حركة الجهاد الإسلامي.. كفاح مسلح يتحدى جحافل المحتل منذ عقود

مهدت سياقات معقدة لولادة حتمية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقد بدأت منذ بداية العقد الثاني من القرن الماضي، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، ومع أنها احتاجت عدة عقود للوقوف ندا لند مع المحتل الإسرائيلي، ومرت بها فترات من الضعف، تعود حركة الجهاد الإسلامي قوة ضاربة في الحرب على غزة، ويصبح جناحها العسكري سرايا القدس لاعب هجوم قويا يسدد فيصيب.

عز الدين القسام.. حركة جهادية وأدها الانتداب البريطاني

يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي يوسف عارف الحاج محمد في كتابه “المسيرة الجهادية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”: بعد النكبة كان ثمة اتجاهان في الساحة السياسية العربية، اتجاه ديني يمثله الإخوان المسلمون وحزب التحرير، واتجاه علماني تمثله الأحزاب القومية، وتتلخص غالبا في القوميين العرب والقوميين السوريين وحزب البعث العربي الاشتراكي، إضافة إلى الحزب الشيوعي الذي ظهر في مصر وفلسطين والشام والعراق منذ الثلاثينيات والأربعينيات.

ومنذ سقوط الإمبراطورية العثمانية سنة 1924، وحتى حرب أكتوبر 1973، كان الاتجاه القومي يحاول فرض نفوذه، وقد بدأ تحقيق تلك السيطرة بنجاح ثورة يوليو 1952 في مصر، ثم محاولة الاتحاد بين مصر وسوريا في العام 1958. ثم مشروع الوحدة بين سوريا والعراق ومصر سنة 1963.

ويروي المؤلف أنه قبل العام 1948، ولدت حركة جهادية إسلامية قادها الشيخ عز الدين القسام منذ مطلع العشرينيات، لكن سرعان ما قُمعت تلك الحركة خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، باغتيال الشيخ القسام في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935.

الشيخ عز الدين القسام الذي استشهد عام 1935

وقد استمرت الخلايا التي شكلها القسام بالعمل، وبرز قادة كبار من الحركة القسامية، من ضمنهم إبراهيم الكبير والشيخ عطية عوض والشيخ فرحان السعدي، لكن سرعان ما حاصرها الإنجليز عام 1939، وذلك بإعدام قادتها.

وبعد القضاء على التجربة القسامية لم تظهر في فلسطين حركة إسلامية مجاهدة أخرى، إذ أصبح الإسلاميون أميل إلى اعتزال العمل المجاهد والانشغال بالعمل السياسي دون العمل العسكري، حسب مؤلف الكتاب يوسف عارف الحاج محمد.

الإخوان المسلمون.. نشاط في فلسطين منذ الثلاثينيات

تحمل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إرثا متشابكا مع نشأة حركة الإخوان المسلمين التي سرعان ما ثبتت فروعها في كل فلسطين قبل النكبة. يقول الباحث جمال باروت في كتابه “الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية”: يعود انخراط الإخوان المسلمين في فلسطين إلى منتصف الثلاثينيات، حين شكلوا لجنة فلسطين، واتصلوا بالحاج أمين الحسيني رئيس اللجنة العربية العليا ومفتي فلسطين. وقد شارك عدد ضئيل من جماعة الإخوان في الغارات المسلحة على المنشآت اليهودية في فلسطين أثناء ثورة 1936.

وإثر قرار “هيئة الإخوان المسلمين العامة” بالتحول إلى “حركة الإخوان المسلمين” وبالتالي إلى تنظيم عالمي، نشط الإخوان المسلمون في تأسيس فروع جديدة، وكان فرع القدس أول فرع يُشكّل بعيد مؤتمر أيلول 1945. وحظي بدعم الملك الأردني عبد الله الأول، وهو ما أعطاه فرصة كي ينشط بصفة رسمية وفي العلن.

