“سجن دالاس”.. كي لا يعبث الإجرام بمدينة النفط والمال

عبر أربع قارات وستة سجون مختلفة؛ تفتح الجزيرة الوثائقية ملف “أعتى السجون في العالم”، فتذهب إلى ما وراء البوابات والجدران وقضبان النوافذ، إلى عالم مجهول نعلم بوجوده لكننا لا نريد التفكير فيه، إنها من أقسى السجون في العالم، حتى إن زعماء العصابات والقتلة يجربون فيها معنى الخوف. تدخل كل حلقة من حلقات السلسلة إلى عالم السجناء، ترصد حياة القدامى منهم والجدد الذين يقضون ليلتهم الأولى في الزنزانة، والأمهات اللواتي يتعين عليهن تربية أطفالهن خلف القضبان، والمجرمين الذين ينتظرون مصيرهم. وهذه الحلقة السادسة والأخيرة من السلسلة تتناول سجن “دالاس” في ولاية تكساس الأمريكية.

 

حسن العدم

خلف قضبان سجن دالاس عوالم أخرى غير عوالم المدينة الثرية، إنها عوالم الجريمة والمخدرات وحياة العصابات المظلمة، هناك يتشابه الليل والنهار، وتنبعث رائحة الموت القذرة، وتصبح الحياة عبثا ضائعا، والسنوات أرقاما مجردة، ولغة التخاطب السائدة هي ضرب الرؤوس بجدران الزنازين، والشتائم المتبادلة والأسلحة ورذاذ الفلفل والفضلات والبول وأقذع ما تفتق عنه قاموس اللغة البشري.

تأتي الحلقة الأخيرة من سلسلة “أعتى سجون العالم” بعنوان “سجن دالاس” وهو من أكبر سجون أمريكا وأقساها على الإطلاق، ويقبع خلف أسواره الشاهقة المنيعة أكثر من سبعة آلاف سجين من أخطر المجرمين واللصوص وتجار الجنس والمخدرات؛ ينتظر بعضهم محاكماتهم منذ سنوات، ويحرسهم ثلة من أقوى الرجال والنساء.

حراس السجن مدربون تدريبات خاصة فائقة الحرفية، وقد تستغرب حين تعلم أن معظمهم من النساء، وتزيد دهشتك إذا علمت أن الحارسة “نيكولز” تحرس واحدة من أخطر زنازين السجن، التي يقبع بها 64 من أشرس مجرمي العالم.

 

ساعة الذروة.. مجرم كل دقيقة

دالاس مدينة النفط والمال، يقطنها أكثر من مليون وثلاثمائة نسمة، وتحجب سماءها ناطحات السحاب والمباني الزجاجية الضخمة، لكنها تحولت مع مرور الزمن إلى مدينة الجريمة وعصابات المخدرات القتل، ليزيد معدل الجريمة فيها بنسبة 40% عن المعدل الوطني، وتنتشر فيها الأحياء الفقيرة القذرة، والعاطلون عن العمل والمشردون من كل لون.

أما محيط المدينة فتنتشر فيه وكالات سندات الكفالة، وهي الأماكن التي يحتاجها كل من يُدَّعى عليه، من أجل أن يتجنب مصيره المحتوم خلف قبضان ذلك السجن اللعين.

أحكام الإعدام والمؤبدات والمُدد الطويلة هي ما يميز هذا المكان المظلم عن باقي الولايات. وفي ساعة الذروة، أي ليلة السبت من كل أسبوع، ينزل إلى القبو المظلم أسفلَ السجن مجرم في كل دقيقة تقريبا، حيث يمر جميع المجرمين بنفس الإجراءات الأمنية والصحية والإجرائية حين ينقلون إلى سجن دالاس؛ من بصمات الأصابع إلى ملء استمارات الدخول، فهناك حوالي 300 سجين يدخلون إلى هنا يوميا.

حتى في ردهة الانتظار لا يخلو الأمر من معارك عنيفة بين المسجونين من العصابات المختلفة، ولك أن تتخيل مدى دقة الملاحظة والانتباه والقوة الخارقة التي يجب أن يتحلى بها حرّاس السجن ومعظمهم من النساء للسيطرة على الأمن والانضباط ريثما يأخذ المساجين أماكنهم في الزنازين، حسب نوع الجريمة أو الجنس أو الحالة الصحية.

