السينما الهندية.. سلاح المقاومة وأموال العصابات وبهجة الجماهير

بلال المازني

في العام 1992 أطلق تاجر أرز هندي محطة تلفزيون “زي” (Zee) التي أنتجت أفلاما ومسلسلات وعروضا موسيقية، واستطاعت بذلك دخول أكثر من خمسين مليون منزل في الهند وخارجه، وليست قناة “زي” المحطة الفضائية الوحيدة التي احتلت البيوت، فقد أنشئت قنوات أخرى، مثل قناة “بي فور يو” (B4U Aflam) التي كانت واجهة صغيرة لعرض مئات الأفلام الهندية.

لم يكن غزو السينما الهندية للبيوت حديثا، فمنذ العشرية الأولى من القرن الماضي خاضت الهند حروبها ضد الاحتلال البريطاني من جهة، وضد حلفاء النازيين من جهة أخرى، وذلك عن طريق إنتاج أفلام سينمائية صُنفت على أنها أفلام مقاومة.

في الواقع لم تكن تلك الحروب الوحيدة التي خاضتها السينما الهندية، فقد رسمت ملامحها الخاصة، وواصلت معاركها ضد أشرس رجال المافيا في الهند، وهي تخوض اليوم معركة حاسمة لتحافظ على صدارة الإنتاج السينمائي في العالم في مواجهة هوليود عملاق الإنتاج السينمائي الأمريكي.

 

“راجا هاريشندرا”.. انطلاقة السينما الهندية نحو حروبها الأربع

ليس من الغريب أن تحظى السينما الهندية بصيت واسع، وأن تتصدر قائمة عدد الأفلام المنتجة في العالم، فقد بدأت الهند مبكرا في الإنتاج السينمائي، حتى أن أول فيلم وثائقي ظهر في العام 1899، هو فيلم “المصارعون” الذي صوّر مباراة مصارعة في بومباي.

لم يتوقف إنتاج الأفلام في الهند في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تركّز هيمنتها على هذه الصناعة الجديدة.

وضع “دادا ساهيب فالكي” أول حجر ستبنى على أساسه إمبراطورية السينما في الهند، وذلك حين أنتج أول فيلم هندي صامت بعنوان “راجا هاريشندرا (Raja Harischandra) عام 1913، ويروي الفيلم قصة إمبراطور ضحّى بملكه وبعائلته في سبيل وعد قطعه لقديس، وهي حكاية من عمق العقائد الهندية المقدسة، وملمح من القيم الاجتماعية والدينية في الهند التي صورتها أفلام هندية كثيرة.

كان فيلم “راجا هاريشندرا” قد أعلن عن ولادة سينما بملامح هندية بحتة، ونذيرا بالحروب الأربعة التي سيخوضها صانعو الأفلام في الهند ضد الاستعمار البريطاني، وضد توسع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكذلك ضد هيمنة المافيا الهندية على صناعة السينما، وأيضا هيمنة هوليود على الإنتاج السينمائي العالمي.

رجل الأعمال “جامشيدجي فرامجي مادان” الذي يُعتبر أبا للسينما الهندية وصانعها

 

“جامشيدجي مادان”.. رجل الأعمال الذي صنع السينما الهندية

 ألهم “دادا ساهيب فالكي” منتج فيلم “راجا هاريشندرا” رجل الأعمال “جامشيدجي فرامجي مادان”، ليعيد في العام 1917 إنتاج طبعة جديدة من الفيلم، لكن قبل ذلك بنى “مادان” إمبراطوريته في مجال العروض المسرحية والإنتاج السينمائي منذ العام 1902، فقد حوّل قصصا مسرحية إلى أفلام، ووزعها على أغلب مناطق الهند، وكان يملك أشهر المسارح التي تعرض الأفلام، كما أسس شركة “إلفينيستون بيسكوب كومباني” (Elphinstone Bioscope Company) التي اندمجت مع شركته الأخرى “مادان ثيترز”.

كان “جامشيدجي فرامجي مادان” أبا السينما الهندية بحق، فقد جلب تقنيات ذات جودة عالية من شركة الإنتاج الفرنسية “باتي” (Pathé) الأشهر على الإطلاق، ورغم استعانته بمخرجين أجانب مثل المخرج الإيطالي “يوجينيو دي ليغورو”، فقد حافظ “مادان” على المذهب الأول الذي اتبعه “دادا ساهيب فالكي” في استلهام قصصه من الموروث الآسيوي والأساطير القديمة التي شدت الجمهور، وذهب “مادان” إلى أبعد من ذلك حين توجه نحو الأدب البنغالي الممتد على أكثر من 1300 سنة، والذي يرتكز بدوره على الأساطير البوذية.

