“صلاة لأجل هرمجدون”.. إنجيليون يدعمون الاحتلال الإسرائيلي من أجل عودة المسيح

يستكشف الوثائقي النرويجي “صلاة لأجل هرمجدون” (Praying for Armageddon) الدور الخطير الذي يلعبه اليمين المسيحي في المجتمع الأمريكي وخارجه، ولا سيما في أخبار فلسطين، وذلك بانحيازه ودعمه المطلق لإسرائيل.

كما يكشف أن تحالف المسيحيين الإنجيليين (الإحْيائيين) مع اليمين السياسي الأمريكي المتطرف، يشكل جبهة جماهيرية واسعة، تؤثر في الانتخابات الرئاسية، وتعزز التوجهات السياسية المعادية للديمقراطية.

ولبسط نفوذها يعمل قادتها على الترويج لخطاب ديني يؤمنون به، ومفاده أن “حرب نهاية العالم” قادمة لا محالة، وأن تاريخ البشرية ستكتب نهايته في معركة “هرمجدون” المنتظرة، وأنها ستتوج بعودة السيد المسيح إلى الأرض، ليحكم الأحياء والأموات فيها.

تعجيل المعركة.. رحلات إلى الشرق الأوسط لتأجيج الصراع

لكشف نشاط المنظمات المسيحية المتطرفة، ترافق المخرجة النرويجية “تونيه هِسين شَيّ” قسيسين ورهبانا ناشطين في الكنيسة الإنجيلية (Evangelicals)، وتنقل مقاطع من خطبهم ومواعظهم التي تعبّر بوضوح عن مواقفهم وقناعاتهم الدينية.

ثم تذهب معهم إلى أكثر الولايات الأمريكية التي ينشطون فيها، وترافقهم أيضا في زياراتهم إلى إسرائيل، من أجل الترويج لأفكارهم وقناعاتهم الدينية، بأن معركة “هرمجدون” ستقع في تل مجدو الواقع غرب مدينة جنين في فلسطين، وما عليهم سوى التعجيل بها، وذلك بتأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ودخول “اليهود” في معارك قد تهدد وجودهم، مما يدفع “المُخَلص” للعودة والمشاركة في الدفاع عنهم في المعركة النهاية المنتظرة.

وحتى لا يوحي للمُشاهِد بأن توقيت إنتاج الوثائقي وعرضه يتوافق بتعمد مع الأحداث الدامية الجارية في غزة، تُثَبت صانعته ملاحظة مكتوبة على الشاشة تفيد بأن إنتاجه قد سبق 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأنه قد عُرض عالميا في 23 مارس/ آذار 2023.

قساوسة العنف.. بحث عن نهاية العالم بقيادة المسيح

ترافق صانعة الوثائقي -الرائع والكاشف للحقائق الخافية- القس الأمريكي “غري بورد” وهو يقود دراجته النارية برفقة مجموعة من أتباعه، وعند وصوله إلى إحدى الكنائس الإنجيلية يبدأ بالحديث عن معركة “هرمجدون”، وعودة السيد المسيح ثانية إلى الأرض فارسا يحمل سيفا يحارب به قوى الشر، وأنه يتمنى أن يكون لحظتها واقفا إلى جانبه يحارب من يحاربهم، ثم يدعو أيضا الحاضرين ليكونوا جاهزين للقتال معه.

لا يخفي القس “بورد” دعوته إلى الحرب، ونبذ السلم لأنه لن يحقق النهاية المرجوة للعالم، ثم ينفي عن نفسه تهمة التخطيط لتشكيل منظمات مسيحية مسلحة، مع اعترافه بأن الشرطة الأمريكية قد وجهت إليه مثل تلك التهمة من قبل.

تنقل المخرجة مقاطع إضافية من خطاب “جون هيجي” مؤسس ورئيس (اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل) الذي لا يخفي تحيزه المطلق لإسرائيل، ويعمل على جمع التبرعات المالية لها، كما ينشط في إقناع اللوبي اليميني في الكونغرس لتزويدها بالسلاح والعتاد.

كما تقابل “فرانك شيفر”، وهو أحد النشطاء السابقين في الاتحاد، ترك العمل فيه لتوصله إلى قناعة تامة بأن قادة الاتحاد يهدفون من خلال تجمعهم إلى تحقيق أهداف سياسية لا تفيد المجتمع الأمريكي ولا بقية العالم. ويؤكد أيضا أنهم مؤمنون حقا بأنهم سينجون من الموت في اليوم الموعود، وأن وجود إسرائيل مرتبط بعودة السيد المسيح إلى الأرض، ومن دونها لن تحل لحظة نهاية العالم التي ينتظرونها.

إيمان بمعركة نهاية العالم والاستعداد لها.

