أساطير الفضاء.. تصورات وأوهام ومعتقدات يكذبها العلم الحديث

إننا نقف الآن على سطح جسم كروي عائم، يجري في مدار طويل حول دوّامة من الجاذبية، حيث توجد في المركز كرة مشعّة ضخمة، تجري إلى مستقر لها في فضاء شاسع، لا تُعرف بدايته من نهايته. ومع أنّ هذا الفضاء الخارجي يحيط بنا من كلّ حدب وصوب، ولا تفصلنا عنه سوى بضع عشرات من الكيلومترات، فإنّ عددا محدودا من البشر هم من استطاعوا اجتياز “حد كارمن” الذي يقع عند مسافة 100 كيلومتر من مستوى سطح البحر، ووصلوا إلى الفضاء بسلام.

ولا يقتصر الأمر على أنّ الفضاء الخارجي يعد بيئة قاسية لا ترحم، بل إنّ الوصول إلى هناك ليس مهمة سهلة، وقد تطلّب الأمر قوة وطاقة بشرية هائلة لتحقيق هذا الإنجاز، وما زال الأمر حتى اليوم غير مشروع لجميع البشر، بل يقتصر على مجموعات بشرية محدودة، نظرا للمؤهلات العلمية والجسدية والمهام المطلوبة.

بمجرد تجاوز الغلاف الجوي نصل الفضاء، فهو أقرب مسافة من أي مكان على الأرض

ولذلك فإنّ بيئة الفضاء وما يتعلّق بها لا يزال مبهما لكثير منّا، فليس من رأى كمن سمع، وعليه فثمّة كثير من الخرافات والمفاهيم الخطأ التي رُوّجت حول الفضاء وعلم الفلك، وقد انتشرت بفعل فاعل أو سوء تقدير. وفي هذا المقال نسرد تلك المغالطات الفضائية الأكثر شيوعا، ونوضّح الصحيح منها.

قرب الشمس في الصيف.. حدث لا علاقة له بحرارة الجو

لعلّنا ندرك بأنّ مسار الأرض حول الشمس لا يمثل مدارا دائريا صحيحا، بل إنّه بيضاوي (إهليلجي)، وهذا يعني بأنّ المسافة التي تفصل بين الشمس والأرض تتغيّر على مدار العام، وتسمى النقطة التي تكون فيها الأرض أبعد ما تكون عن الشمس “الأوج”، في حين أن أقرب نقطة تسمّى “الحضيض”.

تدور الأرض في مدار بيضوي حول الشمس، فتقترب منها تارة (شتاء) وتبتعد عنها تارة أخرى (صيفا)

وقد ينعكس مفهومنا عن طبيعة المدارات وتقلّب المواسم في تفسير تغيّر الفصول وربطه بموقع الأرض من الشمس، لكن لو أدركنا أنّ الصيف عند حلوله في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فإنّ فصل الشتاء يحلّ على النصف الجنوبي، والعكس صحيح، فإننا نعلم حينها بأنّه لا علاقة لتغيّر المسافة بين الشمس والأرض باختلاف فصول السنة.

سبب تعاقب الفصول الأربعة ميل محور الأرض، وليس قرب الشمس أو بعدها عنا

وفي الحقيقة، فإنّ سر اختلاف فصول السنة يكمن في ميلان محور الأرض 23.5 درجة بالنسبة لمستوى مدارها حول الشمس، فهذا الميلان يجعل أحد نصفي الأرض يستقبل أشعة الشمس بكميات أكبر من الآخر، ولذلك يحلّ موسم الصيف. وبينما تستمر الفصول بالتبدّل في كلا نصفي الأرض، تظلّ أشعة الشمس متمركزة على خط الاستواء على مدار العام.

لون الشمس.. حقيقة تخالف البديهيات المعلومة

ربّما من البديهيات التي لا تتطلب الكثير من التأويل هو وصف لون الشمس، إذ يبدو واضحا للغاية للعين المجرّدة أنّها صفراء اللون، لكن ما يشير إليه روّاد الفضاء يعد مختلفا بعض الشيء، فالشمس ينبعث منها كثير من الطاقة والأشعة في النطاق المرئي بطول موجي يتراوح بين 390 نانومتر إلى 700 نانومتر.