ويقول جمال باروت إنه في العام 1947، بعد قرار تقسيم فلسطين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، وصل عدد الشعب الإخوانية إلى 25 شعبة، ووصل عدد أعضائها إلى ما بين 12 إلى 20 ألفا، وسُمي الحاج أمين الحسيني قائدا محليا للإخوان في فلسطين.

مهادنة الحكومات.. بداية استقلال الحركات عن الإخوان

كان سياق نشاط الحركة الإخوانية في فلسطين في أواخر أربعينيات القرن الماضي، يتجه نحو الحسم في اكتساب نوع من الخصوصية، حتى أن الباحث ناظم عبد المطلب محمود عمـر ذهب في كتابه “الفكر السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وانعكاسه على التنمية السياسية”، إلى أن حركات المقاومة الفلسطينية بجميع تشكيلاتها، تأثرت بعـد احـتلال فلسطين في العام 1948، بالأفكار الوطنية والقومية والاشـتراكية، وتعاملـت مـع الصراع مع إسرائيل على أنه معركة وطنية ضد المحتل.

مع أن هناك من يذهب إلى أن النشاط المسلح الإخواني في فلسطين، كان يقع تحت مظلة حركة فتح، في النصف الثاني من القرن العشرين. وعموما، اقتصر نشاط الحركة الإخوانية في الساحة الفلسطينية منذ العام 1948، على الجوانب الاجتماعية والدعوية.

ويضيف الباحث ناظم عبد المطلب: هذا الغياب لم يكن منطلقا من مجرد عدم الرغبة في المشاركة في هذا الكفاح، وإنما كان منطلقا من عدم القناعة به وبجدواه، فكان التنظير العام لحركة الإخـوان المسـلمين للجهاد خارج فلسطين، من أجل إقامة النظام الإسـلامي كأولويـة ومقدمة لتحرير فلسطين. ولم يكن حزب التحرير الإسلامي أفضل حالا في تعامله مـع القضـية الفلسطينية.

عاش تنظيم الإخوان محنة كبرى في مصر من نهاية العام 1945 إلى العام 1971، وحسمت تلك المحنة سياسة حركة الإخوان وفروعها، وهو الأمر الذي سيحسم خلال ثلاثة عقود من الزمن مسألة الحركات الإسلامية الفلسطينية.

يبدو أن توجه الإخوان المسلمين في مصر وفي الأردن نحو الهدنة مع الحكومات، هو ما سرّع نشأة حركات إسلامية فلسطينية من تحت مظلة الإخوان واستقلالها التدريجي عنها، ومنها حركة الجهاد الإسلامي.

أسبقية الجهاد وإعادة اللحمة.. حركة إسلامية وطنية

مع أن السياق الذي نشأت من رحمه حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مفهوم، ولا سيما نشأة الحركات الإسلامية الفلسطينية ومسار استقلاليتها عن حركة الإخوان المسلمين، فإن الكاتب إياد البرغوثي يذهب في كتابه “الأسلمة والسياسة في الأراضي الفلسطينية المحتلة” إلى أن هناك روايات كثيرة عن نشأة حركة الجهاد الإسلامي.

من تلك الروايات أن الحركة بدأت نشاطها في الأراضي المحتلة، وأخرى تقول إن نشأة التنظيم كانت على يد طالب أردني أزهري، وتتجه أخرى لفرضية تأسيسها من قبل طلبة فلسطينيين من غزة في الجامعات المصرية، في حين تقول بعض الروايات -حسب البرغوثي- إنها تأسست بواسطة منتمين لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وعلى أي حال، يرى الكاتب البرغوثي أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تأسست على فكرة معاكسة للفكر الإخواني في مسألة مفصلية، وهي أسبقية الجهاد قبل العمل الدعوي، التي يميل إليها الإخوان وحزب التحرير.

