“فرانكشتاين”.. رواية الخيال التي أنبتت كائنات القبور

عندما تعيش رواية لكاتبة بريطانية نحو مئتي عام وتصبح خالدة في عقول الناس وتنسج منها عشرات الأفلام والمسرحيات والأعمال الفنية الأخرى، فلا بد أنها تملك قوة خارقة وسرا لا يزال الإنسان حتى يومنا هذا يبحث له عن إجابة ويجهد لسبر أغواره ألا وهو “البحث عن سر الحياة”.

في هذا التقرير نسلط الضوء على رواية ” “فرانكنشتاين” للكاتبة البريطانية “ماري شيلي” التي كتبتها عام 1818، فكثيرون تابعوا أفلاما بعنوان الرواية ولكن قلة منهم يعرفون قصتها وكواليس كتابة “ماري شيلي” لها.

ومن شاهد الفيلم الذي عرضته الجزيرة الوثائقية بعنوان “فرانكنشتاين.. القصة الكاملة” يأخذ العبر والدروس التي تتمحور حول فكرتين: الأولى أن “الإنسان يولد صالحا والمجتمع يفسده”، والأخرى “الإهمال من طرف الأبوين يؤدي بالأبناء إلى التهلكة”.

وقبل الخوض في رواية “فرانكنشتاين”، نعرج قليلا على كاتبتها “ماري شيلي” الشابة الإنجليزية الهادئة التي تركت منزل والديها وهي لم تجاوز 16 عاما وهربت مع الشاعر الرومانسي “بيرسي شيلي” حبيبها وزوجها المستقبلي.

تحدي كتابة الرعب.. ليالٍ أدبية على ضفاف بحيرة جنيف

بعد الفرار من بريطانيا كانت “ماري” و”بيرسي” يمضيان أوقاتهما وسهراتهما في فيلا على ضفاف بحيرة جنيف رفقة أصدقائهما، ومن بينهم اللورد “بايرن”، وهو أحد أكثر شعراء عصره تحررا وجرأة وتخطيا للحدود.

جمعهم عشقهم للأدب الرفيع، وكانوا يسردون قصص الأشباح قرب المدفأة ويسعدون بإخافة بعضهم بعضا، وفي إحدى الليالي اقترح اللورد “بايرن” تحديا يقضي بأن يكتب كل واحد منهم قصة رعب. ومن هنا بدأت رحلة الرواية التي مزجت الجانب العلمي بإيقاع من التعبير أو السرد العاطفي الذي أثار بعد ذلك اضطرابا في الطب والعلوم الأخرى الحديثة.

“ماري شيلي” تكتب رواية “فرانكشتاين”

وتحت ضغط زوجها واللورد “بايرن”، أرادت “ماري شيلي” أن تقدم فكرة استثنائية ومميزة ” تناسب تحدي هؤلاء الذين زجوا بها بهذه المهمة، بقصة تخاطب المخاوف المبهمة في طبيعتنا وتوقظ التشويق والرعب، وتخفض ضغط الدم وتسرع نبضات القلب، فكرت وبحثت عبثا، شعرت بالعجز والخواء وعدم القدرة على الإبداع، وهذا أكبر بؤس قد يعيشه الأديب”، بحسب ما كتبته “ماري” نفسها.

في تلك الليلة غرقت “ماري” في خيالاتها بعينين مفتوحتين، حلمت الشابة بالوجه الشاحب للفنان الذي انتهك كل المقدسات ويركع أمام المخلوق البشع الذي أوجده، وكانت “ماري شيلي” قد حلمت للتو بأول وحش ستعرفه العلوم وهو وحش الدكتور “فرانكنشتاين”، مخلوق يشغل العقول والأزمان في جميع أنحاء العالم، فهو البذرة التي ستنمو منها شجرة الخيال العلمي الحديث.

“ماري وولستون”.. إرث أدبي لطفلة حالمة

في أوائل القرن الـ19، كرست “ماري شيلي” طفولتها للمطالعة والحلم والخيال في واحد من أبرز الأوساط الثقافية في إنجلترا، ففي الحقبة قبل “الفيكتورية” كانت النساء الكاتبات نادرات غير أن “ماري وولستون كرافت غودوين” والدة “ماري شيلي” كانت كاتبة متعلمة وفيلسوفة وإحدى أوائل الناشطات النسويات الإنجليزيات، وقد كتبت الروايات والمقالات ودونت تاريخ الثورة الفرنسية، واشتهرت بكتابها “دفاعا عن حقوق المرأة”، وهو مؤلف مهم عن انتقاد المجتمع الذكوري في عصرها.

