مدارس التحدّي.. مدارس فلسطينية صامدة ضد الهدم والتهجير

مدارس التحدي بفلسطين

يوما بعد يوم، وعلى مدار السنوات منذ نكبة فلسطين 1948، ما يزال الاحتلال الإسرائيلي يتفنن في انتهاك حقوق الفلسطينيين وهم أهل البلاد الأصليون، فيصادر الحريات، ويعتدي على الأطفال والنساء والشيوخ، ويقضم الأراضي الفلسطينية، فيقيم عليها المستوطنات تارة، ويبني عليها جدران الفصل العنصري والأسلاك الشائكة تارة أخرى.

وتمثل مُصادرة التعليم وسياسة تجهيل الأجيال الفلسطينية حلقةً في سلسلة الاحتلال الصهيوني البغيض للأرض والإنسان الفلسطيني. وهي القضية التي أثارها فيلم “مدارس التحدي”، الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، وعرضته على شاشتها، لتسليط الضوء على سياسة الاحتلال في هدم المدارس الفلسطينية، ومصادرة حق التعليم الذي كفلته كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية.

مدرسة التحدي والصمود.. رحلة تُرغم الطقس والمسافات والاحتلال

فصول دراسية في العراء، وأحيانا تحت الخيام وألواح الصفيح، أو في ظلال الجدران المهدمة، وأطفال في عمر الورود يحملون كتبهم ودفاترهم، ويسيرون مسافات طويلة في طرق وعرة وغير آمنة، تتهددهم قطعان المستوطنين تارة، وجيش الاحتلال وشرطته تارة أخرى، فيعتدون عليهم بالضرب والشتائم والتخويف. هذا هو حال المدارس الخمس التي زارها الفيلم في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.

في خمس قرى فلسطينية في بدو فلسطين تقام مدارس التحدي والصمود

فعلى مشارف مدرسة التحدي والصمود في منطقة زنوتا جنوب مدينة الخليل، يتردد صدى أصوات الصغار وهم يُغَنّون النشيد الوطني الفلسطيني:

فدائي فدائي.. فدائي يا أرضي يا أرض الجدود

فدائي فدائي.. فدائي يا شعبي يا شعب الخلود

في حين لا تزال الطالبة زينة أبو الكباش تمشي المسافات الطويلة من منزلها في خربة الرضيم، قرب قرية السموع بجنوب الخليل، نحو المدرسة في زنوتا، تعاني البرد القارس شتاء والحرّ اللاهب صيفا، وكل هذا يهون أمام معاناتها من تحرُّش المستوطنين وحواجز الجيش. لكنّ إصرارها على التعليم، وصمودها مع أهلها في بيتهم يخفف كل هذه الصعاب.

“مدرسة التحدي والصمود” في منطقة زنوتا جنوب مدينة الخليل

تتحدث المعلمة مريم الزغارنة قائلة: أدرّس الرياضيات والعلوم والتكنلوجيا، وهي مواد تعتمد على الإنترنت والحواسيب وشاشة العرض، وكلها لا تتوفر في مدرستنا، فأضطر لعرضها من خلال هاتفي حتى يستفيد التلاميذ. لكن الاحتلال استكثر على صغارنا التعليم، فجاء وهدم المدرسة وصادر كلّ شيء فيها، لكن أهل المنطقة لم يستسلموا، فجلبوا الخيام وألواح الصفيح، وجاء كل طفل بمقعده من بيته.

مدرسة أبو النوّار.. ثورة تعليمية تتحدى عبث المحتل

تتحدث لطاقم الفيلم نجوى صلاح الدين، وهي معلمة من مدرسة أبو النوّار الواقعة شمال شرقي القدس، فتقول: أُنشئت المدرسة في العام الدراسي 2015/2016، وكانت مكونة من صفين، وفيها ثلاث معلمات ومديرة، وقد بنيناها ليلا وهدمها الاحتلال صباحا، فلجأنا لتوفير خيام لإكمال المسيرة التعليمية، لكنّ قوات الاحتلال صادرتها بعد يومين. وفي كل عام نزيد المدرسة صفا أو صفين، ثم يهدمها الاحتلال تباعا، واليوم تبرع لنا صاحب صالون حلاقة باستخدام محله، ليكون صفا في الصباح ويعود صالونا في المساء.