وتمثل هذه الأطوال جميعها مزيج ألوان الطيف، ابتداء من البنفسجي ذي الطول الموجي الأقصر، وحتى الأحمر ذي الطول الموجي الأطول. وحينما تندمج جميع هذه الألوان نحصل على اللون الأبيض، وهو لون الشمس الحقيقي.

لون الشمس الأصفر مردّه إلى امتصاص الغلاف الجوي لبعض ألوان الطيف وعدم وصولها إلينا

ولكننا نرى الشمس من الأرض، حيث يعمل الغلاف الجوي على ترشيح مزيج الألوان وتشتيته، فيختلف لون الشمس بحسب موقعها في سماء الأرض، فتظهر بيضاء مصفرّة حين تكون عمودية، وتكون حمراء برتقالية عند الشروق والغروب. فالتغيّر في لون الشمس الظاهري ليس إلا نتيجة تغير زاوية الضوء الساقط ومقدار تشتيت الغلاف الجوي للضوء.1

وجه القمر المظلم.. وهم الحضارة الفضائية على الجانب البعيد

كثيرا ما جاء وصف الجانب الآخر من القمر بأنّه الجانب المظلم، سواء كان ذلك في الروايات الأدبية أو حتى في السياقات العلمية، وهي إشارة مجازية تصف حال نصف القمر الذي لا نراه في الأرض، هذا لأنّ القمر يدور حول نفسه بمدة زمنية تعادل المدة التي يستغرقها ليتم دورة كاملة حول الأرض، وتبلغ 27.3 يوما، ولذلك فإننا نرى دائما وجها (نصفا) واحدا من القمر.

بسبب تطابق مدة دورة القمر حول نفسه مع مدة دورته حول الأرض، يرينا القمر وجها واحدا على الدوام

وفي الحقيقة فإنّ سطح القمر يتعرّض لمقدار متساوٍ من الأشعة الشمسية في كلا جانبيه، والتسمية الصحيح هي “الجانب البعيد من القمر” للإشارة إلى النصف غير المرئي، وكانت المرّة الأولى التي تلقي فيها البشرية نظرة على هذا الجانب هي بواسطة المسبار السوفياتي “لونا 3” في 1959، كما سجّلت رحلة “أبولو 8” أوّل مرور للإنسان فوق سطحه في 1968.

ولا يختلف نصفا القمر عن بعضهما، فثمّة انتشار كبير للفوّهات الصدمية الناتجة عن اصطدام النيازك بسطح القمر، وهذا يقضي على جميع التكهنات والادعاءات التي تشير إلى وجود حضارة فضائية أو ما شابه في ذلك الجانب البعيد.2

سور الصين العظيم.. جدار ضخم لا يراه رواد الفضاء

يُعد سور الصين العظيم أحد عجائب الدنيا السبعة القديمة، ويفوق طوله 21 ألف كيلومتر، وهي مسافة تستغرق 17 شهرا لقطعها مشيا، ويمر السور بـ15 مقاطعة، ابتداء من بحر بوهاي في الشرق، ويمتد حتى صحراء جوبي في الغرب.3

لا يمكن مشاهدة سور الصين العظيم من الفضاء إلا بواسطة كاميرات مكبرة فقط

وبسبب طوله الشاسع، يظن كثيرون أنه مرئي من الفضاء، وفي الحقيقة هذا غير ممكن، لأنّه ببساطة لم يستطع الرواد رؤيته على ارتفاعات مختلفة. في حين أنهم استطاعوا رؤية أهرامات الجيزة في مصر، فقد التقطوا لها صورا من محطة الفضاء الدولية، وتظهر بعض المعالم الطبيعية الأخرى مثل نهر الأمازون وجزر غراند كانيون.

عُطارد جار الشمس.. أشد كواكب المجموعة الشمسية حرارة

في ترتيب كواكب المجموعة الشمسية الثمانية، يحلّ كوكب عُطارد في المركز الأوّل من حيث القرب من الشمس، ويبلغ متوسّط مسافته منها 58 مليون كيلومتر، وللمقارنة فإن متوسط المسافة بين الأرض والشمس 147 مليون كيلومتر، أي أكثر بضعفين ونصف. وذلك قد يكون مبررا كافيا بأن يجعل عُطارد أكثر الكواكب حرارة، لكن هذا غير صحيح.