كانت “ماري شيلي” تُعتبر الوريثة المتفردة لوالدتها الأديبة “ماري وولستون”

وتقول “ميراندا سيمور” الروائية وكاتبة سيرة “ماري شيلي”، إنها “كانت تُعتبر الوريثة المتفردة لوالدتها، وأنها شخص مميز، فقد كان الناس ينظرون إليها على أنها ابنة “ماري وولستون” وحتى أن “بيرسي شيلي” (زوجها المستقبلي) نفسه عندما زار منزل والدها كان ينظر إلى “ماري شيلي” على أنها ابنة “ماري وولستون كرافت” التي توفيت بطريقة مأساوية خلال ولادتها لها بعد محاولتين للانتحار”.

ولم يكن التميز في عائلة “ماري شيلي” فقط من والدتها بل أيضا والدها “ويليام غودوين” الفيلسوف السياسي وأحد أبرز الشخصيات الاجتماعية وقتها، وعلى الرغم من أفكاره الليبرالية فإنه لم يوافق على علاقتها مع “بيرسي شيلي” الشاعر الرومنسي المفتون بالعلم الذي سيكون الملهم الحقيقي لبطل رواية “ماري”، ولم يكتف “ويليم غودين” برفض العلاقة فقط، بل تبرأ من ابنته بشكل نهائي بعد فرارها مع عشيقها إلى فرنسا.

ويجسد هرب العاشقين الرومانسيين الشابين الحركة الإنجليزية الطليعية الباحثة عن الإلهام والإثارة والخبرة، فبالعربة تارة وسيرا على الأقدام أو على ظهر حمار تارة أخرى وصلوا إلى سويسرا، حيث اللورد “بايرن” والليالي القوتية التي أدت في نهاية المطاف لرؤية المخلوق البشع ومكتشفه الغامض “فيكتور فرانكنشتاين”.

لص القبور.. “من عساه أن يتخيل أهوال عذابي السري؟”

في رواية “ماري شيلي” ليس “فرانكنشتاين” اسم المخلوق، بل اسم صانعه الطبيب “فيكتور فرانكنشتاين”، فبعيدا عن صورة العالم المجنون التي نتخيلها، فإن “فرانكنشتاين” هو طالب طب شاب وسيم وموهوب، ولديه هوس سري وطموح جامح يحاول تحقيقه وحيدا في مخبره.

ويبحث “فيكتور” –الذي يدرس علم التشريح- عن سر الحياة ويفحص آلية التحلل الطبيعي للجثث، ويتعمق في الحدود بين الحياة والموت.

في رواية “ماري شيلي”، فرانكنشتاين ليس اسم المخلوق، بل اسم صانعه الطبيب فيكتور فرانكنشتاين

وعن شخصية “فرانكنشتاين” يقول الروائي “جان كلود كاريير”: “فرانكنشتاين” مجرد طبيب لديه حلم مجنون بإعادة خلق الحياة، ولكن ما كان ملفتا بتلك الحقبة هو أنه كان جراحا، لم يكن الجراحون كثرا في تلك الفترة من القرن الـ18، إذ كان يعد بتر ذراع إنجازا هائلا، فهاجس الأطباء كان كيف نمنع الدماء من التدفق ونجد الشريان الصحيح.

وكان هدف الطبيب الشاب تشكيل إنسان كامل قائم بذاته مصنوعا من أجزاء الجثث المعاد تجميعها، ولجمع أجزاء هذه الأحجية المجنونة قام باستخراج بعض الأعضاء من المقابر كما زار المسالخ ليخرج بنتيجة قاتمة ومخيفة.

كان أول ما فعله “فرانكنشتاين” الذهاب للمقابر باحثا عن أجزاء من الجثث وكان هذا شائعا خلال نشأة “ماري”، فقد كان لصوص المقابر منتشرين، وهم غالبا من طلاب الطب الذين كانوا يحصلون على القليل من النقود مقابل توفير جثة مناسبة لمدرسيهم من أجل العمل التشريحي.

كتبت “ماري شيلي” في روايتها بلسان الدكتور “فرانكنشتاين”: القمر يحدق بما أفعله في منتصف الليل، بينما كنت خائفا ومقطوع الأنفاس، ألاحق الطبيعة إلى مكامنها، من عساه يتخيل أهوال عذابي السري، إذ أنبش القبور أو أعذب الحيوانات حية لإحياء كومة الطين الهامدة.

