القمر.. تابع الأرض الذي يؤقت تاريخها وينير ليلها

الأرض من القمر

تدور حول الكرة الأرضية آلاف من التوابع التي أطلقها الإنسان إلى الفضاء، كالأقمار الصناعية ومحطات وتلسكوبات الفضاء، لكن القمر هو تابع الأرض الطبيعي الوحيد، وقد تميز بأنه الجرم السماوي الأكثر أهمية بعد الشمس لدى جميع الحضارات التي عاشت على الأرض، حتى أن بعضهم اتخذوه إلها يعبدونه، فكان اسمه عند العرب “وُد”، وعند الرومان “لونا” وعند الإغريق “أبوللو” و”أرتيمس”. وغير ذلك من الأسماء.

وبما أن القمر يدور حول الأرض مرة كل شهر، فقد لاحظ الناس ذلك منذ فجر التاريخ، فكان أول طريقة تُستخدم للتأريخ، وقرنوا دورته بفصول السنة وعودتها، فكانت السنة عبارة عن 12 دورة قمرية طبيعية، يبدأ القمر دورته هلالا، مرورا بأطواره التالية؛ التربيع ثم الأحدب ثم البدر ثم التربيع الأخير ثم المحاق. ويفعل ذلك تكرارا حتى يكمل اثنتي عشرة دورة، وبها تنتهي السنة.

ولقصر مدة السنة القمرية عن السنة الشمسية بحوالي 11 يوما، اعتمدت بعض الأمم كبس الشهور بإضافة شهر ثالث عشر كل ثلاث سنوات، كي يضمنوا عودة الفصول إلى مواعيدها.

وبسبب تركيبه وحجمه، فإن القمر في بعض الأحيان يصنف من الكواكب الأرضية، مضافا بذلك إلى الأرض والزهرة والمريخ وعطارد.

القمر تابع الأرض الوحيد وضياء ليله وأنيس شعرائه

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)

سورة يونس الآية (5)

الهبوط على القمر.. زوار من الأرض يتركون بصماتهم

في عام 1959 كانت مركبة الفضاء السوفياتية “لونا 2” أول زائر للقمر، وهو أول جرم خارج الكرة الأرضية وطئته قدم البشر، حين هبط عليه رائد الفضاء “نيل آرمسترونغ” في رحلته في مركبة الفضاء الأمريكية “أبوللو 11” يوم 20 يوليو/ تموز 1969، ثم كان رواد مركبة “أبوللو 17” آخر من يطؤونه في شهر ديسمبر/ كانون الأول 1972.

وهو كذلك الجرم الوحيد التي عادت مركبات “أبوللو” و”لونا” الفضائية منه بعينات غير أرضية، بلغت كتلتها 382 كيلوغراما. وفي عام 1994 وُضعت خريطة مفصلة لكامل سطح القمر بواسطة مركبة الفضاء القمرية “كليمنتاين” (Clementine)، ثم أعيد وضعها مرة أخرى عام 1999 بواسطة مركبة الفضاء “لونا بروسبكتور” (Luna Prospector).

وقد صوّرت مركبةُ “ريكونيسانس” (Lunar Reconnaissance) عام 2009 أماكنَ هبوط مركبات “أبوللو” الست، لتثبت بأن هذه المعالم ليست قمرية الأصل، بل دخيلة عليه.

الوجه الآخر للقمر.. جانب بعيد يظنه الناس مظلما

إذا ما نظرنا إلى نظام الأرض-القمر حقيقة، فإننا سندرك بأن كلا الجرمين يدوران حول بعضهما، أو -بتعبير أدق- حول مركز مشترك بينهما، يقع من حسن حظ الأرض تحت سطحها بمسافة تقارب 500 كيلومتر، ليجعل ذلك القمر يدور حول الأرض في مدار متأرجح قليلا، مما يجعلنا نرى جزءا ضئيلا من وجهه البعيد في أوقات مختلفة، فيما يعرف بظاهرة نودان أو ململة القمر (Lunar Libration).