أنتجت شركة مادان فيلم “راتنافالي” (Ratnavali) في العام 1922، وهو مستوحى من أعمال الأديب “بانكيم شاندرا شاتيرجي” صاحب نظرية “الهند الآلهة الأم”، وملهم نشطاء وفنانين كثر، كما أنتجت شركة “مادان” فيلم “جيريبالا” (Giribala) في العام 1929 الذي اقتُبس من أعمال الشاعر والفيلسوف “رابيندراناث طاغور”.

وفي نهاية عشرينيات القرن الماضي، امتلك “جامشيدجي فرامجي مادان” قرابة نصف شبابيك التذاكر في الهند، وذلك بامتلاكه 127 مسرحا، حيث تعرض الأفلام والحفلات الموسيقية والمسرحيات.

 

“ناتاراجا موداليار”.. أبو الأفلام الصامتة في الجنوب

في عشرينيات القرن الماضي، كانت الهند لا تزال مُستعمرة بريطانية تعجّ بثقافات ولغات متنوعة، لكن ذلك الظرف لم يمنع منتجي الأفلام من كل تلك الأعراق من الشغف بالسينما، فقد تحوّل تاجر الدراجات وقطع الغيار “ناتاراجا موداليار” إلى الاستثمار في السينما بعد أن شاهد أفلام “دادا ساهيب فالكي”.

أصبح “موداليار” أبا الأفلام الصامتة في جنوب الهند، حيث أنتج فيلم “كيشاكا فاذام” (Keechaka Vadham) في العام 1917، واحتوى الفيلم على ثلاث ترجمات، وهي لغة التاميل (اللغة الأم لـ”موداليار”) والإنجليزية والهندية، وتولى كتابة هذه الأفلام “ديفداس غاندي” أحد أبناء المهاتما غاندي.

بدأت الهند مبكرا في إنتاج الأفلام الناطقة، حيث أنتج “أردشير إيراني” أول فيلم ناطق في العام 1931، وكان بعنوان “آلام آرا” (Alam Ara)، أعقبه فيلم آخر بعنوان “كاليداس” (Kalidas) للمنتج ذاته، وقد أخرجه “إتش أم ريدي”، وكان أول فيلم ناطق في جنوب الهند.

 

“بوليود”.. بداية المنافسة في صناعة سينما الخيام

في سنة 1932 ظهر لأول مرة اسم “توليود” وهو اسم يوحي بصناعة الأفلام البنغالية، ليظهر بعد ذلك مصطلح “بوليود” الذي يحيل إلى بومباي كبرى المدن الهندية، ويأخذ من كلمة “هوليود” الأمريكية، وهناك أصبح كثيرون يختصرون عبارة السينما الهندية بمصطلح “بوليود”.

تميزت صناعة السينما الهندية في ثلاثينيات القرن الماضي بدخول الموسيقى والرقص الصاخب في الأفلام، وانتشرت أستوديوهات الإنتاج السينمائي في أكبر المدن الهندية. كانت تلك العشرية حماسية، فقد استوعب منتجو الأفلام في الهند كل التغييرات التي شهدها عالم السينما واستفادوا منها، حتى إن صناعة السينما أصبحت كغيرها من المهن المتجذرة في الهند، وبدأت تنافس السينما الأمريكية في تقنيات التصوير والمواضيع والإنتاج.

لم يتوقف شغف الهند بالسينما الذي سرى بسرعة كبيرة في أعماق المجتمع، حتى أن خياما كبيرة نصبت في أراضي جنوب الهند، وأصبحت بمثابة دور السينما وسميت بـ”سينما الخيام”.

لقيت الأفلام الهندية نجاحا كبيرا في تلك الفترة الفاصلة بين 1920-1930، فقد امتلك المنتجون والمخرجون الهنود وصفة النجاح التي أكسبتهم “الميدان”، وتمكنوا من جذب الجمهور عن طريق قصص من أعماق ثقافتهم وحكايات من حياتهم اليومية، حينها كان عليهم أن يواجهوا حربا أخرى للحفاظ على ملامح “الهند الأم” في أفلامهم، ولا يتماهون مع السينماءات الوافدة.