بعد هدم الاحتلال مدرستهم، يجلس التلاميذ في خيمة لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء القارس

وتحدثت المعلمة مريم الزغارنة: “أقوم بتدريس الرياضيات والعلوم والتكنلوجيا، وكلها تعتمد على الانترنت والحواسيب وشاشة العرض، وكلها لا تتوفر في مدرستنا، فاضطر لعرضها من خلال هاتفي حتى يستفيد التلاميذ. لكن الاحتلال يستكثر على صغارنا التعليم، فجاء وهدم المدرسة وصادر كلّ شيء فيها، لكن أهل المنطقة لم يستسلموا، فجلبوا الخيام وألواح الصفيح، وجاء كل طفل بمقعده الخاص من بيته”.

مدرسة أبو النوّار

وتحدثت لطاقم الفيلم المعلمة نجوى صلاح الدين، من مدرسة أبو النوّار، شمال شرقي القدس: “أُنشئت المدرسة في العام الدراسي 2015/2016، مكونة من صفين وفيها ثلاث معلمات ومديرة، وقد بنيناها ليلا وقام الاحتلال بهدمها صباحا. فلجأنا لتوفير خيام لإكمال المسيرة التعليمية، لكنّ قوات الاحتلال صادرتها بعد يومين.

على أنقاض مدرستهم، يصر التلاميذ وأهاليهم والمعلمات أن تعقد الدروس ولو في العراء

تتحدث المعلمة مريم الزغارنة قائلة: أدرّس الرياضيات والعلوم والتكنلوجيا، وهي مواد تعتمد على الإنترنت والحواسيب وشاشة العرض، وكلها لا تتوفر في مدرستنا، فأضطر لعرضها من خلال هاتفي حتى يستفيد التلاميذ. لكن الاحتلال استكثر على صغارنا التعليم، فجاء وهدم المدرسة وصادر كلّ شيء فيها، لكن أهل المنطقة لم يستسلموا، فجلبوا الخيام وألواح الصفيح، وجاء كل طفل بمقعده من بيته.

مدرسة أبو النوّار.. ثورة تعليمية تتحدى عبث المحتل

تتحدث لطاقم الفيلم نجوى صلاح الدين، وهي معلمة من مدرسة أبو النوّار الواقعة شمال شرقي القدس، فتقول: أُنشئت المدرسة في العام الدراسي 2015/2016، وكانت مكونة من صفين، وفيها ثلاث معلمات ومديرة، وقد بنيناها ليلا وهدمها الاحتلال صباحا، فلجأنا لتوفير خيام لإكمال المسيرة التعليمية، لكنّ قوات الاحتلال صادرتها بعد يومين. وفي كل عام نزيد المدرسة صفا أو صفين، ثم يهدمها الاحتلال تباعا، واليوم تبرع لنا صاحب صالون حلاقة باستخدام محله، ليكون صفا في الصباح ويعود صالونا في المساء.

صاحب صالون حلاقة يتبرع بمحله ليكون صفا في الصباح

ويقول داود جهالين، وهو رئيس لجنة حماية تجمعات أبو النوّار: كل عملية هدم يشهدها طلاب أبو النوار يتبعها استمرار المسيرة التعليمية لحين توفير بديل، إما بنقلهم إلى خيمة أو موقع آخر، ولم تتعطل الدراسة يوما، برغم كل عمليات الاقتحام والهدم. لكنّ ذلك بلا شكّ يترك آثارا نفسية سيئة لدى الصغار، وفي الوقت ذاته يزيدهم تعلقا بالدراسة والتحدي.

وتتحدث المعلمة نجوى عن أسباب هدم المدارس ووسائل الكفاح لدى الأهالي قائلة: نحاول أن نوضح لأطفالنا سبب هدم الاحتلال للمدارس، فهم يعلمون أن سلاحنا وقوتنا في تعليمنا، ولذا فعلينا ألّا نيأس وأن نزرع حب التعليم في نفوس الأطفال، ونطلب من السلطة الفلسطينية والأهالي أن يساعدونا في إعادة تأهيل المدراس المهدمة، ولو بأبسط الوسائل، حتى نواصل رسالتنا المقدسة في التعليم.

مدرسة الخان الأحمر شرق مدينة القدس، تتكون من مجموعة خيام

ولا شيء يهوّن مواجهة كل ذلك الظلم الذي يمارسه الاحتلال ويزيد إصرار المعلمين إلا ما يرونه من نجاح جهودهم في وجوه الأطفال. تقول المعلمة نجوى: مع أننا نعيش الألم والمعاناة يوميا، فإن نظرة الأطفال المتلهفة لرؤيتنا وفرحهم الشديد بلقائنا وحرصهم على الاجتهاد وحفظ دروسهم، يزيدنا إصرارا على مواصلة الجهود، وتحدي سياسات الاحتلال الرامية إلى تجهيلنا، وحصار الوعي والإرادة لدى الصغار والكبار فينا.