في مدينة دالاس يزيد معدل الجريمة بنسبة 40% عن المعدل الوطني
في مدينة دالاس يزيد معدل الجريمة بنسبة 40% عن المعدل الوطني

 

الاستبيان المصيري.. فأين تذهبون؟

“سيرجيو” هارب من وجه العدالة منذ ستة أشهر، فهو متّهم بعدة تهم تتعلق بالمخدرات، لكن تم إلقاء القبض عليه مؤخرا، وها هو يواجه مصيره المحتوم في هذا السجن.

يصرخ “سيرجيو”: زنازين هذا السجن ليست المكان الصحيح بالنسبة لي، العدوى والمرض في كل مكان، لقد تقشر وجهي وجسدي بالكامل في المرة السابقة، إنه مكان قذر.

ثمة استبيان بسيط من أسئلة قليلة سيحدد وجهة الزوار الجدد؛ إما إلى زنزانة المصحة العقلية، أو إلى الزنازين العادية، ثم تأتي عملية التفتيش الدقيق لملابس وأجساد المجرمين، قد يخبئون الأسلحة الخفيفة أو السكاكين، أو حتى المخدرات والمواد الممنوعة. عملية روتينية رتيبة يمر بها كل سجين دون استثناء قد تستغرق أكثر من خمس عشرة ساعة، ثم تأتي مرحلة الفحص الطبي، أو المعالجة السريعة؛ فهناك من السجناء من يأتي بحالة صحية حرجة نتيجة التعاطي أو السُكْر الشديد، فيتم إسعافه أولا.

يتألف مبنى السجن من ثلاثة أبراج إسمنتية عملاقة، وبجوارها يقع مبنى المحكمة الضخم. يضم البرج الشمالي 3300 سجين تحت حراسة مشددة، فيما يؤوي البرج الغربي 1500 سجين، وهو مصحة عقلية، أما البرج الجنوبي فهو عبارة عن سجن عمومي فيه 2300 سجين حتى اليوم.

أحكام الإعدام والمؤبدات والمُدد الطويلة هي ما يميز هذا المكان المظلم عن باقي الولايات
أحكام الإعدام والمؤبدات والمُدد الطويلة هي ما يميز هذا المكان المظلم عن باقي الولايات

 

أن تُصنف مجنونا.. إجابة واحدة تكفي

بعد مرحلة الاستبيان تأتي مرحلة توزيع الزي الموحد المخطط على جميع نزلاء هذا السجن المخيف، وبعدها يأخذ كل سجينٍ فراشا قليل السُّمك، قد يكون هو الأكثر راحةً بين أشياء السجن الأخرى. لقد أخبروا “سيرجيو” أن عليه الذهاب إلى البرج الغربي حيث المصحة العقلية، يبدو أن إحدى إجاباته في الاستبيان قد فضحته.

يدخل سيرجيو إلى زنزانته وسط استقبال وحفاوة من رفاقه الخمسة في الزنزانة، حيث لا خصوصية ولا فروق تُميز بينهم.

يقول سيرجيو: لقد وضعوني في سجن المجانين، هذا ليس عدلا، قد أكون مجنونا بعض الشيء، ولكن لا يجب أن يوضع المضطربون في مكان واحد، إلا إذا كانوا يريدوننا أن نتصرف بغباء، وهذا ما لا تريده إدارة السجن.

مبنى السجن يتألف من ثلاثة أبراج إسمنتية عملاقة
مبنى السجن يتألف من ثلاثة أبراج إسمنتية عملاقة

 

الأدغال.. الدخول إلى وكر الأفاعي

إنها الرابعة فجرا في البرج الشمالي، يصحو “تاميريك جاكسون” باكرا، فهذا يوم مصيري بالنسبة له، إذ أنه سوف يتوجه إلى المحكمة لسماع الحكم في قضيته، فهو متهم بالقتل العمد، مما يعني أنه معرض للحكم عليه بخمسة عشر عاما على أقل تقدير، وقد تطول إلى المؤبد. هذا الشاب ذو التسعة عشر ربيعا قد لا يرى الشمس طيلة حياته.