على الرغم من أن عطارد أقرب الكواكب للشمس، إلا أنه ليس أعلاها حرارة

فأعلى درجة حرارة يسجلها عُطارد نهارا عند خط الاستواء تساوي 437 درجة مئوية، وبسبب غياب الغلاف الجوّي لا يستطيع الكوكب الاحتفاظ بالطاقة والحرارة التي تصله في فترة النهار، وعند غياب الشمس تهبط درجة الحرارة هبوطا حادا ومفاجئا حتى تصل ناقص 173 درجة مئوية.

في حين يُوصف كوكب الزُهرة أنه قطعة من الجحيم، وهو أشد كواكب المجموعة الشمسية حرارة، ويحلّ ثانيا في ترتيب البعد من الشمس، ذلك بسبب طبيعة غلافه الجوّي السميك الذي يمنع تسرّب الحرارة إلى الخارج، بالإضافة إلى قربه من الشمس أيضا، ويبلغ متوسط درجة حرارة الزهرة 464 درجة مئوية، دون تغير نهاري أو ليلي، وهذا يعني أنّ جسم الإنسان سيكون عرضة للغليان والتبخّر في ثوانٍ معدودة.

الغلاف الجوي الكثيف للزهرة يجعلها أعلى كواكب المجموعة الشمسية حرارة

ويتكوّن غلاف الزهرة الجوي من ثاني أكسيد الكربون، ويبلغ الضغط الجوي 90 ضعفا من الضغط الجوي على الأرض، كما تمطر سحب الكوكب حمض الكبريتيك شديد الإذابة، وهو ما يجعل الكوكب غير صالح للحياة بأي شكل من الأشكال.4

أطوار القمر.. قوة إلهية خفية تسيّر مصباح السماء

عرف العرب أطوارا عدّة للقمر، وأطلقوا عليه عددا من الأسماء والأوصاف، وتسمّوا بها كذلك، فمنها الهلال والبدر، ولا شك بأنّ تلك العلاقة القديمة كانت دائما محفزا لفهم تشكّل القمر وولادته في كلّ شهر من جديد، وقد آمنت الحضارات القديمة -مثل الإغريقية والمصرية والهندية- أن التحولات التي تصيب شكل القمر مرتبطة بقوّة إلهية خفيّة تسيّره، ومنهم من استدلّ على الأطوار بالخصوبة.

“يسألوك عن الأهلة”.. هي أطوار القمر ومنازله بين النجوم

ومع إدراك البشرية بأنّ القمر جرم سماوي لاحق للأرض، يدور بدورانها ويسير في مسارها حول الشمس، أدرك الإنسان بأنّ أطوار القمر تتشكّل بسبب حركة القمر حول الأرض واختلاف زاوية سقوط الضوء عليه، وليس لأيّ سبب آخر.

أطوار القمر هي الأشكال التي يظهر بها أثناء الشهر، وسببها دورانه حول الأرض

فحينما يكون القمر بدرا، فإنّ الأرض تكون في المنتصف بين القمر والشمس باستقامة واحدة، وحينما يولد قمر جديد ويكون خارج نطاق الرؤية، فإنّ ذلك بسبب موقعه أمام الشمس بالنسبة للأرض، فما من أشعة تسقط على الجانب المقابل للأرض.

انعدام الجاذبية.. مصطلح أسيء فهمه عدة قرون

أسيء استخدام مصطلح انعدام الجاذبية عدة قرون، بسبب صعوبة إدراك معنى الجاذبية نفسها، فقوّة الجاذبية ليست قوّة حقيقية، بل إنها الأثر الناتج عن حركة الأجسام في الكون، فجميع الأجسام في الكون ينتج عنها أثر يظهر على هيئة وسلوك شد وجذب، لذلك يُطلق عليها بقوة الجاذبية. وكلّما كان الجسم والجرم السماوي أكبر كتلة، كان أثره وقوّة جاذبيته أعلى.