مقارنة بين شكلي الوجه المرئي للقمر والوجه البعيد منه

فبسبب هذه الظاهرة فإننا نرى ما مجموعه 9% من مساحة وجهه البعيد، وذلك لأن القمر مرة يكون بطيئا في دورانه حولنا، فنرى مناطق من ناحيته الشرقية، ومرة يكون سريعا فنرى شيئا من مناطقه الغربية، وذلك ما يعرف بالململة الطولية، وإذا ما غيرنا موقعنا من الأرض شمالا وجنوبا فإننا سنرى جزءا من مناطقه الشمالية أو الجنوبية، وقد نراها أيضا إذا ما كان القمر منخفضا في سماء الصيف أو مرتفعا في سماء الشتاء فيما يعرف بالململة العرضية.

لكننا إن أردنا رؤية وجه القمر البعيد كاملا، فعلينا أن نطير حول القمر فقط، وهو ما فعلته أولَ مرة في تاريخ البشرية مركبةُ الفضاء الروسية “لونا 3” عام 1959، فصورت الوجه البعيد للقمر (ولا نسميه الوجه المظلم، إذ ليس للقمر وجه مظلم).

سطح القمر.. مكان قاسي الطقس ليس له غلاف جوي

القمر جرم قاسي الطقس، فليس له غلاف جوي يحميه من برد الليل ولا حر النهار، فدرجة حرارة وجهه المقابل للشمس تربو على 150 درجة، في حين تهبط في الناحية البعيدة عن الشمس حتى تصل قرابة 100 تحت الصفر المئوي.

وليس هذا فحسب، فعوامل الحتّ والتعرية على القمر معدومة، فلا ماء يجري ولا رياح تهب، ومع أن مركبة الفضاء القمرية “كليمنتاين” أشارت عام 1994 إلى وجود جليد الماء في بعض فوهاته العميقة بالقرب من قطبيه الشمالي والجنوبي، ثم جاءت المركبة “بروسبكتور” لتؤكد ذلك، فإن معالم القمر لا تتغير في ألوف ولا ملايين السنين، حتى إن آثار أقدام رواد الفضاء التي بقيت على السطح يقدر لها أن تبقى واضحة باقية نصف مليون سنة على الأقل، قبل أن تمحى باصطدام نيزك بها.

مع أن الشمس مشرقة على القمر، إلا أن سماءه تبقى مظلمة لعدم وجود غلاف جوي عليه

وما أجمل منظر الشمس من القمر، إذ ليس هناك نهار إلا الضوء الساقط على سطح القمر فالنجوم تظهر واضحة حول الشمس، وما عليك إلا أن تغطي قرص الشمس بيدك، لترى النجوم تتلألأ في تلك السماء الشبيهة تماما بسماء الأرض، من حيث تشكيلات نجومها.

لكنك إن لم تكن تلبس الزي الفضائي وأنت تقفز من مكان لمكان دونما تعب، بسبب الجاذبية القليلة التي تبلغ سدس جاذبية الأرض، فإن أمرك سيكون انتهى، فعدم وجود غلاف جوي يعنى عدم وجود ضغط جوي يحفظ سوائل الجسم، مما سيؤدي إلى نزيف الدم، الذي سيؤدي بعد أقل من دقيقة واحدة إلى الموت.

وليس هذا فحسب فإن الصوت أيضا على القمر لا يسمع، حتى ولو صرخت بأعلى صوتك أو وقع نيزك بالقرب منك أو حدث انفجار في الشمس أو على الكرة الأرضية فإنك لن تسمعه أبدا، فلا هواء ينقل لك ذلك الصوت، فلن تسمع إلا بالمذياع والمخاطبات اللاسلكية.

على سطح القمر، تظل الأرض مرئئية في نفس مكانها ولا تبرحه

وإذا ما قدر لك أن تخيّم في ذلك المكان من القمر مقابلا للأرض مدة شهر مثلا، فإنك ستتفاجأ بأن الأرض لا ترتفع في سمائك ولا تنخفض أبدا، بل هي ثابتة في مكانها، وإنما تغير شكلها فقط، فهي تظهر هلالا وتربيعا وبدرا، كما يظهر القمر تماما من الأرض، لكنها ذات أطوار مخالفة، فالمحاق عند أهل القمر بدر عند أهل الأرض، والتربيع الأول هناك تربيع أخير هنا، وهكذا.