شعار حركة الجهاد الإسلامي

يقول البرغوثي: اتسم النشاط الديني الإخواني والتحريري في الماضي إلى حد بعيد بالاعتماد على الـدين وحده، مسقطا الجانب الوطني، بل كان متناقضا معه. هذا الوضع لم يُرضِ المجموعة المؤسسة لحركة الجهاد الإسلامي، وقد شكل تغيره دافعا من الدوافع التي دعت لتشكيل الحركة، حيث اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أول تنظيم يحاول إعادة اللحمة بين الوطني والإسلامي على الساحة الفلسطينية بعد غياب طويل. كانـت الحركـة تنظيما يضع مقاومة الاحتلال على رأس أهدافه، ويمارس هذا الفعـل على أرض الواقع.

تنقيب عن مخرج يضع القطار على السكة.. مخاض الحركة

يقول الباحث ناظم عبد المطلب محمود عمـر في بحثه “الفكر السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وانعكاسه على التنمية السياسية”: إن غياب التيار الديني عن الفعل في الساحة الفلسطينية بعد حرب عـام 1967، أدى إلـى حدوث نوع من التناقض بين العمل الديني والعمل الوطني، وقد بـرز بشـكل واضـح فـي الصراع بين الكتل الطلابية المختلفة في المعاهد والجامعات الفلسطينية، وفي النقابات الفلسطينية المختلفة، المنبع الرئيسي للعمل الوطني والإسلامي.

دار الحراك الفكري على الساحة الفلسطينية منذ السبعينيات حول ضرورة إعـادة بنـاء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس إسلامية، وذلك نتيجة لمسلسل التراجعات عـن ثوابت وبرامج وسياسات منظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى إلى تراجع سحر الثـورة الذي رافق العمل الفلسطيني في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

دفع هذا الحراك الفكري باتجاه مزيد من الجدل في أوساط الطلبـة الفلسـطينيين فـي الجامعات المصرية، المهد الأول للجماعة المؤسسة لحركة الجهاد الإسلامي. انطلقت خلال تلـك الفترة حملة مكثفة، بين أوساط هؤلاء الطلبة للتنقيب عن المخرج الذي يضع القطار على سكته، حسب تعبير الجماعة المؤسسة للحركة، وكان أول شعار اهتدت إليه هذه الجماعة هو “القضـية الفلسطينية قضية مركزية للحركة الإسلامية”.

كان مخاض ولادة حركة الجهاد الإسلامي نابعا من مسارين تاريخيين مختلفين تماما شهدهما عقد السبعينيات، الأول فشل الفكر القومي واليساري في حل القضية الفلسطينية، والثاني انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وانتعاش ما يعرف بحركات الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.

دفع ذلك بقوة نحو تشكل فكرة إنشاء حركة الجهاد الإسلامي، فوق طريق عبّده حوار فكري وتدافع سياسي شهدته الحركة الإسلامية في أواخر السبعينيات، وقاده طلاب فلسطينيون في الجامعات المصرية، من ضمنهم فتحي الشقاقي مؤسس الحركة الذي عاد صحبة عدد من زملائه إلى فلسطين في بداية الثمانينيات، وبدأت الحركة فورا بالنشاط السياسي والتعبوي في فلسطين، إضافة إلى المقاومة المسلحة.

فتحي الشقاقي.. طالب الطب الذي أصبح زعيما جهاديا

كان فتحي الشقاقي متأثرا بشكل كبير في بداية حياته بجمال عبد الناصر، لكن هزيمة سنة 1967، كان لها أثر كبير في تحوله إلى الفكر الإسلامي، وتعزز انتماؤه إلى هذا الفكر بسفره إلى مصر في بداية السبعينيات لدراسة الطب، حيث التقى في تلك الحقبة بقادة إسلاميين معروفين، منهم موسى أبو مرزوق ورمضان شلح ونافذ عزام.

فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي

يقول الباحث ناظم عبد المطلب: كان الخـلاف والحوار يدور في تلك الفترة حول أسلوب الإخوان في التعامل مع قضايا الأمة، وما يطرحه من عملية بناء للفرد والأمـة قبل ممارسة الجهاد، وأسلوب ممارسة الجهاد والقيام بعملية البناء في ذات الوقت، وقد حسم الشقاقي أمـره بتبنـي فكـرة الجهاد، وأنشئت نواة تنظيم الجهاد الإسلامي عام 1980. ضمت النواة حوالي 60 إطارا من الطلبـة الفلسـطينيين فـي الجامعات المصرية في ذلك الوقت.

شكلت المجموعة المؤسسة في البداية تنظيما عرف بتنظيم الطلائع الإسلامية سنة 1978. وقد عد هذا التنظيم نفسه قوة تجديد داخل الفكر الإسلامي، وداخل الحركة الإسلامية على مسـتوى الفكـر والمنهج والتنظيم، وعلى مستوى الأداء داخل فلسطين، وأصدر التنظيم نشرات تشـرح طبيعة الخلاف مع الإخوان المسلمين والمواقف المتعلقة بالقضـية الفلسـطينية.

كان فتحي الشقاقي معجبا بالثورة الإسلامية في إيران ونشر في كانون الأول/ ديسمبر 1979، كتابا بعنوان “الخميني الحل الإسلامي والبديل”، وعلى أثر ذلك اعتقله الأمن المصري، ثم تعـرض عناصر الطلائع إلى حملة اعتقالات.

غادر فتحي الشقاقي مصر هاربا في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1981، بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، فعاد إلى فلسطين وبدأ في بناء خلايا تنظيم حركة الجهاد الإسـلامي، وفي العام 1983، اعتُقل مدة 11 شهرا بسبب نشاطه.

الطليعة الإسلامية.. خلية مسلحة تدخل إلى الحلبة الجهادية

يقول الباحث ناظم عبد المطلب محمود عمـر: تركز العمل في بداياته على الأوساط الطلابية في الجامعات والمعاهد الفلسطينية، وشُكلت نهاية عام 1981 كتلة الإسلاميين المستقلين الطلابية في الجامعة الإسـلامية بغـزة، ممثلةً لحركة الجهاد الإسلامي، وقد حققت نتائج إيجابية في أول انتخابات جرت في كانون الثاني/ يناير 1982. ثم بدأ انتشار الحركة بعد ذلك في أوساط المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية المختلفة.

أصدرت الحركة مجلة النور في مدينة القدس مع مطلع عام 1982، وكانـت تابعـة لجمعية الشباب المسلمين في القدس، ثم توقفت عن الصدور لأكثر من عام، وبعد فترة التوقف هـذه اتفق بعض الأعضاء في حركة الجهاد مع إدارة الجمعية سراً علـى إعـادة إصـدار المجلـة، ثم استمرت المجلة في الصدور بشكل متقطع، وكانـت تعبـر عـن الموقـف الفكري والسياسي للحركة.

بدأت الحركة بممارسة المقاومة المسلحة، وأشرف فتحي الشقاقي على تنظيم أول خلية مسلحة تابعة للحركة في منتصف العام 1981، سميت “مجموعة الطليعـة الإسلامية”، وكان أول عمليات “مجموعـة الطليعة الإسلامية” اغتيال طالب المدرسة الدينية اليهودية فـي الخليـل “أهرون غروس” في أغسطس سنة 1983، وهو ما تسبب في فرض الإقامة الجبرية على قادة من التنظيم، منهم فتحي الشقاقي ورمضان عبد الله شلح.