الإنجيليين الصهاينة واليمين السياسي.. ترابط عضوي

لمعرفة الدور الذي يلعبه الاتحاد وبقية الكنائس الإنجيلية في الحياة السياسية الأمريكية، يعمل الصحفي “لي فانغ” على كشف الترابط العضوي الحاصل بين المسيحيين الإنجيليين الصهاينة، وبين اليمين السياسي، ولا سيما الدوائر القريبة من صُناع السياسة الخارجية الأمريكية المنحازة إلى إسرائيل بالمطلق.

يقابل “فانغ” في قاعات مجلس النواب قادة جمهوريين، ويسألهم عن رأيهم بفكرة “اليوم الموعود” ومعركة “هرمجدون”، فيؤكد كُل من التقى بهم من الجمهوريين إيمانهم بذلك الفكر، ولهذا فهم لا يخفون دعمهم لإسرائيل ويباركون وجودها، وأنهم يؤمنون بنبوءة الكتاب المقدس، وبعودة المسيح يوم تحل نهاية العالم.

كما يستقصي الصحفي الدور الذي يلعبه الوعاظ الإنجيليون من خلف الكواليس، وتأثيرهم على مواقف السياسيين اليمينيين. ويقابل القس “رالف درولنغر” الذي ينظم للسياسيين دورات خاصة لشرح الكتاب المقدس، يشارك فيها أكثر من 50 نائبا برلمانيا، كما يذهب أسبوعيا إلى البيت الأبيض، ليقدم محاضرات لعدد من العاملين في إدارة الرئيس السابق “دونالد ترامب”.

ما وراء الكواليس.. تأثير المنظمات المتطرفة على صُناع القرار

يتوصل الفيلم إلى أن كثيرا من الأفكار الخطيرة المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يسربها الواعظ “رالف درولنغر” لهم ولعدد غير قليل من الوزراء، ممن يتخذونهم واعظا ومرشدا شخصيا لهم، ولا ينقطعون عن التواصل معه.

يشدد في محاضراته لهم على ضرورة تزويد إسرائيل بالمال وبمزيد من أنظمة الدفاع الجوي، ويربط كل ذلك بإيمانه المطلق بأن المعادين للمسيحية هم أنفسهم “الأشرار” المعادون لإسرائيل، وأن المسيح لهذا السبب سيعود للأرض، من أجل حماية إسرائيل والدفاع عنها، وأن سيطرة اليهود الكاملة على القدس هو أمر مهم يعجل بعودته.

يفضح الصحفي تشابك المصالح الحاصل بين قادة المنظمات المسيحية المتطرفة، وبين اليمين السياسي الأمريكي الذي يعمل على كسب ودهم، بسبب قوة تأثيرهم على الناخب الأمريكي، وسعة قاعدتهم الشعبية التي تبلغ الملايين كما يثبتها الوثائقي بالأرقام.

فقد بلغ عدد أعضاء “اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل” في عام 2022 قرابة 10 ملايين عضو، وهناك ما يقارب 100 مليون إنجيلي مسيحي في الولايات المتحدة، أي ما يقارب 30٪ من عدد الناخبين الأمريكيين.

الملصق الرسمي للفيلم

دعم الرؤساء.. جسر للوصول إلى البيت الأبيض

يُستنتج من قراءة التاريخ الأمريكي القريب أن بعض الرؤساء السابقين -منهم “نيكسون” و”ريغان” و”بوش” و”ترامب”- ما كانوا ليصلوا إلى سدة الحكم، لولا حصولهم على تأييد الإنجيليين. وبالمقابل كان الإنجيليون يجدون في دعمهم لهؤلاء ممرا للوصول إلى البيت الأبيض ومكاتبه المؤثرة في اتخاذ القرار السياسي.

تقدم المخرجة النرويجية تسجيلات (فيديو) تُظهر أن كثيرا من المقتحمين للكونغرس الأمريكي والمشاركين في أحداث 6 يناير/ كانون الثاني هم من المسيحيين الإحيائيين المتشددين، أولئك الذين يؤمنون بأن الرب يريد من “ترامب” أن يحكم أمريكا لأربع سنوات أخرى، وأن دعم إسرائيل يتوافق كليا مع وصايا الكتاب المقدس.

كما تذهب لتوثيق الدور الخطير الذي يلعبونه في تغيير العقيدة العسكرية الأمريكية التقليدية، وتحويلها إلى عقيدة دينية مسيحية، من خلال كسبهم لأعداد كبيرة من الجنود والضباط. هذا إلى جانب تحركهم بين صفوف الجماهير، ونشر أفكارهم حتى بين الأطفال منهم.