ميتتان وحياة داخل العائلة.. إلهام الرواية

وبالعودة إلى سيرة “ماري شيلي”، يظهر لدينا أن بحثها عن سر الحياة وبثها في مخلوق بعد موته مرتبط بأنها لم تخسر فقط والدتها خلال ولادتها لها، بل أيضا ابنتها الأولى.

وبحسب البروفسيورة وأستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة أوكسفورد “فيونا ستافورد”، فإن: طفلة “ماري” لم تكن تعاني من أي أمراض، واستيقظت في أحد الأيام لتجدها ميتة، وكتبت أيضا في مذكراتها أن أحلاما تراودها عن أن طفلتها تعود للحياة، من الصعب أن لا نفكر في هذا عندما نراها تكتب بعد عامين قصة مخلوق تبث فيه الحياة.

الكاتبة “ماري شيلي” الإنجليزية هربت مع حبيبها الشاعر الرومانسي “بيرسي شيلي”

وفي هذا السياق يقول الروائي “كاريير”: فكرت “ماري” كثيرا بالحياة والموت وفي سبب موت ابنتها وكيف يمكن أن تنجب طفلا جديدا دون أن تحمل به، بل تستطيع إنجابه في مخيلتها.

وإضافة إلى معاناتها مع موت والدتها وابنتها، فإن والد “ماري” كان يعاني من مرض الخدار (النوم القهري) وهذا يعني ببساطة أن الشخص ينام مباشرة على الطاولة، حيث يبدو المريض وكأنه ميت ليعود بعد قليل للحياة ثانية، وهذه الحادثة رأتها “ماري” مرارا وتكرارا في طفولتها، وهذا ما غذى فكرتها عن كيفية إعادة أحدهم إلى الحياة.

ويرى المتخصص في دراسة “فرانكنشتاين” السير “كريستوفر فرايلنغ”، أن ماري مفتونة بلحظة استيقاظ الحياة، وفي روايتها تقول إن لديها عناصر الحياة ولكنها لا تزال تبحث عن شرارتها تلك الشرارة الإلهية، ولكن هذه المرة ستأتي من الكهرباء.

عصر التنوير.. إعادة إحياء البشر والحيوانات

كانت فكرة “ابتكار الحياة” واستخدام الكهرباء في هذه التجارب فكرة جذابة ومغرية لكثير من العلماء وعباقرة المخترعين، فقد ابتكر العالمان “جاك دي فوكانسون” و”جاكيه دغوز” سلسلة من المجسمات الآلية لبشر بالحجم الطبيعي بمساعدة الجراحين، ثم حاولا بعد ذلك إعادة تشغيل الوظائف الرئيسة للجسم البشري، وجسدت المجسمات البشرية وليدة عصر التنوير الرؤية العلمية التي كانت تقول إن جسم الإنسان عبارة عن آلة وأن هذه الآلة قابلة للتفكيك والاستنساخ والدراسة، ومن هنا استمدت “ماري شيلي” إلهامها من تيار الفكر الحديث هذا.

جسدت المجسمات البشرية وليدة عصر التنوير الرؤية العلمية بأن الجسم آلة قابلة للتفكيك والاستنساخ والدراسة

كما حدث أمر آخر قلب مجريات القرن رأسا على عقب، وكان عبارة عن اكتشاف الكهرباء الطاقة الغامضة التي بدأ العلماء للتو كيفية التحكم فيها.

وفي عام 1790 كان الفيزيائي “لويجي كلفاني” أول من نسب بعض القدرات الإلهية لنفسه من خلال إحياء حيوان ميت باستخدام الكهرباء، وأجرى اختبارات على ضفادع ميتة وتمكن من تحريك أرجلها. وبعد بضع سنوات، حاول ابن أخيه “جيوفاني ألديني” إعادة إحياء الثدييات، ثم تخطى كل الحدود وأجرى تجربة على البشر.

يقول السير “كريستوفر فرايلنغ”: في 1803 أجرى “ألديني” تجربة على مجرم كان قد أعدم حديثا، فوضعه على الطاولة ووصل جثته ببطارية كهربائية ضخمة، فانتفض ووقعت تشنجات وفتح إحدى عينيه، وهذا مشابه لمشهد “الخلق” في راوية “فرانكنشتاين”.