صورة لتقرير “لجنة السينما الهندية” التي استعملتها بريطانيا لتسليط الرقابة على الأفلام الأمريكية

 

“لجنة السينما الهندية”.. صراع الصناعة في المستعمرات البريطانية

في العام 1927 أسست الحكومة البريطانية “لجنة السينما الهندية”، وكانت مهمتها الترويج للأفلام البريطانية حتى تواجه تهديد صعود الأفلام الأمريكية ورواجها في المستعمرات البريطانية، كانت فكرة إنشاء تلك اللجنة ردا على تذمر صانعي الأفلام البريطانيين، وطلبهم إعطاء نصيب لأفلام الإمبراطورية البريطانية في مستعمراتها.

ونتيجة للقلق المتزايد من تسرّب السينما الأخرى داخل المستعمرات البريطانية، كانت بريطانيا تدرك جيدا أنه بالتوازي مع الحروب التي تشنها الدول الاستعمارية الكبرى، فإن دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية استعملت السينما كأحد أسلحتها العابرة للحدود، ويمكن أن تلهم شعوب مستعمراتها فتهدد نفوذها وسيادتها.

استعملت بريطانيا “لجنة السينما الهندية” لتسليط الرقابة على الأفلام الأمريكية من جهة، ولإفساح المجال للأفلام البريطانية خاصة الدعائية منها للهيمنة على السوق الهندية من جهة أخرى، لكن الدولة المستعمرة آنذاك كانت أيضا تحت وقع تهديد ظهور الحركة القومية الهندية التي بدأت بتشكيل رابطة الحكم الذاتي في الهند، وكان هدف بريطانيا أيضا نشر ما تسميه بالقيم الأوروبية ومبادئ العرق الأبيض التي أرادت نشرها عن طريق الأفلام بإدارة “لجنة السينما الهندية”.

طابع بريد هندي يحمل صورة “دادا ساهيب فالكي” الذي أنتج أول فيلم هندي صامت بعنوان “راجا هاريشندرا”

 

قانون التصوير السينمائي.. يد تدعم الصناعة المحلية وعين تراقبها

في العام 1921، نبّه مقال في صحيفة “ويستمنستر غازيت” البريطانية واسعة الانتشار، إلى أن الإمبراطورية البريطانية يمكن أن تستعمل السينما من أجل التأثير في سكان المستعمرة، ويقول كاتب المقال: تخيل تأثير مثل هذه الأفلام في العقل الشرقي، فالهندي يذهب إلى السينما لمشاهدة الأفلام مثلنا، بل ويعجب باختلاف الملبس والعادات والقيم، إن شخصيته على مستوى كبير من الفكر، وهو يشكل آراءه الخاصة عن أخلاقنا من خلال الدراما.

فشلت “لجنة السينما الهندية” في تحقيق هدفها، فلجأت لدعم السينما الهندية حتى تواجه غزو أفلام هوليود، لكن في المقابل صنعت بريطانيا قانونا للرقابة على الأفلام الهندية خشية استعمالها للدعاية للأفكار القومية، ففي العام 1917، نبّه مشروع قانون قدم إلى المجلس التشريعي الملكي إلى “النمو السريع في شعبية التصوير السينمائي، وزيادة عدد هذه العروض في الهند”.

وأوصى المجلس بوضع قانون من شأنه أن يضمن السلامة و”حماية الجمهور” من المضامين غير اللائقة، وهكذا ولد قانون “التصوير السينمائي” في العام 1918 لفرض الرقابة على الأفلام الهندية.

 

“الفيلم يتضمن عدم رضا عن الحكومة”.. ظل المهاتما يرعب الاحتلال

في العام 1921 حظرت بريطانيا عرض فيلم “بهاكتا فيدور” (Bhakta Vidur)، وهو أول فيلم يمنع في الهند من قبل بريطانيا بسبب شخصية بطله التي تشبه كثيرا المهاتما غاندي بما في ذلك لباسه. وقال المسؤولون البريطانيون عن الفيلم: نحن نعلم ما نفعله، “فيدور” هو غاندي، ولن نسمح بذلك، الفيلم يتضمن عدم رضا عن الحكومة، ويحرض الأشخاص على عدم التعاون.

لم يكن فيلم “فيدور” الفيلم الوحيد الذي أخاف بريطانيا، ففي العام 1939 منعت سلطة الاستعمار في الهند عرض فيلم “ثياغا بهومي” (Thyaga Bhoomi) الذي أخرجه “سوبرامانيام”، وأنتج في ذروة حركة التحرر في الهند، وكان تمجيدا واضحا للمهاتما غاندي، واستندت قصة الفيلم إلى رواية كتبها الكاتب “كالكي” أحد رموز حركة الاستقلال.

