“اللاعب رقم 12”.. هوس التشجيع يكسر حدود العمر والجنس والبصر

خاص-الوثائقية

لا يختلف اثنان على أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وجماهير هذه اللعبة يعشقون الساحرة المستديرة حد الجنون والإدمان، ويحرصون على مشاهدة مباريات فرقهم المفضلة لديهم في المدرجات والسفر عشرات الكيلومترات لمواكبتهم ودعمهم.

ويرصد فيلم “اللاعب رقم 12” الذي عرضته “الجزيرة الوثائقية” كواليس اللعبة وكيف يتحول بعض الجماهير في المدرجات إلى أبطال تضاهي شهرتهم شهرة اللاعبين وتفوقها أحيانا.

ويقدم الفيلم ثلاث قصص مختلفة لثلاثة مدمنين على كرة القدم، أحدهم شاب كفيف يشجع نادي النجم الرياضي الساحلي التونسي، والثاني كهل عاشق للنادي الأفريقي التونسي، والثالثة سيدة مولعة بحب الترجي الرياضي التونسي.

 

علاء منصور.. مشجع نادي النجم الرياضي الساحلي

كانت البداية مع الشاب الكفيف علاء منصور الذي يتابع دراسته في معهد “الكفيف” بمدينة سوسة التونسية، وهذا الشاب معروف لدى لاعبي الفريق وفي أوساط جماهيره، إذ لا يفوت -رغم وضعه الصحي- أي مباراة للفريق ويكون من بين أوائل الداعمين له في المدرجات، إذ يضع السماعات في أذنه لمتابعة معلق المباراة ويتفاعل مع كل فرصة ويحتفل بكل هدف لفريقه.

ولا يكتفي علاء طالب الثانوية العامة بمشاهدة المباريات، بل يعلق عليها ويحللها ويدخل في نقاشات حامية مع مشجعين آخرين في المقهى، ويفسر أسباب الخسارة والفوز.

الشاب الكفيف “علاء منصور” يتابع مباريات فريقه “النجم الساحلي” مباشرة من المدرجات

 

“تفكر في المباراة وكأنك أنت الذي تلعب”.. عتاب الأم

ولأن الكرة تأخذ تقريبا كل وقت علاء وحبه لفريق النجم، فإن الأمر تحول إلى ما يشبه الإدمان، فقد بدأ يتراجع في دراسته، وهذا ما أقلق والدته التي عبرت عن استيائها من أن الكرة عنده تأتي في المقام الأول، فقالت له: الطلاب يدرسون طيلة الأسبوع ويبذلون الوقت والمجهود في التحضير للامتحانات، وأنت تضيع مجهودك ووقتك في الكرة بدل الدراسة، أنا لست راضية، نحن جميعا نحب نادي النجم، ولكن عليك أيضا أن تحب الدراسة وتنجح فيها، أنت تفكر في المباراة وكأنك أنت الذي تلعب.

ورغم وعد علاء لوالدته بأنه سينتبه أكثر لدراسته فإن هذا لم يمنعه من الإصرار على الذهاب لمشاهدة مباراة للنجم قبل يوم من امتحان مهم له في المعهد، معتبرا أن كرة القدم بالنسبة له إدمان ولا يمكن التخلص من حبها، واعدا والدته بأنه سيفرحها ويجتاز امتحانات نهاية العام الدراسي بنجاح.

ياسين طرابلسي يحث حفيده على احتراف الكرة

 

ياسين طرابلسي.. عميد مشجعي النادي الأفريقي

أما قصتنا الثانية فهي لمن يوصف بأنه “عميد مشجعي النادي الأفريقي” ياسين طرابلسي الذي لا يزال رغم تقدمه في السن يحرص على مشاهدة مباريات الفريق في المقهى أو من المدرجات، ولم يتوقف حب طرابلسي عند التشجيع والمؤازرة والدعم، بل إنه يحرص على إسداء النصح لحفيده وشرح مبادئ النادي له.

ويقول طرابلسي في أحد البرامج الرياضية: أُخذ الفريق في بعض الفترات منا، والآن نحاول استعادته، فالفريق بلاعبيه وإدارييه هو قطعة مني، الفريق هو النفس الذي نستنشقه، عندما ينتهي الفريق ننتهي نحن.

