الفيلم الوثائقي وسلطة التلقِّي لدى الجمهور

عبد الكريم قادري
 
إذا أردنا تفكيك الفيلم الوثائقي إلى أجزاء، وحل شفرته التي تربطه بالجمهور، لفهم المُعادلة الكلية التي تجمع الإثنين كمرسل ومستقبل، لا بد أن نتجاوز الآليات القديمة، والبحوث الجاهزة، التي تقود ككل مرة إلى تراكمات الماضي الغابر، وما يُخزّنه من حقب زمكانية منتهية، لها مبرراتها ومعطياتها المختلفة، في ظل الظروف التي أوجدتها وتكوّنت فيها، والمرتبطة أساسا بأيديولوجيات مدروسة بعناية فائقة، لنعيد سؤالا طُرح آلاف المرات، وعن طريق مئات الألسن، بصيغ متعددة ومختلفة، وهو هل قامت المخرجة الألمانية  ريني رفنشتال بخلق الاستعراض العسكري بمساعدة الحزب الاشتراكي القومي (النازي) في فيلمها “انتصار الإرادة” (1935) للقيام بدعاية عسكرية قوية ؟
 
 ومن هنا كان الاستعراض العسكري مبرمج بشكل مسبق، تحقيقا للسياسية الدعائية للحزب الاشتراكي القومي (النازي) ممثلا في جوبلز الذي سعى لتحقيق جملة من البرامج والإصلاحات في السينما، حيث “أكد مرارا على أن الفيلم يجب أن يمارس تأثيرا محسوسا “كعلاقة السبب والنتيجة”، وكيف يجب أن يؤثر على القلوب والعقول، وأن هدف السينما يجب أن يكون تحقيق فن جماهيري، فن يخدم في وقت واحد أهداف الدولة، ويلبي الاحتياجات الشخصية الفردية”. 
 
   وفي المقابل يتم طرح السؤال الثاني عن المخرج الأمريكي روبرت فلاهرتي، صاحب فيلم “نانوك من الشمال” (1922)، إن كانت عائلة نانوك التي تعيش في الاسكيمو تم تدريبها بشكل مسبق لتظهر بذلك الشكل في الفيلم. وقد تحدث فلاهرتي بطرية غير مباشرة عن صناعة الفيلم الوثائقي بشكل عام تقريبا وكأنه يدافع عن فيلمه، حيث قال ” غالبا ما يضطر المرء لتشويه الشيء حتى يحصل على روحه الحقيقة”   ، وعليه يتم التساؤل إن كان فلاهرتي قام بتشويه فيلمه “نانوك في الشمال” من أجل الجمهور.
 
  بمجرد ذكر النموذجين نظن بأننا فسّرنا علاقة الفيلم الوثائقي بالجمهور، وشرحنا احتياجاته، هذا الأخير الذي يبحث عن عمل يُحاكي ما في قلبه من مآسي، وانتكاسات، وطموحات، وحتى أحلامه وكوابيسه، لتكون النتيجة تحقيقا لمقولة “هذا ما يُريده الجمهور”، وحين نقوم بهذا نُضعف الرؤيا والتتابع، ونزيد في ضبابية الأشياء التي نبحث في علاقتها وأدواتها المجهولة، ولكي نقوم بهذا يجب أن نطرح الأسئلة الصحيحة، في الوقت المناسب، لنصل إلى نتيجة ومعطى مختلف، بشرط أن نُغير طريقة الطرح.