“العقيدة الإسرائيلية”.. يهود أمريكيون يكفرون بالصهيونية

“سيشعر الإسرائيليون بالسلام فقط عندما يشعر الفلسطينيون بالخوف”. هذه العبارة الكاشفة تتردد على لسان إحدى الشخصيات التي تظهر في الفيلم الوثائقي الطويل “العقيدة الإسرائيلية” (Israelism)، وقد أُنتج الفيلم عام 2023، قبل انطلاقة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهو يعرض منذ أشهر عدة بكثير من الأحياء الجامعية في عدد من المدن الأمريكية.

من الواضح كما يصور لنا الفيلم الذي أخرجه المخرج الأمريكي اليهودي “إيرين أكلسمان” مع زميله “سام إيلرتسن” أن شباب اليهود الأمريكيين لم يعودوا يثقون فيما تلقوه من “تلقين” منذ طفولتهم حول دولة إسرائيل والصهيونية عموما.

ولذلك يعود الفيلم لفحص تلك العلاقة شبه المقدسة التي لم يكن أحد يتصور أنها يمكن أن تُمس، بين شباب اليهود الأمريكيين، وبين السياسات الإسرائيلية، بل حتى جوهر العقيدة الصهيونية نفسها التي أصبحت مشوّهة في أنظار هؤلاء الشباب على أدنى تقدير، أو فقدت جوهرها ومعناها.

صراع الهوية والوطن.. مناظرات داخل الجامعات الأمريكية

ينتقل الفيلم بين مناظرات ومناقشات كثيرة تدور داخل الحرم الجامعي في الجامعات الأمريكية المرموقة، ويوثق شهادات كثير من الشباب حول نشأتهم على الإيمان بالارتباط الوثيق بين إسرائيل واليهودية، وأن الولاء للقيم اليهودية يقتضي دعم إسرائيل باستمرار، والدفاع عنها في وجه كل نقد يوجه لها من أي طرف كان.

استغرق العمل في الفيلم نحو سبع سنوات، ويستخدم المخرجان أسلوب التصوير المباشر، والمونتاج الذي يربط بين الأماكن والشخصيات، وبين ما تسرده الشخصيات والوقائع الموازية على أرض الواقع، كما يلجأ إلى اللقطات المصورة من الأرشيف، خصوصا للنكبة والنزوح الفلسطيني الكبير في عام 1948، ويستخدم الخرائط والصور الثابتة والرسوم المتحركة (التحريك) والتعليق الصوتي.

يوظف المخرج هذه العناصر كلها بحرفية ومهارة عالية، لشرح وتقريب موضوعه من زواياه المتعددة، مع الحرص على تحقيق التوازن بين الطرفين؛ الطرف المناهض لإسرائيل، والطرف الآخر المؤيد والداعم.

“إن المجتمع غير اليهودي لا يفهم سبب هوسنا بإسرائيل”

بفضل قوة ما يطرحه الطرف المناهض لإسرائيل مدعوما بالحقائق، يصبح الفيلم دعوة واضحة إلى ضرورة أن يفتح الشباب الأمريكي عيونهم على الحقائق التي تغافلوا عنها طويلا، أو بالأحرى التي تجاهلها وأغفلها من قدموا لهم المعلومات، ودروس التاريخ بخصوص المثالية المزعومة لدولة الاحتلال.

المشهد الأول في الفيلم صادم تماما، إذ يبدو كأنه مشهد في أفلام الدعاية الفجة لإسرائيل، والحقيقة أنه كذلك حقا، هناك شاشة ضخمة داخل مسرح كبير يمتلئ بآلاف الفتيات والشبان، يصرخون جميعا في نشوة، والأعلام الإسرائيلية ترتفع في كل مكان، والموسيقى تصدح عاليا، ثم نرى مشاهد لطائرات حربية ومدافع وجنود. إننا أمام احتفال يهودي سنوي في مسرح كبير بمدينة القدس المحتلة عام 2018.