لم يكن المهاتما غاندي الملهم الوحيد لمنتجي السينما، بل حضرت شخصيات قومية أخرى كان مجرد الاستلهام منها يعد بمثابة المقاومة، فقد ألهم “القديس توكارام” الذي عاش في القرن السابع عشر ميلادي مخرجين مثل “فيشنوبانت غوفيند داملي” الذي أخرج فيلما بعنوان “سانت توكارام” (Sant Tukaram) في العام 1936.

 

“الحكاية الخالدة للدكتور كوتنيس”.. دعم الصين ضد اليابان

بالتوازي مع مقاومتها الاستعمار البريطاني، اتجهت السينما الهندية نحو إعلان اصطفافها إلى جانب الصين في حربها ضد اليابان، وكان فيلم “الحكاية الخالدة للدكتور كوتنيس” (Dr. Kotnis Ki Amar Kahani) الذي أخرجه “شانتارام راجام” إشارة إلى ذلك الموقف الذي يروي قصة حقيقية لخمسة أطباء كانوا ضمن الفريق الطبي الذي سافر إلى الصين خلال الحرب ضد اليابان.

أنتجت السينما الهندية أفلاما تأثرت بواقع الاحتلال والحروب التي عاشها العالم خلال العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين، وكان من بينها فيلم “أمنا الهند” (Mother India) الذي أخرجه “محبوب خان”، وهو أول فيلم هندي يرشح لجائزة الأوسكار.

بعد استقلال الهند عام 1947 دخل صانعو الأفلام في الهند في حرب جديدة من أجل البحث عن تمويل حتى يواجهوا عملاق هوليود الذي يسيطر على الإنتاج السينمائي، فكانت حربا كلفت حياة عدد من المخرجين بعد أن أصبحت صناعة السينما في الهند في يد أكبر رجال العصابات هناك.

من كواليس تصوير فيلم “ديفداس” بطولة الممثل شاروخان

 

تبييض الأموال السوداء.. “المهنة الثانية غير الشرعية لبوليود”

واجهت السينما الهندية صعوبات في إيجاد تمويلات، خاصة أن الدولة لم تكن في القرن الماضي تعترف بهذا المجال باعتباره صناعة، رغم أنه كان صناعة مربحة، وفي المقابل كانت السينما مجالا مغريا للعصابات في الهند من أجل الربح وتبييض الأموال.

ويقول أحد تقارير ويكيليكس إن صناعة السينما قد رحبت بتمويلات من عصابات وسياسيين يبحثون عن تبييض أموالهم غير المشروعة والمعروفة في الهند بـ”الأموال السوداء”، وحسب دراسة هندية بعنوان “المهنة الثانية غير الشرعية لبوليود”، فإن 60% من الأفلام الهندية موّلتها المافيا في الهند قبل العام 2001.

في العام 2016، أطلق سراح الممثل الهندي “سانجاي دوت” بعد أن حكم عليه بالسجن بتهمة إخفاء وحيازة أسلحة وفرها له مهندسو عمليات إرهابية استهدفت بومباي في العام 1993، وقد يبدو هذا الارتباط غريبا، لكن محترفي السينما في الهند يعلمون جيدا الخيط الوثيق بين الممثلين والمخرجين والمنتجين وبين مافيا الهند. وذكر تقرير نشرته مجلة “فوربس” في العام 2005 أن رجل المافيا “حاجي ماستان” موّل أفلاما مثلت فيها حبيبته، وذلك حتى يساعدها على شق طريقها في عالم السينما.

في العام 2001 حكم بست سنوات من السجن على “ناظم ريزفي” منتج فيلم “بسرية وبصمت” (Chori Chori Chupke Chupke)، وذلك بتهمة تعامله مع عصابات من أجل ابتزاز أشخاص يعملون في مجال السينما، وذكرت مجلة تايم أن رجل عصابات يدعى “دون أبو سالم”، تفاخر أمام صحفيين بأنه مول الممثل “شاروخان” في فيلم “ديفداس” (Devdas) الشهير الذي اعتقل منتجه “بهرات شاه” بسبب علاقته برجال عصابات في الهند.