مدرسة الخان الأحمر

في مدرسة قرية الخان الأحمر الواقعة شرقي القدس، تحدَّثت المعلمة إسراء زهران قائلة: نقطع حواجز عدة حتى نصل إلى المدرسة، ولي تجارب متعددة مع أنواع المواصلات، على نُدرتها وصعوبتها، وهذا حال أغلب المعلمات اللاتي يأتين من مناطق مختلفة، من الخليل ورام الله والعيزرية وبدُّو. وكل معلمة لها قصة مع المواصلات، وأما الطلبة فيأتون من الأنفاق الواقعة تحت الطرق الرئيسية المخصصة للمستوطنين فقط.

الطالبة سجود جهالين التلميذة في مدرسة الخان الأحمر وذات الـ12 ربيعا، تصر على الدراسة وتدريس أختيها

وتحدثت مديرة المدرسة حليمة الزحايقة، قائلة: أعمل هنا منذ 5 سنوات، وعدد الطلاب حاليا 149 طالبا وطالبة، من الصف الأول الأساسي إلى الصف التاسع الأساسي، ولدينا 16 معلمة. ويأتينا الطلبة من 5 تجمعات بدوية، ويواجهون صعوبات يومية بسبب عمليات الهدم، والتعرض لانتهاكات المستوطنين وسلطات الاحتلال. وهذه الأبنية المتهالكة لا تحمينا من البرد ومياه الأمطار.

وتصف أحوال المدرسة وما يواجهها بقولها: المدرسة مهددةٌ يوميا بالهدم والإزالة، مثل غيرها من مدارس تجمعات البدو الفلسطينيين، ونحن نقف منذ فترة أمام المحاكم المختلفة، نحاول الدفاع عن وجودنا على أرضنا وحماية مدارسنا، والحفاظ على حق أطفالنا في التعليم، ولكنْ على رأي المثل: لمن تشتكي إذا كان خصمك هو القاضي؟

في شارع الشهداء بالخليل، يتربص التلاميذ كل صباح باعتداءات المستوطنين وشتائمهم

ويقول أبو خميس، وهو رئيس المجلس القروي بالخان الأحمر: هدمُ هذا التجمع السكاني يعني تشريد أهله البالغ عددهم حوالي 200 شخص، وهدم المدرسة يعني حجب التعليم عن 160 طفلا جاؤوا من 5 تجمعات بدوية مختلفة. نحن نحاول بجميع الوسائل الممكنة إيقاف قرارات تنفيذ الهدم، ولكننا نعلم أن الهدم قادم لا محالة.

وتقول الطالبة سجود جهالين: عمري 12 سنة، وأعيش في الخان الأحمر منذ ولدت، ولن أرضى عنه بديلا، وقد علمتني أمي حلب الأغنام منذ كنت في الصف الثالث. أحب مدرستي ولن أسمح لليهود بهدمها ثانية، أو سرقة أشيائنا. في الأيام التي أعجز فيها عن الذهاب للمدرسة أدرس لوحدي وأُدَرّس أخواتي، أنظر للمستقبل بأمل، وأتمنى أن أكون شرطيَّة في المستقبل، لأدافع عن مجتمعي الفلسطيني، وأحمي حق الأطفال في العلم والمعرفة.

مدرسة قرطبة.. قلعة تعليمية تكافح في مدينة الخليل

في مدينة الخليل تواجه المدارس ما تواجه في باقي المدن الفلسطينية، وتتحدث عن ذلك نورة ناصر، وهي مديرة مدرسة قرطبة، قائلة: أتوجه يوميا من بيتي إلى منطقة باب الزاوية، على الحاجز 56 الواقع في بداية شارع الشهداء، فنتجمَّع والمعلمات حتى ندخل معا نقطةَ التفتيش الأولى، وبعدها نمشي مسافة 400 متر

وعد الشرباتي، طالبة تسكن في شارع الشهداء بالخليل مقابل بيوت المستوطنين

تقريبا، لنصل إلى نقطة التفتيش الثانية في أسفل الدرج ورقمها 55، وهناك يفحص الجنود هوياتنا الشخصية، وبعدها نمشي في طريق مخصصة لسيارات المستوطنين فقط، فلا يسمح للعرب بقيادة سياراتهم هناك، ولا تسألني عن مضايقات المستوطنين لنا، بل محاولة دهسنا.