ويتابع: نحن الآن نبكي على أطلال الفريق ونتحدث عن ماضيه وتاريخه فقط، هذا أمر جميل، ولكن ماذا عن الحاضر والمستقبل، الفريق أسعدنا وأحزننا، أحرزنا الكثير من الألقاب ومر على الفريق أفضل اللاعبين في تونس، ولكن كل هذا بقي في الماضي.

وللحاضر واستشراف المستقبل يعول طرابلسي على حفيده وأقرانه من فريق الشباب لاستعادة أمجاد النادي، ويقول له: افتك الكرة ولا تسقط حين يحاولون مراوغتك، عندما تتسلم الكرة راوغ ومرر الكرة لزميلك الخالي من الرقابة الدفاعية، لا تضيع وقتك في انتظار الكرة بل قاتل للحصول عليها.

ياسين طرابلسي عميد مشجعي فريق النادي الأفريقي

 

امرأة على وشك الولادة في الملعب.. شغف وراثي

خلال سير ياسين طرابلسي في شوارع العاصمة تونس، يُلقي الجميع التحية على طرابلسي ويستذكرون معه الماضي الجميل للفريق ويعتبرون أن وجوده في المقهى لمشاهدة المباريات يجلب الحظ للفريق.

ويروي طرابلسي قصة غريبة عن ذهابه مع زوجته التي كانت قاب قوسين من الولادة لمشاهدة إحدى المباريات: سألوني كيف تذهب إلى المباراة وزوجتك حامل على وشك الولادة، ماذا لو فاجأها المخاض وأنت في الملعب، فقلت لهم: سآخذها معي إلى الملعب وفي حال اقتربت ولادتها سآخذها مباشرة من الملعب إلى المستشفى لتلد، وكانت الجماهير في الملعب مصدومة من دخول سيدة في أيام الحمل الأخيرة وترتدي الأحمر والأبيض (ألوان النادي الأفريقي)

ويتدخل نجل طرابلسي ليقول: كل هذا لم يصنع مني لاعب كرة قدم كبيرا.

فرد الوالد: الذي لم أنجح فيه معك، أحاول فعله مع ابنك (حفيد ياسين طرابلسي) ليساعدنا على استعادة أمجاد الفريق.

ويحرص ياسين طرابلسي على متابعة تدريبات حفيده وأقرانه ويحاول ضخ الحماسة فيهم وتحفيزهم على أن يكونوا مستقبل النادي الأفريقي، ويعطيهم نصائح بالابتعاد عن السهر والراحة التامة قبل يوم المباراة حتى يخوضوها وهم جاهزون تماما.

كريمة شرشوف هائمة في الكرة ولا تضيع حضور أية مباراة لفريقها “الترجي”

 

كريمة شرشوف.. مشجعة نادي الترجي على شاشة التلفاز

الشخصية الثالثة في هذا الفيلم كريمة شرشوف، وهي مشجعة غير عادية لفريق الترجي الرياضي، إذ تحاول كسر كل العادات والتقاليد المجتمعية التي ترفض حضور السيدات للملعب.

فكريمة تصر على الحضور دائما في المدرجات وتشجيع الفريق ومؤازرته، وكانت هي وشقيقتها تذهبان إلى الملعب دون علم والدهما.

وتروي شقيقة كريمة أن والدها في إحدى المرات كان يشاهد برنامجا رياضيا وظهرت صورة كريمة في مدرجات الملعب وهي تشجع الترجي، وبدأ الجميع يخبرها أنها ظهرت على شاشة التلفاز في المدرجات.

كريمة لا ترغب بالزواج كونها سعيدة بحياتها مع تشجيع فريق الترجي

 

“لا أشعر بالرغبة في الزواج”.. صانعة الحلويات المهوسة بكرة القدم

تعمل كريمة في صناعة الحلويات التونسية التقليدية ولكنها تحرص دائما حتى وهي تعمل على ارتداء قميص الترجي ووضع أعلام الفريق في المتجر، لكن هذه طريقة حياتها لا تعجب والدتها، إذ ترى أنها تضيع عمرها وفرصتها في الزواج بسبب حبها المبالغ فيه للكرة وتعصبها في تشجيع الترجي.