الممثل الهندي المعروف “هريثيك روشان” الذي كان سيتم اغتياله عام 2000، إلى أن تدخلت الشرطة الهندية وأحبطت مخطط العصابة

 

فوضى الاغتيالات.. صناعة السينما في قبضة العصابات

بسبب شُحّ التمويلات منذ تسعينيات القرن الماضي، أحكمت العصابات الهندية قبضتها على السينما، وواجه منتجون وممثلون تهديدات بالقتل بسبب خلافات مع المافيا، فالمخرج المعروف “راكيش روشان” تعرّض لمحاولة اغتيال أمام مكتبه حين رفض بيع حقوق فيلمه “قل إنه الحب” (Kaho Naa Pyaar Hai) لرجل عصابات، كما تعرّض المخرج “كاران جوهر” لتهديد حقيقي بالقتل بسبب رفضه التعاون مع المافيا في بلده.

وفي العام 1997 فضح اغتيال المنتج “غلوشان كومار” على أيدي عصابة هندية الصلة الوثيقة بين المافيا وصناعة الأفلام في الهند، وقد وصلت حد تآمر ممثلين مع عصابات من أجل اغتيال زملائهم، كما هو الشأن في قضية محاولة اغتيال الممثل الهندي المعروف “هريثيك روشان”، إذ كشفت الشرطة الهندية عن تسجيلات اتفاق بين الممثل “سانجاي دوت” ورجل مافيا يُدعى “شوتا شاكيل” في العام 2000 من أجل اغتيال “روشان”، وفي العام ذاته قبضت الشرطة على أشخاص خططوا لاغتيال الممثل أمير خان.

وتذكر تقارير أن رجلي العصابات المعروفين “داوود إبراهيم” و”أبو سالم” يتنافسان من أجل السيطرة على نقاد ومخرجين وممثلين، لبسط سيطرتهما الكاملة على صناعة السينما.

استفادت السينما الهندية بوضوح من شغف آبائها المؤسسين الأوائل، ومن الحروب التي عاشتها الهند، ورغم أنها لم تؤسس تيارا يحفظ أفلامها في قائمة أجمل الأفلام في تاريخ السينما مثلما فعلت السينما الإيطالية، فإنها استطاعت أن تنافس هوليود في ضخامة الإنتاج. فما الذي يميزها عن عملاق الإنتاج السينمائي الأمريكي؟

 

سرقات ومبالغات في الخيال.. سقوط بوليود في مستنقع هوليود

في فيديوهات قصيرة للقطات مجمعة من أفلام هندية، تظهر لقطات تثير السخرية والضحك لبطل يجري بحصانه فوق قطار، وآخر يلتقط رصاص الرشاش الموجه إليه بواسطة فمه ليعيد إطلاقها من جديد على عدوه فيرديه قتيلا، ثم يطلق دجاجة مثل صاروخ نحو أحدهم فيسقط ميّتا، تلك كانت السمة المميزة لأفلام ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والألفينيات أيضا، فالمبالغة في الخيال هي أكثر ما يوصف به فيلم الحركة الهندي، بالضبط مثل خيال السينما الهوليودية التي كانت بدرجة أقل جنونا، مثل لقطة تسلق العميل “إيثان هانت” (الممثل توم كروز) في أحد أجزاء “مهمة مستحيلة” (Mission Impossible) أعلى الأبراج في العالم، أو مشهد نجاة أشخاص من انفجار هائل في محطة فضائية، مثلما ظهرت “ساندرا بولوك” في فيلم “الجاذبية” (Gravity).

في الواقع لا يمكن الجزم أن الأفلام التي تنتجها بوليود (هو مصطلح أصبح يطلق على صناعة السينما في كامل الهند) شبيهة تماما في قصصها وتقنيات تصويرها بالأفلام التي تنتجها هوليود، رغم أن بوليوود واجهت اتهامات بسرقة قصص مطابقة تماما لأفلام أنتجتها هوليود، مثل فيلم “الأنبوب المضيء” (Tubelight) الذي يمثل نسخة من الفيلم الأمريكي “الفتى الصغير” (Little Boy)، وفيلم “الإخوة” (Brothers) الذي لعب الممثل الهندي الشهير “أكشاي كومار” فيه دور البطولة، وقصته مأخوذة عن قصة الفيلم الأمريكي “محارب” (Warrior)، وقائمة السرقات تطول.