وفي الوقت الذي يرى فيه مراقب على الأرض كسوفا كليا للشمس، يحجب فيه القمر جميع قرص الشمس، فإن مراقبا آخر واقفا على سطح القمر سيرى خسوفا جزئيا للأرض، إذ سيشاهد ظل القمر يقع على بقعة من الأرض، لكنها بقعة ظل متحركة.

جغرافية القمر.. سهول وجبال وفوهات ترسم ملامح الكوكب

إذا نظرت إلى القمر البدر، فسترى مناطق داكنة على سطحه وأخرى لامعة، فأما الداكنة فهي المناطق المنخفضة والسهول، وقد كان يُتصور أنها بحار على القمر، لكن عصر الفضاء جاء ونفي ذلك. وتكريما للتصورات القديمة بقيت السهول والمنخفضات تحمل اسم البحار (Mare). فعلى سطح القمر بحار كثيرة منها محيط العواصف وبحر الهدوء وبحر الصفاء وبحر الأمطار وغيرها، ويعد أوضح البحار القمرية بحر الشدائد (Mare Crisium).

أما المناطق التي تبدو لامعة، فما هي إلا المرتفعات الجبلية والفوهات القمرية، وهي لا تُرى بتفاصيلها بالعين المجردة، فلا بد من منظار أو تلسكوب لرؤيتها، وأجمل وقت يمكنك أن ترى فيه تلك المعالم هو الوقت الذي لا يكون فيه القمر بدرا، فعند الحد الفاصل بين النور والظلمة، سترى الفوهات وقد ألقت ظلالها على سطح القمر، في منظر تتجلى لك فيه عظمة الخالق.

مواقع هبوط مركبات أبوللو على سطح القمر بين عامي 1969 و1972

وأما الجبال، فمنتشرة على سطحه في كل مكان، وأشهرها سلاسل جبال الألب وجبال الأبنين وجبال الكربات المحيطة ببحر الأمطار أكبر البحار القمرية، إذ يبلغ قطره 1200×1070 كيلومترا، وترتفع جبال الأبنين فوق سطح القمر مسافة تبلغ 5550 مترا، وتمتد جنوب بحر الأمطار مسافة 800 كيلومتر.

وأما فوهات القمر، فهي أكثر ما يشد انتباه الراصد للقمر، فهي إما فوهات بركانية، وهي قليلة، أو فوهات نيزكية، وتلك تغطي معظم سطح القمر، وتكثر على الوجه البعيد منه، وتتراوح أقطارها ما بين بضعة سنتمترات إلى قرابة مئات الكيلومترات، وأعظم فوهة هي تلك الموجودة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر وتدعى فوهة “إيتكن” (Aitken)، ويبلغ قطرها 2250 كيلومترا، ويصل عمقها 12 كيلومترا، وهي بذلك أكبر فوهات المجموعة الشمسية على الإطلاق.

وأما التركيب السطحي للقمر، فهو مكون من القشرة التي لا يتجاوز سمكها مترات قليلة فوق بحر الشدائد إلى 107 كيلومترات فوق سطح فوهة “كوروليف” على الناحية البعيدة من سطح القمر. وتحت القشرة يقع الستار، ثم لبٌّ يصل قطره 680 كيلومترا، ويشكل بكتلته 2% فقط من كتلة مجمل القمر.

ومن الغرائب أن مركز القمر الكتلي يقع بعيدا عن المركز الظاهري بمسافة كيلومترين باتجاه الأرض. وإذا كان ستار الكرة الأرضية مائعا كليا، فإن ستار القمر مائع (سائل) جزئيا فقط.

وبدراسة الصخور والعينات التي وصلت الأرض، فإن عمر القمر يقدر بـ 3–4.6 مليارات سنة، وهو ما يطابق عمر أقدم الصخور الأرضية الذي يبلغ 3 مليارات سنة، مما يساعد في فهم أصل نشوء المجموعة الشمسية.

