“العودة إلى حمص”.. من أجل حياة حُرّة

بعد ثلاث سنوات من التوثيق وُلِد فيلم “العودة إلى حمص”، والذي شمل حياة عبد الباسط وحياة الناشط الإعلامي السوري أسامة الهبالي (يُقدَّم تحت اسم أسامة الحمصي)، وعُرض الفيلم في أكثر من 80 مهرجانا سينمائيا في العالم، وأطلق في صالات العرض في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

عُرض على شاشات التلفزة خلال عام 2014، وصُنّف بـ”الفيلم السوري الأول” الذي يتم توزيعه تجاريا في الولايات المتحدة، والفيلم السوري الأول الذي يُباع على منصات إلكترونية مثل “آي تيون” (ITune). كما حصل الفيلم أيضا على أكثر من 30 جائزة أبرزها جائزة مهرجان سندانس الكبرى عام 2014 لأفضل فيلم تسجيلي عالمي.

عبد الباسط.. من الكرة إلى الهتاف

ينحدر عبد الباسط ممدوح الساروت من عائلة هاجرت من الجولان واستقرت في حي البيّاضة بحمص، والتي ولد فيها في الأول من يناير/كانون الثاني 1992، وهو حارس نادي الكرامة السوري ومنتخب سوريا للشباب، وأبرز قادة المظاهرات التي قامت في مدينة حمص للمطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد أثناء الثورة السورية.

يركل عبد الباسط كل شيء أمامه بلا اكتراث، فهو لم يبق له شيء يخسره سوى حياته، حيث يقول “خسرنا أرواحا، وخسرنا بيوتا، وخسرنا ذكريات، لكن لن نخسر مطلبنا وهو الحرية”. كما يَحمل عبد الباسط محبة الحمصيين له، وهذا ما جعله يتمسك بقضية الثورة السورية أكثر، فقد كان سلاحه الأول هو كرة القدم، لينتقل إلى نوع جديد من الأسلحة وهي الشعارات والهتافات التي اشتُهر بها، ليصبح أخيرا مقاتلا في صفوف الثورة السورية، وبعد أن اضطر لمغادرة حمص قرر العودة إليها ليحررها من النظام.

ويعالج فيلم “العودة إلى حمص” تطور الأزمة التي بدأت باحتجاجات سلمية مناهضة للنظام منتصف شهر مارس/ آذار 2011، وتحولت بعد أشهر إلى نزاع دامٍ أودى بحياة مئات الآلاف من المواطنين العُزّل. وحمص هي المدينة التي لُقبّت بعاصمة الثورة، وذلك لقوة المظاهرات والحراكات السلمية فيها، وهي المدينة التي تجمع الكثير من الناشطين والثوار البارزين مثل عبد الباسط الساروت وأسامة الهبالي.

قرر المخرج طلال ديركي إعداد فيلمه عن حمص نظرا لرمزيتها الكبيرة في موضوع الثورة السورية

حمص.. جحيم وعنف وجثث

قرر المخرج طلال ديركي إعداد فيلمه عن حمص نظرا لرمزيتها الكبيرة في موضوع الثورة السورية، مستعملا الأسلوب الروائي البسيط بعدسته البسيطة ليوثق قصة حارس المرمى السابق للمنتخب السوري الساروت، والذي أضحى مع بداية الاحتجاجات أحد أبرز الأصوات التي تقود المظاهرات بالأناشيد.

تخلّى الساروت عن الحراك السلمي وحمل السلاح كآلاف غيره ضدّ الجيش السوري. ويعرض الفيلم شخصية أخرى وهو الطالب الجامعي الساخر أسامة الهبالي الذي أصبح من أبرز الناشطين الإعلاميين الذين يوثقون يوميات الثورة، إلى حين اعتقاله وانقطاع أخباره.

وبعد عامين من المتابعة والتوثيق مع المجموعة التي رافقها المخرج طلال ديركي، وبعد توثيقه لبداية الثورة في مدينة حمص، ومتتبعا الترتيب الزمني التصاعدي للأحداث؛ يكمل التوثيق لعودة المجموعة إلى المدينة المحاصرة من قبل الجيش السوري، وذلك وبتفاصيل فريدة من نوعها من الهجمات المتواصلة وعمليات الكرّ والفر،ّ وسيطرة النظام والثوار على أحياء المدينة، والتبادل بالهيمنة من قلب الأحداث، وذلك في ما وصفه الفيلم “جحيم حمص”.

ويقدم الفيلم أيضا مشاهد مفرطة بالعنف لشباب سوريين من الثوار الذين أُصيبوا بالرصاص والقذائف بشكل مباشر أمام المشاهد، وبعضهم مَن يلفظ أنفاسه الأخيرة على الكاميرا، والجثث مرمية على خطوط التماس.

عبد الباسط الساروت يُمثل الشخصية السورية الريفية البسيطة التي قررت الانتفاض من أجل حياة حرّة

عبد الباسط.. انتفاض لحياة حرّة

عمل المخرج مع فريق عمل صغير من مساعدي تصوير في ظروف قاسية، لكن رغم كل المصاعب نجح في رسم خطّ سردي مهم لشخصية عبد الباسط الساروت الذي يُمثل الشخصية السورية الريفية البسيطة والتي قررت الانتفاض من أجل حياة أفضل وحرّة. هو لم يتغير بشكلٍ جذري، فبقي الساروت معروفا بالقتال من أجل الحرية، والفرادة في تلحين وغناء الأناشيد الثورية التي تحولت إلى أناشيد دينية مع انخراط الفكر الإسلامي الجهادي في الثورة السورية، لكن بقيت قضيته حرية بلاده، وهو لم ولن ولا يريد شيئا سوى أن يُكمل طريق الثورة حتى آخر رمق. ويقول أيضا “إن كنت سأستشهد، فلا تَدَعوا دم الشهداء يذهب هدرا”.

فيلم “العودة إلى حمص” وثيقة بصرية وبحثية يمكننا أن نسميها الأهم في عالم التوثيق والأفلام التسجيلية المتابعة للثورة السورية ولأحداثها وتفاصيلها وشخصياتها. أما طلال ديركي فقد أثبت أنه جدير بموقع المخرج التسجيلي المهم.