الطبعة الجديدة لمجلة النور

وبعد اكتشاف هوية منفذي العملية، اعتُقل الشـقاقي وقرابة 25 عضوا آخرين في صفوف الحركة. ومع ذلك، فقد عجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن إيجاد خلية مسلحة لحركة الجهاد الإسلامي، وبين العامين 1983-1985، نشطت حركة الجهاد الإسلامي بالتنسيق مع “سرايا الجهاد الإسلامي” التي لم تكن تحمل ملامح تنظيم محدد أو تصدر بيانات سياسية تحمل توقيعها، وكان فتحي الشقاقي مهندس هذا الاتفاق مع القيادي الفتحاوي منير شفيق، ثم فتر ذلك التعاون فيما بعد، بسبب العلاقة بين سرايا الجهاد الإسلامي وحركة فتح.

عام الإسلام المجاهد.. هروب كبير وعمليات ضد الاحتلال

ظلت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تنشط دون أن تكشف عن غطائها العسكري إلى غاية العام 1987، ويقول يوسف عارف الحاج محمد إن الفترة الفاصلة بين 1986-1987 هي عام الإسلام المجاهد، وأنه في الوقت الذي كان فيه العمل الوطني الفلسطيني قبل الانتفاضة يعـاني مـن إحباطات متعددة، كانت حركة الجهاد الإسلامي تقود الجهـاد المسـلح وتنفـذ أهـم العمليـات العسكرية.

في شهر شباط/ فبراير من العام 1986، هجمت حركة الجهاد الإسلامي على تجمع لجنود الاحتلال في قطاع غزة بقنابل يدوية، واعتُقل حينها فتحي الشقاقي بعد أقل من شهر من تاريخ التنفيذ، لكن الحركة واصلت تنفيذ عملياتها ضد الاحتلال، وقادت مع خلية “سرايا الجهاد” العسكرية عملية البراق في 15 تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته.

كثفت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عملياتها العسكرية في الأشهر التي سبقت الانتفاضة الأولى أواخر سنة 1987، فقادت عملية تعرف بالهروب الكبير من سجن غزة المركزي يوم 18 مايو 1987، ثم كُلف الهاربون من السجن بتنفيذ عملية عسكرية أدت لمقتل جندي إسرائيلي، واستشهاد منفذي العملية الأربعة.

“انطلاقة الدم والشهادة”.. مرحلة شرسة من الكفاح المسلح

يقول يوسف عارف الحاج محمد: تؤرخ حركة الجهاد الإسلامي للانتفاضة بيوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1987، وهو اليوم الذي وقعت فيه معركة الشجاعية، التي أسفرت عن مقتل ضابط الشاباك “فكتور أرغون”، واستشهد المجاهدون الأربعة الذين نفذوا العملية.

حينها أطلقت الحركة اسم “انطلاقة الدم والشهادة” على المرحلة التي تلت العملية، ثم بدأت بنشر بيانات تحريضية بالتوازي مع عملياتها العسكرية التي لم تتوقف، فاستهدفت جنود الاحتلال في شمال تل أبيب، كما قتلت مستوطنا في غزة في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1987.

أخذت حركة الجهاد الإسلامي موقفا متضاربا مع بقية الفصائل الفلسطينية ورفضت أن تكون عضوا في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وذهبت إلى أن التفاوض والبيانات المنددة لا تتماشى مع رؤية الحركة التي تطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.

ويذكر ناظم عبد المطلب أن دور الحركة علـى أرض الواقـع لـم يستمر بنفس الزخم الذي بدأ به في البدايات الأولى لانطلاقة الحركة، ولم تحقق الحركة امتـدادا جماهيريا واسعا ونفوذا محسوسا بين الجماهير الفلسطينية. “وبالإضافة إلى ما ذُكر من الأعمال الجهادية داخل الأراضي المحتلة، عمدت الحركـة إلى تنشيط العمل المسلح من جنوب لبنان، وشرعت منذ العام 1991 بالقيام بعمليات مسلحة ضد الكيان الصهيوني، واستمر العمل حتى العام 1995، وقامت الحركة بتنفيذ 14 عمليـة عسكرية”.

