤتمر الأكثر نشاطا وشعبية، فيجد بقية قادة الحزب أنفسهم في وضع صعب، بعد انقطاع صلتهم بمراكز قيادتهم.

تزداد الشابة “أوشا مهتا” حماسا للانخراط في النضال والعمل بين صفوف حزب المؤتمر، لكنها تواجه اعتراضا من والدها القاضي، وكان متعاطفا مع الإدارة البريطانية الحاكمة للبلد، ويربط مصلحته بمصالحها لكونه موظفا مرموقا، ويرى أن بريطانيا هي الوحيدة القادرة على حكم الهند وضمان مستقبلها، وحينها يتصاعد التصادم بين الفتاة ووالدها تدريجيا، وينتهي بقرارها الرحيل من المنزل والانخراط كليا في الحركة الوطنية.

إلى جانب الزعيم رام لوهيا

في تلك الأثناء تمنع سلطات الاحتلال كل أنواع التواصل مع قيادة الحزب، وتأمر بإغلاق كل الإذاعات المحلية. وفي زيارة عابرة مع صديقيها تتعرف على رجل كانت لديه إذاعة محلية تبث الموسيقى والغناء، ويقوم بنفسه ببثها، لكن بسبب قرارات الحاكم البريطاني يضطر لإغلاقها تماما، ولكسر الحصار الإعلامي على الحزب تخطر في بال الشابة -من وحي لقائها بصاحب الإذاعة- فكرة تأسيس إذاعة محلية سرية، تقوم بدور الوسيط بين القيادة وبين الشعب.

خطابات القادة.. رسالة ثورية يحملها الأثير إلى ملايين الشعب

تشرع الشابة “أوشا مهتا” بالعمل على تحويل فكرتها لواقع من خلال جمعها للتبرعات المالية، من أجل شراء المعدات التقنية، ويساعدها على ذلك صديقاها ورجال من حزب المؤتمر الذي انضمت إلى صفوفه.

في الجزء الذي يسبق تأسيس الإذاعة يعمل مخرج الفيلم “كنان آير” على جعله مدخلا، يمهد لتحويل بقية مسار فيلمه إلى نوع من الإثارة والتشويق، متأتيين من الصراع الحاصل بين أجهزة المخابرات والشرطة التي يمثلها الضابط البريطاني “جون لير” (الممثل ألكس أونييل)، وبين فريق عمل الإذاعة السرية والقائد الهندي “رام لوهيا” (الممثل عمران هاشمي)، الذي تولى مهمة التخطيط للثورة أثناء وجود قادة حزب المؤتمر في السجون والمعتقلات.

لم يخطر على بال مؤسسي الإذاعة أن أصواتهم باتت تُسمع عبر الأثير، وتصل إلى ملايين من أبناء الشعب، وأنها بالتدريج أخذت تصل إلى كل مكان من الوطن، حتى أضحت فكرة بث خطابات قادة الحزب المسجلة وسيلة لإحياء الصلة بين القادة والشعب، والتذكير بأهمية شعار “اخرجوا من الهند” الذي رفعه الزعيم “غاندي”، بعدما ظن الناس أنه قد بات من الماضي، بسبب القمع الرهيب الذي تعرضت له المظاهرات الشعبية الرافعة له والمطالبة بتحقيقه.

ملاحقة الإذاعة.. جيش خفي يضرب المحتل من حيث لا يراه

في الفترة التي أخذ البث يتسع وتزداد شعبية الإذاعة فيه، توطدت أيضا علاقة مؤسسيها بالزعيم “لوهيا” الذي صار الموجه السياسي لهم، وفي الوقت نفسه صارت هدفا للحاكم البريطاني الذي طلب من أجهزته الأمنية إيقافها واعتقال من يقف وراءها بكل السبل، لأنها لم تعد محلية التأثير، بل وصل تأثيرها إلى عموم الهند، وصار الناس يتلقون تعليمات حزب المؤتمر حول أساليب العمل السياسي والتحضير للثورة عبرها، وتلهم الجماهير حب الوطن والتضحية بالغالي والنفيس من أجله.

الحشود تخرج مطالبة المحتل أخرجوا من الهند

يظهر في سياق تطور الأحداث المقترن بتطور الإذاعة السرية واتساع رقعة الاحتجاجات الجماهيرية دور الضابط البريطاني “جون لير”، الذي يعمل بكل ما بوسعه من أجل معرفة مكان البث ومن يقف وراءه، فيستعين بعملاء محليين وضباط من الحكومة البريطانية الهندية، وبمهندسين يجلبون معهم أجهزة لرصد موجات البث الإذاعي ومعرفة مصدرها.