على شريط الصوت يأتينا صوت رجل يقول “إن المجتمع غير اليهودي لا يفهم سبب هوسنا بإسرائيل”. ثم يخبرنا صوت فتاة على خلفية لقطات لجنود الاحتلال: “كل واحد منا يعرف جنديا في الجيش، الجنود الإسرائيليون رائعون وأقوياء، إنهم كل ما نريده جميعا”، وتتردد هذه الكلمات على صور لوجوه عدد من الجنود والمجندات في الجيش الإسرائيلي يبتسمون أمام الكاميرا.

يقف مقدم الحفل ويسأل: من منكم من الولايات المتحدة؟ فيرفع المئات أيديهم وهم يهللون، ثم نتعرف عن قرب على بعضهم. يقول أحدهم: أنا من بروكلين، جئت إلى هنا عام 2016، وقضيت أربعة أشهر، ثم التحقت بالجيش، وقد فاتتني طائرة العودة، وما زلت هنا.

بوستر فيلم “العقيدة”

يظهر بعد ذلك رجل فلسطيني في سوق الخضراوات، ثم في مقهى في رام الله، فيقول: عندما زرت أمريكا أول مرة، كان اليهود الأمريكيون يقولون لي أشياء مثل: “نحن نحبك لكننا لا نحب الفلسطينيين”، مع أنني كنت الفلسطيني الوحيد الذي يعرفونه.

“سيمون زيمرمان”.. يهودية أمريكية تعلمت الولاء لإسرائيل

يقدم لنا الفيلم شخصياته الرئيسية في هذه المشاهد الأولى، وهي تتميز بإيقاع سريع ومونتاج ينتقل من مناظر الدعاية الملونة والفرحة الاحتفالية والحماس الهستيري، إلى نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية، وإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المصلين، ودفع الجنود للفلسطينيين، وهدم البيوت والاعتقالات.

أول شخصية رئيسية تظهر في الفيلم هي اليهودية الأمريكية “سيمون زيمرمان”، وسوف نبقى معها حتى النهاية، وهي تروي أنها كانت تتعلم الولاء لإسرائيل منذ كانت في المدرسة اليهودية طفلة، وأن كثيرا من زميلاتها هاجرن فيما بعد إلى إسرائيل، ثم التحقن بالجيش.

نشاهد الدور الذي تلعبه هذه المدارس اليهودية التي تُسمى “الهليل”، فهي تلقن الطلاب اليهود معنى اليهودية، وهي مراكز منتشرة في الولايات المتحدة والعالم، وتشرح “سيمون زيمرمان” طريقة تدريبها وقريناتها على ما يشبه تدريبات الجيش الإسرائيلي، يرتدين ملابس عسكرية، ويحملن ما يشبه بنادق، لكن سيأتي وقت تجد فيه “سيمون” نفسها في أزمة أخلاقية.

في بدايتها بجامعة بيركلي علمت “سيمون” أن اتحاد الطلاب قرر الدعوة لمقاطعة إسرائيل، بسبب سياستها العنصرية، وسجلها السلبي في مجال حقوق الإنسان، وكان رد فعلها الطبيعي -طبقا لما تعلمته ولُقّنته- مواجهة هذه الدعوة باتهام القائمين عليها بازدواجية المعايير.

“لا يمكننا أن نصمت”.. حركة وعي جديد مناهضة للصهيونية

أن استمعت “سيمون” إلى وجهة النظر الأخرى من جانب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، ذهبت إلى أقرانها وطلبت نصحهم فيما يتعلق بالرد على هذه الحجج والأقوال التي تدين إسرائيل، بعيدا عن الاتهامات المعتادة بالعداء للسامية، لكنها شعرت باهتزاز شديد عندما وجدت الجميع يصمتون، فلم يكن لديهم جواب.

سيمون زيمرمان مع سامي عواد مدير مؤسسة الأرض المقدسة

تقول “سيمون” إنها كانت دائما تتعلم الكثير عن إسرائيل، لكنها لم تكن تعلم شيئا عن “الآخر” الفلسطيني، لذلك قررت الذهاب بنفسها إلى فلسطين، مع أن أصدقاءها حذروها وقالوا “ستقتلين هناك”. لكنها لم تقتل، بل شاهدت الاحتلال يعامل الفلسطينيين على أنهم أدنى من البشر، وينكر عليهم حقوقهم، وهنا بدأت صدمة الوعي.