أصل القمر.. نظريات ميلاد رفيق الأرض القديم

سادت قبل وصول “أبوللو” إلى القمر والعودة بعينات من سطحه، ثلاث نظريات تحاول تفسير أصل نشوء القمر هي:

  • نظرية القرص الواحد، التي تفترض بأن الأرض والقمر نشآ من نفس الغيمة الشمسية في وقت واحد قبل 4.6 مليارات سنة.
  • نظرية الانشطار، وتقول إن القمر كان جزءا من الأرض، ثم انشطر عنها.
  • نظرية الأسر، وتفترض أن القمر مر بالقرب من الأرض، فأسرته بجاذبيتها.
نظرية الاصطدام التي تفترض بأن جرما سماويا قد اصطدم بالأرض، فاقتطع منها القمر

وبعد زيارة القمر، طرحت نظرية قوية لأصل القمر، بناء على دراسة الصخور القمرية، وهي:

  • نظرية الاصطدام، وتفترض بأن جرما سماويا بحجم كوكب المريخ أو أكبر قليلا قد اصطدم بالأرض، فاقتطع منها جزءا أخذ يدور حول الأرض، ثم تماسكت أجزاؤه لتشكل القمر.

جاذبية القمر.. عالم مختلف عن المعتاد في كوكبنا

القمر هو أقرب جيران الأرض في الفضاء، فهو لا يبعد عنها سوى 384 ألف كيلومترا، وهو المكان الثاني في الفضاء الذي خطا عليه الإنسان بعد الأرض، ولا يوجد على القمر أي هواء أو ماء، ولذلك فهو عالم ميت، وهو أصغر من الأرض بكثير، إذ يبلغ قطره حوالي 3450 كيلومترا، مقارنة بقطر الأرض الذي يبلغ 12750 كيلومترا.

 

ولهذا السبب فإن جاذبيته أقل من جاذبية الأرض 6 مرات، أي أن الشخص الذي يزن 60 كيلوغراما على الأرض، لا يزن إلا عشرة كيلوغرامات على القمر. وإذا كان هذا الشخص يستطيع القفز مسافة نصف متر إلى الأعلى على الأرض، فإنه الآن يستطيع أن يقفز ثلاثة أمتار على سطح القمر، وهذا مما يمكن أن يلائم لاعبي الجمباز.

وعدم وجود جاذبية كبيرة على القمر يعني أيضا عدم وجود هواء عليه، وهذا يعني أن رائد الفضاء الذي يسير على القمر إذا أراد أن يتحدث مع زميله فإنه لا يستطيع ذلك، لأن زميله لن يسمعه، وذلك لأن الصوت يحتاج إلى وسط ناقل هو الهواء، وليس هناك هواء، إذن ليس هناك صوت يسمع.

ويدور القمر حول الأرض مرة كل شهر، فيبدأ هلالا من ناحية الغرب، ثم يأخذ بالتقدم شيئا فشيئا كل يوم ناحية الشرق، إلى أن يصبح بعد سبعة أيام تربيعا أول (أي نصف بدر)، ثم بدرا بعد 14 يوما، ويطلع حينها من جهة الشرق وقت الغروب، ويكون ذا لون برتقالي، ويظهر وقتها كبيرا في حجمه يصغر كلما ارتفع إلى أعلى، وما تلك إلا خدعة بصرية سببها وجود البنايات والأشجار التي يشرق القمر من بينها.

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا

وفي دورانه مرة حول الأرض، يستغرق القمر شهرا واحدا، أما إذا دار 12 مرة، فإنه سيكون قد أكمل سنة كاملة، لكنها ليست سنة شمسية، بل سنة قمرية تنقص عن الشمسية بأحد عشر يوما، أي أنها 354.5 يوما مقارنة بالسنة الميلادية التي تبلغ 365.25 يوما.

ولذلك فإننا نلاحظ أن شهر رمضان المبارك يأتي مبكرا كل عام بأحد عشر يوما عن العام الذي يسبقه، فقد جاء رمضان عام 2024 يوم 12 مارس/ آذار، في حين أنه جاء في عام 2023 يوم 23 مارس/ آذار متقدما عن السنة الفائتة بأحد عشر يوما.

مجموعة صور متتالية لأطوار القمر ابتداء من الهلال الجديد مرورا بالتربيع والبدر وانتهاءا بالعرجون القديم

وهذا الفرق بين نوعي الحساب هو ما عبر عنه القرآن في سورة الكهف بقول الله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا﴾، إذ إن المئة سنة الشمسية تعادل 103 سنوات قمرية.

فوهات القمر.. أسماء عربية لامعة في سماء الفلك

الفوهات القمرية هي حفر كبيرة وصغيرة، يتراوح قطرها بين سنتيمترات معدودة ومئات الكيلومترات، وسبب تشكلها إما نيزك اصطدم بسطح القمر فأحدث هذه الفوهة، أو بركان ثار قديما ثم خبا.

