مُساءلة الواقع للسينما المحلية

غرق عبّارة رشيد
 
أمــل الجمل 
 
    “غير لائق اجتماعيا”.. كلمات شقت أحلام المستقبل بسكين حاد ناصع السيف، شطرت آماله إلى آلاف الشظايا، فصارت كالزجاج المهشم له أطراف مدببة مسنونة تخترق الأجساد بسهولة ويُسر كحركة السكين الحامي في الزبد الطري، كلمات تم لملمتها في خِرق بالية وأُلقيت في وجه الشاب الحالم المفعم بالآمال، اختل توازنه، دارت به الدنيا مرة ومرتين وثلاثا، ثم دارت به مرات عدة قبل أن يفيق. في المبنى الشاهق على الكورنيش، كان لايزال واقفاً أمام الكلمات السوداء التي لطخت الورق الأبيض، يحاول أن يُزيح عن عينيه تلك البصقة التي أعمته وأغرقت جسده النحيل. خرج صامتاً.
 
كانت البصقة تتشبث به وتجر معها أذيال ثقيلة. كان يمكن له أن يبكي، أن يصرخ، أن يحتج، لكنه لم يفعل. فقط صار كالجثة على قدمين منهكتين بحذاء من المطاط حتى وصل إلى كوبري قصر النيل. هناك صعد، وفجأة كالطائر الذبيح صرخ صرخة جهورية مدوية، أطلق فيها كل آلامه وعذابته وأحاسيس القهر الذي تحمله منذ وُلد لأب فلاح فقير حتى التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ونجح فيها بامتياز ليقتنص المركز الأول على دفعته. لم يكن يملك شيئاً سوى تلك الصرخة الاحتجاجية بعد أن تقدم إلى امتحان “الخارجية” على أمل أن يشفع له تفوقه فيحصل على الوظيفة التي يستحقها، لكن الرد جاءه بتلك الكلمات المُهينة؛ “غير لائق اجتماعيا”.
 
دوّت صرخته عاليا قبل أن يُلقى بنفسه في النيل. لم يفلح أن ينقذه أحد. كان الموت به أرحم، والنيل لم يبخل عليه بالراحة، لكنه ترك وراءه أسرة مكلومة مفجوعة، أسرة لن تغفر لمسئولي هذا البلد أنهم اغتالوا حلم العمر، اغتالوا الابن الذي لم يكن سوى حصاد سنوات عمرهم وزهرة شبابهم.  
   فهل تذكرون قصة ذلك الشاب الذي انتحر ذات صباح حزين؟!