وتقول الطالبة وعد الشرباتي: أسكن في شارع الشهداء في الخليل مقابل بيوت المستوطنين، وأدرس في مدرسة قرطبة بالصف التاسع، وأسكن مقابل بيوت المستوطنين. أحب التصوير، وأعمل على توثيق انتهاكات المستوطنين لحقوقنا، ثم أنشرها على وسائل التواصل.

وتروي المديرة نورة ناصر ألوانا من معاناة الموظفين والطلاب في مدرسة تقع وسط مستوطنات الاحتلال، فتقول: تحيط بالمدرسة 3 مستوطنات، وهي بيت هداسا وبيت يَشاي وبيت رومانو، ومع كل هذه الظروف الصعبة، علينا الحضور إلى المدرسة كل يوم، حتى يتمكن الطلبة من ممارسة أبسط حقوقهم في التعليم، والوصول إلى مدرستهم بأمان، وأين الأمان والمستوطنون يحاولون عرقلتنا بشتى الطرق تحت حماية جيش الاحتلال، بل يقومون بضرب الأطفال وشتمهم ورميهم بالبيض والخضراوات.

مديرة مدرسة الرماضين في حافلة مع المعلمات، لتسهيل عملية دخلولهن إلى المدرسة عبر حواجز الاحتلال

تروي الطالبة وعد إحدى حوادث تلك المضايقات قائلة: ذات يوم كنت خارجة من المنزل، وكان هناك مستوطن ومعه كلب مسعور، وعندما رآني أنا وصديقاتي أطلق الكلب علينا، فخفنا كثيرا وأخذنا نجري حتى ابتعدنا عن الخطر، ثم سلكنا طريقا آخر إلى المدرسة.

مدرسة عرب الرماضين.. ملاذ الأطفال الأخير للتعليم واللعب

في مدرسة قرية الرماضين الواقعة قرب قرية عَزُّون عتمة، في الشمال الغربي للضفة الغربية، تضطر المعلمات من مناطق مختلفة من شمال الضفة الغربية، مثل قلقيلية وعزّون، إلى التجمّع في نقطة واحدة لتنقلهنّ حافلة واحدةٌ من نقطة التجمع إلى مدرسة الرماضين.

يتجمّع بدو الرماضين في خيام وبيوت من صفيح في منطقة يدّعي الاحتلال أنها خاضعةٌ لسلطته، وممنوعٌ على العرب الفلسطينيين أن يسكنوها، فهي تقع بين الخط الأخضر وبين جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال على أراضي الضفة، لصالح مستوطنات اليهود.

معاناة يومية مع الاحتلال تلقاها المعلمات الفلسطينيات اللاتي يعملن في مدارس قرى فلسطين المحتلة

وتعبر المعلمات من نقطة التفتيش شديدة الحراسة، ويخضعن للتفتيش الدقيق على الهُويّات وتصاريح الدخول الخاصة بالمنطقة والمتعلقات الشخصية، ثم يواصلن الرحلة المحفوفة بالخطر، من قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال على السواء، حتى يصلن إلى المدرسة. وهي عبارة عن 5 غرف بدائية متهالكة، مبنية من الطين والقش، وأرضياتها من الخشب، تعبث بها مياه الأمطار شتاء، ولا يسمح الاحتلال بترميمها، بحجة أنها غير مرخصة، ومبنية على أرض “إسرائيلية”.

تلاميذ قادمون من البدو يتدفقون من كل حدب وصوب نحو مدارسهم المهددة بالإزالة والتدمير

تقول سمر أيوب، مديرة مدرسة االرماضين: تعد هذه المدرسة عنوانا للصمود والتحدي في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، بناها تجمع أهالي عرب الرماضين في الليل، وفي الصباح كان قرار الهدم جاهزا، ولكن حالت ظروفٌ دون تنفيذ القرار، وما زلنا ننتظره يوما بعد يوم. وحتى في حالتها البائسة هذه، فإن المدرسة هي الملاذ الآمن الوحيد للأطفال، ففيها يتعلمون ويلعبون، وإليها يلجؤون عندما تدهم بيوتَهم العواصف والأمطار.

وبعدَ هذه الجولة المضنية على تجمعات البدو الفلسطينيين، المتناثرة حول مدن الضفة الغربية، التي يصحو أهلها كل يوم على تهديدات سلطات الاحتلال بالهدم والإزالة، فكيف سيكون حال أطفالهم، وهم يرون بأعينهم هدمَ مدارسهم وتمزيق كتبهم وكراريسهم، وإهانة آبائهم وانتهاك حرمات بيوتهم.