أصبحت “سيمون” مؤسسة حركة الوعي الجديد التي ترفع شعار “لا يمكننا أن نصمت”، فكانت تقود -كما نرى في الفيلم- مظاهرات الطلاب اليهود المناهضين للصهيونية، ترفع الشعارات الداعية لكشف الحقائق أمام مقر منظمة “إيباك”، أي اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، تناهض العنصرية الإسرائيلية، وترفض الربط بين الصهيونية وإسرائيل، كما ترفض فكرة أن العداء للصهيونية هو بالضرورة معاداة للسامية، كما يروج الصهاينة.

ازدواجية الولاء.. مدارس تربي الأجيال على حب الوطن البعيد

على الجانب الآخر، تظهر في الفيلم شخصية لامرأة أخرى هي “جاكوي شوليفاند” وهي معلمة سابقة في المدارس اليهودية، نراها وهي تشارك في اجتماع داخل أحد مراكز “الـهليل”، ثم تتحدث عن شغفها الشديد بإسرائيل، والتحاقها بالتدريس بالصف الثاني في المدارس اليهودية، ونرى صورا للأطفال يلقنون حب إسرائيل ورفع علمها، فيقفز إلى أذهاننا السؤال المباشر: وماذا عن فكرة الولاء لأمريكا؟

لا يتوقف الفيلم أمام هذه المشكلة التي تتجسد فيما يُسمى “ازدواجية الولاء”، فهو يركز أساسا على التعارض بين يهود أمريكا الداعمين لإسرائيل، والشباب اليهودي المناهض لإسرائيل.

أصبحت المعلمة “شوليفاند” مديرة للتواصل مع الطلاب في مركز “هليل” بجامعة كونيتيكت، وهي تجلس الآن مع عدد من الطلاب الجامعيين، تستمع إليهم في حين يقول أحدهم إنه المسؤول عن الأحداث الثقافية والسياسية الإسرائيلية، وأن لديهم مسؤولا مثله في كل جامعة أمريكية، ثم يتحدث عن تجربته في الجيش الإسرائيلي، وأن هناك زملاء له يعربون عن رغبتهم في الانضمام لهذا الجيش، فيحذرهم قائلا إن التجربة لن تكون سهلة، لكنها قد تصبح أهم تجربة في حياتهم.

تعرب “شوليفاند” عن شعورها بالفخر بسبب التحاق كثير من طلابها بالجيش الإسرائيلي، فهي ترى أن “تخرج أحد مبعوثينا الشباب في القوات الجوية الإسرائيلية أكبر هدية يمكن تقديمها لنا”.

“يؤلمني أن يقف يهودي ويطالب بالعدالة للفلسطينيين”

يكتمل هذا “الهوس” الذي يلازم قطاعا كبيرا من اليهود الأمريكيين بإسرائيل، بظهور “آبي فوكسمان”، وهو مدير سابق لعصبة مناهضة التمييز “إيه دي إل” (ADL)، وهي منظمة صهيونية معروفة.

مظاهرة الطلاب اليهود المطالبين بكشف حقيقة إسرائيل

يظهر “فوكسمان” ويتحدث أكثر من مرة في سياق الفيلم، فأسلوب الإخراج يميل إلى تقطيع المقابلات، ليجسد التعارض بين وجهتي النظر في سياق أحداث محددة يتوقف أمامها، أو يتخذها نوعا من التعليق على ما يصدر عن الطرف الآخر.

ويلعب المونتاج الجدلي دورا في خلق هذا التعارض بين الصوت والصورة، لتحقيق التوازن المطلوب، وحتى لا يُتهم الفيلم بالانحياز إلى جانب واحد، ومع ذلك يعبر الفيلم عن واقع التجربة الشخصية لمخرجيه اللذين يعترفان بأنهما كانا أيضا مثل “سيمون”، لكنهما أصبحا من دعاة النقد الصريح للسياسة الإسرائيلية، مع رفض ما تقوم به القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تصبح “سيمون” مديرة لحملة التواصل اليهودي في مكتب عضو الكونغرس “بيرني ساندرز”، وهو يهودي معادٍ للصهيونية، وتكتب عنها الصحف أنها “متحدثة صريحة ضد الاحتلال الإسرائيلي”، وتشن الأوساط اليهودية حملة يدشنها “آبي فوكسمان” نفسه، وتكون النتيجة إعفاءها من الوظيفة بعد يومين فقط.