والغريب أن هذه الأفلام فشلت مقارنة بأفلام أخرى أنتجتها الهند، وهو فشل ذاقته أكبر أستوديوهات هوليود، مثل “سوني بيكتشرز” و”توينتيث سنتري فوكس” و”فياكوم”التي عقدت شراكات مع شركات إنتاج هندية ثم اضطرت لإغلاق فروعها في الهند، ففشل فيلم “سواريا” (Saawariya) في تحقيق إيرادات مشرفة، أعقبه إغلاق شركة “سوني” لفرعها في الهند، كما فشل فيلم الرسوم المتحركة “روميو على الطريق” (Roadside Romeo) الذي عرض في العام 2008، وشاركت في إنتاجه شركة “ديزني”.

لقطة من فيلم “المليونير المشرد” الحاصل على ثماني جوائز أوسكار، والذي فتح الباب للسينما الهندية نحو العالمية

 

سينما الحُب والموسيقى والبهجة والرقص.. إرضاء الجماهير

يمكن أن نطلق على السينما الهندية صفة مميزة، وهي أنها سينما الحب والبهجة، فنادرا ما تخلو الأفلام الهندية -بما في ذلك الأفلام الأكثر دراما- من الرقص والموسيقى والغناء، وهي أكثر ما يجذب الجمهور الأجنبي.

وتمثل حقوق إعادة استعمال الموسيقى قرابة 5% من إيرادات الأفلام، كما أن فيلما واحدا يمكن أن يتضمن الحركة والكوميديا والدراما والإثارة في الوقت ذاته، وهو توجه يختاره المخرج حتى يستجيب الفيلم لأكبر عدد من الجمهور الذي تختلف ميوله، ويطلق على هذا النوع من الأفلام اسم “ماسالا”.

وعموما لا تنتج هوليود مثل تلك الأفلام، لكنها في المقابل استفادت من استقطاب ممثلين هنود لتجذبهم إلى هضبتها، ولعل أشهرهم الممثلة الهندية “بريانكا تشوبرا” التي مثلت في أفلام أمريكية عدة، كما هو الشأن بالنسبة للمثلة “ديبيكا بادوكون”.

وبالنسبة للأفلام، ففيلم “المليونير المشرد” (Slumdog Millionaire) الذي حصل على ثماني جوائز أوسكار؛ فتح الباب على مصراعيه للسينما الهندية نحو العالمية، رغم أن مخرجه “داني بويل” بريطاني.

 

هوليود وبوليود.. اختلاف الميزانية والأعراق والثقافات والجمهور

لا يمكن لهوليود أن تنافس بوليود وغيرها من منتجي السينما في الهند في أشياء كثيرة، ففضلا عن عدد الأفلام المنتجة في الهند الذي يفوق تلك التي تنتجها أستوديوهات هوليود؛ يمثل الهنود والآسيويون عموما خزانا وجمهورا واسعا ومُهما لصانعي الأفلام، كما تتفوق بوليود على نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة كلفة الفيلم التي تقدر بـ1.5 مليون دولار، في حين يبلغ معدل ميزانية إنتاج فيلم هوليودي أضعاف ذلك، وهو أمر مفهوم باعتبار الاختلاف الواضح في جودة التقنيات المستعملة في صناعة الفيلم وكلفة طاقم العمل.

تواجه أكبر شركات الإنتاج السينمائي في هوليود تهمة اللون العرقي الواحد والثقافة الواحدة، وهي تهمة لطالما لاحقت هذه الشركات، قبل أن تخطو باحتشام نحو مشاركة أعراق أخرى في الأفلام التي تنتجها، وفي المقابل تتميز السينما الهندية بتنوع الثقافات، وهو انعكاس حتمي لذلك البلد الذي تمتزج فيه الأعراق والديانات، فمصطلح بوليود يعني الأفلام الهندية التي تعرض باللغتين الهندية والأورودو وتنتج في مومباي، وتمثل 43% من إيرادات الأفلام في الهند، في حين تبلغ إيرادات الأفلام المنتجة بالتيلوغوية والتاميلية قرابة 36% من الأرباح.

لا يمكن أن تمر حقبة سيطرت فيها أشهر عصابات الهند على مفاصل السينما دون أن تترك بصمتها، فأن تمر السينما الهندية من مرحلة المقاومة إلى مستوى يصفه البعض بالمتدني إلى حد السخرية، هو بالضرورة نتيجة حتمية لتلك السيطرة، لكن في المقابل تمكنت تلك السينما بإمكاناتها الضعيفة ماديا وفنيا من أن تنافس قبلة يحج إليها الحالمون بالشهرة والجاه؛ وهي هوليود.