احتلال مدينة القدس.. تطهير عرقي بدعم الساسة والرهبان

توثق المخرجة خلال مرافقتها للقس الإنجيلي “غري بورد” تفاصيل زيارته لإسرائيل، ونزوله مع مجموعة من سائقي الدراجات النارية في ميناء أسدود، للتعبير عن تضامنه مع الجيش الإسرائيلي في حربه ضد الشعب الفلسطيني، ومن أجل تشجيع سياسييها على احتلال بقية مدينة القدس، لتكون العاصمة الأبدية لليهود، وكان قد اعترف بها “ترامب” قبل غيره.

في المقابل يدرك الفلسطينيون وبعض اليهود المناهضين للسياسة اليمينية التوسعية لحكوماتهم خطورةَ الأهداف الكامنة وراء تلك الدعوة، فهي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الصراعات، ولن تخدم أحدا سوى الراغبين في إثارة المشاكل، خدمةً لمخططاتهم السيئة.

تجلي مقابلة الوثائقي للناشطة الفلسطينية فيروز شرقاوي -من منظمة شبكة القدس- جانبا من ذلك التوجه الذي يدعمه الإنجيليون المسيحيون، ويهدف إلى الاستيلاء على مدينة ليست ذات أهمية دينية وتاريخية كبيرة للمسلمين والفلسطينيين فحسب، بل أضحت رمزا لفلسطين كلها. وتقول إن مخطط الاستيلاء على القدس هو شكل من أشكال “التطهير العرقي”، ولهذا يقف كل الشعب الفلسطيني ضده ويقاومه.

توغل مخيف بين السكان

شعب فلسطين.. مقاومة شجاعة في سبيل حماية الأرض

يتوقف الوثائقي عند العمليات الممنهجة لتهديم بيوت الفلسطينيين في منطقة سلوان شرق القدس، والاستيلاء على أراضي أهلها، ومنحها للمستوطنين دون وجه حق. ويوثق مقاومة سكانها الشجاعة لعمليات النهب، بحجة عائديتها التاريخية إلى ما يسمى زورا “مدينة داود”.

وفي منطقة الشيخ جراح، يقابل الوثائقي محمد الكرد -وهو أديب وشاعر فلسطيني شاب- فيؤكد للوثائقي أحقية أهله وشعبه في أرضهم وبيوتهم التي توارثوها عن أجدادهم جيلا بعد جيل، ويريد المستوطنون اليوم سرقتها منهم بالقوة.

تُثبت صانعة الوثائقي مشهدا لجدته، وهي تقاوم بشجاعةٍ محاولةَ إخراجها من بيتها عنوة، كما تتوصل إلى حقيقة أن المستوطنين يتلقون أموالا كبيرة من جمعيات مسيحية أمريكية يمينية، تشجعهم على طرد الناس من بيوتها.

تتلقى الجماعة دعما من الرئيس السابق “ترامب”

“ترامب صديق صهيون”.. مكافأة الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال

في الولايات المتحدة الأمريكية، يدخل الوثائقي اجتماعا سنويا لـ”اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل”، يحضره نائب الرئيس الأمريكي السابق “مايك بنس” الذي يعلن تضامنه مع أفكار الاتحاد الداعية لدعم إسرائيل دون حدود.

كما يكشف أن رئيسه “جون هيجي” قد استطاع جمع أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي عام ٢٠٢١، قدّمها مساعدةً لإسرائيل، من أجل حصولها على أسلحة ومعدات عسكرية، تعينها على تحقيق سياستها التوسعية، ومنها تفريغ القدس من الفلسطينيين، وذلك بدعم مباشر من الرئيس السابق “ترامب” الذي أيّد وعمل على تحقيق ذلك التوجه، وللتعبير عن رضاهم عنه رفع المستوطنون صوره في القدس، وكتبوا شعارات تصفه قائلة “ترامب صديق صهيون”.

هذا المديح والتناغم في الطرح لم يمنع الفلسطينيين من الدفاع عن أرضهم، ورفضهم اتخاذ القدس عاصمة لليهود، وقد تمثل ذلك عمليا بالانتفاضات والاحتجاجات التي انطلقت منذ عام 2018، وتركزت بشكل خاص في غزة التي قدمت الكثير من الشهداء، دفاعا عن القدس وحق الفلسطينيين فيها.

يقابل الوثائقي معارضين أمريكيين لنهج الكنيسة الإنجيلية، يرون أن نظرة قادتها الصهيونية للصراع العربي الإسرائيلي لا تخدم السلام، بل هي تدميرية في جوهرها ومنحازة للطرف المعتدي، وأن أهدافهم النهائية هي تحويل أمريكا إلى بلد ديني مسيحي، لا مكان للآخرين غيرهم فيه.