دعونا نترك “تاميريك” يجهز نفسه للمحاكمة، وتعالوا بنا نرافق فريق الاستجابة الخاصة (SRT) وهو يقوم بإحدى جولاته التفتيشية الروتينية على الزنازين؛ يستعد الرجال لدَهم الزنازين، إنها أشبه بالاستعداد لمعركة حقيقية؛ السترات الواقية، والأقنعة الخاصة، والسلاح الخفيف، وقاذفات رذاذ الفلفل، والأصفاد والأجهزة اللاسلكية للاتصال. وأخشى ما يخشونه هي السوائل الجسدية (البول) التي يرشها السجناء في وجوههم، إنه أمر مقزز وضارٌّ للغاية.

الوجهة الآن إلى “الأدغال”، وهي زنازين في الطابق الثاني من البرج الشمالي، يسكنها أعتى عتاة المجرمين، وقبل عدة أيام وجد الحراس أسلحة في هذا القسم، وهذا يستدعي زيارة مفاجئة كهذه الآن.

“انبطحوا، انبطحوا، ضعوا أيديكم خلف ظهوركم ولا تقوموا بأي حركة”، يدخل الحراس بزخم وقوة إلى الزنزانة موجِّهين بنادق الفلفل باتجاه السجناء، ثم يأمرونهم بالوقوف بهدوء والانتظام في صفٍّ واحد لمغادرة الزنزانة حتى تتم عملية التفتيش.

“نحن الفائزون في النهاية”.. اللعب مع الحراس

بعض الحراس يفتشون المساجين بدقة، وبعضهم يقوم بتفتيش الزنزانة وفُرُش ومقتنيات النزلاء، يجب تفتيش كل شيء بدقة، إن للسجناء طرقا جهنمية في إخفاء الأسلحة الخفيفة أو المخدرات، أو أي شيء يمكنه إيذاء الحراس، أو حتى زملائهم في الزنزانة.

كانت الحصيلة قليلة هذه المرة، لم يعثروا إلا على بعض الحقن التي يستخدمها السجناء في الوشم على أجسادهم. تتم مصادرة أي شيء مشبوه ثم يؤمر السجناء بالعودة إلى أماكنهم وإعادة ترتيب فُرشهم ومقتنياتهم القليلة.

هناك مهمة أخرى تستدعي فريق الاستجابة الخاصة، لقد تم الإبلاغ عن وجود هاتف محمول في أحد طوابق البرج الشمالي، والدة صديق أحد السجناء هي من أخبرتهم بذلك، قالت لهم إنه يتصل بها من داخل السجن ويهددها. يلجأ كثير من زعماء عصابات ترويج المخدرات إلى عقد صفقاتهم وهم في السجن، وذلك عبر إجراء المكالمات.

تم تفتيش المكان بدقة ولكن دون فائدة، يقول أحد الحراس: إنها لعبة بيننا وبينهم، ونحن الرابحون أخيرا، سوف نجد الهاتف في مكان آخر، مهما طال الزمان سنجده، نحن الفائزون في النهاية.

هناك 500 شرطية في سجن دالاس، وهنَّ أكثر من الرجال هناك
هناك 500 شرطية في سجن دالاس، وهنَّ أكثر من الرجال هناك

 

الشرطيات القويات.. وجوه بلا ملامح

هذا وقت تبديل نوبات الحراسة، وها هي الشرطية “نيكولز” تستعد لاستلام نوبتها في “الحجرة”، تلك الزنزانة في البرج الجنوبي، والتي تحوي 64 سجينا.

هناك 500 شرطية مثل “نيكولز” في هذا السجن الكبير، وهنَّ أكثر من الرجال هنا، ولكن لا فرق بينهم، فهذا المكان ليس لذوي القلوب الضعيفة، بل إن السجناء في أكثر الأحيان يخشون فترات مناوبة النساء أكثر من الرجال.