“أليكسي كاريل”.. رائد زرع الأعضاء الحاصل على نوبل

في عام 1910، وجد “فيكتور فرانكنشتاين” أول نظير حقيقي له يدعى “أليكسي كاريل”، وهو جراح شاب لامع بدأ باستخراج الأعضاء من الجثث في محاولة لإعادة زرعها في أجساد حية، وقد نجح في خياطة الشرايين والأوردة، وهذا ما لم يكن قد فعله أحد من قبل ليصبح رائدا في زرع الأعضاء.

“أليكسي كارل” جراح شاب لامع كان يستخرج الأعضاء من الجثث في محاولة لإعادة زرعها في أجساد حية

وكان “كاريل” يعمل في غرف مطلية باللون الأسود وكان يصر على أن يرتدي الفريق المساعد ملابس سوداء، وعن إدراك أو سجية كان “كاريل” يستشهد بكلمات “فيكتور فرانكنشتاين”، إذ كتب عام 1912 أن “سيكتشف العلم يوما ما أسرار الحياة، وبعد ذلك اليوم سنكون قادرين على خلق كائنات بشرية”.

وبعد ثلاثة أشهر حصل على جائزة “نوبل” للطب، وبعد عشرين عاما أخرى غرق “كاريل” في جنون علمي، إذ كان مؤمنا بتفوقه ومقتنعا بانتمائه لنخبة مصطفاة من واجبها تشكيل الإنسانية، فأصبح الجراح زعيم حركة لتحسين النسل، وقد اقترحت القضاء على المجانين ومحدودي القدرات العقلية، وكان يبدو أن الهوس في تحسين الحياة سيؤدي إلى كارثة.

ليلة كئيبة من نوفمبر.. ميلاد الوحش

بعد نجاحه –بحسب الرواية- بتجميع الأعضاء وصناعة المخلوق، صدم الدكتور “فرانكنشتاين” بصنيعته وقال: في ليلة كئيبة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، شاهدت نتاج عملي بقلق كاد أن يصل إلى حد المعاناة، جمعت أشياء الحياة من حولي لأتمكن من بث شرارة الحياة في جسم هامد يجثم تحت قدمي.

ويقول متخصصون وروائيون وناقدون إن “فرانكنشتاين” شعر بالذعر عندما نظر إلى الجثة ووصفها بالكارثة وندم وفرّ إلى الخارج.

فرانكنشتاين بأدوار متعددة بكن بنفس الشخصية وبنفس تركيبة الوجه

ويرى السير “كريستوفر فرايلنغ” أن محور الرواية هو الإنسان المصنع الذي رفضه صاحبه أو صانعه أو والده، وهذه هي اللحظة الأساسية في الرواية والباقي يتفرع منها، فكرة رفضه من قبل والده وحقيقة أنه صنع من دون رحم الأم.

وترى البروفيسورة “أنجيلا رايت” أستاذة الأدب القوطي- أن “ماري شيلي”: لم تكن تنوي أن ترى مخلوقا بشعا بل أن ترى ردة فعل “فرانكنشتاين” أمام ثورة ما صنعه، وهذا ما يجعل المخلوق بشعا.

تجسيد التطور البشري.. شخصية ألهمت المسرح والسينما

ظهرت شخصية “فرانكنشتاين” بأكثر من 100 فيلم ومسرحية وصورة نموذجية كلاسيكية لفئة الخيال العلمي والرعب، حتى أصبحت عنصرا رئيسيا في الثقافة الشعبية الرائجة. وحولت التعديلات الكثيرة على الرواية “فرانكنشتاين” من الطبيب إلى اسم المخلوق، كما كرست صورة الوحش الصامت معدوم الذكاء.

وعلى عكس رواية “ماري شيلي” لم يكن للوحش اسم، ولكن تبين في النهاية أنه أكثر تعقيدا مما يبدو، وأنه قادر على التفكير والإحساس، فبعد أن يُهجر يهرب من مختبر “فرانكنشتاين” ويلجأ إلى غابة، حيث يعيش كحيوان بري ولكن بدلا من البقاء في حالة بدائية يشرع بالتطور، فيكتشف استخدام النار ويشحذ حواسه ويقدر أعاجيب الطبيعة وتعاقب الفصول.

أكثر من 100 فيلم ومسلسل أنتجت من قصة فرانكنشتاين وبتحديثات تناسب كل عصر

هذا المخلوق بطريقة ما يجسد تاريخ التطور البشري كاملا من الولادة إلى فهم الحواس والنظر إلى القمر، فمن المشاهد الرائعة في الكتاب مشهده حينما ينظر إلى القمر ويفهم أسباب ضوء النهار وظلمة الليل، وفي الغابة يكتشف المخلوق شكله والقبح المنفر لوجهه.