يقول “فوكسمان”: يؤلمني أن يقف طفل يهودي هناك، ويطالب بالعدالة للفلسطينيين، إنما العدالة للإسرائيليين. يؤلمني ويزعجني هذا فمعناه أننا فشلنا، لقد فشلنا في التثقيف والشرح وغير ذلك.

“أشعر بالاندماج في إسرائيل أكثر من أمريكا”

القصة الثانية الرئيسية في الفيلم هي قصة “إيتان”، وهو شاب يهودي أمريكي من ولاية أتلانتا، وقد نشأ في أسرة يهودية متعصبة، فآمن بإسرائيل وأصبح ضمن الـ10% من طلاب المعلمة “شوليفاند” الذين ذهبوا إلى إسرائيل، والتحقوا بالجيش الإسرائيلي.

يقول “إيتان” إن الانضمام إلى الجيش جانب أساسي في عملية الاندماج بالمجتمع الإسرائيلي، وقد فعل ذلك وتلقى تدريبا على استخدام الرشاشات الثقيلة ثم الأسلحة الخفيفة، ثم كيفية الإغارة على المساحات المفتوحة من الأراضي الفلسطينية، ثم حرب المدن.

يعرض الفيلم صورا كثيرة، منها تدريبات عسكرية وصور شخصية لـ”إيتان” في ملابس الجيش. لقد كان -كما يقول- يشعر بالاندماج في الحياة في إسرائيل أكثر من أمريكا. وقد أرسلوه مع وحدة عسكرية إلى الضفة الغربية، وكان مطلوبا منه ومن زملائه العمل في الحواجز وتفتيش الفلسطينيين، ثم الصعود إلى أسطح البنايات الفلسطينية والبقاء هناك بحيث يراهم الفلسطينيون، لكي يدركوا “أننا موجودون ونراقبهم”.

الصهيونية هي الإرهاب

يقول “إيتان” إنه فهم أن المطلوب منهم هو إبقاء الفلسطينيين في حالة رعب وشلل دائمين، ويتحدث كثيرا عما تعلمه عن إسرائيل، وأنهم لم يناقشوا الفلسطينيين قط، وكل ما كانوا يعرفونه أن فلسطين كانت أرضا قاحلة لم تجد من يرعاها.

“يريدون قتلنا وإبعادنا من الأرض”.. واقع يكذّب الصورة النمطية

يستخدم المخرج لقطات من الأرشيف من الثلاثينيات والأربعينيات، في حين يقول “إيتان” إن كل ما قيل عن الفلسطينيين هو أنهم “يريدون قتلنا وإبعادنا من الأرض”.

ذات يوم سيطلب منه قائده أن يذهب ويأتي بشاب فلسطيني معصوب العينين مقيد اليدين، من أمام نقطة تفتيش إلى مركز الاحتجاز، لكن الجنود انتزعوا الشاب منه وانهالوا عليه بالضرب المبرح، ولم يستطع التدخل، فقد كان قائده يقف صامتا يدخن سيجارة.

نشاهد كل هذه المشاهد من خلال الرسوم المتحركة البديعة التي تعوض غياب الصور المباشرة، لكن من دون أن تلغيها، فهناك صور كثيرة وثائقية لأسلوب التعامل العنيف مع الشباب الفلسطيني عند الحواجز.

شعر “إيتان” بالذنب والصدمة من هذه القسوة غير المبررة في التعامل مع شخص بلا محاكمة، وسيدفعه ذلك فيما بعد إلى مراجعة نفسه ومراجعة كل ما تعلمه في الماضي. لكنه استغرق -كما يقول- سنوات للوصول إلى الحقيقة، لا سيما بعد خروجه من الجيش والتفكير فيما كان يفعله من إيذاء للفلسطينيين، وقد عاد إلى أمريكا، لينضم إلى حركة مناهضة العنصرية الإسرائيلية.