تتحدث نيكولز إلى السجناء بلهجة حازمة رصينة، وعبر جهاز الميكروفون ومكبرات الصوت: عليكم استخدام المرافق بهدوء، لا داعي للضجيج، هذا يوم مثل الذي سبقه، وستأتي مثله أيام كثيرة، فلا داعي لخرق النظام، أنتم تعرفون القوانين جيدا.

ثم تتقدم إلى حيث مهاجع السجناء لإحصائهم، لا شيء يفصل بينها وبينهم، إذا اختفت عن شاشات المراقبة وكاميرات السجن فإنها معرضة للهجوم عليها بلحظة واحدة، “اطلب من صاحبك أن ينهض، تصرف بهدوء، أنت تعرف أنني يمكن أن أوذيك، وسيؤلمك ذلك كثيرا”، تتحدث إليهم بقلب قوي، إنها لا تظهر أية مشاعر أو تعابير ضعيفة من خلال وجهها الصارم.

أحِن بشوق لرؤية أمي

يتم تقسيم السجناء في زنازين حسب العصابات التي ينتمون إليها، فهناك القتلة والمغتصبون واللصوص وتجار المخدرات، وقد وُجِد أن هذه الطريقة في التوزيع تحُد من العراك والاحتكاك بين السجناء إلى حد معقول، ويمضي كثير من الحراس معظم وقتهم في فض النزاعات والاشتباكات التي تكون مميتة في بعض الأحيان.

زنزانة العقاب، وهي زنزانة انفرادية، يعاقب من خلالها أولئك الذين يتعاملون بعنف مفرط مع زملائهم، ويكون ذلك عادةً بعد صدور أحكام طويلة بحقهم، إذ أنهم يكونون في حالة من الجنون، ويتصرفون بلا وعي.

تقول نيكولز: قد يطول عقابهم إلى 23 ساعة في الانفرادي.

ولذلك فإن السجين “سيرجيو” يعطيكم من زنزانته نصيحة ذهبية: يجب عليك إدارة يومك في السجن بحرفية فائقة، بحيث تتجنب الصدام مع أي أحد، حتى تنقضي مدة عقابك، أحن بشوق لرؤية أمي، ولذلك عليّ أن أقضي هذه المدة بهدوء وسرعة.

في الزنازين الانفرادية، تسود حالة من الهستيريا
في الزنازين الانفرادية، تسود حالة من الهستيريا

 

الزنازين الانفرادية.. موطن الجنون

في الزنازين الانفرادية، تسود حالة من الهستيريا، فالمساجين يصرخون ويضربون أجسادهم ورؤوسهم بالجدران الصماء، وفي كثير من الأحيان يدَّعون الإصابة والألم من أجل الخروج إلى عيادة السجن، أو على الأقل من أجل استدعاء القوة الخاصة للحديث إليها، إنها حالات من الجنون، لا يسمح بدخول أي شيء سوى الكتب والصحف، مما يجعل الأمر موحشا للغاية، فكيف إذا طال المقام إلى تسعين يوما مثلا؟

إن العزلة والرتابة تعد واحدة من استراتيجيات العقاب في سجن دالاس المخيف.

يطلق تعبير “الموثوقين” يطلق على السجناء الذين لا يميلون إلى العنف في يوميات سجنهم الطويل، وتستخدمهم شرطة وحراس السجن في بعض الأنشطة الإغاثية وأعمال النظافة في السجن.

يقول أحد الموثوقين: أسوأ أعمالنا حين يطلبون منا تنظيف الزنازين الانفرادية، إنه أمر مقرف للغاية، نضطر لتنظيف جدران الزنزانة وأرضيتها من فضلات وأوساخ ودماء النزيل.

ولكنهم مع ذلك يقومون بهذه الأعمال طوعا، يرونها حارسا لهم من العودة إلى جرائمهم السابقة، وخصوصا تعاطي المخدرات، كما يقوم الموثوقون بالمساعدة في تقديم الطعام إلى المسجونين، وهذه مهمة كانت من الممكن أن تقربهم إلى النزلاء، ولكن العكس يحدث في أكثر الأحيان، فالطعام قليل، والنزيل يظن أن الموثوقين يأخذون الطعام لأنفسهم، فيقوم بشتمهم وإلقاء بقايا الطعام والفضلات عليهم، وذلك من خلال فتحة الطعام في باب الزنزانة.

