حسن أكوش.. خادم القرآن بتصريح من أتاتورك

خاص-الوثائقية

تلقى أكوش العلم في جوامع إسطنبول وصحب الشيوخ الأجلاء حتى تضلع في القرآن والعلوم الإسلامية

ذات مرة سمع شيخُ قراء تركيا عبد الرحمن جورجيس رجلا يتلو آيات من سورة الفرقان في مسجد صغير بإسطنبول، فعلق قائلا “إن هذا الصوت لا يمكن أن يكون لبشر مثلنا”.

كان بشرا، ولكنه يتلو القرآن بصوت ملائكي ندي وقوي وفخم ورقيق في ذات الوقت. إنه القارئ الشيخ حسن أكوش الذي ولد في رحاب القرآن وترعرع في ربوعه وكرس عمره المديد لخدمته.

حلقة الشيخ أكوش واحدة من سلسلة “أصوات السماء” التي أعدتها الجزيرة الوثائقية وتبثها في رمضان الحالي.

يروي الوثائقي سيرة أكوش، ويعرض صورا من مساجد إسطنبول العريقة بمناراتها الشاهقة التي تتلقف رحمة الله وتنقل نداء أهل الأرض إلى السماء.

ولد أكوش عام 1885 بقرية جورجو التابعة لأنقرة. كان والده مؤذنا وانتقل معه في الرابعة من عمره إلى إسطنبول حيث تعلم بمدارسها وفيها حفظ القرآن الكريم ثم درس علومه.

تلقى أكوش العلم في جوامع إسطنبول وصحب الشيوخ الأجلاء حتى تضلع في القرآن والعلوم الإسلامية.

 

الأسْر والنذر

لاحقا استُدعي أكوش للخدمة العسكرية، وأسره الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، وحينها نذر لربه لو منّ عليه بالحرية أن يكرس كل حياته لخدمة القرآن الكريم.

وقد صدق ما عاهد الله عليه، فما إن نال حريته حتى تفرغ لتعليم القرآن وتلاوته وتحبيبه للمجتمع التركي من مختلف الأعمار.

كان الشيخ يطوف في الشوارع يعرض على الناس أن يعلمهم القرآن دون أجر، إلى حدّ أنه عرض نفسه مرة على مجموعة من العمال في محطة نقل بإسطنبول.

في البداية لم يجد مكانا مناسبا لأداء عمله، فاضطر لاستخدام غرفة الإمام بأحد المساجد المهجورة، إلى أن قابل رئيس الشؤون الدينية رفعت البوركتشي وطلب منه تصريحا رسميا لفتح مدرسة لتعليم القرآن.

كان الشيخ يطوف في الشوارع يعرض على الناس أن يعلمهم القرآن دون أجر

توقيع أتاتورك

بدروه نقل البوركتشي هذا الطلب للرئيس مصطفى كمال أتاتورك فتحمس للفكرة، وأخرج التصريح بتوقيعه الشخصي، وحينها أصبح أكوش معلما للقرآن بصفة رسمية.

افتتح مدرسة “نور قرآن العثمانية”، والتحق بها 150 طالبا، وكانت نورا أجلى عَتمة الصدور وتمدد هديها في أرجاء البلاد.

يروي تلاميذ ورفاق الشيخ أن ذيوع صيته لا يعود فقط لجمال صوته، وإنما لإخلاصه وتفانيه في نشر كلام الله سبحانه وتعالى.

وهناك عاملان رئيسيان في شهرة الشيخ حسن أكوش هما، تلاوته للذكر الحكيم في رمضان بإذاعة إسطنبول إذ كانت تخصص له ثُلث الشهر، وتعليمه للناس وتخريج قراء بارزين على يده مثل إسماعيل بيتشار.

ويلفت القارئ دورسون تاش إلى أن شهرة الشيخ تجاوزت تركيا إلى العالم، وكانت أسطواناته تُسمع في بريطانيا والولايات المتحدة.

افتتح أكوش مدرسة "نور قرآن العثمانية"، والتحق بها 150 طالبا

موسيقى روحية

كان يرتل في مقامات العشاق، وأثناء التراويح يقرأ في المقامات التي يستخدمها المؤذنون، كما يروي تلميذه القارئ نافز أوزدمير.

ويقول أحد المختصين في الموسيقى الصوفية “أكوش جمع بين جمال الصوت والعلم بفنون الموسيقى الروحية، ولم يكن قارئا فقط إنما كان أيضا مبتهلا ومنشدا بامتياز”.

وقد عُرف بعلمه في أوساط العلماء وبتواضعه الجم أمام البسطاء، وكان لا يرد أحدا يطلب تلاوته أيا كان الزمان والمكان. ورغم تواضعه الشديد فقد كان محاطا بوقار القرآن.

وظل الشيخ حسن أكوش خادما مخلصا للقرآن الكريم حتى ارتقى إلى جوار ربه في عام 1972 عن عمر ناهز الـ87.