وحين وصلت بعض مركبات الفضاء إلى القمر وصوّرته عن قرب، ثم دارت خلفه ناحية الوجه البعيد الذي لا يرى من الأرض وصوّرته كذلك، استطاع العلماء عمل خريطة متكاملة للقمر.

أسماء عربية على فوهات قمرية امتنانا لمساهمتهم في مسيرة العلوم العالمية

وتخليدا لكل العلماء الذين ساهموا بتطوير العلم في القديم والحديث وكذلك بعض المشاهير، أطلق على كل فوهة من فوهات القمر اسم عالم مهم، وكان للعرب والمسلمين نصيب من ذلك، فأطلقت أسماء عدد منهم على فوهات في الوجه القريب والبعيد من القمر، ولعل من أشهر أولئك العلماء الصوفي وأبو الفدا والبكري والبيروني والخوارزمي والمراكشي والبتاني والفرغاني والحسن بن الهيثم وابن سينا وأبو الوفاء البوزجاني وجابر بن الأفلح وعباس بن فرناس وابن رشد ما شاء الله البصري ونصير الدين الطوسي وابن باجة.

يمكن رؤية بعضها بالتلسكوبات، ولا سيما حين يكون القمر في تربيعه الأول، مثل فوهة الصوفي والمأمون وجابر والبطروجي وأبو الفدا.

انعدام عوامل التعرية والنحت.. لوحة لا تغيرها ملايين السنين

حين وصلت رحلة “أبوللو11” إلى سطح القمر في 20 يوليو/ تموز 1969 وخطا “نيل آرمسترونغ” خطواته الأولى على أرضه، انطبعت هذه الخطوات على تربة القمر التي كانت (كما وصفها آرمسترونغ ذاته) كأنها طحين لنعومتها.

تغوص قدم رائد الفضاء في تربة القمر الناعمة لتنطبع عليها لملايين السنين

هذه الخطوات لم تُمحَ بعد، ولن تمحى ربما خلال نصف مليون سنة قادمة أو أكثر، والسبب عدم وجود عوامل نحت وتعرية قمرية، وهما الماء والهواء، فليس على القمر ماء يجري ولا هواء يهب، ولهذا فلا تتغير ملامحه مئات الألوف من السنين. وقد أُثبت اكتشاف الماء عند قطبي القمر تحت قشرته مباشرة، بكمية يمكن أن تغطي الكرة الأرضية بسماكة عدة سنتيمترات.

إن عدم وجود الهواء على سطح القمر يعني عدم وجود غلاف جوي يحمي القمر من الشهب والنيازك والأشعة الشمسية والكونية. ويعني أيضا أن أشعة الشمس لن تتشتت فتضيء سماء القمر كما تفعل على الأرض، بل ستظهر الشمس قرصا لامعا بين النجوم في سماء سوداء تماما كما يظهر القمر بين النجوم حين يكون بدرا.

الأرض تظهر أكبر أربع مرات لمشاهد على القمر، من القمر في سماء الأرض

والأجمل من ذلك هو الأرض، فإنها ستبدو للناظر إليها من القمر بأطوار، كما يظهر القمر من الأرض، وستبدو من القمر قرصا أزرق أكبر أربع مرات من قرص القمر حين نراه من الأرض، وهي لا تبرح مكانها من أفق القمر، لأن القمر يواجهها بوجه واحد ثابت دائما.

الكسوف الحلقي.. ظاهرة جعلت سيدنا إبراهيم يفضل الشمس على القمر

يتحرك القمر حول الأرض في مدار شبه دائري، إذ يقترب القمر من الأرض ويبتعد مسافة تتراوح بين 356-406 آلاف كيلومتر، مما يجعل القمر يصغر في السماء ويكبر بفارق يبلغ حوالي 13%، نسبة إلى قطره في الحضيض (أقرب نقطة إلى الأرض)، وذلك ما يعرف ببدر البدور أو القمر العملاق.