وفي كل مرة يقترب من القبض عليهم يستطيع الشباب الإفلات منه، ثم الانتقال إلى مكان جديد يعيدون بث الإذاعة منه، وبهذا غدت من بين أكثر الأسلحة الفكرية تأثيرا في معركة التحرير، وصار موعد بث موادها في الساعة الثامنة والنصف من مساء كل يوم موعدا ثابتا، يلتزم بحضوره أبناء الهند كلها، ليسمعوا خلاله توجيهات أحزابهم والأساليب المقترحة لنضالهم، وبالنشيد الوطني الذي ينتهي به البث تزداد حماستهم ورغبتهم في التخلص من الظلم والجور الذي يعانون منه كل يوم على يد المحتل الغاشم.

فراق الحبيب.. تفرغ من أجل تحقيق أهداف الكفاح

خلال تلك المرحلة من الملاحقة، تظهر خلافات بين “أوشا” وحبيبها المتردد الذي يظهر أنه يدخل عالم السياسة والنضال من باب علاقته العاطفية بها لا أكثر، ولذلك تضع له حدا، فتخيره بين المضي في النضال أو الابتعاد عنها، حتى لا يكون عائقا بينها وبين رغبتها بإتمام مهمتها الوطنية التي تكرس كل حياتها من أجلها.

المذياع الذي نقلها في الطفولة إلى عالم بعيد

هذا الخيار بكل ما فيه من وجع وحزن على نهاية علاقة نزيهة وجميلة، يزيدها قربا من الزعيم “لوهيا”، لتتعرف على أفكاره وتعاليمه الجامعة بين أفكار “غاندي” حول الكفاح السلمي، وبين استخدام وسائل القوة لتخويف العدو.

يكرس الفيلم جزءا من وقته لعرض الأفكار السياسية المطروحة في تلك الفترة، وتلعب الإذاعة دورا في نشرها، مع ما يصاحبها من النشاط الميداني الذي يأخذ أشكالا مختلفة، تتضافر مع ما يصل للناس من أفكار وأخبار عبر الأثير.

يخلق التفاعل النشط بين أشكال النضال حراكا شعبيا، يشجع الزعيم على تحديد موعد محدد لانطلاق الثورة الشعبية، بخطاب مسجل يوجهه للجماهير، ويكون بمثابة إعلان ساعة الصفر للخروج إلى الشوارع وإعلان الثورة على المحتل.

إنصاف الأبطال.. جولة أخرى من جولات التاريخ

يكلف الزعيمُ “لوهيا” الشابةَ “أوشا مهتا” وزميلها “علي” ببث الخطاب للجماهير، ويطلب أن يقوم بالمهمة واحد منهم فقط، وكان الطلب بمثابة اختيار أحدهم للشهادة طوعا، فيتسابقان لتحمل مسؤولية البث وينتهي باختيار الشابة “أوشا” للمهمة.

في تلك الأثناء وخلال بث الخطاب يقترب الضابط البريطاني من المنزل الذي يُبث منه، ويحضره فجأة من غير اتفاق معها حبيبها السابق، ومن جهة أخرى تنطلق الجموع إلى الشوارع حال سماعهم الخطاب، في حين يُزج بالشابين في السجن، ويتعرضان فيه لأشد أنواع التعذيب، ويطلب الضابط البريطاني منهما الكشف عن مكان الزعيم “لوهيا”، لكن الشابة تقاوم وتصمد، في حين ينهار صديقها ويعترف.

إصرار على استمرار النضال من أجل نيل الحرية

يُثَبت الفيلم -بسرده الملحمي- مشاهد الاشتباك الدموي الحاصل بين الجماهير والجيش البريطاني وشرطته في كل شوارع البلاد، والعنف والبطش اللذين يقابل بهما هؤلاء الثوار، وهو ما كان سببا في تأخير إعلان استقلال الهند مؤقتا.

تحكم المحكمة الصُورية للحاكم البريطاني في الهند على “أوشا” بالسجن مدة 4 سنوات، وبعد خروجها منه تنتظرها الحشود أمام منزل والدها وتستقبلها استقبال الأبطال. وقد ظلت “أوشا” في الظل مع حب الناس وإعجابهم بها وبشجاعتها، لكن دورها يظل محفوظا، لن ينساه التاريخ ولا الشعب الهندي.

ينقل الفيلم في ختام مساره رسالة والدها لها في السجن، وفيها يعبر عن تغيير موقفه منها، بعد أن عرف قيمتها الحقيقة وأهمية ما قدمته لشعبها، وفي ثنايا الكلام يُشيد بها ويفتخر بها، لأنها قدمت كل ما استطاعت، لا حبا منها بمجد شخصي ولا طمعا بمركز سياسي.