الحرّاقة وحلم الهجرة.. شباب دفعهم الإقصاء والإحباط بأوطانهم للمغامرة بأرواحهم

كيف قرر شباب من دول المغرب العربي وأفريقيا أن يؤثروا الموت غرقا في مياه المتوسط على رؤية مستقبلهم يموت على أراضي أوطانهم؟ وما حقيقة الحلم الذي يراودهم بحياة أفضل في أوروبا هربا من واقع الفقر والبطالة والأوضاع السياسية الصعبة في بلدانهم؟ ومن يتحمل مسؤولية ظاهرة الهجرة غير النظامية؟ وما هي آليات مواجهتها؟ وهل طابقت الأحلام واقع من تمكنوا من الهجرة فعلا؟

حلقة أمس 29يوليو/تموز 2019 من برنامج “للقصة بقية” ناقشت هذه القضية للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها؛ حيث قال الأكاديمي الجزائري المتخصص في قضايا الديمغرافيا والهجرة عبد القادر الأطرش إن ظاهرة الهجرة غير النظامية متعددة الدوافع والأسباب، فمنها ما هو سياسي أو اقتصادي أو شخصي.

وأضاف أن تطلعات الشباب العربي والأفريقي تفوق ما هو متاح في بلدانهم من فرص، ومع ذلك فإن الهجرة كانت قائمة منذ القدم وستظل كذلك بغض النظر عن توفر فرص التنمية من عدمه، ولا يمكن لأي سياسة أن توقف تطلعات الشباب وغيرهم ممن يهاجرون مخاطرين بأنفسهم وبعضهم يحملون شهادات عليا، مشيرا إلى أن المقاربة الأمنية الأوروبية لم تنجح منذ مطلع الألفية في مكافحة الهجرة.

وأوضح الأطرش أن “الهجرة مشروع” وإذا وجدت الشباب فرصا للمشاركة في صناعة البلاد فإن الرغبة في الهجرة ستقلّ لأن من أكبر أسبابها الشكوى من الإقصاء والتهميش، وإذا أتيح لسكان الضفة الجنوبية من المتوسط حرية التنقل فسيكون هنالك حد للهجرة غير النظامية، ومن يهاجرون سيعود أكثرهم لبلدانهم مجددا ومعهم تجاربهم الإيجابية، لافتا إلى أن التنسيق بين حكومات الضفتين هو الأسوأ وهناك غياب رؤية.

أما زهير وسيني الإعلامي المغربي في تلفزيون “راي” الإيطالي فرأى أن هناك أمرين أساسيين يقفان وراء استفحال هذه الظاهرة: أولهما صورة أوروبا لدى سكان دول المغرب العربي التي تصورها بأنها جنة فردوس ويجب الذهاب لها لتحقيق الأحلام، والثاني أن الهجرة صارت سوقا مربحا خاصة للمافيات، كما أن الحكام العرب يرون في المهاجرين مصدرا للعملة الصعبة فقط ولا يهمهم ما سوى ذلك.

غياب الرؤية

وأكد أن كل الجهود التي يبذلها المغرب العربي لا تكفي لوقف الهجرة لأن الفوارق الاجتماعية العميقة في دوله وعدم التوازن في التنمية يوّلد هذه الظاهرة ويغذيها، مضيفا أن النخب الحاكمة في هذه الدول مرتبطة بالمصالح الأوروبية أكثر من مصالح شعوبها، ومن أدلة ذلك أنه لا توجد وحدة مغاربية رغم العوامل الداعمة والداعية لذلك أكثر مما لدى الغير ممن اتحدت بلدانهم، ولذلك فإن أوروبا تستفيد من هذا الوضع المتفكك باستغلال الإمكانيات والثروات العربية.

وشدد وسيني على أن الواقع الأوروبي يقول إن الأوروبيين لا يريدون مهاجرين، إذ هناك رأي عام أوروبي يرفض الآخر واليمين المتطرف يستغل الهجرة ليبني خطابه بالكذب والتلفيق، موضحا أن أوروبا سياساتها ترقيعية وليس لها أي بعد نظر تجاه الدول المغاربية. ودليل ذلك أنهم لم يعتبروا تونس عمقا إستراتيجيا ولم يقدموا لها المساعدة لتكون نموذجا ديمقراطيا يُحتذى عربيا، ولذا ليس هناك أي إرادة أوروبية لحل مشكلة الهجرة، وعلى صانعي القرار في الدول المغاربية حلها بأنفسهم والتخلي عن قبول دور الشرطي لأوروبا.

ومن جهته؛ أكد مدير جمعية فرنسا أرض اللجوء بيار هنري أن الهجرة بالغة التعقيد لكل الدول في العالم، لأن السياسات العامة المعتمدة في كثير من الدول قاسية وهي تدفع أبناءها للهجرة، لا سيما أن هناك هجرة غير نظامية تغذي العصابات الإجرامية بالمال، وفيها يتم تهريب الأشخاص والاتجار بهم وبالسلاح والمخدرات.

وذهب إلى أن هناك أشخاصا يحاولون الهرب من أوضاع صعبة تُخنق فيها حرياتهم، وهناك مسؤولية -بمقتضي اتفاقيات جنيف- تحتم على الدول الأوروبية استقبال هؤلاء الأشخاص الذين يأتي أكثرهم عن طريق ليبيا بسبب الحرب الأهلية، وبعضهم يُحتجزون في ظروف إنسانية صعبة.

وأشار هنري إلى أن هناك توترا حقيقيا في معظم أوروبا تجاهال الهجرة، وهو ما أدى إلى أن تتقدم أحزاب اليمين في الانتخابات بمعظم نواحي أوروبا بسبب الأزمة الاقتصادية الأوروبية، ولكون أوروبا تواجه مشاكل منذ عام 2015 جراء الوفود الكبيرة من الأشخاص الهاربين من وضع الحرب كما هو حال السوريين. وأضاف أنه يجب أن يتوحد المغرب العربي ليكون حواره مع الاتحاد الأوربي أكثر توازنا، كما يجب النضال دون كلل على الضفتين من أجل مشاريع هجرة ناجحة.