عودة من الشتات إلى أرض لا سكان لها.. دعاية الصهيونية

تقول “سيمون” إن كل ما تعلمته في الماضي هو أن اليهود كانوا في الشتات، وكان هناك بعض اليهود في فلسطين، وكان لا بد من العودة من الشتات، أما فكرة وجود سكان أصليين، فلم تكن جزءا من الإطار المرجعي عندها.

الفلسطيني الذي يعمل دليلا للسائحين أمام الجدار العازل

هنا تظهر في الفيلم لقطات من الأرشيف (بالأبيض والأسود) لعائلات فلسطينية من الماضي قبل قيام إسرائيل، فنرى تجمعات فلسطينية، وأسرا سعيدة، وشبابا يرتدون الملابس العصرية ويعملون في الطب والتجارة، وفتيات عصريات أنيقات، وأسرا من الطبقة الوسطى، كل ذلك على النقيض من الصورة النمطية التي كانت تروج لها أفلام الدعاية الصهيونية الوثائقية القديمة، وتظهر الفلسطينيين رعاة أغنام أو بدوا رُحّلا لا يمثلون مجتمعا متماسكا.

يظهر في الفيلم أيضا رجلان فلسطينيان، الأول هو بهاء حلو الذي يعمل دليلا سياحيا في رام الله، والثاني هو سامي عواد مدير مؤسسة الأرض المقدسة، وهما يمثلان الوجه الحقيقي للفلسطيني المثقف الذي يميل للسلام، يسيران معا في شوارع المدينة، ثم يجلسان ليسترجع كل منهما الذكريات التي ترسبت في ذهنه من طفولته عن حياة أسرته تحت الاحتلال.

أحادية النظرة ومعاداة السامية.. انتقادات ضد الفيلم

أثار هذا الفيلم كثيرا من الجدل، وهاجمه اللوبي اليهودي الأمريكي، ومُنع من العرض في مناسبات كثيرة، وذلك بسبب قوته وشجاعته في طرح الصورة المضادة لما زرعه التلقين المستمر في عقول اليهود الأمريكيين، وبفضل تصويره المميز لقوة الحركة الطلابية “اليهودية” المناهضة للصهيونية في الجامعات الأمريكية.

وقد أبدى “آبي فوكسمان” ندمه على مقابلته في الفيلم، ورد المخرجان بالقول إنهما حصلا منه مسبقا على موافقة كتابية على مشاركته في الفيلم، مع علمه بموضوعه.

ولم تقتصر الانتقادات الموجهة للفيلم ومخرجيه على اتهامه بأحادية النظرة والانحياز للفلسطينيين، مع إغفال الحديث عن “الإرهاب” الفلسطيني، بل إنها بلغت حد اتهامه بالتهمة المعتادة (أي معاداة السامية)، مع أنه كان يظهر وجودا واضحا للطرف الآخر اليهودي.

ويأتي أبلغ رد على ذلك من داخل الفيلم نفسه، من خلال شخصية امرأة يهودية، تختتم الفيلم عندما تظهر مع عدد من الفتيات والشباب اليهود، تحدثهم عن النكبة التي أدت إلى نزوح 750 ألف فلسطيني من ديارهم، وتدمير 400 منزل (ويا له من رقم متواضع، قياسا بحجم الدمار الحاصل في قطاع غزة الآن).. ثم تقول إن “الاستعمار” مستمر، والنكبة مستمرة، والتطهير العرقي للفلسطينيين مستمر.

تكمن أهمية هذا الفيلم في أنه يصور التغير الملحوظ في موقف الشباب اليهودي الأمريكي حيال إسرائيل، كما أنه يثير نقاشا كثيرا، ليس فقط بفضل موضوعه، بل نتيجة بنائه المركب المتعدد الطبقات الذي ينتقل بين أطراف عدة، مركزا طيلة الوقت على الشباب اليهودي الأمريكي، مقدما صورة من الداخل لما لا نعرفه ويحدث داخل الجامعات الأمريكية، من جدل مشتعل زاد اشتعاله منذ طوفان الأقصى.