الطعام قليل في سجن دالاس والنزيل يظن أن الموثوقين يأخذون الطعام لأنفسهم
الطعام قليل في سجن دالاس والنزيل يظن أن الموثوقين يأخذون الطعام لأنفسهم

 

المحاكمة.. صفقة بين الادعاء والمتهم

نعود الآن إلى “تاميريك” الذي يتأهب للذهاب إلى قاعة المحكمة، إنه ينتظر هذا اليوم منذ عامين كاملين.

يقول: يقولون إنني أنا من ضغط على الزناد، لست أنا، صدقوني، كنت أنا وأخي في القبو.

لقد كان نزاعا على صفقة مخدارت، بينه هو وشقيقه من جهة، وبين شخص ثالث تمت تصفيته.

“تاميريك” ومعه 200 من السجناء ستتم محاكمتهم اليوم، إنها ثلاثة دقائق فقط أمام القاضية، وسيخرج السجين بعدها بحكم من ثلاث سنوات إلى ثلاثين سنة، أو قد يرسل إلى مقصلة الإعدام، كل شيء ممكن.

تسوق إحدى الحارسات “تاميريك” من خلال نفق أرضي إلى مبنى المحكمة، لا مجال للهرب، لا منفذ حتى للهواء، والإجراءات طويلة ورتيبة، ولكن “تاميريك” تعلَّم الصبر وعدم الاستعجال، وها هو يقف أخيرا وجها لوجه أمام القاضية “ترايسي هولمز”.

تسأله القاضية: هل عُرضت عليك عقوبة خمسة وعشرين عاما؟

فيجيب: لا.

ثم تتوجه بسؤالها إلى الادعاء العام الذي يجيب أن ذلك العرض كان في بداية الأمر، ثم تم الاتفاق على تخفيض المدة إلى عشرين عاما.

في الواقع فإن مهمة محكمة السجن التوصل إلى صفقة مع السجين على مدة من الحكم يرضاها المتهم والادعاء، أما في حال فشل هذه الصفقة فسيتم تحويل القضية إلى محكمة الولاية، ويتم هناك الاستماع إلى هيئة المحلفين، والذين لا يُبدون في الغالب أي تعاطف مع المتهم.

وخلال دقيقتين فقط، هي مدة جلسة الاستماع هذه، تنطق القاضية هولمز بالحكم على “تاميريك” بالسجن لمدة عشرين عاما، وتطلب جهة التنفيذ مرافقة “تاميريك” إلى حيث سيقضي مدته كاملة، أو تنتفي عنه التهمة، أو يخفض الحكم لحسن سلوكه.

يخرج “تاميريك” صابرا راضيا بحكمه، قد يكون محظوظا فعلا بهذا الحكم، كان يمكن أن يكون إعداما، ولكنه راضٍ بهذا الحكم.

يقول تاميريك: سوف أتأقلم مع الوضع، سأمرن نفسي على قبول الأمر، عشرون سنة مدة طويلة، ولكنها ستنتهي، أريد الاتصال بعائلتي، لا أدري بمن، ولكن ربما يأتي أحدهم وينقذني.

تنتهي مناوبة “نيكولز” وتستعد لمغادرة المكان، كل يوم ينتهي بدون مشاكل هو يوم جيد، السجناء يحاربون الرتابة بالغناء، والموثوقون يستعدون لقضاء آخر أيامهم في السجن، أما “سيرجيو” فما زال يسدي نصائحه التي جاءت في وقت متأخر، وحكمته التي لم تعد تنفع بأثر رجعي.

فيما أسوار سجن دالاس صامتة صمت الأصنام، تسجل شهاداتها على الغادين والرائحين، وقد تنطق بعد حين لتخبر بها نزلاء القرون القادمة.

أما تاميريك فما زال يقول والابتسامة بادية على وجهه: لا، لم أضغط على الزناد.