انعدام الجاذبية مفهوم فيزيائي بحت، سببه الدوران (أو السقوط) المستمر حول الأرض

وبطبيعة الحال، وبحكم المسافة التي تفصلنا عن الأرض، فإنّ جميع الكائنات والأجسام على سطح الأرض عالقة بحقل جاذبية الأرض، ولا يمكننا الفرار من هذا الأثر إلا بسرعات وطاقة معيّنة، كما أنّ قوّة الجاذبية لا ينقطع أثرها مباشرة، بل تمتد إلى مسافات شاسعة في الكون، وهو ما يجعل كوكب الأرض وجميع الكواكب الأخرى معلّقة بحقل جاذبية الشمس، مع أن المسافات بينها شاسعة.

أما بالنسبة لرواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية المحلّقة على ارتفاع 400 كيلومتر، فإنّ قوة جاذبية الأرض تبلغ 92% من قوة الجاذبية على السطح، وهي الحالة الطبيعية.

محطة الفضاء الدولية تدور حول الأرض 16 مرة كل يوم، في مدار سقوط حر يفقد فيه رواد الفضاء وزنهم

ويكمن سر طفو أو عوم رواد الفضاء في أنّ محطة الفضاء في حالة سقوط حر مستمرّة، وهذا ينطلي عليهم كذلك، فجميع الروّاد في حالة سقوط حر مستمرة، بسبب حركة المحطة حول الأرض بسرعة معينة تمنعها من السقوط على الأرض، ولو أبطأت السرعة قليلا فسيحدث سقوط تدريجي.

والسقوط الحر هو الحركة في مجال الجاذبية دون تأثير أي قوة أخرى، ومثال ذلك إنسان يقف على ميزان وهو على سطح بناية، ثم يقفز مع الميزان من أعلى السطح، وبينما هو يسقط سقوطا حرا ينظر إلى مؤشر الميزان، فسوف يراه صفرا لا يظهر أي وزن، لأنهما كلاهما يسقطان معا، وهذا هو مفهوم انعدام الوزن.

فراغ الفضاء.. أسطورة تكذبها المواد المنتشرة في الأرجاء

يقول التصور الشائع إن الفضاء فراغ تماما، لكنه في الحقيقة لا يخلو من المادة التي توجد على هيئة مجموعات غازية من الغبار الكوني، وذرات عناصر مثل الهيدروجين والهيليوم المنتشرة في أرجاء الكون، لا سيما في المناطق الشاسعة بين النجوم التي يُطلق عليها “الوسط بين النجمي”، وهي تلعب دورا هاما في تكوين النجوم وأنظمة الكواكب على فترات زمنية طويلة.

الفضاء ليس خاويا تماما كما يظن البعض، بل إن فيه جزيئات، ولكن بكميات ضئيلة جدا

وعند المقارنة مع الأرض، نجد أن الهواء الذي نتنفسه يحتوي على 10 ملايين تريليون جزيء في السنتيمتر المكعب، في حين تشير الدراسات إلى أنّ متوسط عدد الذرات في الفضاء الخارجي يساوي 1000 ذرّة في السنتيمتر المكعب، وهذا يعني أن الفضاء ليس فارغا تماما من المادة.5

 

المصادر:

[1] محررو الموقع (2020). هل الشمس صفراء أم بيضاء؟. الاسترداد من: https://askanastronomer.org/stars/faq/2015/11/06/is-the-sun-yellow-or-white/

[2] دافيز، سكوت (2019). الجانب المظلم من القمر. الاسترداد من: https://www.spacecentre.co.uk/news/space-now-blog/the-dark-side-of-the-moon/

[3] ونج، ماجي (2019). كيف يبدو قطع سور الصين العظيم مشيا؟. الاسترداد من: https://edition.cnn.com/travel/article/great-wall-china-dong-yao-hui/index.html

[4] رايلي، جيسون (التاريخ غير معروف). عالم الأجواء الغريبة على أسطح الكواكب الأخرى. الاسترداد من: https://www.bbcearth.com/news/the-strange-world-of-weather-on-other-planets

[5] محررو الموقع (التاريخ غير معروف). كثافة الفضاء. الاسترداد من: https://hypertextbook.com/facts/2000/DaWeiCai.shtml