قبيل اللحظة الأخيرة من بدء الكسوف الكلي، ينطلق آخر شعاع من الشمس ليشكل خاتما ماسيا رائعا

وتترتب على هذا الاقتراب والابتعاد ظاهرة مهمة وجميلة، هي الكسوف الكلي والكسوف الحلقي، فالقمر أقرب إلى الأرض من الشمس بـ400 مرة، لكنه في ذات الوقت يصغرها قطرا بـ400 مرة، ولهذا فإننا نرى قرص القمر مساويا لقرص الشمس في السماء.

وفي معرض حديث سيدنا إبراهيم عليه السلام عن شروق القمر وشروق الشمس ذكر بأن الشمس أكبر من القمر: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ﴾، فكيف عرف أن الشمس أكبر مع أنهما متساويان في السماء؟

عند الكسوف الكلي، يكون القمر في الحضيض (أقرب مسافة إلى الأرض)، فيكون قرص القمر مساويا أو أكبر قليلا من قرص الشمس، فيحجب بذلك كامل أشعة الشمس، فيظهر الإكليل الشمسي الذي يقل سطوعا عن ضوء الشمس الأبيض بمليون مرة.

بسبب مداره البيضوي حول الأرض، يقترب القمر منا ويبعد، فيرى صغيرا أحيانا، ويرى بدر بدور أو قمرا عملاقا

وفي المقابل، فإن وجود القمر في الأوج (أبعد مسافة إلى الأرض) يجعل قرصه أصغر من قرص الشمس، فلا يغطيه كاملا، فتبقى حلقة من النار مضيئة حول القمر، وهو ما يعرف بالكسوف الحلقي.

دورة القمر حول الأرض

للقمر دورتان، واحدة نجمية، والأخرى اقترانية، فأما النجمية فهي بافتراض أن الأرض ثابتة لا تدور حول الشمس، فيستغرق القمر لإتمامها 27.32 يوما أو (27 يوما و7 ساعات و43 دقيقة و27 ثانية).

إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وهَكَذَا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ، ومَرَّةً ثَلَاثِينَ.

رواه البخاري

يجب أن يدور القمر يومين إضافيين حول الأرض كي يعود ليقترن مع الشمس مرة أخرى فيكتمل الشهر 29,5 يوما

لكن بما أن الأرض تدور حول الشمس ساحبة معها القمر في مداره حولها، فسيحتاج القمر إلى يومين آخرين كي يعود إلى نفس النقطة التي بدأ منها، أي على خط واحد مع الشمس، فيصبح طول الشهر 29.53 يوما (29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة و3 ثوان)، وتدعى الدورة الاقترانية.

انشقاق القمر بين الفيزياء والغيب.. معجزة النبي ﷺ

ورد ذكر انشقاق القمر في القرآن الكريم، فقد قال تعالى في سورة القمر: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾.

وقد كانت انتشرت قصة منسوبة (بلا دليل) لوكالة الفضاء “ناسا” أنها عثرت على دلائل علمية لما يعرف بمعجزة انشقاق القمر، وذلك من خلال إحدى الروايات التي جاءت على لسان بعض العاملين في مجال الإعجاز العلمي، وأن وكالة ناسا تحفظت على هذا الكشف، لكن الجهات العلمية المسؤولة في ناسا لم تعترف بهذا الخبر.

ويستند مؤيدو تفسير انشقاق القمر (علميا)، إلى صورة مأخوذة لأحد أخاديد القمر، وهو أخدود لا يتجاوز طوله 300 كيلومتر في بقعة بعيدة نسبيا عن الموضع الذي من المفترض أن يحدث فيه الشق، وهو وسط القمر من أعلاه إلى أسفله.

الأخدود القمري الذي يعتقده البعض إثباتا لانشقاق القمر

وبالتدقيق، فإننا سنجد فوق هذا الأخدود فوهات نيزكية لا يمكن أن تكون تكونت خلال الـ1500 سنة الماضية، فآخر الأحداث الصدمية (الكبيرة) على سطح القمر حدثت قبل أكثر من مليون سنة، فكيف لنا أن نرى شقا حديثا تعلوه فوهات قديمة؟ فهذا ينفي كذلك كونه دليلا على الانشقاق.

في المقابل، لماذا لا نفترض بأن انشقاق القمر معجزة من المعجزات لا تخضع للنواميس الكونية المعروفة؟ فربما تكون حدثت حقا، وربما ستحدث مستقبلا، والله أعلم بمرادها وبكيفية حدوثها.