وتقول والدتها: لدي أمل بأن تتزوجي، أنا متفائلة، قد يكون أسلوب حياتك هو الذي يضع أمامك بعض الصعوبات في موضوع الزواج، أتفهم أن من حقك الترويح عن نفسك وأن يكون لديك أصدقاء، ولكن عليك أيضا التفكير بنفسك ومستقبلك، فليس معقولا أن تقتصر حياتك على الملعب والكرة، فعندما تتقدمين أكثر في العمر لن تجديني أو أخواتك إلى جانبك، إلى متى تستمرين بهذه الطريقة؟ أضعف الإيمان أن تجربي نفسك في الزواج، حتى لو انفصلتما فإنك لاحقا ستجدين أولادك سندا لك في كبرك.

فتجيب كريمة عن تساؤلات والدتها بينما ترتدي قميصا وقبعة وحذاء وتلتحف بلحاف عليه شعار الترجي: لا أشعر بالرغبة في الزواج، أنا سعيدة بحياتي الحالية، هل تعتقدين أنني أول فتاة تشجع فريقا أو تسافر لأجله؟ بالتأكيد لست الأولى. لا تعتقدي أن عشرات آلاف الجماهير الذين يتابعون المباريات كلهم من الذكور فثلثا الحاضرين أو أكثر من النساء.

 

“قد أجد شخصا مثلي عاشقا لكرة القدم”

في إحدى مباريات الترجي كانت كريمة تستعد للحدث الرياضي بشراء أعلام ووشاح وقبعات جديدة عليها شعار النادي، وقد أقرت كريمة أنها أنفقت مبالغ طائلة على شراء هذه السلع، وهي تشاهد المباراة عادة من المدرجات العادية، ولا تقبل أن تشاهد من على المنصة التي تكون فارغة، وليس بها حماس وتشجيع وتفاعل مع أحداث المباراة. وبعد تسجيل فريقها المفضل هدفا تطير من الفرحة في المدرجات وتنشد الأهازيج الخاصة بالفريق.

لكن أختها تؤنبها لأنها اشترت مجددا ملابس عليها شعار الفريق وتنصحها قائلة: إنك تبذرين أموالك يمينا ويسارا، عليك أن تستفيقي لأن الأمور زادت عن حدها، وأمك ستغضب إذا علمت أنك اشتريتِ أشياء جديدة، فهي تنتظر منك خبرا سعيدا (الزواج) منذ مدة طويلة، أنا أيضا أحب الترجي ولكنني أعطي كل شيء حقه، يجب أن تخصصي وقتك لاهتمامات أخرى، اذهبي إلى الملعب وشاهدي المباراة، وأنا أنهي عملك الذي تركتيه من أجل الترجي.

لكن كريمة ردت بالقول: لا أحد يعرف أين النصيب؟ قد أجد شخصا مثلي عاشقا لكرة القدم حد الجنون ونرتبط ببعضنا، وإذا فرضت على الحياة البقاء دون زواج، فأنا مستعدة.

حفل نجاح علاء يحضره لاعبو فريق النجم الساحلي

 

صورة النهاية.. خطوط مختلفة في طريق واحد

في نهاية الفيلم تعود الكاميرا إلى علاء منصور بعد أن اجتهد في الدراسة واجتاز امتحان الثانوية العامة بنجاح وأفرح والدته، ويظهر وهو يحتفل معها ومع بقية أفراد أسرته بحفلة تخرجه من الثانوية العامة التي حضرها عدد من لاعبي النجم الساحلي ورقصوا وغنوا وكانت أهازيج الفريق تغطي الحفل.

أما ياسين طرابلسي ذو العكاز المزين برقم 7 الخاص بأسطورة النادي الأفريقي السابق الطاهر الشايبي، فلا يزال يذهب على عكازه مع ولده وحفيده إلى المدرجات لمشاهدة مباريات النادي الأفريقي.

وما زالت كريمة تصر على الاستمرار في حياة “إدمان حب الترجي”، ومواصلة عملها في متجر بيع الحلويات، ومشاهدة جميع مباريات الفريق من المدرجات مهما بلغت صعوبة ذلك.