وبعد أن عرف شكله يجول المخلوق في الغابة كيتيم جريح ليلمع أمامه بصيص أمل حين يكتشف منزل عائلة متواضع ويراقبها سرا لأشهر، ولكنه رفض من قبلهم، فبدأت تسوء حالته لينتقم منهم بحرق الكوخ الذي كانت تعيش فيه العائلة.

“روح طيبة أفسدتها نظرة الناس”.. فلسفة الإنسان الصالح

يقول الوحش في الرواية: كلما رأيتهم أقنعت نفسي أنهم حين يعرفون بتقديري لفضائلهم سيرحمونني ويتجاهلون تشوهي، من عساه يصف رعبهم وخوفهم إزاء رؤيتي.

ويرى “جان كلود كاريير” الروائي “أن هناك شيئا يشبه نظيرات “روسو” كثيرا، وهو فكرة أننا جميعا نولد صالحين إلى أن يفسدنا المجتمع، لذا فهذا المخلوق (وحش فرانكنشتاين) ولد طيبا صالحا، ولكن بسبب مظهره البائس والمخيف بات يُقابل من الأشخاص الذين يصادفونه بالخوف والرعب، فهو روح طيبة أفسدتها نظرة الناس إليها”.

في مواجهة الاحتقار والرعب تحول المخلوق إلى وحش، فقد رحلت روحه الطيبة ولم يبق منه سوى المرارة والعنف والكراهية، وبعدما استهلكته الوحدة، عاد إلى صانعه الشخص الوحيد الذي من الممكن أن يقدم له العطف والمحبة.

“لقد توقعت هذا اللقاء”.. مواجهة المخلوق وصانعه

في أغسطس 1816، غادرت “ماري” وبزوجها “بيرسي” منزلهما في جنيف وتوجها إلى جبال “مون بلان” عند النهر المتجمد، حيث ستحدث المواجهة بين الكائن المخلوق وصانعه.

وجاء في رواية “ماري شيلي” قول “فرانكنشتاين” لصنيعته: اللعنة على اليوم الشيطاني الذي رأيتَ فيه النور لأول مرة، ملعونة هي الأيدي التي صنعتك، لقد سببت لي بؤسا يفوق الوصف، ارحل واعفني من رؤية مظهرك الشائن.

تنبأت الروائية الشابة بعالم تسيطر عليه العلوم والتكنولوجيا على مستقبل الإنسان حتى لو كان ذلك يعني إنكار إنسانيته

ليرد المخلوق: لقد توقعت هذا اللقاء.. كل البشر يكرهون البائس، تذكر أنني صنيعتك، اجعلني سعيدا وسأعود صالحا.

“أنت صانعي لكنني سيدك”.. نبوءة الرواية

في نهاية الرواية يُقتل “فرانكنشتاين” بطريقة شنيعة، ويذكر مصيره وطريقة موته بشخصية “بروميسيوس” الأسطورية الشخص الذي سرق نار المعرفة وصنع البشر من الطين مطلقا العنان لعقوبة إلهية، بينما يبقى المخلوق يجتر موت صانعه كطفل مهجور إلى الأبد.

من خلال المخلوق، تنبأت الروائية الشابة بعالم تسيطر فيه العلوم والتكنولوجيا على مستقبل الإنسان حتى لو كان يعني إنكار إنسانيته.

اليوم يستكشف العلم أشكالا جديدة من الحياة، ويسعى إلى إعادة تشكيلها بمخلوقات اصطناعية مثل النوعيات الجديدة التي تفوق بسماتها النوع البشري.

فهل سيقع استبدال الإنسان وإخضاعه للكائنات التي أوجدها؟ وهل سنسمع بجهاز “أندرويد” أو “سيبورغ” أو بأي نوع من المخلوقات الذكية المصنعة تنطق بالكلمات نفسها التي قالها “وحش” ماري للطبيب “فيكتور فرانكنشتاين”: أنت صانعي لكنني سيدك.

فعلى مدى 200 عام، كرس المخلوق نفسه لتحقيق رغبات صانعه وترك أثرا كبيرا على الوعي الجمعي لدينا، لدرجة أن الجميع نسوا أصوله الحقيقية والروائية التي منحته الحياة.