ما بين اتفاقية أوسلو والانتفاضة.. السنوات السبع العجاف

أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي فتحي الشقاقي على الخروج من فلسطين، وخلق خروج قادة من الجهاد الإسلامي إلى الخارج نوعا من الضعف في صفوف الحركة، بعد أن نقل مركز القرار إلى خارج الأراضي الفلسطينية.

وحسب القيادي في الحركة يوسف عارف الحاج محمد، فإن حركة الجهاد الإسلامي كانت واعية بالتراجع المرحلي، بسبب تلك الظروف لذلك أقرت جملة من اللوائح الداخلية، من أهمها “انفتاح الحركة على القوى العربية والإسلامية الثورية والوطنية، فأقامت علاقات مع بعض الدول مثل إيران وسوريا وليبيا، وتعزيز العلاقات مع إيران على وجه الخصوص والقوى المؤيدة لها، مثل حزب الله اللبناني وحركة التوحيد وتجمع العلماء المسلمين في لبنان”.

ويسمي القيادي بالحركة يوسف عارف الحاج محمد تلك الفترة الفاصلة بين توقيع اتفاقيات أوسلو في العام 1993 وأواخر العام 2000 الذي اندلعت فيه انتفاضة الأقصى، بالسنوات السبع العجاف بالنسبة للجهاد الإسلامي والتنظيمات الفلسطينية الأخرى، فقد توترت العلاقة بين السلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى، بسبب موقفها من اتفاقيات أوسلو، إلى أن وصل ذلك حد الصراع.

واصلت حركة الجهاد الإسلامي عملياتها ضد الاحتلال في تلك الفترة، وأدت في النهاية إلى اغتيال القيادي في الحركة هشام حمد في العام 1994، ثم تلاه اغتيال ثان لفتحي الشقاقي في سنة 1995. ويقول يوسف الحاج محمد: مع أن الضربات المتلاحقة العنيفة لحركة الجهاد الإسلامي، لم تقضِ على إمكانيات العمل العسكري، فإنها أضعفت أداء الحركة في تلك الفترة بشكل ملحوظ. في تلك الفترة الصعبة، كان مجرد وقوف الحركة على رجليها يعد مكسبا كبيرا لها في ظل الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها.

“سرايا القدس”.. جناح عسكري صامد في وجه الاغتيالات

واصلت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عملياتها العسكرية تحت مظلة خليتها العسكرية التي حملت عدة أسماء من سيف الإسلام في بداية الثمانينيات إلى “القوى الإسلامية المجاهدة” في مطلع التسعينيات، قبل أن يستقر الاسم على “سرايا القدس”.

صورة تجمع سرايا القدس بكتائب القسام

وفي العام 2002، تصدت “سرايا القدس” -وهي الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- لاجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين، بقيادة محمود طوالبة الذي استشهد خلال تلك المعارك، وتسببت تلك المواجهة في تراجع قوة التنظيم في قطاع غزة بعد استهداف معقلها في جنين، ومع ذلك التراجع فقد نجح الجناح المسلح للحركة في تطوير منظومة أسلحته المحلية الصنع.

كانت حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري هدفا لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فاغتالت قادة في هذا الجناح، منهم إياد الحردان وأسعد دقة وإياد صوالحة. وفي 2006، اغتالت خالد الدحدوح قائد سرايا القدس في غزة وحسام جردات القائد العام للجناح العسكري للجهاد الإسلامي في شمال الضفة الغربية، وفي أواخر 2019 اغتيل بهاء أبو العطا عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية بسرايا القدس.

ومع قسوة تلك الضربات القوية، فإن حركة الجهاد الإسلامي لم تكفّ عن شن عمليات ضد جيش الاحتلال في كل مرة كانت فيها غزة أو إحدى المدن الفلسطينية هدفا لقوات الاحتلال، وذلك بالاشتراك مع فصائل المقاومة المسلحة الأخرى، وآخرها عملية طوفان الأقصى.